السبوح
كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...
التَّعْرِيفُ:
1 - الشُّرُوعُ مَصْدَرُ شَرَعَ. يُقَال: شَرَعْتُ فِي الأَْمْرِ أَشْرَعُ شُرُوعًا، أَخَذْتُ فِيهِ، وَشَرَعْتَ فِي الْمَاءِ شُرُوعًا شَرِبْتَ بِكَفَّيْكَ أَوْ دَخَلْتَ فِيهِ، وَشَرَعْتَ الْمَال (أَيِ الإِْبِل) أَشْرَعُهُ: أَوْرَدْتُهُ الشَّرِيعَةَ، وَشَرَعَ الْبَابُ إِلَى الطَّابَقِ شُرُوعًا: اتَّصَل بِهِ، وَطَرِيقٌ شَارِعٌ يَسْلُكُهُ النَّاسُ عَامَّةً، وَأَشْرَعْتُ الْجَنَاحَ إِلَى الطَّرِيقِ: وَضَعْتُهُ.
وَمِنْهُ: شَرَعَ اللَّهُ الدِّينَ، أَيْ سَنَّهُ وَبَيَّنَهُ، وَمِنْهُ الشَّرِيعَةُ وَهِيَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالأَْحْكَامِ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالشُّرُوعِ:
الشُّرُوعُ فِي الْعِبَادَاتِ:
2 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الشُّرُوعَ فِي الْعِبَادَاتِ يَتَحَقَّقُ بِالْفِعْل مَقْرُونًا بِالنِّيَّةِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِحَسَبِ كُل عِبَادَةٍ، فَعَلَى سَبِيل الْمِثَال يَكُونُ الشُّرُوعُ فِي الصَّلاَةِ بِتَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ مَقْرُونَةً بِالنِّيَّةِ، وَالصَّوْمُ يَكُونُ الشُّرُوعُ فِيهِ بِالنِّيَّةِ وَالإِْمْسَاكِ (2) .
(انْظُرْ مُصْطَلَحَ: عِبَادَةٌ - نِيَّةٌ - صَلاَةٌ - صَوْمٌ - حَجٌّ - جِهَادٌ - ذِكْرٌ) .
الشُّرُوعُ فِي الْمُعَامَلاَتِ:
3 - يَتَحَقَّقُ الشُّرُوعُ فِي الْمُعَامَلاَتِ: بِالْقَوْل، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَيَنُوبُ عَنْهُ مِنَ: الْمُعَاطَاةِ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِهَا، أَوِ الْكِتَابَةِ، أَوِ الإِْشَارَةِ.
وَلاَ تُعَدُّ النِّيَّةُ هُنَا شُرُوعًا فِي الْبَيْعِ، أَوِ النِّكَاحِ، أَوِ الإِْجَارَةِ، أَوِ الْهِبَةِ، أَوِ الْوَقْفِ، أَوِ الْوَصِيَّةِ، أَوِ الْعَارِيَّةِ، أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَصْنَافِ الْمُعَامَلاَتِ؛ لأَِنَّنَا لاَ نَعْلَمُ الْقَصْدَ الْمَنْوِيَّ. فَهَذِهِ الْمُعَامَلاَتُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الإِْيجَابِ وَالْقَبُول، فَإِيجَابُ الْمُوجِبِ بِقَوْلِهِ: " بِعْتُكَ كَذَا وَكَذَا " شُرُوعٌ فِي الْبَيْعِ، فَإِذَا قَبِل الْبَائِعُ هَذَا الإِْيجَابَ تَمَّ الْبَيْعُ (3) . الشُّرُوعُ فِي الْجِنَايَاتِ:
4 - يَتَحَقَّقُ الشُّرُوعُ فِي الْجِنَايَاتِ وَالْحُدُودِ: بِالْفِعْل لاَ بِالْقَوْل، وَلاَ بِالنِّيَّةِ.
