الرقيب
كلمة (الرقيب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
التَّعْرِيفُ
1 - الْمَحَل فِي اللُّغَةِ: - بِفَتْحِ الْحَاءِ - مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ، وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُحَل فِيهِ، وَمِنْهُ مَحَل الإِْعْرَابِ فِي النَّحْوِ وَهُوَ مَا يَسْتَحِقُّهُ اللَّفْظُ الْوَاقِعُ فِيهِ مِنَ الإِْعْرَابِ لَوْ كَانَ مُعْرَبًا.
وَالْمَحِل - بِكَسْرِ الْحَاءِ - الْمَكَانُ الَّذِي يَحِل فِيهِ، وَالأَْجَل، فَمَحِل الدَّيْنِ أَجَلُهُ، وَمَحِل الْهَدْيِ يَوْمُ النَّحْرِ.
وَقَال الزَّمَخْشَرِيُّ: فِي قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1) أَيْ وُجُوبُ نَحْرِهَا، أَوْ وَقْتُ وُجُوبِ نَحْرِهَا فِي الْحَرَمِ مُنْتَهِيَةً إِلَى الْبَيْتِ.
وَالْمَحَلَّةُ: الْمَكَانُ يَنْزِلُهُ الْقَوْمُ (2) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: يَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الْمَحِل - بِكَسْرِ الْحَاءِ - هُوَ الْوَقْتُ وَالأَْجَل، وَبِفَتْحِ الْحَاءِ الْمَوْضِعُ وَالْمَكَانُ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ (3) .
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَحَل مِنْ أَحْكَامٍ:
أَوَلاَ - الْمَحَل بِمَعْنَى الْمَوْضِعِ وَالْمَكَانِ:
يَأْتِي الْمَحَل بِهَذَا الْمَعْنَى فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا:
أ - تَطْهِيرُ مَحَل النَّجَاسَةِ:
2 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَحْصُل بِهِ طَهَارَةُ مَحَل النَّجَاسَةِ
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ النَّجَاسَةِ الْمَرْئِيَّةِ وَغَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ، فَإِذَا كَانَتْ مَرْئِيَّةً طَهُرَ الْمَحَل الْمُتَنَجِّسُ بِهَا بِزَوَال عَيْنِهَا، وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ طَهُرَ الْمَحَل بِغَسْلِهَا ثَلاَثًا وُجُوبًا مَعَ الْعَصْرِ كُل مَرَّةٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَحَل النَّجَاسَةِ يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدِ عَدَدٍ مَعَ زَوَال طَعْمِ النَّجَاسَةِ وَلَوْ عَسُرَ، وَزَوَال اللَّوْنِ وَالرِّيحِ إِنْ تَيَسَّرَ.
وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ عَيْنًا أَوْ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ.
فَإِنْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ عَيْنًا وَجَبَ بَعْدَ زَوَال عَيْنِهَا إِزَالَةُ الطَّعْمِ، فَإِنْ عَسُرَ زَوَالُهُ بِحَتٍّ أَوْ قَرْصٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ عُفِيَ عَنْهُ مَا دَامَ الْعُسْرُ، وَيَجِبُ إِزَالَتُهُ إِذَا قَدَرَ، وَلاَ يَضُرُّ بَقَاءُ اللَّوْنِ أَوِ الرِّيحِ إِنْ تَعَسَّرَ زَوَالُهُمَا.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ تَطْهُرُ الْمُتَنَجِّسَاتُ بِسَبْعِ غَسَلاَتٍ مُنْقِيَةٍ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (طَهَارَةٌ ف 11) .
ب - فِي الْوُضُوءِ:
2 - الأَْصْل أَنَّهُ يَجِبُ غَسْل أَوْ مَسْحُ مَحَل الْفَرْضِ فِي الْوُضُوءِ، كَمَا يُسَنُّ غَسْل أَوْ مَسْحُ مَا هُوَ سُنَّةٌ، وَهَذَا أَصْلٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَشْمَلُهُ مَحَل الْفَرْضِ أَوِ السُّنَّةِ.
وَيُسَنُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الزِّيَادَةُ عَلَى مَحَل الْفَرْضِ فِي الْوُضُوءِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيل غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَل (4) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَحَل الْفَرْضِ لأَِنَّهُ مِنَ الْغُلُوِّ فِي الدِّينِ (5) .
