الواسع
كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...
الذين يأخذون أرزاقهم - رواتبهم - من الديوان، كالجنود، والولاة، والقضاة، وسائر موظفي، وعمال الدولة .
يَرِدُ مُصْطَلَحُ (أَهْلُ الدِّيوَانِ) فِي كِتابِ المَوَارِيثِ فِي بَابِ أَسْبابِ الإِرْثِ، وَكِتابِ الدِّياتِ فِي بَابِ دِيَّةِ القَتْلِ.
الذين يأخذون رواتبهم من الديوان.
* الأحكام السلطانية للماوردي : ص199 - حاشية ابن عابدين : 308/4 - المطلع على ألفاظ المقنع : ص363 - المغرب في ترتيب المعرب : ص171 - الـمغني لابن قدامة : 783/7 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الدِّيوَانُ: لَفْظٌ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ مَعْنَاهُ: مُجْتَمَعُ الصُّحُفِ وَالْكِتَابِ، يُكْتَبُ فِيهِ أَهْل الْجَيْشِ وَأَهْل الْعَطِيَّةِ.
وَالدِّيوَانُ: جَرِيدَةُ الْحِسَابِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى الْحِسَابِ. ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى مَوْضِعِ الْحِسَابِ (1) . وَيُسَمَّى مَجْمُوعُ شِعْرِ الشَّاعِرِ دِيوَانًا، قَال صَاحِبُ التَّاجِ: فَمَعَانِيهِ خَمْسَةٌ: الْكَتَبَةُ، وَمَحَلُّهُمْ، وَالدَّفْتَرُ، وَكُل كِتَابٍ، وَمَجْمُوعُ الشِّعْرِ.
وَالدِّيوَانُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: هُوَ الدَّفْتَرُ الَّذِي يَثْبُتُ فِيهِ أَسْمَاءُ الْعَامِلِينَ فِي الدَّوْلَةِ وَلَهُمْ رِزْقٌ أَوْ عَطَاءٌ فِي بَيْتِ الْمَال، وَيُرَادُ بِهِ أَيْضًا الْمَكَانُ الَّذِي فِيهِ الدَّفْتَرُ الْمَذْكُورُ وَكِتَابُهُ.
وَأَهْل الدِّيوَانِ: هُمْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ رِزْقًا مِنْهُ (2) . وَوَظِيفَةُ الدِّيوَانِ: حِفْظُ مَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الدَّوْلَةِ مِنَ الأَْعْمَال وَالأَْمْوَال وَمَنْ يَقُومُ بِهَا مِنَ الْجُيُوشِ وَالْعُمَّال (3) .
أَوَّل مَنْ وَضَعَ الدِّيوَانَ، وَسَبَبُ وَضْعِهِ:
2 - أَوَّل مَنْ وَضَعَ الدِّيوَانَ فِي الدَّوْلَةِ الإِْسْلاَمِيَّةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁، وَذَلِكَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ ﵁ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ، فَقَال لَهُ عُمَرُ: مَاذَا جِئْتَ بِهِ؟ فَقَال: خَمْسُمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ. فَاسْتَكْثَرَهُ عُمَرُ، فَقَال: أَتَدْرِي مَا تَقُول؟ قَال: نَعَمْ، مِائَةُ أَلْفٍ خَمْسُ مَرَّاتٍ، فَقَال عُمَرُ: أَطَيِّبٌ هُوَ؟ فَقَال: لاَ أَدْرِي، فَصَعِدَ عُمَرُ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَال: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَنَا مَالٌ كَثِيرٌ، فَإِنْ شِئْتُمْ كِلْنَا لَكُمْ كَيْلاً، وَإِنْ شِئْتُمْ عَدَدْنَا لَكُمْ عَدًّا، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَال: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ رَأَيْتُ الأَْعَاجِمَ يُدَوِّنُونَ دِيوَانًا لَهُمْ، فَدَوِّنْ أَنْتَ لَهُمْ دِيوَانًا.