مَا يَجِبُ إِتْمَامُهُ بِالشُّرُوعِ:
4 م مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَلَى الْمُكَلَّفِ، إِذَا شَرَعَ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إِتْمَامُهُ بِاتِّفَاقٍ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ قَطْعُهُ أَوِ الاِنْصِرَافُ عَنْهُ إِلاَّ بَعْدَ إِتْمَامِهِ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ حَالَةُ الضَّرُورَةِ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْ إِتْمَامِهِ، كَأَنْ يُنْتَقَضَ وُضُوءُ الْمُصَلِّي، أَوْ يُغْمَى عَلَيْهِ، أَوْ تَحِيضَ الْمَرْأَةُ أَثْنَاءَ الصَّلاَةِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَعُوقُ الْمُكَلَّفَ عَنِ الإِْتْمَامِ.
انْظُرْ: مصطلح (استئناف ، حيض ، صلاة)
وَمِثْل الصَّلاَةِ كُل مَفْرُوضٍ مِنْ: صِيَامٍ أَوْ زَكَاةٍ، أَوْ حَجٍّ، إِذَا شَرَعَ فِيهِ وَجَبَ إِتْمَامُهُ، وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَقَدْ يَجْلِبُ عَلَيْهِ الْعِقَابَ فِي الدُّنْيَا، كَالْكَفَّارَةِ لِمَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فِي رَمَضَانَ بِدُونِ عُذْرٍ، وَلُزُومِ الْهَدْيِ لِمَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَوْ عُمْرَتَهُ، وَإِعَادَتُهُمَا فِي الْعَامِ الْقَابِل أَمْرٌ لاَزِمٌ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ.
قَال الزَّرْكَشِيُّ: أَمَّا الشَّارِعُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ، إِذَا أَرَادَ قَطْعَهُ فَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْ قَطْعِهِ بُطْلاَنُ مَا مَضَى مِنَ الْفِعْل حَرُمَ كَصَلاَةِالْجِنَازَةِ، وَإِلاَّ فَإِنْ لَمْ تَفُتْ بِقَطْعِهِ الْمَصْلَحَةُ الْمَقْصُودَةُ لِلشَّارِعِ، بَل حَصَلَتْ بِتَمَامِهَا، كَمَا إِذَا شَرَعَ فِي إِنْقَاذِ غَرِيقٍ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ لإِِنْقَاذِهِ جَازَ قَطْعًا.
نَعَمْ ذَكَرُوا فِي اللَّقِيطِ أَنَّ مَنِ الْتَقَطَ لَيْسَ لَهُ نَقْلُهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ حَصَل الْمَقْصُودُ، لَكِنْ لاَ عَلَى التَّمَامِ، وَالأَْصَحُّ أَنَّ لَهُ الْقَطْعَ أَيْضًا، كَالْمُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ يَنْفَرِدُ، وَإِنْ قُلْنَا الْجَمَاعَةُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَالشَّارِعُ فِي الْعِلْمِ فَإِنَّ قَطْعَهُ لَهُ لاَ يَجِبُ بِهِ بُطْلاَنُ مَا عَرَفَهُ أَوَّلاً؛ لأَِنَّ بَعْضَهُ لاَ يَرْتَبِطُ بِبَعْضٍ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ، فَالصُّوَرُ ثَلاَثَةٌ:
قَطْعٌ يُبْطِل الْمَاضِيَ فَيَبْطُل قَطْعًا، وَقَطْعٌ لاَ يُبْطِلُهُ وَلاَ يُفَوِّتُ الشَّاهِدَ فَيَجُوزُ قَطْعًا، وَقَطْعٌ لاَ يُبْطِل أَصْل الْمَقْصُودِ، وَلَكِنْ يُبْطِل أَمْرًا مَقْصُودًا عَلَى الْجُمْلَةِ، فَفِيهِ خِلاَفٌ.