وَتَفْصِيل أَحْكَامِ مَحَل الْوُضُوءِ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (وُضُوءٌ) . ج - النَّظَرُ إِلَى مَحَل السُّجُودِ فِي الصَّلاَةِ
4 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فِي جَمِيعِ صَلاَتِهِ لِقَوْل أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاَةِ، فَلَمَّا أَنْزَل اللَّهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ} (6) رَمَقُوا بِأَبْصَارِهِمْ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِمْ، لأَِنَّ جَمْعَ النَّظَرِ فِي مَوْضِعٍ أَقْرَبُ إِلَى الْخُشُوعِ، وَمَوْضِعُ سُجُودِهِمْ أَشْرَفُ وَأَسْهَل.
قَال أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: الْخُشُوعُ فِي الصَّلاَةِ أَنْ يَجْعَل نَظَرَهُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ يَسَارٍ وَقَتَادَةَ (7) .
قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَهَذَا فِي غَيْرِ صَلاَةِ الْجِنَازَةِ، أَمَّا فِي صَلاَةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا.
وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ فِي الصَّلاَةِ حَالَةَ التَّشَهُّدِ، فَإِنَّ السُّنَّةَ إِذَا رَفَعَ مُسَبِّحَتَهُ أَنْ لاَ يُجَاوِزَ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ.
قَال الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: وَعَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّ الْمُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَنْظُرُ إِلَى الْكَعْبَةِ، لَكِنْ صَوَّبَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ، وَقَال الإِْسْنَوِيُّ: إِنَّ اسْتِحْبَابَ نَظَرِهِ إِلَى الْكَعْبَةِ فِي الصَّلاَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ. وَجَزَمَ الْبَغَوِيِّ وَالْمُتَوَلِّي بِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَنْظُرُ فِي الْقِيَامِ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ، وَفِي الرُّكُوعِ إِلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ، وَفِي السُّجُودِ إِلَى أَنْفِهِ، وَفِي الْقُعُودِ إِلَى حَجْرِهِ، لأَِنَّ امْتِدَادَ الْبَصَرِ يُلْهِي فَإِذَا قَصَّرَ كَانَ أَوْلَى (8) .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَال: قُلْتُ يَا رَسُول اللَّهِ: أَيْنَ أَجْعَل بَصَرِي فِي الصَّلاَةِ؟ قَال: مَوْضِعَ سُجُودِكَ، قَال: قُلْتُ يَا رَسُول اللَّهِ، إِنَّ ذَلِكَ لَشَدِيدٌ، إِنَّ ذَلِكَ لاَ 1 أَسْتَطِيعُ؟ قَال: فَفِي الْمَكْتُوبَةِ إِذًا (9) .
وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مِنَ النَّظَرِ إِلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ مَا إِذَا كَانَ الْمُصَلِّي فِي صَلاَةِ خَوْفٍ وَنَحْوِهِ، كَخَائِفِ ضَيَاعَ مَالٍ وَنَحْوِهِ، فَيَنْظُرُ إِلَى جِهَةِ الْعَدُوِّ وَإِلَى جِهَةِ مَالِهِ لِحَاجَتِهِ إِلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ (10) .
وَعَدَّ الْحَنَفِيَّةُ النَّظَرَ إِلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ وَغَيْرَهُ مِنَ الآْدَابِ، جَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: مِنْ آدَابِ الصَّلاَةِ نَظَرُ الْمُصَلِّي إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ حَال قِيَامِهِ، وَإِلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ حَال رُكُوعِهِ، وَإِلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ حَال سُجُودِهِ، وَإِلَى حَجْرِهِ حَال قُعُودِهِ، وَإِلَى مَنْكِبِهِ الأَْيْمَنِ عِنْدَ التَّسْلِيمَةِ الأُْولَى، وَإِلَى مَنْكِبِهِ الأَْيْسَرِ عِنْدَ التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ وَذَلِكَ لِتَحْصِيل الْخُشُوعِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا كَانَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ مَا يُنَافِي الْخُشُوعَ فَإِنَّهُ يَعْدِل إِلَى مَا يَحْصُل فِيهِ الْخُشُوعُ، ثُمَّ نَبَّهَ ابْنُ عَابِدِينَ إِلَى أَنَّ الْمَنْقُول فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَكُونَ مُنْتَهَى بَصَرِهِ فِي