القدوس
كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...
التَّحْلِيْلُ: مَصْدَرُ حَلَّلْتُهُ تَحْليلاً وتَحِلَّةً، وفِعْلُهُ حَلَّ يَتَعَدَّى بِالهَمْزَةِ والتَّضْعِيفِ، فيُقال: أَحْلَلْتُهُ وحَلَّلْتُهُ، ومعناه: جَعْلُ الشَّيْءِ حَلالاً، وضِدُّه: التَّحْرِيمُ.
يُطلَق مُصطلَح (تَحْلِيل) في الفقه في كتاب البيع، باب: القَرْض، ويُراد به: إِخْراجُ الدَّيْنِ مِن صاحِبِه الذي عليه. ويُطلَق في كتاب الأيمان، ويُراد به: التَّكْفِيرُ عن اليَمِين. ويُطلَق في كتاب السَّبق، ويُراد به: الدُّخولُ في المُسابَقَةِ والرِّهانِ حتى يَجْعَلَ العِوَضَ حَلالاً. ويُطلَق في أصول الفقه، باب: الأحكام التَّكلِيفِيَّة، ويُراد به: حُكْمُ اللهِ تعالى بِأنّ فِعْلاً ما هو حَلالٌ.
حلل
أن يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ المَرْأَةَ المُطَلَّقَةَ ثَلاثاً بِنِيَّةِ إِحْلالِها لِزَوْجِها الأَوَّلِ.
التَّحْلِيْلُ: مَصْدَرُ حَلَّلْتُهُ، ومعناه: جَعْلُ الشَّيْءِ حَلالاً، وضِدُّه: التَّحْرِيمُ.
* مقاييس اللغة : (2/21)
* الـمغني لابن قدامة : (7/180)
* كشاف القناع : (5/94)
* المحكم والمحيط الأعظم : (2/528)
* النهاية في غريب الحديث والأثر : (1/431)
* مختار الصحاح : (ص 79)
* لسان العرب : (11/167)
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : (ص 56)
* المغرب في ترتيب المعرب : (ص 126)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 124)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (10/253)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (10/255)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 124)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (1/445)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (1/445) -
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّحْلِيل لُغَةً ضِدُّ التَّحْرِيمِ، وَأَصْل الْفِعْل (حَل) وَيَتَعَدَّى بِالْهَمْزَةِ وَالتَّضْعِيفِ، فَيُقَال: أَحْلَلْتُهُ. وَمِنْهُ {أَحَل اللَّهُ الْبَيْعَ} (1) أَيْ أَبَاحَهُ وَخَيَّرَ فِي الْفِعْل وَالتَّرْكِ، وَاسْمُ الْفَاعِل: مُحِلٌّ وَمُحَلِّلٌ. (2)
وَالتَّحْلِيل فِي الشَّرْعِ هُوَ: حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ فِعْلاً مَا هُوَ حَلاَلٌ. قَال ابْنُ وَهْبٍ: قَال مَالِكٌ: لَمْ يَكُنْ مِنْ فُتْيَا النَّاسِ أَنْ يَقُولُوا: هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ، وَلَكِنْ يَقُولُونَ: إِيَّاكُمْ كَذَا وَكَذَا، وَلَمْ أَكُنْ لأَِصْنَعَ هَذَا. قَال الْقُرْطُبِيُّ:
وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّ التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيمَ إِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ ﷿، وَلَيْسَ لأَِحَدٍ أَنْ يَقُول أَوْ يُصَرِّحَ بِهَذَا فِي عَيْنٍ مِنَ الأَْعْيَانِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْبَارِئُ تَعَالَى يُخْبِرُ بِذَلِكَ عَنْهُ. (3)
ثُمَّ قَال: وَقَدْ يَقْوَى الدَّلِيل عَلَى التَّحْرِيمِ عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ، فَلاَ بَأْسَ عِنْدَ ذَلِكَ أَنْ يَقُول ذَلِكَ، كَمَا يَقُول: إِنَّ الرِّبَا حَرَامٌ فِي غَيْرِ الأَْعْيَانِ السِّتَّةِ.