قَال الْفَتُوحِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَتَعَيَّنُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَيَجِبُ إِتْمَامُهُ عَلَى الأَْظْهَرِ وَيُؤْخَذُ لُزُومُهُ بِالشُّرُوعِ مِنْ مَسْأَلَةِ حِفْظِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ تَرْكُ الْحِفْظِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَفِي وَجْهٍ يُكْرَهُ (4) . 5 - أَمَّا مَا نَدَبَ إِلَيْهِ الشَّارِعُ مِنَ السُّنَنِ فَإِنْ كَانَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً وَشَرَعَ فِيهِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الإِْتْمَامُ بِاتِّفَاقٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (5) . وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا فَإِتْمَامُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ مَحَل خِلاَفٍ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي نَفْلٍ لَزِمَهُ إِتْمَامُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (6) فَمَا أَدَّاهُ وَجَبَ صِيَانَتُهُ وَحِفْظُهُ عَنِ الإِْبْطَال؛ لأَِنَّ الْعَمَل صَارَ حَقًّا لِلَّهِ، وَلاَ سَبِيل إِلَى حِفْظِهِ إِلاَّ بِالْتِزَامِ الْبَاقِي، فَوَجَبَ الإِْتْمَامُ ضَرُورَةً.
فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ بِدُونِ عُذْرٍ، لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَعَلَيْهِ الإِْثْمُ، وَالْعِقَابُ عَلَى تَرْكِهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ لِعُذْرٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ. فَأَصْبَحَتِ النَّافِلَةُ عِنْدَهُمْ وَاجِبًا بَعْدَ الشُّرُوعِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنَ النَّفْل بِعُذْرٍ، فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا شَرَعَ فِي النَّفْل لَمْ يَلْزَمْهُ الْمُضِيُّ فِيهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إِذَا لَمْ يُتِمَّهُ؛ لأَِنَّ النَّفَل لَمَّا شُرِعَ غَيْرَ لاَزِمٍ قَبْل الشُّرُوعِ، وَجَبَ أَنْ يَبْقَى كَذَلِكَ بَعْدَ الشُّرُوعِ؛ لأَِنَّ حَقِيقَةَ الشَّرْعِ لاَ تَتَغَيَّرُ بِالشُّرُوعِ وَلَوْ أَتَمَّهُ صَارَ مُؤَدِّيًا لِلنَّفْل، لاَ مُسْقِطًا لِلْوُجُوبِ. أَمَّا لَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ فَنَذَرَ إِتْمَامَهُ، لَزِمَهُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي النَّفْل يُسْتَحَبُّ لَهُ الْبَقَاءُ فِيهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ لاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ (7) .
6 - أَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: إِذَا شَرَعَ الْمُكَلَّفُ فِيهَا، فَيُكْرَهُ قَطْعُهَا لِمُكَالَمَةِ النَّاسِ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْثِرَ كَلاَمَهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: " أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ (8) .
وَأَمَّا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَإِنَّهُمَا إِذَا شَرَعَتَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، نَاسِيَةً إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا حَائِضٌ، وَالأُْخْرَى أَنَّهَا نُفَسَاءُ، فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الاِسْتِمْرَارُ فِي الْقِرَاءَةِ، بَل يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَطْعُ.
أَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ، وَمَنْ بِهِ عُذْرٌ، كَسَلَسِ الْبَوْل وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُهُمَا لِلصَّلاَةِ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا شَرَعَ فِي قِرَاءَةٍ مُتَوَضِّئًا، فَلاَ يَقْطَعُ نَدْبًا، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِتْمَامُ السُّورَةِ أَوِ الْحِزْبِ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
أَمَّا إِذَا شَرَعَ الْمُكَلَّفُ الَّذِي لاَ يَمْنَعُهُ مَانِعٌ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، ثُمَّ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ لِضَرُورَةٍ طَرَأَتْ عَلَيْهِ - كَخُرُوجِ رِيحٍ، أَوْ حَصْرِ بَوْلٍ، فَلَهُ عَدَمُ إِتْمَامِ مَا قَرَأَ وَيَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ يَقِفُ، وَإِذَا تَرَكَهُ لاَ لِضَرُورَةٍ، فَلاَ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَتَخَيَّرَ الْوَقْفَ، بِانْتِهَاءِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يَقْرَأُ، فَلَوْ كَانَ يَقْرَأُ فِي قِصَّةِ مُوسَى، أَوْ هُودٍ أَوْ أَهْل الْكَهْفِ، فَلْيُتِمَّهَا نَدْبًا حَتَّى لاَ يَكُونُ كَلاَمُهُ مَبْتُورًا، وَحَتَّى تَكْتَمِل فِي رَأْسِهِ الْمَوْعِظَةُ.