صَلاَتِهِ إِلَى مَحَل سُجُودِهِ (11) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ عَلَى مَا جَاءَ فِي مِنَحِ الْجَلِيل وَالْخَرَشِيِّ: يُكْرَهُ النَّظَرُ إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ لِتَأْدِيَتِهِ لاِنْحِنَائِهِ بِرَأْسِهِ وَإِنَّمَا يَجْعَل بَصَرَهُ أَمَامَهُ، قَال ابْنُ رُشْدٍ: الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ بَصَرُ الْمُصَلِّي أَمَامَ قِبْلَتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْتَفِتَ إِلَى شَيْءٍ أَوْ يُنَكِّسَ رَأْسَهُ، وَهُوَ إِذَا فَعَل ذَلِكَ خَشَعَ بَصَرُهُ وَوَقَعَ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ عَلَى مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَلَيْسَ بِضَيِّقٍ عَلَيْهِ أَنْ يَلْحَظَ بَصَرُهُ الشَّيْءَ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَيْهِ، فَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
وَقَال ابْنُ الْعَرَبِيِّ: قَال مَالِكٌ: يَنْظُرُ أَمَامَهُ فَإِنَّهُ إِذَا أَحْنَى رَأْسَهُ ذَهَبَ بَعْضُ الْقِيَامِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِ فِي الرَّأْسِ وَهُوَ أَشْرَفُ الأَْعْضَاءِ، وَإِنْ أَقَامَ رَأْسَهُ وَتَكَلَّفَ النَّظَرَ بِبَعْضِ بَصَرِهِ إِلَى الأَْرْضِ فَتِلْكَ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ وَحَرَجٌ، وَإِنَّمَا أُمِرْنَا أَنْ نَسْتَقْبِل جِهَةَ الْكَعْبَةِ، وَإِنَّمَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ أَنْ يَرْفَعَ الْمُصَلِّي رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ لأَِنَّهُ إِعْرَاضٌ عَنِ الْجِهَةِ الَّتِي أُمِرَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا، لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاَةِ أَوْ لاَ تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ (12) .
لَكِنْ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ جَعَل نَظَرَ الْمُصَلِّي إِلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ (13) .
د - اشْتِرَاطُ الْمُحْرِمِ التَّحَلُّل فِي مَحَل الإِْحْصَارِ
5 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الاِشْتِرَاطِ فِي الإِْحْرَامِ، وَهُوَ أَنْ يَقُول الْمُحْرِمُ عِنْدَ الإِْحْرَامِ: إِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ أَوِ الْعُمْرَةَ، فَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الاِشْتِرَاطَ فِي الإِْحْرَامِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلاَ أَثَرَ لَهُ فِي إِبَاحَةِ التَّحَلُّل.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ الاِشْتِرَاطِ فِي الإِْحْرَامِ وَأَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي التَّحَلُّل.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِحْصَارٌ ف 45 وَمَا بَعْدَهَا) .
هـ - فِي الْوَدِيعَةِ:
5 - قَال الْمَالِكِيَّةُ: يَضْمَنُ الْمُودَعُ الْوَدِيعَةَ إِنْ سَافَرَ وَأَوْدَعَهَا لِغَيْرِ زَوْجَةٍ، إِلاَّ إِذَا كَانَ يَخْشَى ضَيَاعَهَا بِبَقَائِهَا فِي مَحَلِّهَا كَانْهِدَامِ الدَّارِ وَمُجَاوَرَةِ مَنْ يَخْشَى شَرَّهُ، وَلاَ تُضْمَنُ إِنْ سَافَرَ بِالْوَدِيعَةِ وَرَدَّهَا لِمَحَل إِيدَاعِهَا ثُمَّ تَلِفَتْ (14)
وَيَجُوزُ لِلْمُودَعِ أَخْذُ أُجْرَةِ الْمَحَل الَّذِي تُحْفَظُ فِيهِ (15)
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (وَدِيعَةٌ) .
ثَانِيًا: الْمَحِل بِمَعْنَى الأَْجَل وَالزَّمَانِ
يَأْتِي الْمَحِل بِهَذَا الْمَعْنَى فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا:
أ - فِي السَّلَمِ:
7 - مِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ الأَْجَل فِيهِ مَعْلُومًا وَالْمُسْلَمُ فِيهِ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ عِنْدَ الأَْجَل، وَقَدْ عَبَّرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ - كَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - عَنْ أَجَل التَّسْلِيمِ وَوَقْتِ حُلُولِهِ بِالْمَحَل (16) .
وَالتَّفْصِيل فِي (سَلَمٌ ف 23 وَمَا بَعْدَهَا) .
