اللطيف
كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...
عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: كُنَّا في صَدرِ النَّهَار عِند رسول الله ﷺ فَجَاءه قَومٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَار أَو العَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوف، عَامَّتُهُم مِن مُضَر بَل كُلُّهُم مِن مُضَر، فَتَمَعَّر رسول الله ﷺ لِمَا رَأَى بِهِم مِنَ الفَاقَة، فدَخَل ثُمَّ خَرج، فأَمَر بِلاَلاً فَأَذَّن وَأَقَام، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَب، فقال: «(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة) إلى آخر (إن الله كان عليكم رقيبًا)، والآية الأخرى التي في آخر الحشر: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد) تَصَدَّق رَجُلٌ مِن دِينَارِهِ، مِن دِرهَمِهِ، مِن ثَوبِهِ، مِن صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمرِهِ -حتَّى قال- وَلَو بِشِقِّ تَمرَة» فَجَاء رَجُلٌ مِنَ الأَنصَار بِصُرَّةٍ كَادَت كَفُّهُ تَعجَزُ عَنْهَا، بل قَد عَجَزَت، ثُمَّ تَتَابَع النَّاسُ حَتَّى رَأَيتُ كَومَين مِن طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيتُ وَجهَ رَسُول الله ﷺ يَتَهَلَّلُ كَأَنَّه مُذْهَبَة.ٌ فقال رسول الله ﷺ: «مَنْ سَنَّ فِي الإِسلاَم سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا، وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أُجُورِهِم شَيءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسلاَم سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيه وِزْرُهَا، وَوِزرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بعدِه، من غير أن ينقُص مِن أَوزَارِهَم شيء».
[صحيح.] - [رواه مسلم.]
حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه حديث عظيم يتبين منه حرص النبي ﷺ وشفقته على أمته -صلوات الله وسلامه عليه-، فبينما هم مع رسول الله ﷺ في أول النهار إذا جاء قوم عامتهم من مضر، أو كلهم من مضر مجتابي النمار، متقلدي السيوف رضي الله عنهم، يعني أن الإنسان ليس عليه إلا ثوبه قد اجتباه يستر به عورته، وقد ربطه على رقبته، ومعهم السيوف؛ استعداداً لما يؤمرون به من الجهاد رضي الله عنهم. فتغيَّر وجه النبي ﷺ وتلون؛ لما رأى فيهم من الحاجة، وهم من مضر، من أشرف قبائل العرب، وقد بلغت بهم الحاجة إلى هذا الحال، ثم دخل بيته عليه الصلاة والسلام، ثم خرج، ثم أمر بلالاً فأذن، ثم صلى، ثم خطب الناس عليه الصلاة والسلام، فحمد الله ﷺ كما هي عادته، ثم قرأ قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، وقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ). ثم حث على الصدقة، فقال: (تصدق رجل بديناره، وتصدق بدرهمه، تصدق بثوبه، تصدق بصاع بره، تصدق بصاع تمره، حتى ذكر ولو شق تمرة) وكان الصحابة رضي الله عنهم أحرص الناس على الخير، وأسرعهم إليه، وأشدهم مسابقة، فخرجوا إلى بيوتهم فجاءوا بالصدقات، حتى جاء رجل بصرة معه في يده كادت تعجز يده عن حملها، بل قد عجزت من فضة ثم وضعها بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام. ثم رأى جرير كومين من الطعام والثياب وغيرها قد جُمِع في المسجد، فصار وجه النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن تغيَّر يتهلل كأنه مذهبة؛ يعني من شدة بريقه ولمعانه وسروره عليه الصلاة والسلام لما حصل من هذه المسابقة التي فيها سد حاجة هؤلاء الفقراء، ثم قال ﷺ: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء). والمراد بالسنة في قوله ﷺ: (من سن في الإسلام سنة حسنة) ابتدأ العمل بسنة، وليس من أحدث؛ لأن من أحدث في الإسلام ما ليس منه فهو رد وليس بحسن، لكن المراد بمن سنها، أي: صار أول من عمل بها، كهذا الرجل الذي جاء بالصرة رضي الله عنه.
صَدر النَّهَار | أوَّله. |
عُرَاةٌ | جمع عار، وهو المتجرِّد من الثياب. |
مُجْتَابِي النِّمَار | كِسَاء من صُوف مُخَطَّط. |
العَبَاءِ | كساء مشقوق واسع بلا كُمَّين يلبس فوق الثياب. |
مُتَقَلِّدِي السُّيُوف | واضعي سيوفهم في أعناقهم. |
مُضَر | قبيلة من قبائل العرب. |
تَمَعَّر | تغيَّر. |
الفّاقَّة | الحاجة والفقر. |
اتقوا | التقوى: اسم مأخوذ من الوقاية، وهو أن يتخذ الإنسان ما يقيه من عذاب الله -تعالى-، والذي يقي من عذاب الله هو فعل أوامر الله -عز وجل-، واجتناب نواهيه. |
رقِيبًا | حافظا لأعمالكم. |
ما قدَّمَت لِغَد | ما أعدَّت من خير ليوم القيامة. |
تَصَدَّق | ليتصدَّق. |
دِينَارِه | الدينار: عملة نقدية من الذهب ووزنها: 4.25 جرامًا. |
دِرهَمِه | الدرهم: قطعة نقدية من الفضة ووزنها: 2.812 جرامًا. |
صَاعِ | الصاع: وحدة من وحدات الكيل، ويساوي 2172 جرامًا. |
بُرِّه | البُر: القمح. |
صُرَّة | ما يجمع فيه الشيء ويشد. |
كَومَين | صبرتين. |
يَتَهَلَّلُ | يستنير ويضيء. |
مُذْهَبَة | كالذهب تعبير عن الصفاء والاستنارة. |
سُنَّةٌ | طريقة. |
وِزْرُهَا | الوِزر: الحِمل الثقيل والإثم. |