أَمَّا إِذَا شَرَعَ فِي غَيْرِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ - كَوِرْدٍ مِنَ الأَْوْرَادِ، أَوْ مَا يُسَمَّى بِالذِّكْرِ الْجَمَاعِيِّ أَوِ الْفَرْدِيِّ - فَلاَ يُطَالَبُ بِإِتْمَامِهِ؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مُلْزَمٍ بِهِ.
7 - وَأَمَّا الْمُبَاحُ: إِذَا شَرَعَ فِيهِ الْمُكَلَّفُ فَإِتْمَامُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ؛ لأَِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - خَيَّرَ الْمُكَلَّفَ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ.
الشُّرُوعُ فِي الْعُقُودِ:
أَوَّلاً: عَقْدُ الْبَيْعِ:
8 - الْبَيْعُ إِيجَابٌ وَقَبُولٌ، فَإِنْ حَصَل الإِْيجَابُ كَانَ شُرُوعًا فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ وَافَقَهُالْقَبُول كَانَ إِتْمَامًا لِلْبَيْعِ. فَإِنْ رَجَعَ الْمُوجِبُ فِي إِيجَابِهِ، قَبْل صُدُورِ الْقَبُول، يَكُونُ رُجُوعًا عَنِ الشُّرُوعِ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ صَدَرَ الْقَبُول قَبْل عَوْدِ الْمُوجِبِ تَمَّ الْبَيْعُ (9) .
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِيجَابٌ) (وَبَيْعٌ)
ثَانِيًا: الْهِبَةُ:
9 - يَكُونُ الشُّرُوعُ فِي الْهِبَةِ بِلَفْظِ: وَهَبْتُ، وَأَعْطَيْتُ، وَنَحَلْتُ، وَلاَ تَتِمُّ إِلاَّ بِالْقَبْضِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَلاَ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ (10) .
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (هِبَةٌ) .
ثَالِثًا: الْوَقْفُ:
10 - الشُّرُوعُ فِي الْوَقْفِ يَكُونُ بِلَفْظِ: وَقَفْتُ، وَحَبَسْتُ، فَمَنْ أَتَى بِكَلِمَةٍ مِنْهُمَا، كَانَ شَارِعًا فِي الْوَقْفِ، وَلَزِمَهُ لِعَدَمِ احْتِمَال غَيْرِهِمَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِلَى أَنَّ الْوَقْفَ لاَ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِهِ، وَلِلْوَاقِفِ الرُّجُوعُ فِيهِ، إِلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَلْزَمَ، أَوْ يَحْكُمَ بِلُزُومِهِ حَاكِمٌ.
وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ، فَقَالاَ بِلُزُومِهِ، وَأَنَّهُ يَنْقُل الْمِلْكَ، وَلاَ يَقِفُ لُزُومُهُ عَلَى الْقَبْضِ.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: إِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ، وَإِخْرَاجِ الْوَقْفِ لَهُ عَنْ يَدِهِ (11) .
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (وَقْفٌ) .
رَابِعًا: الْوَصِيَّةُ:
11 - الشُّرُوعُ فِي الْوَصِيَّةِ يَقَعُ بِالْقَوْل أَوِ الْكِتَابَةِ، كَأَنْ يُوصِيَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَتَتِمَّ وَيَلْزَمَ بِقَبُول الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنَ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوصِي (12) .
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (وَصِيَّةٌ) .