وَقَال آخَرُونَ: بَل سَبَبُ وَضْعِهِ أَنَّ عُمَرَ بَعَثَ بَعْثًا، وَكَانَ عِنْدَهُ الْهُرْمُزَانُ، فَقَال لِعُمَرَ: هَذَا بَعْثٌ قَدْ أَعْطَيْتُ أَهْلَهُ الأَْمْوَال فَإِنْ تَخَلَّفَ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَآجَل بِمَكَانِهِ، فَمِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ صَاحِبُكَ بِهِ؟ فَأَثْبِتْ لَهُمْ دِيوَانًا، فَسَأَلَهُ عَنِ الدِّيوَانِ حَتَّى فَسَّرَهُ لَهُ (4) .
أَصْنَافُ أَهْل الدِّيوَانِ:
3 - سَبَقَ أَنَّ أَهْل الدِّيوَانِ هُمْ مَنْ يُرْزَقُونَ مِنْهُ، وَهُمْ. عِدَّةُ أَصْنَافٍ مِنْهُمْ: أ - أَفْرَادُ الْجَيْشِ:
لاَ بُدَّ لإِِثْبَاتِهِمْ فِي الدِّيوَانِ مِنْ شُرُوطٍ أَوْرَدَهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَهِيَ:
(5) الْبُلُوغُ: فَإِنَّ الصَّبِيَّ مِنْ جُمْلَةِ الذَّرَارِيِّ وَالأَْتْبَاعِ، فَكَانَ عَطَاؤُهُ جَارِيًا فِي عَطَاءِ الذَّرَارِيِّ.
(6) الْحُرِّيَّةُ: لأَِنَّ الْمَمْلُوكَ تَابِعٌ لِسَيِّدِهِ، فَكَانَ دَاخِلاً فِي عَطَائِهِ، وَخَالَفَ فِي هَذَا الشَّرْطِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ رَأْيُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ﵁
(7) الإِْسْلاَمُ: لِيَدْفَعَ عَنِ الْمِلَّةِ بِاعْتِقَادِهِ وَيُوثَقَ بِنُصْحِهِ وَاجْتِهَادِهِ.
(8) السَّلاَمَةُ مِنَ الآْفَاتِ الْمَانِعَةِ مِنَ الْقِتَال.
(9) أَنْ يَكُونَ فِيهِ إِقْدَامٌ عَلَى الْحَرْبِ وَمَعْرِفَةٌ بِالْقِتَال.
(10) أَنْ يَتَجَرَّدَ عَنْ كُل عَمَلٍ (5) .
وَلاَ يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ تَنْظِيمِيَّةٌ قَابِلَةٌ لِلنَّظَرِ فِيهَا بِحَسَبِ اخْتِلاَفِ الأَْزْمِنَةِ وَالأَْمْكِنَةِ بِمَا يُحَقِّقُ الْمَصْلَحَةَ.
ب - ذَوُو الْوِلاَيَاتِ، كَالْوُلاَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالسُّعَاةِ عَلَى الْمَال جَمْعًا وَحِفْظًا وَقِسْمَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَأَئِمَّةِ الصَّلاَةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ (6) .
ج - ذَوُو الْحَاجَاتِ؛ لأَِثَرِ عُمَرَ ﵁، لَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِهَذَا الْمَال مِنْ أَحَدٍ، إِنَّمَا هُوَ الرَّجُل وَسَابِقَتُهُ، وَالرَّجُل وَغِنَاؤُهُ، وَالرَّجُل وَبَلاَؤُهُ، وَالرَّجُل وَحَاجَتُهُ (13) .
