المتكبر
كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...
بذل المجهود في طلب أحرى الأمرين، وأولاهما بالصواب . ورد في قول بعض الأصوليين : "إذا تعارض القياسان يجب العمل بأحدهما بشرط التحرّي ."، وقولهم : "يصار إلى التحرّي عند عدم الأدلة ." ومن أمثلة التحري عند الأصوليين إذا تعارض قولا مجتهدين عند المستفتي، فإنه يتحرّى . فإن وقع في قلبه أن الصواب أحدهما، فيجب العمل به . ومن أمثلته الفقهية : إذا اشتبهت على إنسان القِبلة، ولم يترجح له أي دليل، فلا يصلي إلى أي جهة شاء، بل يتحرى . ومن أراد أن يتوضأ، وله إناءان أحدهما طاهر، والأخر نجس، واشتبها عليه، فيجب عليه التحرّي، والاجتهاد، ولا يجوز له التيمم .
الطَّلَبُ والقَصْدُ، يُقالُ: فُلانٌ يَتَحَرَّى الأَمْرَ، أيْ: يَطْلُبُهُ ويَقْصِدُهُ. والتَّحَرِّي في الأَشْياءِ ونحْوِها: طَلَبُ ما هو أَفْضَلُ وأَوْلَى، ويَأْتِي بِمعنى الاِجْتِهادِ في الوُصولِ إلى الصَّوابِ، وأصْلُ التَّحَرِّي مِن الحَرَى: وهو الطَّرَفُ والنَّاحِيَةُ مِنَ الشَّيْءِ، ومِنه يُطْلَقُ التَّحَرِّي على التَّمَسُّكِ بِطَرَفٍ وناحِيَةٍ مِن الأَمْرِ عند اشْتِباهِهِ، والأَحْرَى في كُلِّ شَيْءٍ: الصَّوابُ والرّاجِحُ فِيهِ.
يُطْلَقُ مُصْطَلَحُ (تَـحَرِّي) في الفِقْهِ في عِدَّة مواطِن، منها: كتاب الطَّهارَةِ، باب: شروط الوُضوءِ، ويُرادُ به: الاجْتِهادُ في طَلبِ الماءِ الطّاهِرِ وتَمْيِيزِهِ إذا كان مُشْتَبِهاً بالماء النَّجِسِ. وفي كِتابِ الصَّلاةِ، باب: استِقبال القبلة، ويُرادُ به: الاجتهادُ في مَعْرِفَةِ القِبْلَةِ وتَمْيِيزِ جِهَتِها إذا كانت مُشْتَبِهَةً بالجِهات الأخرى. وفي كِتاب الصِّيامِ، باب: رُؤيَة الهِلالِ، ومعناه: الاجتِهاد في رؤيَةِ الهلالِ ليلةَ الشَّكِّ. وفي كِتابِ الزَّكاةِ، باب: أهْل الزَّكاةِ، وغيْر ذلك من الأبوابِ. ويُطْلَقُ في العديد من أبواب أُصولِ الفِقْهِ، منها: باب: القِياس، وباب: تَعارُض الأدِلَّةِ، وباب: الاجتِهاد، ويُراد به: التَّثَبُّتُ في الاجْتِهادِ لِطَلَبِ الحَقِّ والرَّشادِ عن طَرِيقِ غَلَبَةِ الظَّنِّ، عند تَعَذُّرِ الوُصولِ إلى حَقِيقَةِ المَطْلوبِ والمُرادِ.
حري
اجْتِهادُ المُصَلِّي في مَعْرِفَةِ عَدَدِ الرَّكَعاتِ التي صَلاها عَنْ طَرِيقِ غَلَبَةِ الظَّنِّ.
التَّحَرِّي: هو التَّثَبُّتُ في الاجْتِهادِ لِطَلَبِ الحَقِّ والرَّشادِ، عند تَعَذُّرِ الوُصولِ إلى حَقِيقَةِ المَطْلوبِ والمُرادِ، أو يُقال: هو الاِجْتِهادُ في طَلَبِ الحَقِّ عن طَرِيقِ غَلَبَةِ الظَّنِّ، ويذكُرُه الفقهاء في قِسْمِ العبادات، ومن ذلك: كتابُ الصلاة عند كلامِهِم على معنى تَحَرِّي النّاسِي عَدَدَ الرَّكعاتِ التي صَلاها، ومعناه الاجْتِهادُ في طَلَبِ معرِفةِ عَدَدِ الرَّكعاتِ التي صَلاها بِغالِبِ الظَّنِّ، مع التَّأنِّي والتَّثَبُّتِ عند تَعَذُّرِ مَعْرِفَتِهِ عَدَدَ ما صَلَّى.