خَامِسًا: الْعَارِيَّةُ:
12 - يَكُونُ الشُّرُوعُ فِيهَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْمُنْضَبِطَةِ بِالإِْيجَابِ وَالْقَبُول
، فَيَكُونُ الإِْيجَابُ بِقَوْلِهِ: أَعَرْتُكَ كَذَا شُرُوعًا فِي الإِْعَارَةِ، وَيَكُونُ الْقَبُول فِيهَا إِتْمَامًا لِعَقْدِ الْعَارِيَّةُ، فَبِهِ يَتِمُّ الْعَقْدُ، وَلِكُلٍّ مِنَ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ الرُّجُوعُ قَبْل صُدُورِ الْقَبُول، وَقَبْل الْقَبْضِ أَيْضًا بِرَفْضِ أَخْذِهَا، وَلَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ لأَِنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. (ر: إِعَارَةٌ) .
الشُّرُوعُ بِدُونِ إِذْنٍ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ:
13 - الشُّرُوعُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمَفْرُوضَةِ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ، إِذْ إِنَّ فَرْضِيَّتَهَا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ لاَ يَقْتَضِي إِذْنًا مِنْ أَحَدٍ. أَمَّا الْعِبَادَاتُ غَيْرُ الْمَفْرُوضَةِ، وَالْمُعَامَلاَتُ، فَقَدْ أَوْجَبَ الشَّارِعُ الإِْذْنَ فِيهَا لِحَقِّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ عَلَى الْمُكَلَّفِ، كَحَقِّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَحَقِّ الْوَلِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ.
فَأَعْطَى لِلزَّوْجِ أَنْ تَسْتَأْذِنَهُ زَوْجَتُهُ فِي فِعْل بَعْضِ النَّوَافِل مِنَ الْعِبَادَاتِ فَإِذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهَا، وَلَمْ تُطِعْهُ، كَانَ لَهُ مَنْعُهَا، فَإِذَا شَرَعَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْحَجِّ تَطَوُّعًا، بِدُونِ إِذْنِ زَوْجِهَا، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَهَا، وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ.
وَكَذَا إِذَا شَرَعَتْ فِي صِيَامِ نَفْلٍ بِدُونِ إِذْنِهِ، لَهُ أَنْ يُفَطِّرَهَا، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: لاَ يَحِل لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ (1) .
__________
(1) لسان العرب، والمشوف المعلم 1 / 423، 424، والمصباح والمنير، ومختار الصحاح، والمعجم الوسيط.
(2) بدائع الصنائع 1 / 19، 199، والهداية شرع بداية المبتدي - للمرغيناني 1 / 30، والكافي لابن عبد البر 1 / 164، 199، 334، والأشباه والنظائر - للسيوطي ص 43، والأم - للإمام الشافعي 1 / 86، وروضة الطالبين للنووي 1 / 224، وشرح التحرير - للأنصاري 1 / 182، 183، والمغني 1 / 110، 264.
(3) الهداية 3 / 16، 17، والمقدمات الزكية ص 250، 251.
(4) جامع الأسرار - للبخاري ص 102، والمجموع للنووي 6 / 394، الفوائد في اختصار المقاصد - للعز بن عبد السلام ص 105، شرح الكوكب المنير - لابن النجار 1 / 378، والمنثور في القواعد للزركشي 2 / 243.
(5) سورة البقرة / 196.
(6) سورة محمد / 33.
(7) المجموع للنووي 6 / 394، والهداية لمرغيناني 1 / 128، والمغني لابن قدامة 3 / 151 - 153، والمحصول للرازي 1 / 2 / 357 - 358، وأصول السرخسي 1 / 115، وشرح الجلال المحلي على منهاج الطالبين 4 / 291، 294، ومرآة الأصول للأزميري 2 / 393.
(8) أثر ابن عمر: أنه كان إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه. أخرجه البخاري (الفتح 8 / 189 - ط السلفية) .
(9) مغني المحتاج 2 / 2 - 6، المغني لابن قدامة 3 / 560 - 566.
(10) مطالب أولي النهى 4 / 378، والمغني لابن قدامة 5 / 649، مغني المحتاج 2 / 396.
(11) مطالب أولي النهى 4 / 273، والمغني 5 / 597، 598، 649. ومغني المحتاج 2 / 382، 376.
(12) المغني 6 / 1 - 2، 68 - 69، ومغني المحتاج مع المنهاج 3 / 39، 71 - 72.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 92/ 26
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".