الْقَوْل الضَّابِطُ فِي الْمَصَارِفِ:
4 - قَال إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: مَنْ يَرْعَاهُ الإِْمَامُ بِمَا فِي يَدِهِ مِنَ الْمَال ثَلاَثَةُ أَصْنَافٍ:
(13) صِنْفٌ مِنْهُمْ مُحْتَاجُونَ، وَالإِْمَامُ يَبْغِي سَدَّ حَاجَاتِهِمْ، وَهَؤُلاَءِ مُعْظَمُ مُسْتَحِقِّي الزَّكَوَاتِ، الَّذِينَ وَرَدَ ذِكْرُهُمْ فِي الآْيَةِ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. . .} (15) .
(15) أَقْوَامٌ يَبْغِي الإِْمَامُ كِفَايَتَهُمْ وَيَدْرَأُ عَنْهُمْ بِالْمَال الْمُوَظَّفِ لَهُمْ حَاجَتَهُمْ، وَيَتْرُكُهُمْ مَكْفِيِّينَ لِيَكُونُوا مُتَجَرِّدِينَ لِمَا هُمْ بِصَدَدِهِ مِنْ مُهِمِّ الإِْسْلاَمِ، وَهَؤُلاَءِ صِنْفَانِ:
أ - الْمُرْتَزِقَةُ: وَهُمْ نَجْدَةُ الْمُسْلِمِينَ وَعُدَّتُهُمْ وَوَزَرُهُمْ وَشَوْكَتُهُمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ إِلَيْهِمْ مَا يَرُمُّ خَلَّتَهُمْ وَيَسُدَّ حَاجَتَهُمْ.
ب - الَّذِينَ انْتَصَبُوا لإِِقَامَةِ أَرْكَانِ الدِّينِ، وَانْقَطَعُوا بِسَبَبِ اشْتِغَالِهِمْ وَاسْتِقْلاَلِهِمْ بِهَا عَنِ التَّوَصُّل إِلَى مَا يُقِيمُ أَوَدَهُمْ وَيَسُدُّ خَلَّتَهُمْ، وَلَوْلاَ قِيَامُهُمْ بِمَا لاَبَسُوهُ لَتَعَطَّلَتْ أَرْكَانُ الإِْيمَانِ، فَعَلَى الإِْمَامِ أَنْ يَكْفِيَهُمْ مُؤْنَتَهُمْ، حَتَّى يَسْتَرْسِلُوا فِيمَا تَصَدَّوْا لَهُ، وَهَؤُلاَءِ هُمُ الْقُضَاةُ وَالْحُكَّامُ وَالْقُسَّامُ وَالْمُفْتُونَ وَالْمُتَفَقِّهُونَ، وَكُل مَنْ يَقُومُ بِقَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ يُلْهِيهِ قِيَامُهُ عَمَّا فِيهِ سَدَادُهُ وَقِوَامُهُ.
(17) قَوْمٌ يُصْرَفُ إِلَيْهِمْ طَائِفَةٌ مِنْ مَال بَيْتِ الْمَال عَلَى غِنَاهُمْ وَاسْتِظْهَارِهِمْ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ اسْتِحْقَاقُهُمْ عَلَى سَدِّ حَاجَةٍ، وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، الْمُسَمَّوْنَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: {ذَوِي الْقُرْبَى} (18) .
التَّفَاضُل فِي الْعَطَاءِ بَيْنَ أَهْل الدِّيوَانِ:
5 - اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ ﵃ فِي عَطَاءِ أَهْل الدِّيوَانِ:
فَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَلِيٌّ ﵄ يَرَيَانِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ أَهْل الدِّيوَانِ فِي الْعَطَاءِ، وَلاَ يَرَيَانِ التَّفْضِيل بِالسَّابِقَةِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ.
أَمَّا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ ﵄ فَقَدْ كَانَا يَرَيَانِ التَّفْضِيل بِالسَّابِقَةِ فِي الإِْسْلاَمِ، وَزَادَ عُمَرُ التَّفْضِيل بِالْقَرَابَةِ مِنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ مَعَ السَّابِقَةِ فِي الإِْسْلاَمِ.
