الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
إقامة الإنسان غيره بعد وفاته في تصرف من التصرفات . مثل إيصاء المرء بتدبير شؤون أولاده الصغار، لقوله تعالى : ﱫ﴿ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﱪ النساء :12.
طَلَبُ الشَّخْصِ مِنَ الغَيْرِ فِعْلَ شَيْءٍ فِي غَيْبَتِهِ، تَقُولُ: أَوْصَى فُلاَنٌ إِلَى فُلاَنٍ بِالشَّيْءِ يُوصِيهِ إِيصَاءً وَوَصِيَّةً إِذَا طَلَبَ مِنْهُ فِعْلَهُ فِي غَيْبَتِهِ سَوَاءً فِي حَالِ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ، وَالاسْمُ: الوِصَايَّةُ، وَالوَصِيَّةُ: مَا يُوصِي بِهِ، وَالوَصِيُّ: مَنْ يَقُومُ بِالوَصِيَّةِ، وَالتَّوْصِيَةُ: جَعْلُ الشَّخْصِ وَصِيًّا عَلَى شَيْءٍ، وأَصْلُ الإِيصَاءِ: وَصْلُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ، يُقَالُ: وَصَيْتُ الحَبْلَ بِالحَبْلِ أَصِيهِ إِيصَاءً أَيْ وَصَلْتُهُ بِهِ، وَالتَّوَاصِي: الاتِّصَالُ، ومنه سُـمِّيَتْ وَصِيَّةً؛ لأنَّ المُوصِي يُوصِلُ مَا كَانَ فِي حَياتِهِ بِمَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمِنْ مَعَانِي الإِيصَاءِ أَيْضًا: الإِيجَابُ، التَّأْكِيدُ.
يَرِدُ مُصْطلَحُ (إِيْصَاءٍ) فِي كِتَابِ الجَنَائِزِ فِي بَابِ احْتِضَارِ المَيِّتِ، وَكِتَابِ المَوَارِيثِ فِي بَابِ حُقُوقِ التَّرِكَةِ، وَكِتَابِ القَضَاءِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ. وَقَدْ يُطْلَقُ وَيُرادُ بِهِ: (تَمْلِيكٌ مُضافٌ إلى ما بعد المَوْتِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ)، سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ فِي الأَعْيانِ أَوْ فِي المَنافِعِ. فَيَكُونُ بِمَعْنَى (الوَصِيَّةِ).
وصي
إقامة الإنسان غيره بعد وفاته في تصرف من التصرفات.
* جمهرة اللغة : (1/ 241)
* تهذيب اللغة : (12/ 187)
* تاج العروس : (40/ 208)
* البحر الرائق شرح كنز الدقائق : (8/ 459)
* البهجة في شرح التحفة : (2/ 511). - مغني الـمحتاج فـي شرح الـمنهاج : (3/ 39)
* كشاف القناع عن متن الإقناع : (4/ 335)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (7/ 205)
* رد المحتار على الدر المختار : (6/648)
* الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل : (4/24)
* أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء : (ص 111)
* أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء : (ص 111)
* التعريفات الفقهية : (ص 40)
* تهذيب اللغة : (187/12)
* البهجة في شرح التحفة : (230/2)
* الروض المربع : (245/2) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الإِْيصَاءُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ أَوْصَى، يُقَال: أَوْصَى فُلاَنٌ بِكَذَا يُوصِي إِيصَاءً، وَالاِسْمُ الْوِصَايَةُ (بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا) وَهُوَ: أَنْ يَعْهَدَ إِلَى غَيْرِهِ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرٍ مِنَ الأُْمُورِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْقِيَامُ بِذَلِكَ الأَْمْرِ فِي حَال حَيَاةِ الطَّالِبِ أَمْ كَانَ بَعْدَ وَفَاتِهِ. (1)
وَفِي الْمُغْرِبِ: أَوْصَى زَيْدٌ لِعُمَرَ بِكَذَا إِيصَاءً، وَقَدْ وَصَّى بِهِ تَوْصِيَةً، وَالْوَصِيَّةُ وَالْوَصَاةُ اسْمَانِ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ، وَمِنْهُ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا} (2) وَالْوِصَايَةُ بِالْكَسْرِ مَصْدَرُ الْوَصِيِّ. وَقِيل الإِْيصَاءُ: طَلَبُ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ عَلَى غَيْبٍ مِنْهُ حَال حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ (3)
أَمَّا فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ، فَالإِْيصَاءُ بِمَعْنَى الْوَصِيَّةِ، وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ هُوَ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ إِقَامَةُ الإِْنْسَانِ غَيْرَهُ مَقَامَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ فِي تَصَرُّفٍ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، أَوْ فِي تَدْبِيرِ شُئُونِ أَوْلاَدِهِ الصِّغَارِ وَرِعَايَتِهِمْ، وَذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُقَامُ يُسَمَّى الْوَصِيُّ.
أَمَّا إِقَامَةُ غَيْرِهِ مَقَامَهُ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرٍ فِي حَال حَيَاتِهِ، فَلاَ يُقَال لَهُ فِي الاِصْطِلاَحِ إِيصَاءٌ عِنْدَهُمْ، وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ وَكَالَةٌ. (4) الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْوَصِيَّةُ:
2 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ أَعَمُّ مِنَ الإِْيصَاءِ، فَهِيَ عِنْدَهُمْ، تَصْدُقُ عَلَى التَّمْلِيكِ الْمُضَافِ إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ، وَتَصْدُقُ عَلَى الإِْيصَاءِ، وَهُوَ طَلَبُ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، كَقَضَاءِ دُيُونِهِ وَتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ. (5)
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَالإِْيصَاءَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. فَقَدْ عَرَّفَهَا الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهَا: عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ مَال الْعَاقِدِ يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ، أَوْ يُوجِبُ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ (6) وَعَرَّفَهَا بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: (7) بِأَنَّهَا الأَْمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَوِ التَّبَرُّعِ بِالْمَال بَعْدَهُ.
فَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ التَّعْرِيفَيْنِ يُفِيدُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ تَكُونُ بِالتَّبَرُّعِ بِالْمَال بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ تَكُونُ بِإِقَامَةِ الْمُوصِي غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي أَمْرٍ مِنَ الأُْمُورِ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَهِيَ شَامِلَةٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ، فَكِلاَهُمَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْوَصِيَّةِ.
ب - الْوِلاَيَةُ:
3 - الْوِلاَيَةُ هِيَ: الْقُدْرَةُ عَلَى إِنْشَاءِ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ النَّافِذَةِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إِجَازَةِ أَحَدٍ. فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْعُقُودُ وَالتَّصَرُّفَاتُ مُتَعَلِّقَةً بِمَنْ قَامَ بِهَا سُمِّيَتِ الْوِلاَيَةُ وِلاَيَةً قَاصِرَةً، وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِغَيْرِهِ سُمِّيَتِ الْوِلاَيَةُ وِلاَيَةً مُتَعَدِّيَةً، وَهَذِهِ الْوِلاَيَةُ الْمُتَعَدِّيَةُ أَعَمُّ مِنَ الْوِصَايَةِ؛ لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُمَلِّكُ صَاحِبَهُ التَّصَرُّفَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ غَيْرِهِ، إِلاَّ أَنَّ الْوِلاَيَةَ قَدْ يَكُونُ مَصْدَرُهَا الشَّرْعَ، كَوِلاَيَةِ الأَْبِ عَلَى ابْنِهِ، (8) وَقَدْ يَكُونُ مَصْدَرُهَا الْعَقْدَ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَالإِْيصَاءِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ بِتَوْلِيَةِ صَاحِبِ الشَّأْنِ فِي التَّصَرُّفِ، فَهُوَ الَّذِي يَعْهَدُ إِلَى غَيْرِهِ بِالنِّيَابَةِ عَنْهُ فِي بَعْضِ الأُْمُورِ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
ج - الْوَكَالَةُ:
4 - الْوَكَالَةُ: إِقَامَةُ الشَّخْصِ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ فِي تَصَرُّفِ مَمْلُوكٍ قَابِلٍ لِلنِّيَابَةِ؛ لِيَفْعَلَهُ فِي حَال حَيَاتِهِ.
فَهِيَ تُشْبِهُ الإِْيصَاءَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ تَفْوِيضٌ لِلْغَيْرِ فِي الْقِيَامِ بِبَعْضِ الأُْمُورِ نِيَابَةً عَمَّنْ فَوَّضَهُ، إِلاَّ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا مِنْ نَاحِيَةِ أَنَّ التَّفْوِيضَ لِلْغَيْرِ فِي الإِْيصَاءِ يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ، أَمَّا فِي الْوَكَالَةِ فَإِنَّ التَّفْوِيضَ يَكُونُ فِي حَال الْحَيَاةِ.
هَذَا وَسَوْفَ يَقْتَصِرُ الْكَلاَمُ فِي هَذَا الْبَحْثِ عَلَى الإِْيصَاءِ بِمَعْنَى إِقَامَةِ الْوَصِيِّ، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِسَائِرِ أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَصِيَّةٌ) .
مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ عَقْدُ الإِْيصَاءِ:
5 - يَتَحَقَّقُ عَقْدُ الإِْيصَاءِ بِإِيجَابٍ مِنَ الْمُوصِي، وَقَبُولٍ مِنَ الْمُوصَى إِلَيْهِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي الإِْيجَابِ أَنْ يَكُونَ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ، بَل يَصِحُّ بِكُل لَفْظٍ يَدُل عَلَى تَفْوِيضِ الأَْمْرِ إِلَى الْمُوصَى إِلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، مِثْل: جَعَلْتُ فُلاَنًا وَصِيًّا، أَوْ عَهِدْتُ إِلَيْهِ بِمَال أَوْلاَدِي بَعْدَ وَفَاتِي، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ الْقَبُول، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِكُل مَا يَدُل عَلَى الْمُوَافَقَةِ وَالرِّضَى بِمَا صَدَرَ مِنَ الْمُوصِي، سَوَاءٌ أَكَانَ بِالْقَوْل كَقَبِلْتُ أَوْ رَضِيتُ، أَوْ أَجَزْتُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، أَمْ بِالْفِعْل الدَّال عَلَى الرِّضَى، كَبَيْعِ شَيْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، أَوْ شِرَائِهِ شَيْئًا يَصْلُحُ لِلْوَرَثَةِ، أَوْ قَضَائِهِ لِدَيْنٍ أَوِ اقْتِضَائِهِ لَهُ. (9)
وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي الْقَبُول أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسِ الإِْيجَابِ، بَل يَمْتَدُّ زَمَنُهُ إِلَى مَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لأَِنَّ أَثَرَ عَقْدِ الإِْيصَاءِ لاَ يَظْهَرُ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَكَانَ الْقَبُول مُمْتَدًّا إِلَى مَا بَعْدَهُ.
