الأول
(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ، قال ذات يوم في خطبته: «ألَا إن ربي أمرني أن أُعَلِّمَكم ما جَهِلتم، ممَّا علَّمني يومي هذا، كلُّ مالٍ نَحَلتُه عبدًا حلال، وإني خلقتُ عبادي حُنَفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحَرَّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتهم أن يُشركوا بي ما لم أُنزِّل به سلطانا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض، فمَقَتهم عربهم وعَجَمهم، إلَّا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتُك لأبتليَك وأبتلي بك، وأنزلتُ عليك كتابًا لا يغسله الماءُ، تقرؤه نائمًا ويقظان، وإنَّ اللهَ أمرني أن أحرِق قُرَيشًا، فقلت: رب إذا يَثْلُغوا رأسي فيدعوه خُبْزة، قال: استخرجهم كما استخرجوك، واغزهم نُغزك، وأنفق فسننفق عليك، وابعث جيشا نبعث خمسة مثله، وقاتل بمن أطاعك مَن عصاك، قال: وأهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مُقْسِط مُتَصَدِّق مُوَفَّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفِّف ذو عيال، قال: وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زَبْر له، الذين هم فيكم تبعا لا يبتغون أهلا ولا مالا، والخائن الذي لا يخفى له طمع، وإن دقَّ إلا خانه، ورجل لا يُصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك «وذكر» البخل أو الكذب والشِّنظير الفحَّاش».
[صحيح.] - [رواه مسلم.]
خطب رسولُ الله ﷺ ذاتَ يوم في أصحابه فأخبرهم أن الله أمره أن يعلمهم ما جهلوه، مما علمه ربه في ذلك اليوم، فكان مما علمه ربه قوله: «كلُّ مالٍ نَحَلتُه عبدًا حلال» أي: قال الله تعالى كل مال أعطيته عبدًا من عبادي فهو له حلال، والمراد إنكار ما حرَّموا على أنفسهم من بعض أنواع البهائم وأنها لم تصر حراما بتحريمهم، وكل مال ملكه العبد فهو له حلال حتى يتعلق به حق أو يرد عليه دليل خاص يخرجه من هذا العموم. ثم قال تعالى: «وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم» أي: خلقت العباد مسلمين كلهم، وقيل: طاهرين من المعاصي، وقيل: مستقيمين منيبين لقبول الهداية، وقيل: المراد حين أخذ عليهم العهد في الذر، وقال ألست بربكم قالوا بلى. قوله تعالى: «وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحَرَّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتهم أن يُشركوا بي ما لم أُنزِّل به سلطانا» أي: جاءتهم الشياطين فاستخفوهم فذهبوا بهم وأزالوهم عما كانوا عليه إلى الباطل، وحرمت عليهم ما أحل الله لهم، وأمرتهم بالإشراك بالله بعبادة ما لم يأمر الله بعبادتهم, ولم ينصب دليلا على استحقاقه للعبادة. قوله ﷺ: «وإن الله تعالى نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب» أي نظر الله تعالى إلى أهل الأرض قبل بعثة رسول الله ﷺ فوجدهم متفقين على الشرك والضلال، فأبغضهم إلا بقايا من أهل الكتاب، وهم الباقون على التمسك بدينهم الحق من غير تبديل، والأغلب من أهل الكتاب على التحريف، قوله سبحانه وتعالى: «إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك» معناه: إني قد أرسلتك إلى الناس لأمتحنك بما يظهر منك من قيامك بما أمرتك به من تبليغ الرسالة، وغير ذلك من الجهاد في الله حق جهاده، والصبر في الله تعالى وغير ذلك، وأمتحن بك مَن أرسلتك إليهم، فمنهم من يُظهر إيمانه ويخلص في طاعاته، ومنهم من يتخلف ويظهر العداوة والكفر، ومنهم من ينافق، والمراد أن يمتحنه ليصير ذلك واقعا بارزا فإن الله تعالى إنما يعاقب العباد على ما وقع منهم لاعلى ما يعلمه