الطَّلَبُ والقَصْدُ، يُقالُ: فُلانٌ يَتَحَرَّى الأَمْرَ، أيْ: يَطْلُبُهُ وَيَقْصِدُهُ، ومِن معانِيهِ: طَلَبُ ما هو أَفْضَلُ وأَوْلَى، والاِجْتِهادُ في الوُصولِ إلى الصَّوابِ.
بذل المجهود في طلب أحرى الأمرين، وأولاهما بالصواب.
* معجم مقاييس اللغة : (2/47)
* حاشية ابن عابدين : (2/115)
* المبسوط : (10/185)
* كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم : (1/390)
* تهذيب اللغة : (5/138)
* مختار الصحاح : (ص 71)
* لسان العرب : (14/173)
* تاج العروس : (37/420)
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : (ص 91)
* المبسوط : (10/185) -
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّحَرِّي فِي اللُّغَةِ: الْقَصْدُ وَالاِبْتِغَاءُ، كَقَوْل الْقَائِل: أَتَحَرَّى مَسَرَّتَكَ، أَيْ أَطْلُبُ مَرْضَاتَكَ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا} (1)
أَيْ قَصَدُوا طَرِيقَ الْحَقِّ وَتَوَخَّوْهُ. وَمِنْهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ ﷺ: تَحَرُّوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ. . . الْحَدِيثَ (2) . أَيِ اعْتَنُوا بِطَلَبِهَا (3) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: بَذْل الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِ الْمَقْصُودِ، أَوْ طَلَبُ الشَّيْءِ بِغَالِبِ الظَّنِّ عِنْدَ عَدَمِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَتِهِ (4) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الاِجْتِهَادُ:
2 - الاِجْتِهَادُ وَالتَّحَرِّي لَفْظَانِ مُتَقَارِبَا الْمَعْنَى، وَمَعْنَاهُمَا: بَذْل الْمَجْهُودِ فِي طَلَبِ الْمَقْصُودِ، إِلاَّ أَنَّ لَفْظَ الاِجْتِهَادِ صَارَ فِي عُرْفِ الْعُلَمَاءِ مَخْصُوصًا بِبَذْل الْمُجْتَهِدِ وُسْعَهُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ بِأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ، وَبَذْل الْمَجْهُودِ فِي تَعَرُّفِ حُكْمِ الْحَادِثَةِ مِنَ الدَّلِيل.
أَمَّا التَّحَرِّي فَقَدْ يَكُونُ بِدَلِيلٍ، وَقَدْ يَكُونُ بِمُجَرَّدِ شَهَادَةِ الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ أَمَارَةٍ (5) . فَكُل اجْتِهَادٍ تَحَرٍّ، وَلَيْسَ كُل تَحَرٍّ اجْتِهَادًاٌ.
ب - التَّوَخِّي:
3 - التَّوَخِّي مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَخْيِ، بِمَعْنَى الْقَصْدِ، فَالتَّحَرِّي وَالتَّوَخِّي سَوَاءٌ، إِلاَّ أَنَّ لَفْظَ التَّوَخِّي يُسْتَعْمَل فِي الْمُعَامَلاَتِ. كَمَا قَال ﷺ لِلرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ اخْتَصَمَا فِي الْمَوَارِيثِ: اذْهَبَا وَتَوَخَّيَا، وَاسْتَهِمَا، وَلْيُحْلِل كُل وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ (6) .
