الحافظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...
التَّعْرِيفُ:
1 - الإِْخْفَاءُ لُغَةً السَّتْرُ وَالْكِتْمَانُ. وَفِي التَّنْزِيل: {يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لاَ يُبْدُونَ لَكَ} . (1) فَهُوَ مُتَعَدٍّ، بِخِلاَفِ الاِخْتِفَاءِ بِمَعْنَى التَّوَارِي، فَإِنَّهُ لاَزِمٌ وَمُطَاوِعٌ لِلإِْخْفَاءِ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْسْرَارُ:
2 - الإِْسْرَارُ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا هُوَ الإِْخْفَاءُ. وَقَدْ يَأْتِي بِمَعْنَى الإِْظْهَارِ أَيْضًا كَمَا قَال بَعْضُهُمْ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ} أَيْ أَظْهَرُوهَا، فَهُوَ مِنَ الأَْضْدَادِ (3) .
ب - النَّجْوَى:
3 - النَّجْوَى اسْمٌ لِلْكَلاَمِ الْخَفِيِّ الَّذِي تُنَاجِي بِهِ صَاحِبَكَ، كَأَنَّكَ تَرْفَعُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْل الْكَلِمَةِ الرِّفْعَةُ، وَمِنْهُ النَّجْوَةُ مِنَ الأَْرْضِ، وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى تَكْلِيمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مُنَاجَاةً، لأَِنَّهُ كَانَ كَلاَمًا أَخْفَاهُ عَنْ غَيْرِهِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الإِْخْفَاءِ أَنَّ النَّجْوَى لاَ تَكُونُ إِلاَّ كَلاَمًا، أَمَّا الإِْخْفَاءُ فَيَكُونُ لِلْكَلاَمِ وَالْعَمَل كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، فَالْعَلاَقَةُ بَيْنَهُمَا الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ (4) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
يَتَعَدَّدُ الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ لِلإِْخْفَاءِ بِحَسَبِ الْمَوَاطِنِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا:
أ - إِخْفَاءُ النِّيَّةِ:
4 - لَمْ يُؤْثَرْ عَنِ الرَّسُول ﷺ وَأَصْحَابِهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ، وَلِهَذَا اسْتُحِبَّ إِخْفَاؤُهَا، لأَِنَّ مَحَلَّهَا الْقَلْبُ وَلأَِنَّ حَقِيقَتَهَا الْقَصْدُ مُطْلَقًا، وَخُصَّتْ فِي الشَّرْعِ بِالإِْرَادَةِ الْمُتَوَجِّهَةِ نَحْوَ الْفِعْل مُقْتَرِنَةً بِهِ ابْتِغَاءَ رِضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَامْتِثَال حُكْمِهِ. وَقِيل: يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِهَا بِاللِّسَانِ (5) .
لَكِنْ لِلنِّيَّةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ حُكْمٌ خَاصٌّ فَقَدْ قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: يُسَنُّ التَّلَفُّظُ بِالنِّيَّةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ وَهُوَ رَأْيٌ لِلْمَالِكِيَّةِ: يُسْتَحَبُّ النُّطْقُ بِمَا جَزَمَ بِهِ لِيَزُول الاِلْتِبَاسُ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ فِي رَأْيٍ لَهُمْ: إِنَّ تَرْكَ التَّلَفُّظِ بِهَا أَفْضَل وَفِي رَأْيٍ آخَرَ كَرَاهَةُ التَّلَفُّظِ بِهَا (6) . وَقِيل يُسْتَحَبُّ التَّلَفُّظُ بِاللِّسَانِ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (نِيَّةٌ) .
