القدوس
كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...
الحِيلَةُ: جَوْدَةُ النَّظَرِ، والقُدْرَةُ على دِقَّةِ التَّصَرُّفِ، والحِذْقُ في تَدْبِيرِ الأُمورِ، وهو: تَقْلِيبُ الفِكْرِ حتى يَهْتَدِيَ إلى المَقْصُودِ، والحِيلَةُ: ما يُتَوَصَّل به إلى حالَةٍ ما في خُفْيَةٍ. وأَصْلُها مِن الحَوْلِ، وهو التَّحَوُّل مِن حالٍ إلى حالٍ بِنَوْعِ تَدْبِيرٍ ولُطْفٍ يُحِيل به الشَّيْءَ عن ظاهِرِهِ، أو مِن الحَوْلِ بِمعنى القُوَّةِ. وأَكْثَرُ اسْتِعْمالِها فيما في تَعاطِيهِ خُبْثٌ، وقد تُسْتَعْمَل فيما فيه حِكْمَةٌ. والجَمعُ: حِيَلٌ وحِوَلٌ.
يَرِد مُصطلح (حِيلَة) في الفقه في عِدَّة مَواطِن، منها: كتاب البيوع، باب: البُيوع المنهِيُّ عنها، وباب: بيع العِينَة، وباب: الرِّبا، وفي كتاب الأيمان والنُّذور، وغير ذلك مِن الأبواب.
حول
* العين : (3/297)
* معجم ديوان الأدب : (3/445)
* تهذيب اللغة : (5/156)
* المحكم والمحيط الأعظم : (4/6)
* مختار الصحاح : (ص 85)
* لسان العرب : (11/188)
* تاج العروس : (28/369)
* الموافقات : (4/201)
* إعلام الموقعين : (3/240)
* الفتاوى الهندية : (6/390)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (18/329)
* إعلام الموقعين : (3/334)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (18/330) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْحِيلَةُ لُغَةً: الْحِذْقُ فِي تَدْبِيرِ الأُْمُورِ، وَهُوَ تَقْلِيبُ الْفِكْرِ حَتَّى يَهْتَدِيَ إِلَى الْمَقْصُودِ، وَأَصْل الْيَاءِ وَاوٌ، (1) وَهِيَ مَا يُتَوَصَّل بِهِ إِلَى حَالَةٍ مَا، فِي خُفْيَةٍ.
وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا فِيمَا فِي تَعَاطِيهِ خُبْثٌ. وَقَدْ تُسْتَعْمَل فِيمَا فِيهِ حِكْمَةٌ. (2)
وَأَصْلُهَا مِنَ الْحَوْل، وَهُوَ التَّحَوُّل مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ بِنَوْعِ تَدْبِيرٍ وَلُطْفٍ يُحِيل بِهِ الشَّيْءَ عَنْ ظَاهِرِهِ، أَوْ مِنَ الْحَوْل بِمَعْنَى الْقُوَّةِ. وَتُجْمَعُ الْحِيلَةُ عَلَى الْحِيَل. (3)
أَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَيَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ الْحِيلَةَ بِمَعْنًى أَخَصَّ مِنْ مَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ، فَهِيَ نَوْعٌ مَخْصُوصٌ مِنَ الْعَمَل الَّذِي يَتَحَوَّل بِهِ فَاعِلُهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، ثُمَّ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا عُرْفًا فِي سُلُوكِ الطُّرُقِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي يُتَوَصَّل بِهِ إِلَى حُصُول الْغَرَضِ، بِحَيْثُ لاَ يُتَفَطَّنُ لَهَا إِلاَّ بِنَوْعٍ مِنَ الذَّكَاءِ وَالْفَطِنَةِ (4) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْخُدْعَةُ:
2 - أَصْل الْخُدْعَةِ إِخْفَاءُ الشَّيْءِ أَوِ الْفَسَادُ. وَيُرَادُ بِهَا إِظْهَارُ مَا يُبْطَنُ خِلاَفُهُ، أَرَادَ اجْتِلاَبَ نَفْعٍ، أَوْ دَفْعَ ضُرٍّ، وَلاَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَدَبُّرٍ، وَنَظَرٍ، وَفِكْرٍ، وَهَذَا مَا يُفَرِّقُهُ عَنِ الْحِيلَةِ.