وَأَمَّا التَّحَرِّي فَيُسْتَعْمَل غَالِبًا فِي الْعِبَادَاتِ (7) . كَمَا قَال النَّبِيُّ ﷺ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ (8)
ج - الظَّنُّ:
4 - الظَّنُّ: هُوَ إِدْرَاكُ الطَّرَفِ الرَّاجِحِ مَعَ احْتِمَال النَّقِيضِ، فَفِي الظَّنِّ يَكُونُ تَرْجِيحُ أَحَدِ الأَْمْرَيْنِ عَلَى الآْخَرِ، فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَهُوَ مَذْمُومٌ، وَيَكُونُ التَّرْجِيحُ فِي التَّحَرِّي بِغَالِبِ الرَّأْيِ، وَهُوَ دَلِيلٌ يُتَوَصَّل بِهِ إِلَى طَرَفِ الْعِلْمِ وَإِنْ كَانَ لاَ يُتَوَصَّل بِهِ إِلَى مَا يُوجِبُ حَقِيقَةَ الْعِلْمِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَل الظَّنُّ بِمَعْنَى الْيَقِينِ (9) كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ} (10) .
د - الشَّكُّ:
5 - الشَّكُّ: تَرَدُّدٌ بَيْنَ احْتِمَالَيْنِ مُسْتَوِيَيْنِ، أَيْ مِنْ غَيْرِ رُجْحَانٍ لأَِحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ عِنْدَ الشَّاكِّ (11) . فَالتَّحَرِّي وَسِيلَةٌ لإِِزَالَةِ الشَّكِّ. الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
6 - التَّحَرِّي مَشْرُوعٌ وَالْعَمَل بِهِ جَائِزٌ، وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْمَعْقُول:
أَمَّا الْكِتَابُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} (12) .
وَذَلِكَ يَكُونُ بِالتَّحَرِّي وَغَالِبِ الرَّأْيِ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْعِلْمُ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَالْحَدِيثَانِ السَّابِقَانِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ التَّوَخِّي.
وَأَمَّا مَا يَدُل عَلَيْهِ مِنَ الْمَعْقُول: فَهُوَ أَنَّ الاِجْتِهَادَ فِي الأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ جَائِزٌ لِلْعَمَل بِهِ، وَذَلِكَ عَمَلٌ بِغَالِبِ الرَّأْيِ، ثُمَّ جُعِل مَدْرَكًا مِنْ مَدَارِكِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَإِنْ كَانَتِ الأَْحْكَامُ لاَ تَثْبُتُ بِهِ ابْتِدَاءً، فَكَذَلِكَ التَّحَرِّي مَدْرَكٌ مِنْ مَدَارِكِ التَّوَصُّل إِلَى أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ وَإِنْ كَانَتِ الْعِبَادَةُ لاَ تَثْبُتُ بِهِ ابْتِدَاءً (13) .
هَذَا، وَالتَّحَرِّي فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَرَدَ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ، وَيَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلاَفِ مَوَاطِنِهِ: أَوَّلاً: التَّحَرِّي لِمَعْرِفَةِ الطَّاهِرِ مِنْ غَيْرِهِ حَالَةَ الاِخْتِلاَطِ:
أ - اخْتِلاَطُ الأَْوَانِي:
7 - إِذَا اخْتَلَطَتِ الأَْوَانِي الَّتِي فِيهَا مَاءٌ طَاهِرٌ بِالأَْوَانِي الَّتِي فِيهَا مَاءٌ نَجِسٌ، وَاشْتَبَهَ الأَْمْرُ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ سِوَى ذَلِكَ، وَلاَ يُعْرَفُ الطَّاهِرُ مِنَ النَّجِسِ:
فَإِنْ كَانَتِ الْغَلَبَةُ لِلأَْوَانِي الطَّاهِرَةِ، يَتَحَرَّى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ، وَبِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ لَزِمَهُ اسْتِعْمَال الْمَاءِ الطَّاهِرِ، وَإِصَابَتُهُ بِتَحَرِّيهِ مَأْمُولَةٌ، وَلأَِنَّ جِهَةَ الإِْبَاحَةِ قَدْ تَرَجَّحَتْ.
وَإِنْ كَانَتِ الْغَلَبَةُ لِلأَْوَانِي النَّجِسَةِ أَوْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى إِلاَّ لِلشُّرْبِ حَالَةَ الضَّرُورَةِ، إِذْ لاَ بَدِيل لَهُ، بِخِلاَفِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ لَهُ بَدِيلاً (14) .