ب - فِي الشُّفْعَةِ:
8 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ الْجَدِيدِ إِلَى أَنَّهُ لَوْ بِيعَتْ دَارٌ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَإِنَّهُ لاَ يَحِقُّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ فِي الْحَال بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّل، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَيَّرٌ بِأَنْ يُعَجِّل الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي وَيَأْخُذَ الْمَشْفُوعَ فِيهِ فِي الْحَال، أَوْ يَصْبِرَ إِلَى الْمَحِل - وَهُوَ وَقْتُ الْحُلُول - وَيَأْخُذَ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا فِي الْحَال بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، قَال الْحَنَفِيَّةُ: لأَِنَّ الشَّفِيعَ إِنَّمَا يَأْخُذُ بِمَا وَجَبَ بِالْبَيْعِ، وَالأَْجَل لَمْ يَجِبْ بِالْبَيْعِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ بِالشَّرْطِ، وَالشَّرْطُ لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ جَوَّزْنَا لَهُ الأَْخْذَ فِي الْحَال بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّل لأََضْرَرْنَا بِالْمُشْتَرِي لأَِنَّ الذِّمَمَ تَخْتَلِفُ، وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ الأَْخْذَ فِي الْحَال بِنَظِيرِهِ مِنَ الْحَال أَضْرَرْنَا بِالشَّفِيعِ، لأَِنَّ الأَْجَل يُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنَ الثَّمَنِ، فَكَانَ ذَلِكَ دَافِعًا لِلضَّرَرَيْنِ وَجَامِعًا لِلْحَقَّيْنِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي شِرَاءِ الدَّارِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الشَّفِيعِ أَنْ يَطْلُبَ الشُّفْعَةَ عِنْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ، فَإِنْ سَكَتَ إِلَى مَحِل الأَْجَل فَذَلِكَ تَسْلِيمٌ مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَال: إِذَا طَلَبَ عِنْدَ حِل الأَْجَل فَلَهُ الشُّفْعَةُ (17) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَنِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ مُؤَجَّلاً إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَلِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالأَْجَل إِنْ كَانَ مَلِيئًا، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أَقَامَ كَفِيلاً مَلِيئًا وَأَخَذَهُ بِالثَّمَنِ الْمُؤَجَّل، لأَِنَّ الشَّفِيعَ يَسْتَحِقُّ الأَْخْذَ بِقَدْرِ الثَّمَنِ وَصِفَتِهِ وَالتَّأْجِيل مِنْ صِفَتِهِ.
قَال الْمَالِكِيَّةُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنِ الشَّفِيعُ مُوسِرًا وَلاَ ضَمِنَهُ مَلِيءٌ فَإِنَّهُ لاَ شُفْعَةَ لَهُ، إِلاَّ أَنْ يُعَجِّل الثَّمَنَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ إِلاَّ إِذَا كَانَ الشَّفِيعُ مِثْل الْمُشْتَرِي فِي الْعَدَمِ، فَإِنَّهُ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ إِلَى ذَلِكَ الأَْجَل (18) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلاً وَرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِدَفْعِ الشِّقْصِ وَتَأْجِيل الثَّمَنِ إِلَى مَحِلِّهِ وَأَبَى الشَّفِيعُ إِلاَّ الصَّبْرَ إِلَى الْمَحِل بَطَلَتِ الشُّفْعَةُ عَلَى الأَْصَحِّ (19) .
ج - فِي الرَّهْنِ:
9 - قَال الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ كَوْنَ الْمَرْهُونِ مَبِيعًا لَهُ عِنْدَ حُلُول الدَّيْنِ فَسَدَ الرَّهْنُ لِتَأْقِيتِهِ وَفَسَدَ الْبَيْعُ لِتَعْلِيقِهِ، وَالْمَرْهُونُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَبْل الْمَحَل - أَيْ وَقْتَ الْحُلُول - أَمَانَةٌ، لأَِنَّهُ مَقْبُوضٌ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ، وَبَعْدَهُ مَضْمُونٌ بِحُكْمِ الشِّرَاءِ الْفَاسِدِ (20) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ إِنْ رَهَنَ شَيْئًا وَاتَّفَقَ مَعَ الْمُرْتَهَنِ أَنَّهُ إِنْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ فِي مَحِلِّهِ - أَيْ حُلُول أَجَلِهِ - وَإِلاَّ فَالرَّهْنُ لِلْمُرْتَهِنِ لِحَدِيثِ: لاَ يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ. . . (21) .