وَقَدْ يُطْلَقُ التَّحْلِيل وَيُرَادُ مِنْهُ الْعَفْوُ عَنْ مَظْلَمَةٍ، وَيُطْلَقُ التَّحْلِيل وَيُرَادُ مِنْهُ: تَحْلِيل الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا لِمُطَلِّقِهَا.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْبَاحَةُ:
2 - الإِْبَاحَةُ فِي اللُّغَةِ: الإِْحْلاَل، وَفِي الاِصْطِلاَحِ الأُْصُولِيِّ: هِيَ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَال الْمُكَلَّفِينَ تَخْيِيرًا مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ. (4)
وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ: الإِْذْنُ بِإِتْيَانِ الْفِعْل حَسَبَ مَشِيئَةِ الْفَاعِل فِي حُدُودِ الإِْذْنِ (5) وَقَدْ تُطْلَقُ الإِْبَاحَةُ عَلَى مَا قَابَل الْحَظْرَ، فَتَشْمَل الْفَرْضَ وَالإِْيجَابَ وَالنَّدْبَ. (6) وَالإِْبَاحَةُ فِيهَا تَخْيِيرٌ، أَمَّا الْحِل فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ شَرْعًا.
ر: (إِبَاحَةٌ) .
تَحْلِيل الْحَرَامِ:
3 - الْمُرَادُ بِهِ: جَعْل الْحَرَامِ حَلاَلاً، كَتَحْلِيل الرِّبَا، فَذَلِكَ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ وَكَذِبٌ تَوَعَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} . (7)
التَّحْلِيل مِنَ الدُّيُونِ وَغَيْرِهَا:
4 - التَّحْلِيل مِنَ الدَّيْنِ: إِخْرَاجُ الدَّيْنِ مِنْهُ. وَأَمَّا التَّحَلُّل فَهُوَ: طَلَبُ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَظَالِمِ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَِخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْل أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ. (8)
وَالتَّحْلِيل قَدْ يَكُونُ بِمُقَابِلٍ وَبِغَيْرِهِ:
فَاَلَّذِي بِمُقَابِلٍ: كَالزَّوْجَةِ تُرِيدُ أَنْ تَخْتَلِعَ مِنْ زَوْجِهَا، فَتُعْطِيهِ مَالاً لِيَخْلَعَهَا. وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ يَحِل لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} . (9)
وَقَدْ يَكُونُ التَّحْلِيل بِلاَ مُقَابِلٍ، وَأَصْل ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} . (10)
فَقَدْ دَلَّتِ الآْيَةُ عَلَى جَوَازِ هِبَةِ الْمَرْأَةِ لِلْمَهْرِ، وَهُوَ دَيْنٌ. (11)
التَّحْلِيل مِنَ التَّبِعَاتِ وَالْحُقُوقِ غَيْرِ الْمَالِيَّةِ لِلْحَيِّ وَالْمَيِّتِ:
5 - مَنْ أَخْطَأَ فِي حَقِّ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ إِلَى اللَّهِ عَنْ ذَنْبِهِ. وَقَال الْعُلَمَاءُ: إِنَّ لِلتَّوْبَةِ شُرُوطًا مِنْهَا: أَنْ يَبْرَأَ التَّائِبُ مِنْ حَقِّ الْمُعْتَدَى عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ مَالاً رَدَّهُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ حَدَّ قَذْفٍ وَنَحْوَهُ مَكَّنَهُ مِنْهُ، أَوْ طَلَبَ عَفْوَهُ، وَإِنْ كَانَ غِيبَةً اسْتَحَلَّهُ مِنْهَا. (12) (ر: تَوْبَةٌ) .
نِكَاحُ الْمُحَلِّل:
6 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ رَجْعِيَّتَيْنِ جَازَ لَهُ إِرْجَاعُهَا فِي الْعِدَّةِ.
وَإِذَا كَانَ الطَّلاَقُ بَائِنًا بَيْنُونَةً صُغْرًى، فَحُكْمُ مَا دُونَ الثَّلاَثِ مِنَ الْوَاحِدَةِ الْبَائِنَةِ وَالثِّنْتَيْنِ الْبَائِنَتَيْنِ هُوَ نُقْصَانُ عَدَدِ الطَّلاَقِ وَزَوَال مِلْكِ الاِسْتِمْتَاعِ، حَتَّى لاَ يَجُوزُ وَطْؤُهَا إِلاَّ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَيَجُوزُ نِكَاحُهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ؛ لأَِنَّ مَا دُونَ الثَّلاَثِ - وَإِنْ كَانَ بَائِنًا - فَإِنَّهُ يُوجِبُ زَوَال مِلْكِ الاِسْتِمْتَاعِ، لاَ زَوَال حِل الْمَحَلِّيَّةِ.
أَمَّا إِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلاَثًا، فَإِنَّ الْحُكْمَ الأَْصْلِيَّ لِلطَّلَقَاتِ الثَّلاَثِ هُوَ زَوَال مِلْكِ الاِسْتِمْتَاعِ وَزَوَال حِل الْمَحَلِّيَّةِ أَيْضًا، حَتَّى لاَ يَجُوزَ لَهُ نِكَاحُهَا قَبْل التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِل لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} . (13) بَعْدَ قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ} .