وَصَحَّ قَبُول الإِْيصَاءِ فِي حَال حَيَاةِ الْمُوصِي عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ؛ لأَِنَّ تَصَرُّفَ الْمُوصَى إِلَيْهِ يَقَعُ لِمَنْفَعَةِ الْمُوصِي. فَلَوْ وَقَفَ الْقَبُول وَالرَّدُّ عَلَى مَوْتِهِ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي، وَلَمْ يُسْنِدْ وَصِيَّتَهُ إِلَى أَحَدٍ، فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ إِضْرَارٌ بِهِ، وَهَذَا بِخِلاَفِ قَبُول الْوَصِيَّةِ بِجُزْءٍ مِنَ الْمَال فَإِنَّ قَبُول الْمُوصَى لَهُ لاَ يَكُونُ مُعْتَبَرًا إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لأَِنَّ الاِسْتِحْقَاقَ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَا يَدْعُو إِلَى تَقْدِيمِ الْقَبُول عَلَى الْمَوْتِ. (10) وَفِي الْقَوْل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَصِحُّ الْقَبُول فِي الإِْيصَاءِ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لأَِنَّ الإِْيصَاءَ مُضَافٌ إِلَى الْمَوْتِ، فَقَبْل الْمَوْتِ لَمْ يَدْخُل وَقْتُهُ، فَلاَ يَصِحُّ الْقَبُول أَوِ الرَّدُّ قَبْلَهُ، كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَال. حُكْمُ الإِْيصَاءِ مِنْ حَيْثُ هُوَ:
6 - الأَْصْل فِي الإِْيصَاءِ إِلَى الْغَيْرِ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ، وَذَلِكَ لأَِنَّ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْوِلاَيَةِ عَلَيْهِ مِمَّنْ صَدَرَ عَنْهُ، وَالْمُوصِي تَنْتَهِي وِلاَيَتُهُ بِالْمَوْتِ، إِلاَّ أَنَّ الشَّرْعَ أَجَازَهُ اسْتِثْنَاءً مِنْ هَذَا الأَْصْل، وَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ كَانَ يُوصِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ، فَاعْتُبِرَ هَذَا إِجْمَاعًا مِنْهُمْ عَلَى الْجَوَازِ. رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَال: أَوْصَى إِلَى الزُّبَيْرِ سَبْعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، مِنْهُمْ عُثْمَانُ، وَالْمِقْدَادُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَمُطِيعُ بْنُ الأَْسْوَدِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ لَمَّا عَبَرَ الْفُرَاتَ أَوْصَى إِلَى عُمَرَ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدْ أَوْصَى فَكَتَبَ: إِنْ حَدَثَ بِي حَادِثُ الْمَوْتِ مِنْ مَرَضِي هَذَا، فَمَرْجِعُ وَصِيَّتِي إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ إِلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ.
وَلأَِنَّ الإِْيصَاءَ وَكَالَةٌ وَأَمَانَةٌ فَأَشْبَهَ الْوَدِيعَةَ وَالْوَكَالَةَ فِي الْحَيَاةِ، وَكِلاَهُمَا جَائِزٌ، فَكَذَلِكَ الإِْيصَاءُ. (11)
حُكْمُ الإِْيصَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُوصِي:
7 - الإِْيصَاءُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُوصِي يَكُونُ وَاجِبًا عَلَيْهِ إِذَا كَانَ بِرَدِّ الْمَظَالِمِ، وَقَضَاءِ الدُّيُونِ الْمَجْهُولَةِ، أَوِ الَّتِي يَعْجِزُ عَنْهَا فِي الْحَال؛ لأَِنَّ أَدَاءَهَا وَاجِبٌ، وَالإِْيصَاءُ هُوَ الْوَسِيلَةُ لأَِدَائِهِ، فَيَكُونُ وَاجِبًا مِثْلَهُ. وَكَذَلِكَ الإِْيصَاءُ عَلَى الأَْوْلاَدِ الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ إِذَا خِيفَ عَلَيْهِمُ الضَّيَاعُ؛ لأَِنَّ فِي هَذَا الإِْيصَاءِ صِيَانَةً لَهُمْ مِنَ الضَّيَاعِ، وَصِيَانَةُ الصِّغَارِ مِنَ الضَّيَاعِ وَاجِبَةٌ بِلاَ خِلاَفٍ؛ لِحَدِيثِ: كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُول. (12)
أَمَّا الإِْيصَاءُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ الْمَعْلُومِ، وَرَدِّ الْمَظَالِمِ الْمَعْلُومَةِ، وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا إِنْ كَانَتْ، وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الأَْوْلاَدِ الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمُ الَّذِينَ لاَ يُخْشَى عَلَيْهِمُ الضَّيَاعُ، فَهُوَ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، تَأَسِّيًا بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ فِي ذَلِكَ، حَيْثُ كَانَ يُوصِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، (13) كَمَا تَقَدَّمَ.
هَذَا هُوَ حُكْمُ الإِْيصَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُوصِي.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْوَصِيِّ، فَإِنَّهُ إِذَا أَوْصَى إِلَيْهِ أَحَدٌ جَازَ لَهُ قَبُول الْوَصِيَّةِ، إِذَا كَانَتْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا أُوصِيَ إِلَيْهِ فِيهِ، وَوَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ أَدَاءَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَطْلُوبِ؛ لأَِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ كَانَ بَعْضُهُمْ يُوصِي إِلَى بَعْضٍ، فَيَقْبَلُونَ الْوَصِيَّةَ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ وَصِيًّا لِرَجُلٍ، وَكَانَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَصِيًّا لِسَبْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَقِيَاسُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ (14) أَنَّ تَرْكَ الدُّخُول فِي الْوَصِيَّةِ أَوْلَى؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخَطَرِ، وَهُوَ لاَ يَعْدِل بِالسَّلاَمَةِ شَيْئًا، وَلِذَلِكَ كَانَ يَرَى تَرْكَ الاِلْتِقَاطِ، وَتَرْكُ الإِْحْرَامِ مِنْ قَبْل الْمِيقَاتِ أَفْضَل؛ تَحَرِّيًا لِلسَّلاَمَةِ وَاجْتِنَابًا لِلْخَطَرِ، وَيَدُل عَلَى ذَلِكَ، مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّ النَّبِيَّ قَال لأَِبِي ذَرٍّ: إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيفًا، وَإِنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، فَلاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَال يَتِيمٍ. (15)
وَفِي رَدِّ الْمُحْتَارِ: أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلْوَصِيِّ أَنْ يَقْبَل الْوِصَايَةَ؛ لأَِنَّهَا عَلَى خَطَرٍ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: الدُّخُول فِيهَا أَوَّل مَرَّةٍ غَلَطٌ، وَالثَّانِيَةُ خِيَانَةٌ، وَالثَّالِثَةُ سَرِقَةٌ. (16) وَعَنِ الْحَسَنِ: لاَ يَقْدِرُ الْوَصِيُّ أَنْ يَعْدِل وَلَوْ كَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ. وَقَال أَبُو مُطِيعٍ: مَا رَأَيْتُ فِي مُدَّةِ قَضَائِي عِشْرِينَ سَنَةً مَنْ يَعْدِل فِي مَال ابْنِ أَخِيهِ. (17)
لُزُومُ عَقْدِ الإِْيصَاءِ وَعَدَمُ لُزُومِهِ:
8 - الإِْيصَاءُ لَيْسَ تَصَرُّفًا لاَزِمًا فِي حَقِّ الْمُوصِي بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ مَتَى شَاءَ، أَمَّا فِي حَقِّ الْوَصِيِّ، فَإِنَّ عَقْدَ الإِْيصَاءِ لاَ يَكُونُ لاَزِمًا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ مَتَى شَاءَ، فَإِذَا رَجَعَ كَانَ رُجُوعُهُ عَزْلاً لِنَفْسِهِ عَنِ الإِْيصَاءِ.
إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَيَّدُوا صِحَّةَ هَذَا الرُّجُوعِ بِعِلْمِ الْمُوصِي؛ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ الإِْيصَاءِ إِلَى غَيْرِهِ إِذَا شَاءَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنِ الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوصِي فَلاَ يَصِحُّ رُجُوعُهُ حَتَّى لاَ يَصِيرَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ. (18)
وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ جَوَازَ رُجُوعِ الْوَصِيِّ عَنِ الْوِصَايَةِ إِذَا كَانَ الإِْيصَاءُ وَاجِبًا عَلَى الْمُوصِي بِأَلاَّ يَتَعَيَّنَ الْوَصِيُّ، أَوْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُ الْمَال الْمُوصَى بِرِعَايَتِهِ، بِاسْتِيلاَءِ ظَالِمٍ عَلَيْهِ مِنْ قَاصِدٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ تَعَيَّنَ الْوَصِيُّ، أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَلَفُ الْمَال فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنِ الْوَصِيَّةِ. (19)
أَمَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ عَزْل نَفْسِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، ذَكَرَهَا ابْنُ مُوسَى فِي الإِْرْشَادِ؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّ لَمَّا قَبِل الْوَصِيَّةَ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي فَقَدْ جَعَلَهُ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِيمَا أَوْصَى بِهِ إِلَيْهِ، فَإِذَا رَجَعَ عَنِ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَ تَغْرِيرًا بِهِ، وَهُوَ لاَ يَجُوزُ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: لِلْوَصِيِّ عَزْل نَفْسِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ لأَِنَّ الْوِصَايَةَ كَالْوَكَالَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَصَرُّفٌ بِالإِْذْنِ، وَالْوَكِيل لَهُ عَزْل نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ، فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ. وَقَدِ اسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا وَجَبَ الإِْيصَاءُ وَتَعَيَّنَ الْقَبُول عَلَى الْوَصِيِّ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ عَنِ الْوَصِيَّةِ. (20)
مَنْ يَكُونُ لَهُ تَوْلِيَةُ الْوَصِيِّ:
9 - تَوْلِيَةُ الْوَصِيِّ تَخْتَلِفُ تَبَعًا لاِخْتِلاَفِ مَا يَتَعَلَّقُ الإِْيصَاءُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ الإِْيصَاءُ بِتَصَرُّفٍ مُعَيَّنٍ، كَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَاقْتِضَائِهَا، وَرَدِّ الْوَدَائِعِ وَاسْتِرْدَادِهَا، وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَالَّذِي يَكُونُ لَهُ تَوْلِيَةُ الْوَصِيِّ هُوَ صَاحِبُ الشَّأْنِ فِي ذَلِكَ التَّصَرُّفِ؛ لأَِنَّ مَنْ لَهُ وِلاَيَةٌ عَلَى تَصَرُّفٍ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، كَانَ لَهُ أَنْ يُنِيبَ عَنْهُ غَيْرَهُ فِيهِ لِلْقِيَامِ بِهِ فِي حَال حَيَاتِهِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ، وَبَعْدَ وَفَاتِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ، أَمَّا إِنْ كَانَ الإِْيصَاءُ بِرِعَايَةِ الأَْوْلاَدِ الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ، كَالْمَجَانِينِ وَالْمَعْتُوهِينَ، وَالنَّظَرِ فِي أَمْوَالِهِمْ بِحِفْظِهَا وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِمَا يَنْفَعُهُمْ، فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ تَوْلِيَةَ الْوَصِيِّ تَكُونُ لِلأَْبِ؛ لأَِنَّ لِلأَْبِ - عِنْدَهُمْ جَمِيعًا - الْوِلاَيَةُ عَلَى أَوْلاَدِهِ الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ فِي حَال حَيَاتِهِ، فَيَكُونُ لَهُ الْحَقُّ فِي إِقَامَةِ خَلِيفَةٍ عَنْهُ فِي الْوِلاَيَةِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
وَمِثْل الأَْبِ فِي هَذَا الْحُكْمِ الْجَدُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (21) وَالشَّافِعِيَّةِ (22) ، فَلَهُ حَقُّ تَوْلِيَةِ الْوَصِيِّ؛ لأَِنَّ الْجَدَّ لَهُ عِنْدَهُمُ الْوِلاَيَةُ عَلَى أَوْلاَدِ أَوْلاَدِهِ وَإِنْ نَزَلُوا، فَيَكُونُ لَهُ حَقُّ الإِْيصَاءِ عَلَيْهِمْ لِمَنْ شَاءَ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالأَْبِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ (23) وَالْحَنَابِلَةُ (24) : لَيْسَ لِلْجَدِّ حَقُّ تَوْلِيَةِ وَصِيٍّ عَنْهُ عَلَى أَوْلاَدِ أَوْلاَدِهِ؛ لأَِنَّ الْجَدَّ لاَ وِلاَيَةَ لَهُ عِنْدَهُمْ عَلَى أَمْوَال هَؤُلاَءِ الأَْوْلاَدِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُدْلِي إِلَيْهِمْ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يُدْلِي إِلَيْهِمْ بِالأَْبِ، فَكَانَ كَالأَْخِ وَالْعَمِّ، وَلاَ وِلاَيَةَ لأَِحَدِهِمَا عَلَى مَال أَوْلاَدِ أَخِيهِ، فَكَذَلِكَ الْجَدُّ لاَ وِلاَيَةَ لَهُ عَلَى مَال أَوْلاَدِ أَوْلاَدِهِ.