وَأَخَذَ بِقَوْلِهِمَا مِنَ الْفُقَهَاءِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَفُقَهَاءُ الْعِرَاقِ (19) .
وَقَدْ نَاظَرَ عُمَرُ أَبَا بَكْرٍ حِينَ سَوَّى بَيْنَ النَّاسِ فَقَال: " أَتُسَوِّي بَيْنَ مَنْ هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَصَلَّى إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ، وَمَنْ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ خَوْفَ السَّيْفِ؟ فَقَال لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا عَمِلُوا لِلَّهِ وَأُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ، وَإِنَّمَا الدُّنْيَا دَارُ بَلاَغٍ، فَقَال عُمَرُ: لاَ أَجْعَل مَنْ قَاتَل رَسُول اللَّهِ ﷺ كَمَنْ قَاتَل مَعَهُ. " عَلاَقَةُ أَهْل الدِّيوَانِ بِالْعَاقِلَةِ:
6 - الأَْصْل فِي الْعَاقِلَةِ هُمْ: مَنْ يَنْتَصِرُ بِهِمُ الْقَاتِل مِنْ قَرَابَةٍ وَعَشِيرَةٍ، وَعَلَى هَذَا جَرَى الأَْمْرُ فِي صَدْرِ الإِْسْلاَمِ، ثُمَّ مَعَ كَثْرَةِ الْمَوَالِي وَضَعْفِ الاِهْتِمَامِ بِالاِنْتِسَابِ لِلْقَبَائِل، اعْتَبَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْعَاقِلَةِ: (الدِّيوَانُ) وَأَهْل الْحِرْفَةِ، وَأَهْل السُّوقِ، وَغَيْرُهُمَا مِمَّا يُتَنَاصَرُ بِهِ.
وَلاَ خِلاَفَ أَنَّ النِّسَاءَ وَالذُّرِّيَّةَ - مِمَّنْ لَهُ حَظٌّ فِي الدِّيوَانِ - وَكَذَا الْمَجْنُونُ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنَ الدِّيَةِ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ هَل عَلَى أَهْل الدِّيوَانِ دِيَةٌ أَمْ لاَ؟ .
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى أَهْل الدِّيوَانِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ مَدْخَل لأَِهْل الدِّيوَانِ فِي الْمُعَاقَلَةِ (1) . وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل وَالْخِلاَفُ فِي مُصْطَلَحِ (عَاقِلَةٍ) .
__________
(1) لسان العرب، وتاج العروس والمصباح المنير مادة " دون ". وكلمة " ديوان " فارسية وهي في الفارسية اسم للشياطين، سمي بها الكتاب لحذقهم بالأمور ومعرفتهم بالجلي والخفي، ثم سمي مكان جلوسهم باسمهم (الأحكام السلطانية للماوردي ص 175) .
(2) ابن عابدين 4 / 308 ط بولاق، والمحلى على المنهاج بحاشيتي قليوبي وعميرة 3 / 189 ط الحلبي، وجواهر الإكليل 1 / 256، والأحكام السلطانية للماوردي ص 199 ط الحلبي.
(3) الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 220، والأحكام السلطانية للماوردي ص 175.
(4) الأحكام السلطانية للماوردي ص 175، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 179.
(5) الأحكام السلطانية للماوردي ص 179.
(6) السياسة الشرعية لابن تيمية ص 44.
(7)
(8)
(9)
(10)
(11) الأحكام السلطانية للماوردي ص 179.
(12) السياسة الشرعية لابن تيمية ص 44.
(13) انظر السياسة الشرعية ص 45.
(14) انظر السياسة الشرعية ص 45.
(15) سورة التوبة / 60.
(16) سورة التوبة / 60.
(17)
(18) غياث الأمم ص 181 وما بعدها ط دار الدعوة.
(19) الأحكام السلطانية للماوردي ص 176، 177، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 222، والخراج لأبي يوسف ص 44 وما بعدها.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 118/ 7
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".