قبل وقوعه، وإلا فهو سبحانه عالم بجميع الأشياء قبل وقوعها. «وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء» معناه: أنزلت عليك القرآن، وهو محفوظ فى الصدور، لا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مر الأزمان. قوله تعالى: «تقرأه نائما ويقظان» معناه: يكون محفوظا لك فى حالتي النوم واليقظة، وقيل: تقرأه في يسر وسهولة. قوله ﷺ: «وإنَّ اللهَ أمرني أن أحرِق قُرَيشًا» أي: أمرني اللهُ أن أُهلك وأقتل كفار قريش «فقلت: رب إذا يَثْلُغوا رأسي فيدعوه خُبْزة» أي: يشدخوا رأسي ويشجوه كما يُشدخ الخبز، أي: يُكسَر. «قال: استخرجهم كما استخرجوك» أي: قال الله لنبيه -صلى الله تعالى عليه وسلم-: استخرج كفار قريش كإخراجهم إياك جزاء وفاقا، وإن كان بين الإخراجين بون بيِّن، فإن إخراجهم إياه بالباطل، وإخراجه إياهم بالحق «واغزهم نُغزك» أي: وجاهدهم، نعينك وننصرك عليهم «وأنفق فسننفق عليك» أي: أنفق ما في جهدك في سبيل الله فسنخلف عليك بدله في الدنيا والأخرة، «وابعث جيشا نبعث خمسة مثله» أي: إذا أرسلت جيشا لقتال الكفار، فسنرسل خمسة أمثاله من الملائكة تعين المسلمين كما فعل ببدر، «وقاتل بمن أطاعك من عصاك» أي: قاتل بمن أطاعك من المسلمين من عصاك من الكافرين. «قال: وأهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مُقْسِط مُتَصَدِّق مُوَفَّق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفِّف ذو عيال» أي: أهل الجنة ثلاثة أصناف: رجل صاحب حكم وقهر وغلبة، وهو مع ذلك يعدل بين الناس ولا يظلمهم ويحسن إليهم، قد هُيِّئ له أسباب الخير، وفُتح له أبواب البر. ورجل رحيم على الصغير والكبير رقيق القلب لكل من له قرابة خصوصا، ولكل مسلم عموما. ورجل صاحب عيال عفيف مجتنب الحرام، متعفف عن سؤال الناس، متوكل على الله في أمره وأمر عياله، فلا يحمله حب العيال ولا خوف رزقهم على ترك التوكل بسؤال الخلق، وتحصيل المال الحرام والاشتغال بهم عن العلم والعمل الواجب عليه. «وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زَبْر له، الذين هم فيكم تبعا لا يبتغون أهلا ولا مالا، والخائن الذي لا يخفى له طمع، وإن دقَّ إلا خانه، ورجل لا يُصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك وذكر البخل أو الكذب والشِّنظير الفحَّاش» أي: أهل النار خمسة أصناف: أولهم: «الضعيف الذى لازبر له» أي: الضعيف الذي لا عقل له يزجره ويمنعه مما لا ينبغى «الذين هم فيكم تبعا لا يبتغون أهلا ولا مالا» أي: الخدم الذين لا يطلبون زوجة، فأعرضوا عن الحلال وارتكبوا الحرام، ولا يطلبون مالا حلالا من طريق الكد والكسب الطيب، والثاني: «والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه» أي: لا يخفى عليه شيء مما يمكن أن يطمع فيه بحيث لا يكاد أن يُدرك، إلا وهو يسعى في التفحص عنه، والتطلع عليه حتى يجده فيخونه، وهذا هو المبالغة في الوصف بالخيانة. والثالث: هو المخادع. والرابع: هو الكذاب أو البخيل. والخامس: هو الشنظير وهو الفحاش سيء الخلق.
نحلته | أعطيته. |
حنفاء | مسلمين. |
اجتالتهم | استخفوهم فذهبوا بهم وأزالوهم عما كانوا عليه. |
يشركوا | الشرك: هو اتخاذ شريك مع الله- جل وعلا - في الربوبية، أو في العبادة، أو في الأسماء والصفات. |
سلطان | حُجة. |
أَهْلُ الْكِتَابِ | أهل الكتاب: هم اليهود والنصارى. |
لايغسله الماء | محفوظ فى الصدور لايتطرق إليه الذهاب. |
مقتهم | أبغضهم بغضًا شديدًا. |
أبتلي | أمتحن. |
يَثْلغوا | يشدخوا ويشجوا. |
نُغزك | نعينك. |
مقسط | عادل. |
زَبْر | عقل. |
يبتغون | يطلبون. |