فَهُوَ بِمَعْنَى الْخَدِيعَةِ، وَكَذَلِكَ الْخِلاَبَةُ (5) .
الْغُرُورُ:
3 - الْغُرُورُ: إِيهَامٌ يَحْمِل الإِْنْسَانَ عَلَى فِعْل مَا يَضُرُّهُ.
التَّدْبِيرُ:
4 - التَّدْبِيرُ تَقْوِيمُ الأَْمْرِ عَلَى مَا يَكُونُ فِيهِ صَلاَحُ عَاقِبَتِهِ.
وَأَصْلُهُ مِنَ الدُّبُرِ، وَأَدْبَارُ الأُْمُورِ عَوَاقِبُهَا.
فَيَشْتَرِكُ التَّدْبِيرُ وَالْحِيلَةُ، مِنْ حَيْثُ إِنَّ فِي كُلٍّ إِحَالَةُ شَيْءٍ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى، وَاخْتَصَّ التَّدْبِيرُ بِمَا يَكُونُ فِيهِ صَلاَحُ الْعَاقِبَةِ، أَمَّا الْحِيلَةُ فَتَعُمُّ الصَّلاَحَ وَالْفَسَادَ (6) .
الْكَيْدُ:
5 - الْكَيْدُ إِيقَاعُ الْمَكْرُوهِ بِالْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الْمَكْرِ وَالْخَدِيعَةِ. (7)
وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الاِحْتِيَال وَقَدْ يَكُونُ مَذْمُومًا أَوْ مَمْدُوحًا، وَفِي الأَْوَّل أَكْثَرُ، وَكَذَلِكَ الاِسْتِدْرَاجُ وَالْمَكْرُ وَبَعْضُ ذَلِكَ مَمْدُوحٌ (8) كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} (9)
الْمَكْرُ:
6 - الْمَكْرُ صَرْفُ الْغَيْرِ عَمَّا يَقْصِدُهُ بِحِيلَةٍ، وَمِنْهُ الْمَحْمُودُ وَالْمَذْمُومُ.
وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْحِيلَةِ (10) .
التَّوْرِيَةُ وَالتَّعْرِيضُ:
7 - التَّوْرِيَةُ وَالتَّعْرِيضُ: أَنْ تُطْلِقَ لَفْظًا ظَاهِرًا فِي مَعْنًى، وَتُرِيدَ بِهِ مَعْنًى آخَرَ يَتَنَاوَلُهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ لَكِنَّهُ خِلاَفُ ظَاهِرِهِ.
وَأَصْل التَّوْرِيَةِ السِّتْرُ، وَالتَّعْرِيضُ خِلاَفُ التَّصْرِيحِ (11) . الذَّرِيعَةُ:
8 - الذَّرِيعَةُ: الْوَسِيلَةُ إِلَى الشَّيْءِ، وَسَدُّ الذَّرِيعَةِ قَطْعُ الأَْسْبَابِ الْمُبَاحَةِ الَّتِي يُتَوَصَّل بِهَا إِلَى الْمُحَرَّمِ (12) .
تَقْسِيمُ الْحِيَل:
تَنْقَسِمُ الْحِيَل بِاعْتِبَارِ مَشْرُوعِيَّتِهَا إِلَى حِيَلٍ مَشْرُوعَةٍ وَحِيَلٍ مُحَرَّمَةٍ.
الْحِيَل الْمَشْرُوعَةُ:
9 - وَهِيَ الْحِيَل الَّتِي تُتَّخَذُ لِلتَّخَلُّصِ مِنَ الْمَآثِمِ لِلتَّوَصُّل إِلَى الْحَلاَل، أَوْ إِلَى الْحُقُوقِ، أَوْ إِلَى دَفْعِ بَاطِلٍ، وَهِيَ الْحِيَل الَّتِي لاَ تَهْدِمُ أَصْلاً مَشْرُوعًا وَلاَ تُنَاقِضُ مَصْلَحَةً شَرْعِيَّةً.