وَظَاهِرُ كَلاَمِ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ عَدَمُ جَوَازِ التَّحَرِّي، وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُ الأَْوَانِي الطَّاهِرَةِ (15) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي الْحَالَيْنِ، فَيَتَوَضَّأُ بِالأَْغْلَبِ، لأَِنَّهُ شَرْطٌ لِلصَّلاَةِ، فَجَازَ التَّحَرِّي مِنْ أَجْلِهِ كَالْقِبْلَةِ (16) . وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ ثَلاَثَةُ أَوَانٍ نَجِسَةٍ أَوْ مُتَنَجِّسَةٍ وَاثْنَانِ طَهُورَانِ، وَاشْتَبَهَتْ هَذِهِ بِهَذِهِ، فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ ثَلاَثَةَ وُضُوءَاتٍ مِنْ ثَلاَثَةِ أَوَانٍ عَدَدَ الأَْوَانِي النَّجِسَةِ، وَيَتَوَضَّأُ وُضُوءًا رَابِعًا مِنْ إِنَاءٍ رَابِعٍ، وَيُصَلِّي بِكُل وُضُوءٍ صَلاَةً (17) .
وَحَكَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلاً آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ كُل وَاحِدٍ مِنَ الأَْوَانِي وُضُوءًا وَيُصَلِّي بِهِ (18) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (اشْتِبَاهٌ) .
ب - اخْتِلاَطُ الثِّيَابِ:
8 - إِذَا اشْتَبَهَتْ عَلَى الشَّخْصِ ثِيَابٌ طَاهِرَةٌ بِنَجِسَةٍ، وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهَا، وَلَيْسَ مَعَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ غَيْرَهَا، وَلاَ مَا يَغْسِلُهَا بِهِ، وَلاَ يَعْرِفُ الطَّاهِرَ مِنَ النَّجِسِ، وَاحْتَاجَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ مَا عَدَا الْمُزَنِيَّ، وَيُصَلِّي فِي الَّذِي يَقَعُ تَحَرِّيهِ عَلَى أَنَّهُ طَاهِرٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْغَلَبَةُ لِلثِّيَابِ النَّجِسَةِ أَمِ الطَّاهِرَةِ، أَوْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ، وَابْنُ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ يَجُوزُ التَّحَرِّي، وَيُصَلِّي فِي ثِيَابٍ مِنْهَا بِعَدَدِ النَّجِسِ مِنْهَا، وَيَزِيدُ صَلاَةً فِي ثَوْبٍ آخَرَ. وَقَال ابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَتَحَرَّى فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ.
وَقَال أَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ: لاَ يُصَلِّي فِي شَيْءٍ مِنْهَا، كَقَوْلِهِمَا فِي الأَْوَانِي (19) .
ج - اخْتِلاَطُ الْمُذَكَّاةِ بِالْمَيْتَةِ:
9 - إِذَا اخْتَلَطَتِ الْمُذَكَّاةُ بِالْمَيْتَةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي حَالَةِ الاِضْطِرَارِ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْغَلَبَةُ لِلْمُذَكَّاةِ أَمْ لِلْمَيْتَةِ أَوْ تَسَاوَيَا.
وَفِي حَالَةِ الاِخْتِيَارِ لاَ يَجُوزُ التَّحَرِّي إِلاَّ إِذَا كَانَتِ الْغَلَبَةُ لِلْحَلاَل.
وَأَمَّا الأَْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ فَلاَ يَجُوزُ عِنْدَهُمُ التَّحَرِّي مُطْلَقًا فِي هَذَا الْمَجَال (20) .
د - التَّحَرِّي فِي الْحَيْضِ:
10 - إِذَا نَسِيَتِ امْرَأَةٌ عَدَدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَمَوْضِعَهَا، وَاشْتَبَهَ عَلَيْهَا حَالُهَا فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ فَالْمُتَبَادَرُ مِنْ أَقْوَال جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَتَحَرَّى، فَإِنْ وَقَعَ أَكْبَرُ رَأْيِهَا عَلَى أَنَّهَا حَائِضٌ أُعْطِيَتْ حُكْمَهُ، وَإِنْ وَقَعَ أَكْبَرُ رَأْيِهَا عَلَى أَنَّهَا طَاهِرَةٌ أُعْطِيَتْ حُكْمَ الطَّاهِرَاتِ؛ لأَِنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ مِنَ الأَْدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَأَمَّا إِذَا تَحَيَّرَتْ وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهَا شَيْءٌ، فَهِيَ الْمُتَحَيِّرَةُ أَوِ الْمُضَلَّةُ، فَعَلَيْهَا الأَْخْذُ بِالأَْحْوَطِ فِي الأَْحْكَامِ (21) .