وَلأَِنَّهُ بَيْعٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ (22) .
ثَالِثًا: الْمَحَل بِمَعْنَى الشَّيْءِ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ
10 - مَحَل الْعَقْدِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَتَظْهَرُ فِيهِ أَحْكَامُهُ وَآثَارُهُ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْعُقُودِ فَقَدْ يَكُونُ الْمَحَل عَيْنًا مَالِيَّةً كَالْمَبِيعِ وَالْمَوْهُوبِ وَالْمَرْهُونِ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَحَل عَمَلاً كَعَمَل الأَْجِيرِ وَالزَّارِعِ وَالْوَكِيل، وَقَدْ يَكُونُ مَنْفَعَةً كَمَنْفَعَةِ الْمَأْجُورِ وَالْمُسْتَعَارِ، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَا فِي النِّكَاحِ وَالْكَفَالَةِ وَنَحْوِهَا.
وَلِلْمَحَل شُرُوطٌ مُخْتَلِفَةٌ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ (عَقْدٌ ف 33 - 42) .
أَثَرُ فَوَاتِ الْمَحَل
11 - يَتَرَتَّبُ عَلَى فَوَاتِ مَحَل التَّصَرُّفِ بُطْلاَنُهُ أَوِ الضَّمَانُ، وَلِذَلِكَ فُرُوعٌ وَأَحْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحَاتِ: (بَيْعٌ ف 59) . و (عَقْدٌ ف 60) وَ (فَسْخٌ ف 17) و (ضَمَانٌ ف 19 وَمَا بَعْدَهَا) .
__________
(1) سورة الحج / 33.
(2) المصباح المنير، والمعجم الوسيط، وكشاف القناع 3 / 14 ط دار المعرفة.
(3) بدائع الصنائع 5 / 138، 139، وحاشية القليوبي 2 / 256، 276، ومغني المحتاج 2 / 233، وجواهر الإِكليل 2 / 144، وكشاف القناع 3 / 300.
(4) حديث: " إن أمتي يأتون يوم القيامة. . ". أخرجه مسلم (1 / 216) من حديث أبي هريرة.
(5) مغني المحتاج 1 / 61، وشرح منتهى الإِرادات 1 / 44، وجواهر الإِكليل 1 / 17.
(6) سورة المؤمنون / 2.
(7) مغني المحتاج 1 / 180، وشرح منتهى الإِرادات 1 / 176، والمغني 2 / 8.
(8) مغني المحتاج 1 / 180.
(9) حديث بعض الصحابة أنه قال: يا رسول الله أين أجعل بصري في الصلاة؟ . أورده ابن قدامة في المغني (2 / 390 - ط دار هجر) وعزاه إلى الإِفراد لأبي طالب العشاري، ولم نهتد لمن أخرجه غيره.
(10) شرح منتهى الإِرادات 1 / 176.
(11) الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه 1 / 321.
(12) حديث: " لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم. . " أخرجه مسلم (1 / 321) من حديث جابر بن سمرة.
(13) منج الجليل 1 / 164، والحطاب 1 / 549، والخرشي وحاشية العدوي عليه 1 / 293، وأحكام القرآن لابن العربي 3 / 312، 313 في تفسير سورة المؤمنون.
(14) جواهر الإِكليل 2 / 141، 142، وحاشية الدسوقي 3 / 421، 422.
(15) جواهر الإِكليل 2 / 144.
(16) مغني المحتاج 2 / 106، 116، والمغني 4 / 325.
(17) بدائع الصنائع 5 / 27، والهداية 4 / 32، ومغني المحتاج 2 / 301.
(18) الخرشي 6 / 166، وجواهر الإِكليل 2 / 158، 159، وكشاف القناع 4 / 161.
(19) مغني المحتاج 2 / 302.
(20) مغني المحتاج 2 / 137.
(21) حديث: " لا يغلق الرهن من صاحبه. . . ". أخرجه عبد الرزاق في المصنف (8 / 237) ، والبغوي في شرح السنة (8 / 184) واللفظ له، من حديث سعيد بن المسيب مرسلاً، وروي مسنداً من حديث أبي هريرة ﵁ ورجع ابن عبد الهادي في التنقيح إرساله، نقل ذلك الزيلعي في نصب الراية (4 / 321) .
(22) شرح منتهى الإِرادات 2 / 165.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 233/ 36