وَهِيَ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:
أ - أَنْ تَكُونَ الْحِيلَةُ مُحَرَّمَةً وَيُقْصَدَ بِهَا الْوُصُول إِلَى الْمَشْرُوعِ، مِثْل أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَيَجْحَدَهُ وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُ، فَيُقِيمُ صَاحِبُ الْحَقِّ شَاهِدَيْ زُورٍ يَشْهَدَانِ بِهِ وَلاَ يَعْلَمَانِ ثُبُوتَ هَذَا الْحَقِّ.
وَمُتَّخِذُ هَذَا الْقِسْمِ مِنَ الْحِيَل يَأْثَمُ عَلَى الْوَسِيلَةِ دُونَ الْقَصْدِ.
وَيُجِيزُ هَذَا مَنْ يُجِيزُ مَسْأَلَةَ الظَّفَرِ بِالْحَقِّ، فَيَجُوزُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ دُونَ بَعْضٍ. ب - أَنْ تَكُونَ الْحِيلَةُ مَشْرُوعَةً وَتُفْضِيَ إِلَى مَشْرُوعٍ.
وَمِثَالُهَا الأَْسْبَابُ الَّتِي نَصَبَهَا الشَّارِعُ مُفْضِيَةً إِلَى مُسَبَّبَاتِهَا، كَالْبَيْعِ، وَالإِْجَارَةِ وَأَنْوَاعِ الْعُقُودِ الأُْخْرَى، وَيَدْخُل فِيهِ التَّحَيُّل عَلَى جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ.
ج - أَنْ تَكُونَ الْحِيلَةُ لَمْ تُوضَعْ وَسِيلَةً إِلَى الْمَشْرُوعِ فَيَتَّخِذُهَا الْمُتَحَيِّل وَسِيلَةً إِلَى ذَلِكَ، وَمِثَالُهُ الْمَعَارِيضُ الْجَائِزَةُ فِي الْكَلاَمِ. (13)
وَمِنَ الْحِيَل الْمَشْرُوعَةِ مَا لاَ خِلاَفَ فِي جَوَازِهِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مَحَل تَرَدُّدٍ وَإِشْكَالٍ وَمَوْضِعُ خِلاَفٍ.
الْحِيَل الْمُحَرَّمَةُ:
10 - وَهِيَ الْحِيَل الَّتِي تُتَّخَذُ لِلتَّوَصُّل بِهَا إِلَى مُحَرَّمٍ، أَوْ إِلَى إِبْطَال الْحُقُوقِ، أَوْ لِتَمْوِيهِ الْبَاطِل أَوْ إِدْخَال الشُّبَهِ فِيهِ. وَهِيَ الْحِيَل الَّتِي تَهْدِمُ أَصْلاً شَرْعِيًّا أَوْ تُنَاقِضُ مَصْلَحَةً شَرْعِيَّةً. وَالْحِيَل الْمُحَرَّمَةُ مِنْهَا مَا لاَ خِلاَفَ فِي تَحْرِيمِهِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مَحَل تَرَدُّدٍ وَخِلاَفٍ.
وَالْحِيَل الْمُحَرَّمَةُ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ وَهِيَ:
أ - أَنْ تَكُونَ الْحِيلَةُ مُحَرَّمَةً وَيُقْصَدَ بِهَا مُحَرَّمٌ:
وَمِثَالُهُ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلاَثًا وَأَرَادَ التَّخَلُّصَ مِنْ عَارِ التَّحْلِيل، فَإِنَّهُ يُحَال لِذَلِكَ بِالْقَدْحِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ بِفِسْقِ الْوَلِيِّ، أَوِ الشُّهُودِ فَلاَ يَصِحُّ الطَّلاَقُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ. ب - أَنْ تَكُونَ الْحِيلَةُ مُبَاحَةً فِي نَفْسِهَا وَيُقْصَدَ بِهَا مُحَرَّمٌ.
كَمَا يُسَافِرُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ، أَوْ قَتْل النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ.
ج - أَنْ تَكُونَ الْحِيلَةُ لَمْ تُوضَعْ وَسِيلَةً إِلَى الْمُحَرَّمِ بَل إِلَى الْمَشْرُوعِ، فَيُتَّخَذُهَا الْمُحْتَال وَسِيلَةً إِلَى الْمُحَرَّمِ.
كَمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ لِوَارِثِهِ، فَيَحْتَال لِذَلِكَ بِأَنْ يُقِرَّ لَهُ، فَيَتَّخِذَ الإِْقْرَارَ وَسِيلَةً لِلْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ (14) .
أَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْحِيَل الْمُبَاحَةِ:
11 - تَقَدَّمَ التَّعْرِيفُ بِالْحِيَل الْمَشْرُوعَةِ وَهَذَا بَيَانٌ لأَِدِلَّةِ مَشْرُوعِيَّتِهَا:
أ - قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَال وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} (15) ، أَرَادَ بِالْحِيلَةِ التَّحَيُّل عَلَى التَّخَلُّصِ مِنَ الْكُفَّارِ، وَهَذِهِ حِيلَةٌ مَحْمُودَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا مَنْ عَمِلَهَا.
ب - مُبَاشَرَةُ الأَْسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ حِيلَةٌ عَلَى حُصُول مُسَبَّبَاتِهَا، كَالأَْكْل، وَالشُّرْبِ، وَاللُّبْسِ وَالسَّفَرِ الْوَاجِبِ، وَكَذَلِكَ الْعُقُودُ الشَّرْعِيَّةُ وَاجِبُهَا وَمُسْتَحَبُّهَا وَمُبَاحُهَا كُلُّهَا حِيلَةٌ عَلَى حُصُول الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَتِ الْحِيلَةُ سَبَبًا مَشْرُوعًا وَمَا تُفْضِي إِلَيْهِ مَشْرُوعٌ فَلاَ مَعْنَى لِمَنْعِهَا.
ج - إِنَّ الْعَاجِزَ الَّذِي لاَ حِيلَةَ عِنْدَهُ لِجَهْلِهِ بِطُرُقِ تَحْصِيل مَصَالِحِهِ مَذْمُومٌ، لأَِنَّهُ لاَ خِبْرَةَ لَهُ بِطُرُقِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ خَفِيِّهَا وَظَاهِرِهَا، فَيُحْسِنُ التَّوَصُّل إِلَى مَقَاصِدِهِ الْمَحْمُودَةِ الَّتِي يُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِأَنْوَاعِ الْحِيَل، وَيَعْرِفُ طُرُقَ الشَّرِّ الظَّاهِرَةَ وَالْخَفِيَّةَ الَّتِي يَتَوَصَّل بِهَا إِلَى خِدَاعِهِ وَالْمَكْرِ بِهِ فَيَحْتَرِزُ مِنْهَا. وَقَدْ كَانَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ - ﵁ - أَعْلَمَ النَّاسِ بِالشَّرِّ وَالْفِتَنِ، وَكَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ الْخَيْرِ، وَكَانَ هُوَ يَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَهُ. (16)
د - إِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجَلِهِ حُرِّمَتِ الْحِيَل هُوَ أَنَّهَا تَهْدِمُ الأُْصُول الشَّرْعِيَّةَ، وَتُنَاقِضُ الْمَصَالِحَ الشَّرْعِيَّةَ، فَإِذَا انْتَفَى هَذَا الْمَعْنَى وَكَانَتِ الْحِيَل مِمَّا لاَ يُنَاقِضُ الأُْصُول الشَّرْعِيَّةَ فَلاَ مَعْنَى لِمَنْعِهَا بَل كَانَتْ مِنَ الْمَشْرُوعِ.
هـ - أَجَازَتِ الشَّرِيعَةُ لِلْمُكْرَهِ عَلَى الْكُفْرِ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ إِحْرَازًا لِدَمِهِ، وَفِي هَذَا تَحَيُّلٌ عَلَى إِحْرَازِ الدَّمِ، وَالتَّحَيُّل هُنَا كَالتَّحَيُّل بِكَلِمَةِ الإِْسْلاَمِ إِحْرَازًا لِلدَّمِ، كَذَلِكَ كَمَا فِي قَوْلِهِ: ﷺ فَإِذَا قَالُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا (17) فَكُلٌّ مِنَ الْحَالَتَيْنِ نَطَقَ بِكَلِمَةٍ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ مَعْنَاهَا تَوَصُّلاً إِلَى غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ، وَهُوَ إِحْرَازُ الدَّمِ، فَأُجْرِيَتْ عَلَيْهِمَا أَحْكَامُ الإِْسْلاَمِ فِي الظَّاهِرِ.
و إِنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الْحَرَامِ إِلَى الْحَلاَل وَالتَّخَلُّصَ مِنَ الْمَآثِمِ أَمْرٌ وَاجِبٌ شَرْعًا، وَالتَّحَيُّل لَهُ بِاِتِّخَاذِ الْوَسَائِل وَالأَْسْبَابِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَيْهِ أَمْرٌ مَطْلُوبٌ شَرْعًا كَذَلِكَ، وَلاَ تَخْرُجُ الْحِيَل الْمُبَاحَةُ عَنْ هَذَا.
مِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلاَ تَحْنَثْ} (18) وَهِيَ حِيلَةٌ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْحِنْثِ، وَقَدْ عَمِل بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فِي حَقِّ الضَّعِيفِ الَّذِي زَنَى، وَهُوَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ فِي السُّنَنِ، حَيْثُ إِنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُول اللَّهِ ﷺ مِنَ الأَْنْصَارِ أَنَّهُ اشْتَكَى رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى أَضْنَى، فَعَادَ جِلْدَةً عَلَى عَظْمٍ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ جَارِيَةٌ لِبَعْضِهِمْ، فَهَشَّ لَهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَل عَلَيْهِ رِجَال قَوْمِهِ يَعُودُونَهُ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ، وَقَال: اسْتَفْتُوا لِي رَسُول اللَّهِ ﷺ فَإِنِّي قَدْ وَقَعَتُ عَلَى جَارِيَةٍ دَخَلَتْ عَلَيَّ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ وَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ مِنَ الضُّرِّ مِثْل الَّذِي هُوَ بِهِ، لَوْ حَمَلْنَاهُ إِلَيْكَ لَتَفَسَّخَتْ عِظَامُهُ، مَا هُوَ إِلاَّ جِلْدٌ عَلَى عَظْمٍ، فَأَمَرَ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنْ يَأْخُذُوا لَهُ مِائَةَ شِمْرَاخٍ، فَيَضْرِبُوهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً (19) .
وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ الرَّسُول ﷺ اسْتَعْمَل رَجُلاً عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَكُل تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ فَقَال: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ لاَ تَفْعَل بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا (20) .
وَفِي أَمْرِهِ ﷺ بِأَنْ يَشْتَرِيَ بِالدَّرَاهِمِ تَمْرًا، وَنَهْيِهِ أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِمِثْلِهِ خُرُوجٌ مِمَّا لاَ يَحِل لِمَا فِيهِ مِنَ الرِّبَا إِلَى مَا يَحِل وَهُوَ الْبَيْعُ، وَهُوَ خُرُوجٌ مِنَ الإِْثْمِ (21) .
أَدِلَّةُ تَحْرِيمِ الْحِيَل الْمُحَرَّمَةِ:
12 - إِنَّ الْحِيَل الْمُحَرَّمَةَ تَقُومُ عَلَى الْمُخَادَعَةِ وَالتَّلْبِيسِ وَالتَّدْلِيسِ، وَعَلَى اتِّخَاذِ الْوَسَائِل الْمَشْرُوعَةِ، وَغَيْرِ الْمَشْرُوعَةِ، لِلْوُصُول إِلَى الْحَرَامِ (22) وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ: 1 - قَوْلُهُ ﷺ: لَعَنَ رَسُول اللَّهِ الْمُحَلِّل وَالْمُحَلَّل لَهُ (23) .
لأَِنَّ فِيهِ اسْتِحْلاَل الزِّنَى بِاسْمِ النِّكَاحِ، فَإِنَّ قَوْل الْمُحَلِّل تَزَوَّجْتُ هَذِهِ الْمَرْأَةَ، أَوْ قَبِلْتُ هَذَا النِّكَاحَ، وَهُوَ غَيْرُ مُبْطِنٍ لِحَقِيقَةِ النِّكَاحِ وَلاَ يَقْصِدُ أَنْ تَكُونَ زَوْجَةً لَهُ، وَلاَ هِيَ مَرِيدَةٌ لِذَلِكَ وَلاَ الْوَلِيُّ، فَقَدْ تَوَسَّل بِاللَّفْظِ الشَّرْعِيِّ إِلَى مَا يُنَافِي مَقْصُودَ الْعَقْدِ، أَوْ إِلَى أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ، وَهُوَ عَوْدُ الْمَرْأَةِ إِلَى زَوْجِهَا الْمُطَلِّقِ.
وَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ سُئِل فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّل فَقَال: لاَ، إِلاَّ نِكَاحَ رَغْبَةٍ، لاَ نِكَاحَ دُلْسَةٍ، وَلاَ اسْتِهْزَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ، ثُمَّ يَذُوقُ عُسَيْلَتَهَا (24) .
2 - قَوْلُهُ ﷺ: قَاتَل اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمِ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا فَبَاعُوهَا (25) فَاحْتَالُوا عَلَى تَحْرِيمِ أَكْل الشُّحُومِ بِأَكْل أَثْمَانِهَا. (26)
3 - قَوْل الْمُرَابِي بِعْتُكَ هَذِهِ السِّلْعَةَ بِكَذَا كَمَا فِي بَيْعِ الْعِينَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُ بِأَقَل مِمَّا بَاعَهَا، وَلَمْ يَكُنْ مَرِيدًا لِحَقِيقَةِ الْبَيْعِ، وَلَيْسَ لأَِحَدٍ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي غَرَضٌ فِي السِّلْعَةِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْبَائِعُ عَوْدَ السِّلْعَةِ إِلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ.
وَصَحَّ عَنْ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُمَا سُئِلاَ عَنِ الْعِينَةِ، فَقَالاَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْدَعُ هَذَا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَسَمَّيَا ذَلِكَ خِدَاعًا. (27)
4 - لَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْيَهُودَ عَلَى تَحَايُلِهِمْ عَلَى الْحَرَامِ فَقَال تَعَالَى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (28) ، فَلَقَدْ حَرَّمَ عَلَى الْيَهُودِ أَنْ يَعْمَلُوا فِي السَّبْتِ شَيْئًا، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَحْفِرُ الْحَفِيرَةَ، وَيَجْعَل لَهَا نَهَرًا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّبْتِ فَتَحَ النَّهَرَ فَأَقْبَل الْمَوْجُ بِالْحِيتَانِ يَضْرِبُهَا حَتَّى يُلْقِيَهَا فِي الْحَفِيرَةِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الأَْحَدِ، جَاءُوا فَأَخَذُوا مَا تَجَمَّعَ فِي الْحَفِيرَةِ مِنْ حِيتَانٍ وَقَالُوا: إِنَّمَا صِدْنَاهُ يَوْمَ الأَْحَدِ، فَعُوقِبُوا بِالْمَسْخِ قِرَدَةً لأَِنَّهُمُ اسْتَحَلُّوا الْحَرَامَ بِالْحِيلَةِ (29) .
وَلَقَدْ حَذَّرَ النَّبِيُّ ﷺ مِنِ ارْتِكَابِ الْحِيَل، كَمَا فَعَلَتْهُ بَنُو إِسْرَائِيل فَقَال ﷺ: لاَ تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ بِأَدْنَى الْحِيَل. (30)
وَمَعْنَى أَدْنَى الْحِيَل، أَيْ أَسْهَلِهَا وَأَقْرَبِهَا، كَمَا فِي الْمُطَلِّقِ ثَلاَثًا، فَمِنَ السَّهْل عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ مَالاً لِمَنْ يَنْكِحُ مُطَلَّقَتَهُ لِيُحِلَّهَا لَهُ، بِخِلاَفِ الطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ الَّتِي هِيَ نِكَاحُ الرَّغْبَةِ، فَإِنَّهَا يَصْعُبُ مَعَهَا عَوْدُهَا إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُقْرِضَ أَلْفًا بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَمِنْ أَدْنَى الْحِيَل أَنْ يُعْطِيَهُ أَلْفًا إِلاَّ دِرْهَمًا بِاسْمِ الْقَرْضِ، وَيَبِيعَهُ خِرْقَةً تُسَاوِي دِرْهَمًا بِخَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَدِرْهَمٍ، فَإِنَّهَا مِنْ أَدْنَى الْحِيَل إِلَى الرِّبَا وَأَسْهَلِهَا، كَمَا فَعَلَتِ الْيَهُودُ فِي الاِعْتِدَاءِ يَوْمَ السَّبْتِ. (31)
5 - قَوْلُهُ ﷺ: إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ (32) يَدُل عَلَى أَنَّ الأَْعْمَال تَابِعَةٌ لِمَقَاصِدِهَا وَنِيَّاتِهَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبْدِ مِنْ ظَاهِرِ قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ إِلاَّ مَا نَوَاهُ وَأَبْطَنَهُ لاَ مَا أَعْلَنَهُ وَأَظْهَرَهُ، فَمَنْ نَوَى الرِّبَا بِعَقْدِ الْبَيْعِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَأَدَّى إِلَى الرِّبَا كَانَ مُرَابِيًا، وَكُل عَمَلٍ قُصِدَ بِهِ التَّوَصُّل إِلَى تَفْوِيتِ حَقٍّ كَانَ مُحَرَّمًا. (33) وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (مَخَارِجُ) .