وَلِوَصِيِّ الأَْبِ حَقُّ الإِْيصَاءِ بَعْدَهُ لِمَنْ شَاءَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّ الأَْبَ أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ، فَكَانَ لَهُ الإِْيصَاءُ كَالأَْبِ، وَيُوَافِقُ الْحَنَفِيَّةَ فِي ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَيَّدُوا حَقَّ الْوَصِيِّ فِي الإِْيصَاءِ لِغَيْرِهِ بِمَا إِذَا لَمْ يَمْنَعْهُ الأَْبُ مِنَ الإِْيصَاءِ إِلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ مَنَعَهُ مِنَ الإِْيصَاءِ إِلَى غَيْرِهِ، كَأَنْ قَال لَهُ: أَوْصَيْتُكَ عَلَى أَوْلاَدِي، وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تُوصِيَ عَلَيْهِمْ، فَلاَ يَجُوزُ لَهُ الإِْيصَاءُ. (25)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ: لَيْسَ لِلْوَصِيِّ حَقُّ الإِْيصَاءِ إِلَى غَيْرِهِ، إِلاَّ إِذَا جَعَل لَهُ الإِْيصَاءَ إِلَى غَيْرِهِ؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنِ الْمُوصِي، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّفْوِيضُ إِلَى غَيْرِهِ، إِلاَّ إِذَا أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، كَالْوَكِيل، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ تَوْكِيل غَيْرِهِ فِيمَا وُكِّل فِيهِ، إِلاَّ إِذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّل، فَكَذَلِكَ (26) الْوَصِيُّ.
وَلِلْقَاضِي إِذَا لَمْ يُوصِ الأَْبُ وَالْجَدُّ أَوْ وَصِيُّهُمَا لأَِحَدٍ أَنْ يُعَيِّنَ وَصِيًّا مِنْ قِبَلِهِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ. (27) وَالْقَاضِي لاَ يَلِي أُمُورَ الْقَاصِرِينَ بِنَفْسِهِ، وَلَكِنَّهُ يَكِل أُمُورَهُمْ إِلَى مَنْ يُعَيِّنُهُمْ مِنَ الأَْوْصِيَاءِ. (28)
أَمَّا الأُْمُّ فَلَيْسَ لَهَا تَوْلِيَةُ الْوَصِيِّ عَلَى أَوْلاَدِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ (29) وَالشَّافِعِيَّةِ (30) وَالْحَنَابِلَةِ (31) لأَِنَّهُ لاَ وِلاَيَةَ لَهَا عَلَى أَوْلاَدِهَا فِي حَال حَيَاتِهَا، فَلاَ يَكُونُ لَهَا حَقُّ إِقَامَةِ خَلِيفَةٍ عَنْهَا فِي حَال وَفَاتِهَا.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لِلأُْمِّ الْحَقُّ فِي الإِْيصَاءِ عَلَى أَوْلاَدِهَا، إِذَا تَوَافَرَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ الثَّلاَثَةُ::
(29) أَنْ يَكُونَ مَال الأَْوْلاَدِ مَوْرُوثًا عَنِ الأُْمِّ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَوْرُوثٍ عَنْهَا، فَلَيْسَ لَهَا الإِْيصَاءُ فِيهِ.
(30) أَنْ يَكُونَ الْمَال الْمَوْرُوثُ عَنْهَا قَلِيلاً، فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَلاَ يَكُونُ لَهَا الإِْيصَاءُ عَلَيْهِ، وَالْمُعَوَّل عَلَيْهِ فِي اعْتِبَارِ الْمَال قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا هُوَ الْعُرْفُ، فَمَا اعْتُبِرَ فِي عُرْفِ النَّاسِ كَثِيرًا كَانَ كَثِيرًا، وَمَا اعْتُبِرَ فِي عُرْفِهِمْ قَلِيلاً كَانَ قَلِيلاً.
(31) أَلاَّ يَكُونَ لِلأَْوْلاَدِ أَبٌ، أَوْ وَصِيٌّ مِنَ الأَْبِ أَوِ الْقَاضِي، فَإِنْ وُجِدَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلاَءِ فَلَيْسَ لِلأُْمِّ حَقُّ الإِْيصَاءِ عَلَيْهِمْ. (35)
مَنْ تَكُونُ عَلَيْهِ الْوِصَايَةُ:
10 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ الْوِصَايَةَ تَكُونُ عَلَى الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ، وَهُمُ الْمَجَانِينُ وَالْمَعْتُوهُونَ مِنَ الْجِنْسَيْنِ؛ لأَِنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَى مَنْ يَرْعَى شُؤُونَهُمْ فِي التَّعْلِيمِ وَالتَّأْدِيبِ وَالتَّزْوِيجِ إِنِ احْتَاجُوا إِلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ لَهُمْ مَالٌ احْتَاجُوا إِلَى مَنْ يَقُومُ بِحِفْظِهِ وَصِيَانَتِهِ وَاسْتِثْمَارِهِ. (36) شُرُوطُ الْوَصِيِّ:
11 - اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ شُرُوطًا لاَ يَصِحُّ الإِْيصَاءُ إِلاَّ بِتَوَافُرِهَا، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ بَعْضُهَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِهَا، وَبَعْضُهَا اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِهِ.
أَمَّا الشُّرُوطُ الَّتِي اتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِهَا فَهِيَ:
(37) الْعَقْل وَالتَّمْيِيزُ، وَعَلَى هَذَا لاَ يَصِحُّ الإِْيصَاءُ إِلَى الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ؛ لأَِنَّهُ لاَ وِلاَيَةَ لأَِحَدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلاَ يَكُونُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي شُئُونِ غَيْرِهِ بِالطَّرِيقِ الأَْوْلَى.
(38) الإِْسْلاَمُ، إِذَا كَانَ الْمُوصَى عَلَيْهِ مُسْلِمًا؛ لأَِنَّ الْوِصَايَةَ وِلاَيَةٌ، وَلاَ وِلاَيَةَ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَل اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} (37) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (38) وَلأَِنَّ الاِتِّفَاقَ فِي الدِّينِ بَاعِثٌ عَلَى الْعِنَايَةِ وَشِدَّةِ الرِّعَايَةِ بِالْمُوَافِقِ فِيهِ، كَمَا أَنَّ الاِخْتِلاَفَ فِي الدِّينِ بَاعِثٌ فِي الْغَالِبِ عَلَى تَرْكِ الْعِنَايَةِ بِمَصَالِحِ الْمُخَالِفِ فِيهِ.
(41) قُدْرَةُ الْمُوصَى إِلَيْهِ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا أُوصِيَ إِلَيْهِ فِيهِ، وَحُسْنُ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ الْقِيَامِ بِذَلِكَ؛ لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرِ سِنٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَلاَ يَصِحُّ الإِْيصَاءُ إِلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ لاَ مَصْلَحَةَ تُرْجَى مِنَ الإِْيصَاءِ إِلَى مَنْ كَانَ هَذَا حَالُهُ.
وَأَمَّا الشُّرُوطُ الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيهَا فَهِيَ:
(37) الْبُلُوغُ، فَهُوَ شَرْطٌ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (41) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، (44) فَلاَ يَصِحُّ الإِْيصَاءُ إِلَى الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ؛ لأَِنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ لاَ وِلاَيَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلاَ عَلَى مَالِهِ، فَلاَ تَكُونُ لَهُ الْوِلاَيَةُ عَلَى غَيْرِهِ وَمَالِهِ، كَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: بُلُوغُ الْمُوصَى إِلَيْهِ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الإِْيصَاءِ إِلَيْهِ، بَل الشَّرْطُ عِنْدَهُمْ هُوَ التَّمْيِيزُ، (45) وَعَلَى هَذَا: لَوْ أَوْصَى الأَْبُ أَوِ الْجَدُّ إِلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِل كَانَ الإِْيصَاءُ صَحِيحًا عِنْدَهُمْ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْوِصَايَةِ، وَيُعَيِّنَ وَصِيًّا آخَرَ بَدَلاً مِنْهُ؛ لأَِنَّ الصَّبِيَّ لاَ يَهْتَدِي إِلَى التَّصَرُّفِ، وَلَوْ تَصَرَّفَ قَبْل الإِْخْرَاجِ، قِيل يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، وَقِيل لاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ إِلْزَامُهُ بِالْعُهْدَةِ فِيهِ.
وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَجْهًا فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إِلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِل؛ لأَِنَّ أَحْمَدَ قَدْ نَصَّ عَلَى صِحَّةِ وَكَالَتِهِ، وَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَاوَزَ الْعَشْرَ. (46)
(46) الْعَدَالَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا: الاِسْتِقَامَةُ فِي الدِّينِ، وَتَتَحَقَّقُ بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ الدِّينِيَّةِ، وَعَدَمِ ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ مِنَ الْكَبَائِرِ، كَالزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ إِلَى غَيْرِ الْعَدْل - وَهُوَ الْفَاسِقُ - لاَ تَصِحُّ؛ لأَِنَّ الْوِصَايَةَ وِلاَيَةٌ وَائْتِمَانٌ، وَلاَ وِلاَيَةَ وَلاَ ائْتِمَانَ لِفَاسِقٍ. (48)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الْعَدَالَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ، فَيَصِحُّ عِنْدَهُمُ الإِْيصَاءُ لِلْفَاسِقِ مَتَى كَانَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ، وَلاَ يُخْشَى مِنْهُ الْخِيَانَةُ. (49) وَيُوَافِقُ الْحَنَفِيَّةَ فِي ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ، حَيْثُ إِنَّهُمْ قَالُوا: الْمُرَادُ بِالْعَدَالَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْوَصِيِّ: الأَْمَانَةُ وَالرِّضَى فِيمَا يَشْرَعُ فِيهِ وَيَفْعَلُهُ، بِأَنْ يَكُونَ حَسَنَ التَّصَرُّفِ، حَافِظًا لِمَال الصَّبِيِّ، وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْمَصْلَحَةِ. (50)
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُل عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ إِلَى الْفَاسِقِ صَحِيحَةٌ، فَإِنَّهُ قَال فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: إِذَا كَانَ (يَعْنِي الْوَصِيَّ) مُتَّهَمًا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ. وَهَذَا يَدُل عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ، وَيَضُمُّ الْحَاكِمُ إِلَيْهِ أَمِينًا. (51)
أَمَّا الذُّكُورَةُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْوَصِيِّ، فَيَصِحُّ الإِْيصَاءُ إِلَى الْمَرْأَةِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَوْصَى إِلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ، وَلأَِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْل الشَّهَادَةِ كَالرَّجُل، فَتَكُونُ أَهْلاً لِلْوِصَايَةِ مِثْلَهُ. (52)
الْوَقْتُ الْمُعْتَبَرُ لِتَوَافُرِ الشُّرُوطِ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ:
12 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَقْتِ الْمُعْتَبَرِ لِتَوَافُرِ الشُّرُوطِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْوَقْتَ الْمُعْتَبَرَ لِتَحَقُّقِ الشُّرُوطِ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ أَوْ عَدَمُ تَحَقُّقِهَا هُوَ وَقْتُ وَفَاةِ الْمُوصِي؛ لأَِنَّ هَذَا الْوَقْتَ هُوَ وَقْتُ اعْتِبَارِ الْقَبُول وَتَنْفِيذُ الإِْيصَاءِ، فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَبَرَ دُونَ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوِ انْتَفَتِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا عِنْدَ الإِْيصَاءِ، ثُمَّ وُجِدَتْ عِنْدَ الْمَوْتِ، صَحَّ الإِْيصَاءُ، وَلَوْ تَحَقَّقَتِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا عِنْدَ الإِْيصَاءِ، ثُمَّ انْتَفَتْ أَوِ انْتَفَى بَعْضُهَا عِنْدَ الْمَوْتِ، فَلاَ يَصِحُّ الإِْيصَاءُ.
وَهَذَا الرَّأْيُ أَيْضًا هُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ نَجِدْهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي كُتُبِهِمُ الَّتِي رَجَعْنَا إِلَيْهَا، وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا قَالُوهُ فِي اشْتِرَاطِ أَلاَّ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَال وَارِثًا لِلْمُوصِي، فَإِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ الْمُعْتَبَرَ لِتَحَقُّقِ هَذَا الشَّرْطِ أَوْ عَدَمِ تَحَقُّقِهِ هُوَ وَقْتُ وَفَاةِ الْمُوصِي، لاَ وَقْتُ الْوَصِيَّةِ، (53) وَهَذَا يَدُل دَلاَلَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْمَوْتِ هُوَ أَيْضًا الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُمْ فِي الشُّرُوطِ الْوَاجِبِ تَوَافُرُهَا فِي الْوَصِيِّ إِلَيْهِ لِصِحَّةِ الإِْيصَاءِ.
وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، الْوَقْتُ الْمُعْتَبَرُ لِتَحَقُّقِ هَذِهِ الشُّرُوطِ أَوْ عَدَمِ تَحَقُّقِهَا هُوَ وَقْتُ الإِْيصَاءِ وَوَقْتُ وَفَاةِ الْمُوصِي جَمِيعًا، أَمَّا وَجْهُ اعْتِبَارِ وُجُودِهَا عِنْدَ الإِْيصَاءِ فَلأَِنَّهَا شُرُوطٌ لِصِحَّةِ عَقْدِ الإِْيصَاءِ، فَاعْتُبِرَ وُجُودُهَا حَال وُجُودِهِ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ.
وَأَمَّا وَجْهُ اعْتِبَارِ وُجُودِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ؛ فَلأَِنَّ الْمُوصَى إِلَيْهِ إِنَّمَا يَتَصَرَّفُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَاعْتُبِرَ وُجُودُهَا عِنْدَهُ، كَالإِْيصَاءِ لَهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَال. (54)
سُلْطَةُ الْوَصِيِّ:
13 - سُلْطَةُ الْوَصِيِّ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى حَسَبِ الإِْيصَاءِ عُمُومًا وَخُصُوصًا، فَإِنْ كَانَ الإِْيصَاءُ خَاصًّا بِشَيْءٍ، كَقَضَاءِ الدُّيُونِ أَوِ اقْتِضَائِهَا، أَوْ رَدِّ الْوَدَائِعِ أَوِ اسْتِرْدَادِهَا، أَوِ النَّظَرِ فِي أَمْرِ الأَْطْفَال وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ، كَانَتْ سُلْطَةُ الْوَصِيِّ مَقْصُورَةً عَلَى مَا أُوصِيَ إِلَيْهِ فِيهِ، لاَ تَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ الإِْيصَاءُ عَامًّا، كَأَنْ قَال الْمُوصِي: أَوْصَيْتُ إِلَى فُلاَنٍ فِي كُل أُمُورِي، كَانَتْ سُلْطَةُ الْوَصِيِّ شَامِلَةً لِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ، كَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَاقْتِضَائِهَا، وَرَدِّ الْوَدَائِعِ وَاسْتِرْدَادِهَا، وَحِفْظِ أَمْوَال الصِّغَارِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا، وَتَزْوِيجِ مَنِ احْتَاجَ إِلَى الزَّوَاجِ مِنْ أَوْلاَدِهِ. وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِالإِْذْنِ مِنَ الْمُوصِي كَالْوَكِيل. فَإِنْ كَانَ الإِْذْنُ خَاصًّا كَانَتْ سُلْطَتُهُ مَقْصُورَةً عَلَى مَا أُذِنَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الإِْذْنُ عَامًّا كَانَتْ سُلْطَتُهُ عَامَّةً، وَقَدِ اسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ، فَقَالُوا: لاَ يَصِحُّ الإِْيصَاءُ بِتَزْوِيجِهِمَا؛ لأَِنَّ الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ لاَ يُزَوِّجُهُمَا إِلاَّ الأَْبُ أَوِ الْجَدُّ؛ وَلأَِنَّ الْوَصِيَّ لاَ يَتَعَيَّرُ بِدُخُول الدَّنِيِّ فِي نَسَبِهِمْ. (55)
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي الْمَذْهَبِ: إِنَّ الإِْيصَاءَ الصَّادِرَ مِنَ الأَْبِ يَكُونُ عَامًّا، وَلاَ يَقْبَل التَّخْصِيصَ بِنَوْعٍ أَوْ مَكَان أَوْ زَمَانٍ؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الأَْبِ، وَوِلاَيَةُ الأَْبِ عَامَّةٌ، فَكَذَلِكَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلأَِنَّهُ لَوْلاَ ذَلِكَ لاَحْتَجْنَا إِلَى تَعْيِينِ وَصِيٍّ آخَرَ، وَالْمُوصِي قَدِ اخْتَارَ هَذَا وَصِيًّا فِي بَعْضِ أُمُورِهِ، فَجَعْلُهُ وَصِيًّا فِي الْكُل أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ؛ لأَِنَّهُ رَضِيَ بِتَصَرُّفِ هَذَا فِي الْبَعْضِ، وَلَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِي شَيْءٍ أَصْلاً، وَعَلَى هَذَا: لَوْ أَوْصَى الأَْبُ إِلَى رَجُلٍ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِ مَالِهِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ مَثَلاً، صَارَ وَصِيًّا عَامًّا عَلَى أَوْلاَدِهِ وَتَرِكَتِهِ، وَلَوْ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَإِلَى آخَرَ بِتَنْفِيذِ وَصَيِّتَةِ، كَانَا وَصِيَّيْنِ فِي كُل شَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. (56)
حُكْمُ عُقُودِ الْوَصِيِّ وَتَصَرُّفَاتِهِ:
14 - الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ فِي عُقُودِ الْوَصِيِّ وَتَصَرُّفَاتِهِ: أَنَّ الْوَصِيَّ مُقَيَّدٌ فِي تَصَرُّفِهِ بِالنَّظَرِ وَالْمَصْلَحَةِ لِمَنْ فِي وِصَايَتِهِ، وَعَلَى هَذَا لاَ يَكُونُ لِلْوَصِيِّ سُلْطَةُ مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ ضَرَرًا مَحْضًا كَالْهِبَةِ، أَوِ التَّصَدُّقِ، أَوِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، فَإِذَا بَاشَرَ الْوَصِيُّ تَصَرُّفًا مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ كَانَ تَصَرُّفُهُ بَاطِلاً، لاَ يَقْبَل الإِْجَازَةَ مِنْ أَحَدٍ، وَيَكُونُ لَهُ سُلْطَةُ مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفَاتِ النَّافِعَةِ نَفْعًا مَحْضًا، كَقَبُول الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ، وَالْكَفَالَةِ لِلْمَال. وَمِثْل هَذَا: التَّصَرُّفَاتُ الدَّائِرَةُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالإِْجَارَةِ وَالاِسْتِئْجَارِ وَالْقِسْمَةِ وَالشَّرِكَةِ، فَإِنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُبَاشِرَهَا، إِلاَّ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا ضَرَرٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهَا لاَ تَكُونُ صَحِيحَةً.