وَإِنَّمَا تَنْتَهِي الْحُرْمَةُ وَتَحِل لِلزَّوْجِ الأَْوَّل بِشُرُوطٍ:
أ - النِّكَاحُ:
7 - أَوَّل شُرُوطِ التَّحْلِيل: النِّكَاحُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} فَقَدْ نَفَى حِل الْمَرْأَةِ لِمُطَلِّقِهَا ثَلاَثًا، وَحَدُّ النَّفْيِ إِلَى غَايَةِ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ. وَالْحُكْمُ الْمَحْدُودُ إِلَى غَايَةٍ لاَ يَنْتَهِي قَبْل وُجُودِ الْغَايَةِ، فَلاَ تَنْتَهِي الْحُرْمَةُ قَبْل التَّزَوُّجِ، فَلاَ تَحِل لِلزَّوْجِ الأَْوَّل قَبْلَهُ ضَرُورَةً. وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إِذَا وَطِئَهَا إِنْسَانٌ بِالزِّنَى أَوْ بِشُبْهَةٍ أَنَّهَا لاَ تَحِل لِزَوْجِهَا لِعَدَمِ النِّكَاحِ. (14) صِحَّةُ النِّكَاحِ:
8 - يُشْتَرَطُ فِي النِّكَاحِ الثَّانِي لِكَيْ تَحِل الْمَرْأَةُ لِلأَْوَّل: أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وَلاَ تَحِل لِلأَْوَّل إِذَا كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا، حَتَّى لَوْ دَخَل بِهَا؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَيْسَ بِنِكَاحٍ حَقِيقَةً، وَمُطْلَقُ النِّكَاحِ يَنْصَرِفُ إِلَى مَا هُوَ نِكَاحٌ حَقِيقَةً.
وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ الثَّانِي مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ، وَدَخَل بِهَا، لاَ تَحِل لِلأَْوَّل عِنْدَ مَنْ يَقُول بِفَسَادِهِ لِمَا قُلْنَا. (15)
ج - الْوَطْءُ فِي الْفَرْجِ:
9 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ صِحَّةِ الزَّوَاجِ: أَنْ يَطَأَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي فِي الْفَرْجِ، فَلَوْ وَطِئَهَا دُونَ الْفَرْجِ، أَوْ فِي الدُّبُرِ لَمْ تَحِل لِلأَْوَّل، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَلَّقَ الْحِل عَلَى ذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ مِنْهُمَا. فَقَال لاِمْرَأَةِ رِفَاعَةَ الْقُرَظِيِّ: أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ. (16)
وَلاَ يَحْصُل هَذَا إِلاَّ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ. وَقَال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: تَحِل بِنَفْسِ الْعَقْدِ، لِحَمْلِهِ النِّكَاحَ فِي الآْيَةِ عَلَى الْعَقْدِ دُونَ الْجِمَاعِ، وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ حَمَلُوا الآْيَةَ عَلَى الْجِمَاعِ. وَأَدْنَى الْوَطْءِ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ؛ لأَِنَّ أَحْكَامَ الْوَطْءِ تَتَعَلَّقُ بِهِ، وَذَلِكَ بِشَرْطِ الاِنْتِشَارِ لأَِنَّ الْحُكْمَ يَتَعَلَّقُ بِذَوْقِ الْعُسَيْلَةِ، وَلاَ تُعْقَل مِنْ غَيْرِ انْتِشَارٍ.
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الإِْنْزَال مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلاَّ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، فَإِنَّهُ قَال: لاَ تَحِل إِلاَّ بِوَطْءٍ وَإِنْزَالٍ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا وَقَعَ الْوَطْءُ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُبَاحٍ كَحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، هَل يُحِل الْمَرْأَةَ أَمْ لاَ؟
ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالأَْوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّ الْوَطْءَ يُحِل الْمَرْأَةَ، وَإِنْ وَقَعَ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُبَاحٍ كَحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاطِئُ بَالِغًا عَاقِلاً أَمْ صَبِيًّا مُرَاهِقًا أَمْ مَجْنُونًا، لأَِنَّ وَطْءَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ، مِنَ الْمَهْرِ وَالتَّحْرِيمِ، كَوَطْءِ الْبَالِغِ الْعَاقِل.
وَالْحَنَابِلَةُ كَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّ وَطْءَ الْمَجْنُونِ يُحِل الْمَرْأَةَ كَالْعَاقِل.