وَلِتَفْصِيل أَحْكَامِهَا يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ (حَيْضٌ، اسْتِحَاضَةٌ) .
ثَانِيًا: مَعْرِفَةُ الْقِبْلَةِ بِالاِسْتِدْلاَل وَالتَّحَرِّي:
11 - إِنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ، وَكَانَ بِمَكَّةَ وَفِي حَال مُشَاهَدَةِ الْكَعْبَةِ وَمُعَايَنَتِهِ لَهَا، فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ عَلَيْهِ التَّوَجُّهَ إِلَى عَيْنِ الْكَعْبَةِ، وَمُقَابَلَةَ ذَاتِهَا.
وَإِنْ كَانَ نَائِيًا عَنِ الْكَعْبَةِ غَائِبًا عَنْهَا: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَكْفِيهِ اسْتِقْبَال جِهَةِ الْكَعْبَةِ بِاجْتِهَادٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِصَابَةُ الْعَيْنِ، وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ.
وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَرِوَايَةٌ عَنِ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ تَلْزَمُهُ إِصَابَةُ الْعَيْنِ (22) . وَلاَ يَجُوزُ الاِجْتِهَادُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مَعَ وُجُودِ مَحَارِيبِ الصَّحَابَةِ، وَكَذَلِكَ مَحَارِيبُ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي تَكَرَّرَتِ الصَّلَوَاتُ إِلَيْهَا.
كَمَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الاِجْتِهَادُ إِذَا كَانَ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَسْأَلُهُ مِنْ أَهْل الْمَكَانِ الْعَالِمِ بِهَا، بِشَرْطِ كَوْنِهِ مَقْبُول الشَّهَادَةِ، فَالذِّمِّيُّ وَالْجَاهِل وَالْفَاسِقُ وَالصَّبِيُّ لاَ يُعْتَدُّ بِإِخْبَارِهِ فِي هَذَا الْمَجَال.
فَإِذَا عَجَزَ الْمُصَلِّي عَنْ إِصَابَةِ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَالتَّوَجُّهِ إِلَى جِهَتِهَا اسْتِدْلاَلاً بِالْمَحَارِيبِ الْمَنْصُوبَةِ الْقَدِيمَةِ، أَوْ سُؤَال مَنْ هُوَ عَالِمٌ بِالْقِبْلَةِ، مِمَّنْ تُقْبَل شَهَادَتُهُ مِنْ أَهْل الْمَكَانِ: فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الاِجْتِهَادِ فِي أَمْرِ الْقِبْلَةِ، فَعَلَيْهِ الاِجْتِهَادُ. وَالْمُجْتَهِدُ فِي الْقِبْلَةِ هُوَ: الْعَالِمُ بِأَدِلَّتِهَا وَهِيَ: النُّجُومُ، وَالشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ، وَالرِّيَاحُ، وَالْجِبَال، وَالأَْنْهَارُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْوَسَائِل وَالْمَعَالِمِ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ. فَإِنَّ كُل مَنْ عَلِمَ بِأَدِلَّةِ شَيْءٍ كَانَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِيهِ، وَإِنْ جَهِل غَيْرَهُ.
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَدِلَّتِهَا، أَوْ كَانَ أَعْمَى فَهُوَ مُقَلِّدٌ وَإِنْ عَلِمَ غَيْرَهَا (23) .
فَالْمُصَلِّي الْقَادِرُ عَلَى الاِجْتِهَادِ إِنْ صَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ، فَالْمُتَبَادَرُ مِنْ أَقْوَال جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ صَلاَتُهُ، وَإِنْ وَقَعَتْ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَكَذَلِكَ إِذَا أَدَّاهُ الاِجْتِهَادُ إِلَى جِهَةٍ فَصَلَّى إِلَى غَيْرِهَا، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ، فَصَلاَتُهُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الأَْئِمَّةِ الأَْرْبَعَةِ، لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ، كَمَا لَوْ صَلَّى ظَانًّا أَنَّهُ مُحْدِثٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ (24) .
وَلِتَفْصِيل ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ: (اسْتِقْبَالٌ) .