هَذَا مُجْمَل الْقَوْل فِي عُقُودِ الْوَصِيِّ وَتَصَرُّفَاتِهِ، أَمَّا تَفْصِيل الْقَوْل فِيهَا فَهُوَ كَمَا يَأْتِي:
أ - يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَمْوَال مَنْ فِي وِصَايَتِهِ، وَأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُمْ، مَا دَامَ الْبَيْعُ أَوِ الشِّرَاء بِمِثْل الْقِيمَةِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ، وَهُوَ مَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ عَادَةً؛ لأَِنَّ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ لاَ بُدَّ مِنْ حُصُولِهِ فِي الْمُعَامَلاَتِ الْمَالِيَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَتَسَامَحْ فِيهِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى سَدِّ بَابِ التَّصَرُّفَاتِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْبَيْعُ أَوِ الشِّرَاءُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَهُوَ مَا لاَ يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ عَادَةً، فَإِنَّ الْعَقْدَ لاَ يَكُونُ صَحِيحًا.
وَهَذَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَنْقُولاً، أَمَّا إِنْ كَانَ عَقَارًا فَلاَ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَهُ، إِلاَّ إِذَا كَانَ هُنَاكَ مُسَوِّغٌ شَرْعِيٌّ؛ لأَِنَّ الْعَقَارَ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ، فَلاَ حَاجَةَ إِلَى بَيْعِهِ إِلاَّ إِذَا وُجِدَ مُسَوِّغٌ شَرْعِيٌّ، كَأَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْعَقَارِ خَيْرًا مِنْ بَقَائِهِ، وَذَلِكَ فِي الْحَالاَتِ الآْتِيَةِ:
(57) أَنْ يَرْغَبَ شَخْصٌ فِي شِرَاءِ الْعَقَارِ بِضِعْفِ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنَّ الْوَصِيَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، يَسْتَطِيعُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ عَقَارًا أَنْفَعَ مِنَ الَّذِي بَاعَهُ.
(58) أَنْ تَكُونَ ضَرِيبَةُ الْعَقَارِ وَمَا يُصْرَفُ عَلَيْهِ لِلصِّيَانَةِ أَوِ الزِّرَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى غَلاَّتِهِ.
(59) أَنْ يَكُونَ الصِّغَارُ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ فِي حَاجَةٍ إِلَى النَّفَقَةِ، وَلاَ سَبِيل إِلَى تَدْبِيرِ ذَلِكَ إِلاَّ بِبَيْعِ الْعَقَارِ الْمَمْلُوكِ لَهُمْ، فَيَسُوغُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَكْفِي لِلإِْنْفَاقِ عَلَيْهِمْ. (57)
وَمِثْل ذَلِكَ بَيْعُ وَصِيِّ الأَْبِ أَوِ الْجَدِّ مَال نَفْسِهِ لِلْمُوصَى عَلَيْهِمْ، أَوْ شِرَاءُ مَال نَفْسِهِ لَهُمْ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْمُوصَى عَلَيْهِمْ، كَأَنْ يَبِيعَ الْعَقَارَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ، وَيَشْتَرِيَهُ مِنْهُمْ بِضِعْفِ قِيمَتِهِ، وَفِي غَيْرِ الْعَقَارِ: أَنْ يَبِيعَ لَهُمْ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ، وَيَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْل الْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ رَأْيُ الإِْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ. (61) وَقَال الأَْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ، وَمُحَمَّدٌ، (62) وَأَبُو يُوسُفَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: لاَ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ مَال الْمُوصَى عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ لِعَدَمِ وُفُورِ شَفَقَتِهِ، مِمَّا يَجْعَلُهُ يُؤْثِرُ مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ عَلَى مَصْلَحَةِ مَنْ فِي وِصَايَتِهِ؛ وَلأَِنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ إِذَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ مَال الْمُوصَى عَلَيْهِمْ، نَظَرَ الْحَاكِمُ فِيهِ، فَإِنْ وَجَدَ فِي شِرَائِهِ مَصْلَحَةً، بِأَنِ اشْتَرَى الْمَبِيعَ بِقِيمَتِهِ أَمْضَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِ مَصْلَحَةً رَدَّهُ.
وَلِلْوَصِيِّ اقْتِضَاءُ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَلَهُ تَأْخِيرُ اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ الْحَال إِنْ كَانَ فِي تَأْخِيرِهِ مَصْلَحَةٌ. (63)
ب - وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَال مَنْ فِي وِصَايَتِهِ لِمَنْ يَسْتَثْمِرُهُ اسْتِثْمَارًا شَرْعِيًّا، كَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُشَارَكَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُل مَا لَهُمْ فِيهِ خَيْرٌ وَمَنْفَعَةٌ.
كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَقُومَ بِالاِتِّجَارِ فِيهِ بِنَفْسِهِ، فِي نَظِيرِ جُزْءٍ مِنَ الرِّبْحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ لِلْوَصِيِّ اسْتِثْمَارُ مَال مَنْ فِي وِصَايَتِهِ بِجُزْءٍ مِنَ الرِّبْحِ؛ لِئَلاَّ يُحَابِيَ نَفْسَهُ، فَإِنِ اسْتَثْمَرَهُ مَجَّانًا فَلاَ يُكْرَهُ، بَل هُوَ مِنَ الْمَعْرُوفِ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ. (64) وَقَال الْحَنَابِلَةُ: مَتَى اتَّجَرَ الْوَصِيُّ فِي الْمَال بِنَفْسِهِ، فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْيَتِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ. (65) وَاسْتِثْمَارُ مَال الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ وَاجِبٌ عَلَى الْوَصِيِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِقَوْل عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: ابْتَغُوا فِي أَمْوَال الْيَتَامَى، لاَ تَأْكُلْهَا الصَّدَقَةُ (66) وَمَنْدُوبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّ فِيهِ خَيْرًا وَنَفْعًا لأَِصْحَابِ الْمَال، وَالشَّرْعُ يَحُثُّ عَلَى فِعْل مَا فِيهِ الْخَيْرُ لِلنَّاسِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُل عَلَى الْوُجُوبِ، وَالأَْمْرُ بِالاِتِّجَارِ فِي قَوْل عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، كَمَا قَال ابْنُ رُشْدٍ. (67)
ج - وَلِلْوَصِيِّ الإِْنْفَاقُ عَلَى الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ بِحَسَبِ قِلَّةِ الْمَال وَكَثْرَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ، فَلاَ يَضِيقُ عَلَى صَاحِبِ الْمَال الْكَثِيرِ دُونَ نَفَقَةِ مِثْلِهِ، وَلاَ يُوَسِّعُ عَلَى صَاحِبِ الْمَال الْقَلِيل بِأَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ مِثْلِهِ.
وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ إِلَيْهِمْ أَوْ إِلَى مَنْ يَكُونُونَ فِي حَضَانَتِهِ لِمُدَّةِ شَهْرٍ، إِذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لاَ يُتْلِفُونَهُ، فَإِنْ خَافَ إِتْلاَفَهُ دَفَعَ إِلَيْهِمْ مَا يَحْتَاجُونَهُ يَوْمًا فَيَوْمًا.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ لاَ يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَهُ فِي الْمُصَاهَرَاتِ بَيْنَ الْيَتِيمِ وَالْيَتِيمَةِ وَغَيْرِهِمَا فِي خَلْعِ الْخَاطِبِ أَوِ الْخَطِيبَةِ، وَفِي الضِّيَافَاتِ الْمُعْتَادَةِ، وَالْهَدَايَا الْمَعْهُودَةِ، وَفِي الأَْعْيَادِ - وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ - وَفِي اتِّخَاذِ ضِيَافَةٍ لِخَتْنِهِ لِلأَْقَارِبِ وَالْجِيرَانِ، مَا لَمْ يُسْرِفْ فِيهِ، وَكَذَا لِمُؤَدِّبِهِ، وَمَنْ عِنْدَهُ مِنَ الصِّبْيَانِ، فَإِنْ أَسْرَفَ كَانَ ضَامِنًا لِمَا أَسْرَفَ فِيهِ. (68)
كَمَا نَصُّوا عَلَى أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْيَتِيمِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالأَْدَبِ، إِنْ كَانَ أَهْلاً لِذَلِكَ، وَصَارَ الْوَصِيُّ مَأْجُورًا عَلَى تَصَرُّفِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلاً لِهَذَا التَّعَلُّمِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّفَ فِي تَعْلِيمِهِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ فِي صَلاَتِهِ. (69) وَفِي الْمُغْنِي: (70) يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُلْحِقَ الصَّبِيَّ بِالْمَكْتَبِ لِيَتَعَلَّمَ الْقِرَاءَةَ وَالْكِتَابَةَ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِ حَاكِمٍ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي صِنَاعَةٍ، إِذَا كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ فِي ذَلِكَ.
د - وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَحْتَال بِدَيْنِ مَنْ فِي وِصَايَتِهِ إِذَا كَانَ الْمُحَال عَلَيْهِ أَمْلأََ مِنَ الْمَدِينِ الأَْصْلِيِّ، فَإِنْ كَانَ أَعْسَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ؛ لأَِنَّ وِلاَيَتَهُ مُقَيَّدَةٌ بِالنَّظَرِ، وَلَيْسَ مِنَ النَّظَرِ قَبُول الْحَوَالَةِ عَلَى الأَْعْسَرِ. (71)
هـ - وَلاَ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَهَبَ شَيْئًا مِنْ مَال الصَّغِيرِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِ، وَلاَ أَنْ يَتَصَدَّقَ، وَلاَ أَنْ يُوصِيَ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ لأَِنَّهَا مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ ضَرَرًا مَحْضًا، فَلاَ يَمْلِكُهَا الْوَصِيُّ، وَلاَ الْوَلِيُّ وَلَوْ كَانَ أَبًا.
و وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ مَال الصَّغِيرِ وَنَحْوَهُ لِغَيْرِهِ، وَلاَ أَنْ يَقْتَرِضَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِمَا فِي إِقْرَاضِهِ مِنْ تَعْطِيل الْمَال عَنِ الاِسْتِثْمَارِ، وَالْوَصِيُّ مَأْمُورٌ بِتَنْمِيَتِهِ بِقَدْرِ الإِْمْكَانِ. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ. (72) وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ الإِْقْرَاضُ بِلاَ ضَرُورَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الْقَاضِي. (73) وَقَيَّدَ الْحَنَابِلَةُ عَدَمَ جَوَازِ الإِْقْرَاضِ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَظٌّ لِلْيَتِيمِ، فَمَتَى أَمْكَنَ الْوَصِيُّ التِّجَارَةَ بِهِ أَوْ تَحْصِيل عَقَارٍ لَهُ فِيهِ الْحَظُّ لَمْ يُقْرِضْهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ وَكَانَ فِي إِقْرَاضِهِ حَظٌّ لِلْيَتِيمِ جَازَ، كَأَنْ يَكُونَ لِلْيَتِيمِ مَالٌ مَثَلاً يُرِيدُ نَقْلَهُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَيُقْرِضُهُ لِرَجُلٍ لِيَقْضِيَهُ بَدَلَهُ فِي الْبَلَدِ الآْخَرِ، يَقْصِدُ حِفْظَهُ مِنَ الْغَرَرِ فِي نَقْلِهِ، أَوْ يَخَافُ عَلَيْهِ الْهَلاَكَ مِنْ نَهْبٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، أَوْ يَكُونُ مِمَّا يُتْلَفُ بِتَطَاوُل مُدَّتِهِ، أَوْ يَكُونُ حَدِيثُهُ خَيْرًا مِنْ قَدِيمِهِ كَالْحِنْطَةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَظٌّ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إِرْفَاقَ الْمُقْتَرِضِ وَقَضَاءَ حَاجَتِهِ، فَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ. (74)
النَّاظِرُ عَلَى الْوَصِيِّ، وَمُهِمَّتُهُ:
15 - النَّاظِرُ عَلَى الْوَصِيِّ هُوَ الشَّخْصُ الَّذِي يُعَيِّنُهُ الْمُوصِي أَوِ الْقَاضِي لِمُرَاقَبَةِ أَعْمَال الْوَصِيِّ وَتَصَرُّفَاتِهِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْوِصَايَةِ، دُونَ أَنْ يَشْتَرِكَ مَعَهُ فِي إِجْرَائِهَا، وَذَلِكَ لِضَمَانِ قِيَامِ الْوَصِيِّ بِعَمَلِهِ عَلَى الْوَجْهِ الأَْكْمَل. وَتَسْمِيَتُهُ بِهَذَا الاِسْمِ اصْطِلاَحُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ (75) ، وَيُسَمِّيهِ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا وَالشَّافِعِيَّةُ: مُشْرِفًا، (76) أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيُسَمُّونَهُ: أَمِينًا. (77)
وَمُهِمَّةُ الْمُشْرِفِ أَنْ يُرَاقِبَ الْوَصِيَّ فِي إِدَارَةِ مَال الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ، وَتَصَرُّفَاتُهُ فِيهِ. وَعَلَى الْوَصِيِّ أَنْ يُجِيبَ الْمُشْرِفَ إِلَى كُل مَا يَطْلُبُهُ مِنْ إِيضَاحٍ عَنْ إِدَارَتِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ، كَيْ يَتَمَكَّنَ مِنَ الْقِيَامِ بِمُهِمَّتِهِ الَّتِي عُيِّنَ مِنْ أَجْلِهَا، وَلَيْسَ لِلْمُشْرِفِ حَقُّ الاِشْتِرَاكِ فِي الإِْدَارَةِ وَلاَ الاِنْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ، وَإِذَا خَلاَ مَكَانُ الْوَصِيِّ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْعَى مَال الصَّغِيرِ وَيَحْفَظَهُ إِلَى أَنْ يُعَيَّنَ وَصِيٌّ جَدِيدٌ.
تَعَدُّدُ الأَْوْصِيَاءِ:
16 - الإِْيصَاءُ قَدْ يَكُونُ لِوَاحِدٍ، وَقَدْ يَكُونُ لأَِكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. فَإِذَا كَانَ الإِْيصَاءُ لأَِكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ وَصَدَرَ الإِْيصَاءُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، بِأَنْ قَال الْمُوصِي: أَوْصَيْتُ إِلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، وَقَبِل كُلٌّ مِنْهُمَا الْوِصَايَةَ صَارَ وَصِيًّا، وَكَذَلِكَ إِذَا حَصَل الإِْيصَاءُ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ، بِأَنْ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ، ثُمَّ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ آخَرَ، فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ وَصِيَّيْنِ، إِلاَّ إِذَا قَال الْمُوصِي: أَخْرَجْتُ الأَْوَّل أَوْ عَزَلْتُهُ، أَمَّا إِذَا وُجِدَتِ الْوَصِيَّةُ إِلَيْهِمَا بِعَقْدَيْنِ مِنْ غَيْرِ عَزْل وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ وَصِيَّيْنِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى إِلَيْهِمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً.
فَإِذَا تَعَدَّدَ الأَْوْصِيَاءُ، وَحَدَّدَ الْمُوصِي لِكُل وَاحِدٍ اخْتِصَاصَهُ، بِأَنْ عَهِدَ إِلَى أَحَدِ الأَْوْصِيَاءِ الْقِيَامَ بِشُئُونِ الأَْرَاضِي، وَإِلَى آخَرَ بِشُئُونِ الْمَتْجَرِ، أَوِ الْمَصْنَعِ، وَإِلَى ثَالِثٍ بِالنَّظَرِ فِي أَمْرِ أَطْفَالِهِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا جُعِل إِلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى إِلَى وَصِيَّيْنِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَجَعَل لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ مُنْفَرِدًا، بِأَنْ يَقُول: أَوْصَيْتُ إِلَى كُل وَاحِدٍ مِنْكُمَا بِالنَّظَرِ فِي أَمْرِ أَطْفَالِي، وَلِكُلٍّ مِنْكُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ، كَانَ لِكُل وَصِيٍّ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ؛ لأَِنَّ الْمُوصِيَ جَعَل كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا مُنْفَرِدًا، وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ تَصَرُّفِهِ عَلَى الاِنْفِرَادِ.أَمَّا لَوْ أَوْصَى إِلَى وَصِيَّيْنِ لِيَتَصَرَّفَا مُجْتَمِعَيْنِ، فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، فَلَوْ تَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الآْخَرِ أَوْ تَوْكِيلٍ مِنْهُ كَانَ لَهُ رَدُّ تَصَرُّفِهِ؛ لأَِنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَجْعَل ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِنَظَرِهِ وَحْدَهُ، وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ إِلاَّ فِي الصُّورَةِ الأُْولَى، وَهِيَ مَا إِذَا خَصَّصَ لِكُل وَصِيٍّ عَمَلاً، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُول: إِنَّ الْوِصَايَةَ لاَ تَتَخَصَّصُ بِالتَّخْصِيصِ مِنَ الْمُوصِي، بَل يَكُونُ الْوَصِيُّ وَصِيًّا فِيمَا يَمْلِكُهُ الْمُوصِي، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلاَمِ عَلَى سُلْطَةِ الْوَصِيِّ.
وَإِذَا تَعَدَّدَ الأَْوْصِيَاءُ، وَكَانَ الإِْيصَاءُ مُطْلَقًا عَنِ التَّخْصِيصِ أَوِ التَّقْيِيدِ بِالاِنْفِرَادِ أَوِ الاِجْتِمَاعِ، بِأَنْ قَال: أَوْصَيْتُ إِلَيْكُمَا بِالنَّظَرِ فِي شُئُونِ أَطْفَالِي مَثَلاً، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ. فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولاَنِ: لَيْسَ لأَِحَدِ الْوَصِيَّيْنِ الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، إِلاَّ أَنَّهُمَا اسْتَثْنَيَا مِنْ ذَلِكَ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ، فَأَجَازَا لِكُل وَاحِدٍ الاِنْفِرَادَ بِهَا لِلضَّرُورَةِ، لأَِنَّهَا تَصَرُّفَاتٌ عَاجِلَةٌ لاَ تَحْتَمِل التَّأْخِيرَ، أَوْ لأَِنَّهَا لاَزِمَةٌ لِحِفْظِ الْمَال، أَوْ لأَِنَّ اجْتِمَاعَ الرَّأْيِ فِيهَا مُتَعَذَّرٌ، كَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ الْمُعَيَّنِ، وَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ الْمُعَيَّنَتَيْنِ، وَشِرَاءِ مَا لاَ بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، وَقَبُول الْهِبَةِ لَهُ، وَالْخُصُومَةِ عَنِ الْمَيِّتِ فِيمَا يُدْعَى لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ الاِجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، أَوْ يَضُرُّ تَأْخِيرُهُ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ قَرِيبٌ مِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا أَوْصَى إِلَى اثْنَيْنِ وَلَمْ يَجْعَل لِكُلٍّ مِنْهُمَا الاِنْفِرَادَ بِالتَّصَرُّفِ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ، بَل لاَ بُدَّ مِنَ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ، وَهَذَا فِي أَمْرِ الأَْطْفَال وَأَمْوَالِهِمْ، وَتَفْرِقَةِ الْوَصَايَا غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ،وَقَضَاءُ دَيْنٍ لَيْسَ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُهُ. وَأَمَّا رَدُّ الأَْعْيَانِ الْمُسْتَحَقَّةِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْوَدَائِعِ وَالأَْعْيَانِ الْمُوصَى بِهَا وَقَضَاءُ دَيْنٍ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُهُ، فَلأَِحَدِهِمَا الاِسْتِقْلاَل بِهِ. (78)
وَحُجَّةُ أَصْحَابِ هَذَا الرَّأْيِ أَنَّ الْوِصَايَةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِالتَّفْوِيضِ مِنَ الْمُوصِي، فَيُرَاعَى وَصْفُ هَذَا التَّفْوِيضِ، وَهُوَ الاِجْتِمَاعُ؛ لأَِنَّهُ وَصْفٌ مُفِيدٌ، إِذْ رَأْيُ الْوَاحِدِ لاَ يَكُونُ كَرَأْيِ الاِثْنَيْنِ، وَالْمُوصِي مَا رَضِيَ إِلاَّ بِرَأْيِهِمَا، بِدَلِيل اخْتِيَارِهِ لأَِكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يَدُل دَلاَلَةً ظَاهِرَةً عَلَى أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذَلِكَ اجْتِمَاعُ رَأْيِهِمَا وَاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّصَرُّفَاتِ، حَتَّى تَكُونَ أَصْلَحَ وَأَنْفَعَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا وَصِيٌّ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا جَازَ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمُسْتَثْنَاةِ لأَِنَّهَا ضَرُورِيَّاتٌ، وَالضَّرُورِيَّاتُ مُسْتَثْنَاةٌ دَائِمًا. (79)
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ لَيْسَ لأَِحَدٍ الْوَصِيَّيْنِ الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، وَهَذَا فِي جَمِيعِ الأَْشْيَاءِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا فَالْحَاكِمُ - كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ - يُقِيمُ أَمِينًا مَقَامَ الْغَائِبِ.
وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْمُوصِيَ قَدْ شَرَّكَ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ فِي النَّظَرِ، فَلَمْ يَكُنْ لأَِحَدِهِمَا الاِنْفِرَادُ فِي التَّصَرُّفِ، كَالْوَكِيلَيْنِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لأَِحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ بِدُونِ الآْخَرِ، فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّانِ. (80)
وَقَال أَبُو يُوسُفَ: لِكُلٍّ مِنَ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ الأَْشْيَاءِ، وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْوِصَايَةَ مِنْ قَبِيل الْوِلاَيَةِ، وَهِيَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لاَ يَتَجَزَّأُ، فَتَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنَ الْوَصِيِّينَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَال، كَوِلاَيَةِ الإِْنْكَاحِ إِلَى الأَْخَوَيْنِ، فَإِنَّهَا تَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَال، فَكَذَلِكَ الْوِصَايَةُ تَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنَ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَال؛ لأَِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وِلاَيَةٌ. (81)
وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُجْعَل لِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ مُنْفَرِدًا جَعَل الْقَاضِيَ مَكَانَهُ آخَرًا، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّ لَمَّا أَوْصَى إِلَى الاِثْنَيْنِ لَمْ يَرْضَ بِنَظَرِ الْبَاقِي مِنْهُمَا وَحْدَهُ. (82)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ، وَلَمْ يُوصِ قَبْل مَوْتِهِ إِلَى صَاحِبِهِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِ، كَانَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا فِيهِ الأَْصْلَحُ، فَإِنْ رَأَى الأَْصْلَحَ فِي إِبْقَاءِ الْحَيِّ مِنْهُمَا وَصِيًّا وَحْدَهُ لَمْ يَجْعَل مَعَهُ وَصِيًّا آخَرَ، وَإِنْ رَأَى الأَْصْلَحَ فِي جَعْل غَيْرِهِ وَصِيًّا مَعَهُ جَعَل مَعَهُ غَيْرَهُ. (83)
الأَْجْرُ عَلَى الْوِصَايَةِ:
17 - يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ أَجْرًا عَلَى نَظَرِهِ وَعَمَلِهِ؛ لأَِنَّ الْوَصِيَّ كَالْوَكِيل، وَالْوَكِيل يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الأَْجْرِ عَلَى عَمَلِهِ، فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ، بِهَذَا قَال الْحَنَابِلَةُ (84) ، وَبِهِ أَيْضًا قَال الْمَالِكِيَّةُ، فَإِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ إِذَا طَلَبَ أُجْرَةً عَلَى نَظَرِهِ فِي مَال الْيَتِيمِ، فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهُ أُجْرَةً عَلَى نَظَرِهِ بِقَدْرِ شُغْلِهِ فِي مَال الْيَتِيمِ وَشِرَاءِ نَفَقَتِهِ. فَإِنْ تَوَرَّعَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ. كَمَا نَصُّوا عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لِلْوَصِيِّ أُجْرَةً عَلَى نَظَرِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ سَدَادًا لِلأَْيْتَامِ (85) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا كَانَ النَّاظِرُ فِي أَمْرِ الطِّفْل أَجْنَبِيًّا، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَال الطِّفْل قَدْرَ أُجْرَةِ عَمَلِهِ، فَإِنْ أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَ مَا أَخَذَهُ، وَلَوْ لِكِفَايَتِهِ، وَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا، أَوْ أُمًّا - بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ لَهَا - فَلاَ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا إِنْ كَانَ غَنِيًّا، فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَنَفَقَتُهُ عَلَى الطِّفْل، وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِ حَاكِمٍ (86) .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْوَصِيَّ إِنْ كَانَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَلَيْسَ لَهُ أَجْرٌ عَلَى وَصِيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ وَصِيَّ الْقَاضِي، فَلِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَل لَهُ أَجْرَ الْمِثْل عَلَى وَصِيَّتِهِ (87) .
وَمَعَ هَذَا فَقَدْ أَجَازُوا لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْكُل مِنْ مَال الْيَتِيمِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا، وَيَرْكَبَ دَابَّتَهُ إِذَا ذَهَبَ فِي حَاجَتِهِ (88) ، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ} (89) ، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَال: إِنَّ عِنْدِي يَتِيمًا عِنْدَهُ مَالٌ، وَلَيْسَ لِي مَالٌ، آكُل مِنْ مَالِهِ؟ قَال: كُل بِالْمَعْرُوفِ غَيْرَ مُسْرِفٍ (90) .
انْتِهَاءُ الْوِصَايَةِ:
18 - تَنْتَهِي الْوِصَايَةُ بِأَحَدِ الأُْمُورِ الآْتِيَةِ:
(90) مَوْتُ الْوَصِيِّ، أَوْ فَقْدُهُ لِشَرْطٍ مِنَ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ، فَإِنْ مَاتَ الْوَصِيُّ، أَوْ فَقَدَ شَرْطًا مِنَ الشُّرُوطِ الْوَاجِبِ تَوَافُرُهَا لِصِحَّةِ الإِْيصَاءِ، كَالإِْسْلاَمِ وَالْعَقْل وَغَيْرِهِمَا انْتَهَتْ وِصَايَتُهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأَِنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ كَمَا تُعْتَبَرُ فِي الاِبْتِدَاءِ تُعْتَبَرُ فِي الدَّوَامِ وَالْبَقَاءِ (92) .
(92) انْتِهَاءُ مُدَّةِ الْوِصَايَةِ، فَإِذَا أُقِّتَتِ الْوِصَايَةُ بِمُدَّةٍ، كَأَنْ قَال الْمُوصِي: أَوْصَيْتُ إِلَى فُلاَنٍ لِمُدَّةِ سَنَةٍ، أَوْ قَال: أَوْصَيْتُ إِلَى فُلاَنٍ مُدَّةَ غِيَابِ وَلَدِي فُلاَنٍ، أَوْ إِلَى أَنْ يَصِيرَ رَشِيدًا، فَإِذَا حَضَرَ أَوْ رَشَدَ فَهُوَ وَصِيِّي، فَإِنَّ الإِْيصَاءَ يَنْتَهِي إِذَا حَضَرَ وَلَدُهُ، أَوْ صَارَ رَشِيدًا؛ لأَِنَّ الإِْيصَاءَ كَالإِْمَارَةِ، وَالإِْمَارَةُ يَصِحُّ تَوْقِيتُهَا وَتَعْلِيقُهَا عَلَى الشَّرْطِ، فَكَذَلِكَ الإِْيصَاءُ؛ وَلأَِنَّ الإِْيصَاءَ مُؤَقَّتٌ شَرْعًا بِبُلُوغِ الأَْيْتَامِ أَوْ إِينَاسِ الرُّشْدِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُؤَقَّتًا بِالشَّرْطِ، وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا (94) . (95) عَزْل الْوَصِيِّ نَفْسَهُ، فَلَوْ عَزَل الْوَصِيُّ نَفْسَهُ بَعْدِ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبُول الإِْيصَاءِ، انْتَهَتْ وِصَايَتُهُ، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ، فَإِنَّ الْوَصِيَّ لَيْسَ لَهُ عَزْل نَفْسِهِ عَنِ الإِْيصَاءِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبُولِهِ إِيَّاهُ إِلاَّ لِعُذْرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلاَمُ عَنْ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الإِْيصَاءِ.
(96) انْتِهَاءُ الْعَمَل الَّذِي عُهِدَ إِلَى الْوَصِيِّ الْقِيَامُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْعَمَل هُوَ قَضَاءُ الدُّيُونِ الَّتِي عَلَى الْمَيِّتِ، أَوِ اقْتِضَاءُ دُيُونِهِ الَّتِي لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ تَوْزِيعُ وَصَايَاهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُمْ بِهَا، انْتَهَتِ الْوِصَايَةُ بِدَفْعِ الدُّيُونِ إِلَى أَصْحَابِهَا، أَوْ بِأَخْذِهَا مِمَّنْ كَانَتْ عَلَيْهِمْ، أَوْ بِإِعْطَاءِ الْوَصَايَا لِمَنْ أَوْصَى لَهُمْ بِهَا. وَإِنْ كَانَ هَذَا الْعَمَل هُوَ النَّظَرُ فِي شُئُونِ الأَْوْلاَدِ الصِّغَارِ وَأَمْوَالِهِمُ، انْتَهَتْ هَذِهِ الْوِصَايَةُ بِبُلُوغِ الصَّغِيرِ عَاقِلاً رَشِيدًا، بِحَيْثُ يُؤْتَمَنُ فِي إِدَارَةِ أَمْوَالِهِ، وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا، وَلَمْ يُحَدِّدْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لِهَذَا الرُّشْدِ سِنًّا مُعَيَّنَةً يُحْكَمُ بِزَوَال الْوِصَايَةِ عَنِ الْقَاصِرِ مَتَى بَلَغَهَا، بَل هُوَ مَوْكُولٌ إِلَى ظُهُورِهِ بِالْفِعْل، وَذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ الاِخْتِبَارِ وَالتَّجْرِبَةِ، فَإِذَا دَلَّتِ التَّجْرِبَةُ عَلَى تَحَقُّقِ الرُّشْدِ حُكِمَ بِرُشْدِهِ، وَسُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (97) .
وَإِذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ وَكَانَ عَاقِلاً لاَ تَكْمُل أَهْلِيَّتُهُ، وَلاَ تَرْتَفِعُ الْوِلاَيَةُ أَوِ الْوِصَايَةُ عَنْهُ فِي مَالِهِ، بَل تَبْقَى أَمْوَالُهُ تَحْتَ يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهُ، وَذَلِكَ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَل اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (98) ، فَإِنَّهُ مَنَعَ الأَْوْلِيَاءَ وَالأَْوْصِيَاءَ مِنْ دَفْعِ الْمَال إِلَى السُّفَهَاءِ، وَأَنَاطَ دَفْعَ الْمَال إِلَيْهِمْ بِحُصُول أَمْرَيْنِ: الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ. فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِمْ بِالْبُلُوغِ، مَعَ عَدَمِ الرُّشْدِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا النَّصِّ وَلاَ فِي غَيْرِهِ تَحْدِيدٌ لِلرُّشْدِ بِسِنٍّ مُعَيَّنَةٍ، بَل هُوَ مَوْكُولٌ إِلَى ظُهُورِهِ بِالْفِعْل، وَذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ الاِخْتِبَارِ وَالتَّجْرِبَةِ، فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى تَحَقُّقِ الرُّشْدِ كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَسُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، وَإِلاَّ بَقِيَتِ الْوِلاَيَةُ عَلَيْهِ، وَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُ تَحْتَ يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ، كَمَا كَانَتْ قَبْل الْبُلُوغِ مَهْمَا طَال الزَّمَنُ.
وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ غَيْرَ رَشِيدٍ - وَكَانَ عَاقِلاً - كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَارْتَفَعَتِ الْوِلاَيَةُ أَوِ الْوِصَايَةُ عَنْهُ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ تُسَلَّمُ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، بَل تَبْقَى فِي يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهُ بِالْفِعْل، أَوْ يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِذَا بَلَغَ هَذِهِ السِّنَّ سُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، وَلَوْ كَانَ مُبَذِّرًا لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ؛ لأَِنَّ مَنْعَ الْمَال عَنْهُ كَانَ عَلَى سَبِيل الاِحْتِيَاطِ وَالتَّأْدِيبِ، وَلَيْسَ عَلَى سَبِيل الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَالإِْنْسَانُ بَعْدَ بُلُوغِ هَذِهِ السِّنِّ، وَصَلاَحِيَّتِهِ لأََنْ يَكُونَ جَدًّا، لاَ يَكُونُ أَهْلاً لِلتَّأْدِيبِ (99) .
__________
(1) مختار الصحاح. مادة " وصى ".
(2) سورة النساء / 12.
(3) المغرب، وتهذيب الأسماء واللغات 2 / 95، وابن عابدين 6 / 647.
(4) الشرح الصغير وحاشية الصاوي 2 / 181، وفتاوى قاضي خان 3 / 512 (هامش الفتاوى الهندية) .
(5) البدائع 6 / 333، وتبيين الحقائق 6 / 182، والدر المختار ورد المحتار 6 / 648، والإقناع 4 / 24، وقليوبي 3 / 156 و 177.
(6) الشرح الكبير 4 / 375، والبهجة في شرح التحفة 2 / 310.
(7) الروض المربع 2 / 245.
(8) رد المحتار 6 / 647، والشرح الكبير 4 / 375، والإقناع 4 / 24.
(9) الاختيار 5 / 66، والدر المختار ورد المحتار 6 / 700، وتبيين الحقائق 6 / 206، ومغني المحتاج 3 / 77.
(10) الروض المربع 2 / 248، والمغني لابن قدامة 6 / 141، والشرح الكبير 4 / 405.
(11) مغني المحتاج 3 / 73، 74، والمغني لابن قدامة 6 / 144.
(12) حديث: " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول " أخرجه مسلم (2 / 692 - ط الحلبي) .
(13) مغني المحتاج 3 / 73، والمغني لابن قدامة 6 / 144، وابن عابدين 6 / 648، والإقناع 4 / 34، وقليوبي وعميرة 3 / 177، والشرح الصغير 2 / 465.
(14) المغني لابن قدامة 6 / 144.
(15) حديث: " إني أراك ضعيفا. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1458 - ط الحلبي) .
(16) رد المحتار 6 / 700.
(17) واللجنة ترى أنه لا خلاف حقيقيا بين الفقهاء في هذه المسألة، لأن من قال بالجواز قيد ذلك بالاطمئنان إلى أنه سيكون أمينا عدلا، وأما من قال إنه خلاف الأولى أو إنه مكروه، فقد بنوا ذلك على أن السلامة في هذا الأمر نادرة، وأن الكثير الغالب ألا يقوم الوصي بحق ا
(18) ابن عابدين 6 / 700.
(19) الإقناع 4 / 34، والقليوبي وعميرة 3 / 177.
(20) ابن عابدين 6 / 700، والمغني لابن قدامة 6 / 141، والإقناع 3 / 34، والشرح الكبير 4 / 405، ومواهب الجليل 6 / 403.
(21) ابن عابدين 6 / 714.
(22) مغني المحتاج 3 / 76، وشرح المحلى على المنهاج 2 / 304.
(23) الشرح الصغير 2 / 474.
(24) الروض المربع 2 / 249، والمغني 6 / 135.
(25) الشرح الصغير وحاشية الصاوي 2 / 474.
(26) مغني المحتاج 3 / 76، والروض المربع 2 / 249، والمغني لابن قدامة 6 / 142.
(27) حديث: " السلطان ولي من لا ولي له ". أخرجه الترمذي (3 / 408 - ط الحلبي) والحاكم (2 / 168 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
(28) الشرح الصغير 2 / 474، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4 / 402، والإقناع 4 / 52، والمنهاج وشرح الجلال 2 / 304، والمغني لابن قدامة 6 / 640، 641، وحاشية ابن عابدين 6 / 722.
(29) حاشية ابن عابدين 6 / 714.
(30) مغني المحتاج 3 / 76، والإقناع 4 / 33.
(31) الروض المربع 2 / 249، ومنار السبيل في شرح الدليل 2 / 47.
(32) حاشية ابن عابدين 6 / 714.
(33) مغني المحتاج 3 / 76، والإقناع 4 / 33.
(34) الروض المربع 2 / 249، ومنار السبيل في شرح الدليل 2 / 47.
(35) الشرح الصغير 2 / 474.
(36) حاشية ابن عابدين 2 / 312، 6 / 714، والشرح الصغير 2 / 474، وشرح الجلال المحلي وقليوبي 3 / 177، ومغني المحتاج 3 / 73، والمغني لابن قدامة 6 / 135، ومنار السبيل شرح الدليل 2 / 47.
(37) سورة النساء / 141.
(38) سورة التوبة / 71.
(39) سورة النساء / 141.
(40) سورة التوبة / 71.
(41) الشرح الكبير 4 / 402، والشرح الصغير 2 / 474، ومغني المحتاج 3 / 74.
(42) سورة النساء / 141.
(43) الشرح الكبير 4 / 402، والشرح الصغير 2 / 474، ومغني المحتاج 3 / 74.
(44) المغني 6 / 137.
(45) حاشية ابن عابدين 6 / 702.
(46) المغني 6 / 137.
(47) المغني 6 / 137.
(48) مغني المحتاج 3 / 74، والمغني 6 / 138.
(49) الدر وحاشية ابن عابدين 6 / 700.
(50) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 402، والشرح الصغير وحاشية الصاوي 2 / 474.
(51) المغني 6 / 138.
(52) مغني المحتاج 3 / 75، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 402، والمغني 6 / 137.
(53) الدر وحاشية ابن عابدين 6 / 649، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 389، والشرح الصغير وحاشية الصاوي 2 / 469
(54) المغني 6 / 139، ومنار السبيل شرح الدليل 2 / 46، ومغني المحتاج 3 / 74، 76، وشرح الجلال وحاشية القليوبي 3 / 178، والإقناع 4 / 33.
(55) الشرح الكبير 4 / 401، والشرح الصغير 2 / 473، وشرح جلال الدين المحلي 3 / 179، ومغني المحتاج 3 / 76، والمغني لابن قدامة 6 / 136، ومنار السبيل شرح الدليل 2 / 48، والدر وحاشية ابن عابدين 6 / 722، 723.
(56) حاشية ابن عابدين 6 / 723، الاختيار لتعليل المختار 5 / 69.
(57) تبيين الحقائق 6 / 211، 213، والاختيار لتعليل المختار 5 / 68، والدر وحاشية ابن عابدين 6 / 711، والمنهاج وشرح الجلال 2 / 305، والمغني 4 / 241.
(58)
(59)
(60) تبيين الحقائق 6 / 211، 213، والاختيار لتعليل المختار 5 / 68، والدر وحاشية ابن عابدين 6 / 711، والمنهاج وشرح الجلال 2 / 305، والمغني 4 / 241.
(61) تبيين الحقائق 6 / 212، والاختيار 5 / 68.
(62) الشرح الكبير 4 / 405، والمغني 5 / 109، قليوبي 2 / 305.
(63) حاشية الشلبي 6 / 212، والدر وحاشية ابن عابدين 6 / 720.
(64) الشرح الكبير 4 / 405.
(65) المغني 4 / 240.
(66) الأثر عن عمر: " ابتغوا في أموال اليتامى. . . " أخرجه البيهقي (4 / 107 - ط دائرة المعارف العثمانية) وقال: إسناده صحيح.
(67) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 405، وحاشية الشلبي 6 / 213، والمغني 4 / 240، وحاشية القليوبي 2 / 304، وخبايا الزوايا ص 276.
(68) حاشية ابن عابدين 6 / 725.
(69) الدر وحاشية ابن عابدين 6 / 725.
(70) المغني 4 / 243.
(71) تبيين الحقائق 6 / 211.
(72) حاشية ابن عابدين 6 / 712، وحاشية الدسوقي 4 / 405.
(73) قليوبي 2 / 305.
(74) المغني 4 / 243.
(75) حاشية ابن عابدين 6 / 703، وحاشية الصاوي 2 / 275.
(76) حاشية الدسوقي 4 / 403، ومغني المحتاج 3 / 78
(77) المغني 6 / 141.
(78) الدر وحاشية ابن عابدين 6 / 703 - 705، وتبيين الحقائق 6 / 208، 209، ومغني المحتاج 3 / 77، 78، وحاشية القليوبي 3 / 179.
(79) تبيين الحقائق 6 / 208 / 209.
(80) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 403، والشرح الصغير وحاشية الصاوي 2 / 475، والمغني 6 / 136.
(81) تبيين الحقائق 6 / 208.
(82) تبيين الحقائق 6 / 209، والدر وحاشية ابن عابدين 6 / 705، والقليوبي 3 / 179، والمغني 6 / 142.
(83) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4 / 403، والشرح الصغير وحاشية الصاوي 2 / 475.
(84) المغني 6 / 142.
(85) البهجة في شرح التحفة، وحلى المعاصم المطبوع بهامش الشرح المذكور 2 / 309.
(86) مغني المحتاج 3 / 78، 79.
(87) الدر وحاشية ابن عابدين 6 / 713.
(88) الاختيار لتعليل المختار 5 / 69، 70.
(89) سورة النساء / 6.
(90) حديث: " كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مباذر ولا متأثل. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 293 - ط عزت عبيد دعاس) والنسائي (6 / 256 - ط المكتبة التجارية) وقواه ابن حجر في الفتح (8 / 241 - ط السلفية) . ورواه ابن أبي حاتم (مختصر تفسير ابن كثير 1 / 359) .
(91) حديث: " كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مباذر ولا متأثل. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 293 - ط عزت عبيد دعاس) والنسائي (6 / 256 - ط المكتبة التجارية) وقواه ابن حجر في الفتح (8 / 241 - ط السلفية) . ورواه ابن أبي حاتم (مختصر تفسير ابن كثير 1 / 359) .
(92) الشرح الكبير 4 / 403، والشرح الصغير 2 / 475، ومغني المحتاج 3 / 75، والمغني 6 / 140، 141، والدر وحاشية ابن عابدين 6 / 705، 706.
(93) الشرح الكبير 4 / 403، والشرح الصغير 2 / 475، ومغني المحتاج 3 / 75، والمغني 6 / 140، 141، والدر وحاشية ابن عابدين 6 / 705، 706.
(94) الشرح الصغير 2 / 473، ومغني المحتاج 3 / 77، والإقناع 4 / 34، والاختيار 5 / 69.
(95)
(96)
(97) سورة النساء / 6.
(98) سورة النساء / 5، 6
(99) البدائع 7 / 170، والدر وحاشية ابن عابدين 6 / 149، 150، والشرح الصغير 2 / 138، والمغني 5 / 601، والروض المربع 2 / 202.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 205/ 7
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".