وَكَذَلِكَ الصَّغِيرَةُ الَّتِي يُجَامَعُ مِثْلُهَا، إِذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلاَثًا، وَدَخَل بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي، حَلَّتْ لِلأَْوَّل، لأَِنَّ وَطْأَهَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوَطْءِ مِنَ الْمَهْرِ وَالتَّحْرِيمِ، كَوَطْءِ الْبَالِغَةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْوَطْءُ حَلاَلاً (مُبَاحًا) ، لأَِنَّ الْوَطْءَ غَيْرُالْمُبَاحِ حَرَامٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَحْصُل بِهِ الإِْحْلاَل كَوَطْءِ الْمُرْتَدَّةِ.
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا: فَلاَ تَحِل الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا الأَْوَّل إِذَا جَامَعَهَا زَوْجُهَا الثَّانِي فِي صَوْمٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ حَيْضٍ أَوِ اعْتِكَافٍ.
كَمَا اشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ أَنْ يَكُونَ الْوَاطِئُ بَالِغًا، وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ أَنْ يَكُونَ لَهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً؛ لأَِنَّ مَنْ دُونَ الْبُلُوغِ أَوْ مَنْ دُونَ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ لاَ يُمْكِنُهُ الْمُجَامَعَةُ.
وَأَمَّا الذِّمِّيَّةُ، فَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ وَطْءَ زَوْجِهَا الذِّمِّيِّ يُحِلُّهَا لِلأَْوَّل؛ لأَِنَّ النَّصْرَانِيَّ زَوْجٌ.
وَلاَ يُحِلُّهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَرَبِيعَةَ وَابْنِ الْقَاسِمِ (17) .
الزَّوَاجُ بِشَرْطِ التَّحْلِيل:
10 - مَنْ تَزَوَّجَ مُطَلَّقَةً ثَلاَثًا بِشَرْطٍ صَرِيحٍ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ يُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا الأَْوَّل فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، مَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَعَنَ رَسُول اللَّهِ ﷺ الْمُحَلِّل وَالْمُحَلَّل لَهُ. (18) وَلِقَوْلِهِ ﷺ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُول اللَّهِ. قَال: هُوَ الْمُحَلِّل. لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّل لَهُ. (19)
وَالنَّهْيُ يَدُل عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ (الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ) بِفَسَادِ هَذَا النِّكَاحِ لِلْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَلأَِنَّ النِّكَاحَ بِشَرْطِ الإِْحْلاَل فِي مَعْنَى النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ، وَشَرْطُ التَّأْقِيتِ فِي النِّكَاحِ يُفْسِدُهُ، وَمَا دَامَ النِّكَاحُ فَاسِدًا فَلاَ يَقَعُ بِهِ التَّحْلِيل، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْل عُمَرَ ﵁: وَاللَّهِ لاَ أُوتَى بِمُحَلِّلٍ وَمُحَلَّلٍ لَهُ إِلاَّ رَجَمْتُهُمَا.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ، وَتَحِل لِلأَْوَّل بَعْدَ أَنْ يُطَلِّقَهَا الثَّانِي وَتَنْتَهِيَ عِدَّتُهَا. وَيُكْرَهُ لِلثَّانِي وَالأَْوَّل؛ لأَِنَّ عُمُومَاتِ النِّكَاحِ تَقْتَضِي الْجَوَازَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ مَا إِذَا شُرِطَ فِيهِ الإِْحْلاَل أَوْ لاَ. فَكَانَ النِّكَاحُ بِهَذَا الشَّرْطِ نِكَاحًا صَحِيحًا، فَيَدْخُل تَحْتَ قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} فَتَنْتَهِي الْحُرْمَةُ عِنْدَ وُجُودِهِ، إِلاَّ أَنَّهُ كُرِهَ النِّكَاحُ لِهَذَا الشَّرْطِ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي الْمَقْصُودَ مِنَ النِّكَاحِ وَهُوَ السَّكَنُ وَالتَّوَالُدُ وَالتَّعَفُّفُ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ يَقِفُ عَلَى الْبَقَاءِ وَالدَّوَامِ عَلَى النِّكَاحِ.
وَقَال مُحَمَّدٌ: النِّكَاحُ الثَّانِي صَحِيحٌ، وَلاَ تَحِل لِلأَْوَّل؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ مُؤَبَّدٌ، فَكَانَ شَرْطُ الإِْحْلاَل اسْتِعْجَال مَا أَخَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِغَرَضِ الْحِل، فَيَبْطُل الشَّرْطُ وَيَبْقَى النِّكَاحُ صَحِيحًا، لَكِنْ لاَ يَحْصُل بِهِ الْغَرَضُ (20) .