12 - مَنْ عَجَزَ عَنْ مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ بِالاِسْتِدْلاَل، بِأَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الأَْدِلَّةُ لِحَبْسٍ أَوْ غَيْمٍ، أَوِ الْتَبَسَتْ عَلَيْهِ أَوْ تَعَارَضَتْ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُخْبِرُهُ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ التَّحَرِّيَ وَتَصِحُّ صَلاَتُهُ؛ لأَِنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَالإِْمْكَانِ، وَلَيْسَ فِي وُسْعِهِ إِلاَّ التَّحَرِّي.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُصَلِّي كَيْفَ كَانَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ أَمْ لاَ، وَيَقْضِي لِنُدْرَةِ حُصُول ذَلِكَ (25) . وَالأَْصْل فِي هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَال: كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُل رَجُلٍ مِنَّا عَلَى خَيَالِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ فَنَزَل قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (26) وَقَال عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: قِبْلَةُ الْمُتَحَرِّي جِهَةُ قَصْدِهِ.
ثَالِثًا: التَّحَرِّي فِي الصَّلاَةِ:
13 - مَنْ شَكَّ فِي الصَّلاَةِ فَلاَ يَدْرِي كَمْ صَلَّى، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِنْ كَانَ يَعْرِضُ لَهُ الشَّكُّ كَثِيرًا فِي الصَّلاَةِ، وَكَانَ لَهُ رَأْيٌ تَحَرَّى، وَبَنَى عَلَى أَكْبَرِ رَأْيِهِ، لِقَوْلِهِ ﵊: مَنْ شَكَّ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ (27) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَبْنِي عَلَى الأَْقَل، وَيَأْتِي بِمَا شَكَّ فِيهِ مُطْلَقًا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا شَكَّ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ فَعَلَيْهِ الأَْخْذُ بِالأَْقَل، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ السَّلاَمِ فَقَوْلاَنِ عِنْدَهُمْ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقُومَ إِلَى التَّدَارُكِ، كَأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْعُسْرِ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الإِْمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِهِمْ. فَمَنْ كَانَ إِمَامًا وَشَكَّ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى تَحَرَّى وَبَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ (الأَْقَل) ، وَفِي رِوَايَةٍ يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ كَالإِْمَامِ، هَذَا إِذَا كَانَ لَهُ رَأْيٌ، أَمَّا إِذَا اسْتَوَى عِنْدَهُ الأَْمْرَانِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ إِمَامًا كَانَ أَوْ مُنْفَرِدًا (28) .
رَابِعًا: التَّحَرِّي فِي الصَّوْمِ:
14 - مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا أَوْ كَانَ فِي بَعْضِ النَّوَاحِي النَّائِيَةِ عَنِ الأَْمْصَارِ، أَوْ بِدَارِ حَرْبٍ بِحَيْثُ لاَ يُمْكِنُهُ التَّعَرُّفُ عَلَى الأَْشْهُرِ بِالْخَبَرِ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ: فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّحَرِّي وَالاِجْتِهَادُ فِي مَعْرِفَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ، لأَِنَّهُ أَمْكَنَهُ تَأْدِيَةُ فَرْضٍ بِالتَّحَرِّي وَالاِجْتِهَادِ، فَلَزِمَهُ كَاسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ.
فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَنْ أَمَارَةٍ تَقُومُ فِي نَفْسِهِ دُخُول شَهْرِ رَمَضَانَ صَامَهُ، ثُمَّ إِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ شَهْرَ رَمَضَانَ، أَوْ لَمْ يَنْكَشِفْ لَهُ الْحَال أَجْزَأَهُ فِي قَوْل عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ بِالاِجْتِهَادِ، وَأَدْرَكَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّحَرِّي.
وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَامَ شَهْرًا قَبْلَهُ، فَذَهَبَ الأَْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ، لأَِنَّهُ أَدَّى الْعِبَادَةَ قَبْل وُجُودِ سَبَبِ وُجُوبِهَا فَلَمْ تُجْزِئْهُ كَمَنْ صَلَّى قَبْل الْوَقْتِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ فِي الْقَدِيمِ فِي حَالَةِ تَبَيُّنِ الأَْمْرِ بَعْدَ رَمَضَانَ أَنَّهُ يُجْزِئُ، لأَِنَّهُ عِبَادَةٌ تُفْعَل فِي السَّنَةِ مَرَّةً، فَجَازَ أَنْ يَسْقُطَ فَرْضُهَا بِالْفِعْل قَبْل الْوَقْتِ عِنْدَ الْخَطَأِ.