__________
(1) المصباح المنير مادة: " حول ".
(2) مفردات الراغب مادة: " حول " والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 405.
(3) اللسان.
(4) أعلام الموقعين 3 / 240.
(5) المصباح المنير مادة: " خدع " والفروق في اللغة ص 212 - 215.
(6) الفروق في اللغة ص157، 158.
(7) المصباح المنير.
(8) المفردات مادة: " كيد ".
(9) سورة يوسف / 76.
(10) الفروق ص 215.
(11) المصباح المنير مادة: " ورى ".
(12) الموفقات (4 / 198 - 200) وتبصرة الحكام (2 / 376) .
(13) إعلام الموقعين 3 / 334.
(14) إعلام الموقعين 3 / 335.
(15) سورة النساء / 98.
(16) حديث سؤال حذيفة الرسول ﷺ عن الشر أخرجه البخاري (الفتح 12 / 35 - ط السلفية) .
(17) حديث: " فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم. . . " أخرجه مسلم (1 / 53 - ط الحلبي) من حديث جابر.
(18) سورة ص / 44.
(19) حديث أبي أمامة بن سهل أنه أخبر بعض أصحاب رسول الله ﷺ. . . " أخرجه أبو داود (4 / 615 - 617 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وإسناده صحيح.
(20) حديث: " أكل تمر خيبر هكذا. . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 399 - 400 - ط السلفية) .
(21) إعلام الموقعين 3 / 240 - 242، كتاب الحيل ص 4، وفتح الباري 12 / 326.
(22) إعلام الموقعين 3 / 160.
(23) حديث: " لعن رسول الله المحلل والمحلل له. . . " أخرجه الترمذي (3 / 419 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن مسعود، وقال الترمذي: " حسن صحيح ".
(24) إعلام الموقعين 3 / 161 والموفقات 2 / 383 وحديث ابن عباس أخرجه الجوزجاني كما في تفسير ابن كثير (1 / 496 - ط دار الأندلس) وفي إسناده ضعف، وقواه ابن كثير بشواهده.
(25) حديث: " قاتل الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم. . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 414 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1207 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عباس.
(26) الموفقات 2 / 380 وإعلام الموقعين 3 / 161.
(27) إعلام الموقعين 3 / 160 - 161.
(28) سورة البقرة / 65.
(29) إعلام الموقعين 3 / 162 والموافقات 2 / 381 وتفسير ابن كثير 1 / 106.
(30) حديث: " لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا. . . ". أخرجه ابن بطة العكبري في جزء إبطال الحيل (ص 24 - ط أنصار السنة في مصر) وجود إسناده ابن كثير في تفسيره (2 / 257 ط الحلبي) .
(31) إعلام الموقعين 3 / 165 والموافقات 2 / 382.
(32) ديثث: " إنما الأعمال بالنيات " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 9 - ط السلفية) . ومسلم (3 / 1515 - ط الحلبي) من حديث عمر بن الخطاب، واللفظ للبخاري.
(33) فتح الباري 12 / 328.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 328/ 18