الزَّوَاجُ بِقَصْدِ التَّحْلِيل:
11 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الزَّوَاجَ بِقَصْدِ التَّحْلِيل - مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ - صَحِيحٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَتَحِل الْمَرْأَةُ بِوَطْءِ الزَّوْجِ الثَّانِي لِلأَْوَّل؛ لأَِنَّ النِّيَّةَ بِمُجَرَّدِهَا فِي الْمُعَامَلاَتِ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، فَوَقَعَ الزَّوَاجُ صَحِيحًا لِتَوَافُرِ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ فِي الْعَقْدِ، وَتَحِل لِلأَْوَّل، كَمَا لَوْ نَوَيَا التَّأْقِيتَ وَسَائِرَ الْمَعَانِي الْفَاسِدَةِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الزَّوَاجَ بِقَصْدِ التَّحْلِيل - وَلَوْ بِدُونِ شَرْطٍ فِي الْعَقْدِ - بَاطِلٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ تَوَاطَأَ الْعَاقِدَانِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ قَبْل الْعَقْدِ، ثُمَّ عُقِدَ الزَّوَاجُ بِذَلِكَ الْقَصْدِ، وَلاَ تَحِل الْمَرْأَةُ بِهِ لِزَوْجِهَا الأَْوَّل، عَمَلاً بِقَاعِدَةِ سَدِّ الذَّرَائِعِ. وَلِحَدِيثِ: لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّل وَالْمُحَلَّل لَهُ. (21) هَدْمُ طَلَقَاتِ الأَْوَّل بِالزَّوَاجِ الثَّانِي:
12 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ يَهْدِمُ طَلاَقَ الزَّوْجِ الأَْوَّل إِذَا كَانَ ثَلاَثًا، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ هَل يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلاَثِ؟ وَذَلِكَ كَمَا إِذَا تَزَوَّجَتْ قَبْل الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ، ثُمَّ طُلِّقَتْ مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى زَوْجِهَا الأَْوَّل.
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ) إِلَى أَنَّهُ لاَ يَهْدِمُ؛ لأَِنَّ هَذَا شَيْءٌ يَخُصُّ الثَّالِثَةَ بِالشَّرْعِ، فَلاَ يَهْدِمُ مَا دُونَهَا.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَهْدِمُ مَا دُونَ الثَّلاَثِ، لأَِنَّهُ لَمَّا هَدَمَ الثَّلاَثَ فَهُوَ أَحْرَى أَنْ يَهْدِمَ مَا دُونَهَا، وَبِهِ قَال ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ (22) .
__________
(1) سورة البقرة / 275.
(2) المصباح المنير مادة: (حلل) .
(3) تفسير القرطبي 10 / 116 دار الكتب.
(4) مسلم الثبوت وشرحه 1 / 112.
(5) تعريفات الجرجاني.
(6) تبيين الحقائق 6 / 10.
(7) سورة النحل / 116، والقرطبي 10 / 116.
(8) حديث: " من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه. . . " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 101 - ط السلفية) .
(9) سورة البقرة / 229.
(10) سورة النساء / 4.
(11) الجصاص 2 / 70.
(12) رياض الصالحين ص 11.
(13) سورة البقرة / 229.
(14) البدائع 3 / 187 - 189، وفتح القدير 3 / 178، وابن عابدين 2 / 537 ط بولاق وما بعدها، وبداية المجتهد 2 / 94 - 95، والقوانين الفقهية ص 231 الدار العربية للكتاب وتفسير القرطبي3 / 149 - 153، ومغني المحتاج 3 / 182 - 183، 293، والمغني 6 / 646 - 648، 7 / 261، 275.
(15) المصادر السابقة.
(16) حديث: " أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى. . . " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 249ط السلفية) ومسلم (2 / 1056 - ط الحلبي) .
(17) المصادر السابقة.
(18) حديث: " لعن رسول الله ﷺ المحلل. . . " أخرجه الترمذي (3 / 419 - ط الحلبي) وصححه ابن دقيق العيد كما في التلخيص لابن حجر (3 / 170 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(19) حديث: " ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ هو المحلل. . . . " أخرجه ابن ماجه (1 / 623 - ط الحلبي) والحاكم (2 / 199 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
(20) المصادر الفقهية السابقة.
(21) حديث: " لعن رسول الله ﷺ المحلل. . " سبق تخريجه ف / 10 وانظر المصادر الفقهية السابقة.
(22) المصادر الفقهية السابقة.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 253/ 10