ب - إِخْفَاءُ الصَّدَقَةِ وَالزَّكَاةِ:
5 - نَقَل الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ الإِْجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الإِْخْفَاءَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَفْضَل، وَالإِْعْلاَنَ فِي صَدَقَةِ الْفَرْضِ أَفْضَل، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (7) وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ. (8)
وَقَال ابْنُ عَطِيَّةَ: يُشْبِهُ فِي زَمَانِنَا أَنْ يَكُونَ الإِْخْفَاءُ بِصَدَقَةِ الْفَرْضِ (الزَّكَاةِ) أَفْضَل، فَقَدْ كَثُرَ الْمَانِعُ لَهَا، وَصَارَ إِخْرَاجُهَا عُرْضَةً لِلرِّيَاءِ (9) . وَقِيل: إِنْ كَانَ الْمُتَصَدِّقُ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَيُتْبَعُ، وَسَلِمَ قَصْدُهُ، فَالإِْظْهَارُ أَوْلَى (10) . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (صَدَقَةٌ) .
ج - اخْتِفَاءُ الْهِلاَل:
6 - إِذَا اخْتَفَى الْهِلاَل، وَغُمَّ عَلَى النَّاسِ، فِي شَعْبَانَ أَوْ رَمَضَانَ، وَجَبَ أَنْ يُكْمِل النَّاسُ عِدَّةَ الشَّهْرِ ثَلاَثِينَ يَوْمًا؛ لِقَوْل رَسُول اللَّهِ ﷺ: صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ. (11) وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (صَوْمٌ) .
د - إِخْفَاءُ الإِْيمَانِ:
7 - فِي اعْتِبَارِ إِيمَانِ مَنْ أَخْفَى إِيمَانَهُ وَصَدَّقَ بِقَلْبِهِ رَأْيَانِ:
الأَْوَّل: مَنْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ بِمَا عَلِمَ مَجِيءَ الرَّسُول بِهِ وَأَخْفَى إِيمَانَهُ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِهِ، اعْتُبِرَ مُؤْمِنًا. الثَّانِي: اعْتَبَرَ الْبَعْضُ أَنَّ التَّلَفُّظَ بِالشَّهَادَتَيْنِ شَرْطٌ لِلإِْيمَانِ أَوْ شَطْرٌ مِنْهُ (12) .
هـ - إِخْفَاءُ الذِّكْرِ:
8 - اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الذِّكْرِ الْخَفِيِّ وَالذِّكْرِ بِاللِّسَانِ مِنْ حَيْثُ الأَْفْضَلِيَّةُ بَيْنَهُمَا، فَقَال عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ وَابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ: ذِكْرُ الْقَلْبِ أَفْضَل مِنْ ذِكْرِ اللِّسَانِ، وَذَهَبَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالْبُلْقِينِيُّ إِلَى تَرْجِيحِ عَمَل اللِّسَانِ (1) . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (ذِكْرٌ) .
__________
(1) سورة آل عمران / 154
(2) لسان العرب، والمصباح المنير (خفى) والفروق في اللغة ص54
(3) لسان العرب (سرر) وانظر في تفسير الآية الفخر الرازي 17 / 111
(4) الفروق في اللغة ص54
(5) الأشباه والنظائر لابن نجيم 48، والأشباه والنظائر للسيوطي 1 / 26، وابن عابدين 1 / 74، والحطاب 1 / 515، والمغني 2 / 638، 239 نشر المكتبة الحديثة بالرياض.
(6) المغني3 / 281، وابن عابدين 2 / 158، والقليوبي 3 / 97، والحطاب 3 / 40
(7) سورة البقرة / 271
(8) حديث " ورجل تصدق. . . " رواه البخاري (2 / 132 ط محمد علي صبيح)
(9) فتح الباري 3 / 288، 289 ط السلفية.
(10) المصدر السابق.
(11) حديث " صوموا لرؤيته. . . الخ " رواه أبو هريرة، وأخرجه البخاري.
(12) المغني 3 / 88 ط، السعودية والهداية 1 / 119، والحطاب 2 / 379، والقليوبي 2 / 249
الموسوعة الفقهية الكويتية: 286/ 2