أَمَّا إِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَامَ شَهْرًا بَعْدَهُ، جَازَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَلِكَ بِشَرْطَيْنِ: إِكْمَال الْعِدَّةِ، وَتَبْيِيتُ النِّيَّةِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ، لأَِنَّهُ قَضَاءٌ، وَفِي الْقَضَاءِ يُعْتَبَرُ هَذَانِ الشَّرْطَانِ، وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ أَدَاءٌ لِلْعُذْرِ؛ لأَِنَّ الْعُذْرَ قَدْ يَجْعَل غَيْرَ الْوَقْتِ وَقْتًا كَمَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلاَتَيْنِ.
وَعَلَى هَذَا فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ نَاقِصًا، وَرَمَضَانُ الَّذِي صَامَهُ النَّاسُ تَامًّا، صَامَ يَوْمًا؛ لأَِنَّ صَوْمَ شَهْرٍ آخَرَ بَعْدَهُ يَكُونُ قَضَاءً، وَالْقَضَاءُ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْفَائِتِ.
وَعَلَى الْقَوْل الثَّانِي لِلشَّافِعِيَّةِ - بِأَنَّهُ يَقَعُ أَدَاءً - يُجْزِئُهُ وَلَوْ صَامَهُ نَاقِصًا وَصَامَ النَّاسُ رَمَضَانَ تَامًّا؛ لأَِنَّ الشَّهْرَ يَقَعُ مَا بَيْنَ الْهِلاَلَيْنِ. وَكَذَلِكَ إِنْ وَافَقَ بَعْضَ رَمَضَانَ دُونَ بَعْضٍ، فَمَا وَافَقَ رَمَضَانَ أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَهُ، وَمَا وَافَقَ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ.
وَأَمَّا إِنْ ظَنَّ أَنَّ الشَّهْرَ لَمْ يَدْخُل فَصَامَ لَمْ يُجْزِئْهُ، وَلَوْ أَصَابَ، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي دُخُولِهِ وَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ.وَإِنْ صَامَ مَنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الأَْشْهُرُ بِلاَ اجْتِهَادٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، وَبِلاَ تَحَرٍّ، لاَ يُجْزِئُهُ كَمَنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ (29) .
وَمَنْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَلَمْ يَتَحَرَّ لاَ يَحِل لَهُ الْفِطْرُ، لأَِنَّ الأَْصْل بَقَاءُ النَّهَارِ (30) .
خَامِسًا: التَّحَرِّي فِي مَعْرِفَةِ مُسْتَحِقِّي الزَّكَاةِ:
15 - مَنْ شَكَّ فِي حَال مَنْ يَدْفَعُ لَهُ الزَّكَاةَ لَزِمَهُ التَّحَرِّي: فَإِنْ وَقَعَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ فَقِيرٌ دَفَعَ إِلَيْهِ، فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ فَقِيرٌ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ حَالِهِ شَيْءٌ جَازَ بِالاِتِّفَاقِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا فَكَذَلِكَ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْل أَبِي يُوسُفَ الأَْوَّل، وَفِي قَوْلِهِ الآْخَرِ تَلْزَمُهُ الإِْعَادَةُ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنْ دَفَعَ الزَّكَاةَ بِاجْتِهَادٍ لِغَيْرِ مُسْتَحِقٍّ فِي الْوَاقِعِ كَغَنِيٍّ، أَوْ كَافِرٍ مَعَ ظَنِّهِ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ، لَمْ تُجْزِهِ.
أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَرِوَايَتَانِ: إِحْدَاهُمَا يُجْزِئُهُ، وَالأُْخْرَى لاَ يُجْزِئُهُ (31) .
وَلِمَعْرِفَةِ تَفْصِيل أَحْكَامِ ذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ: (زَكَاةٌ) .
سَادِسًا: التَّحَرِّي بَيْنَ الأَْقْيِسَةِ الْمُتَعَارِضَةِ:
16 - إِذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ الْقِيَاسَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَلِيلٌ لِتَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ، وَلَمْ يَقَعِ اخْتِيَارُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالْعَمَل بِهِ، فَيَجِبُ التَّحَرِّي، خِلاَفًا لِلإِْمَامِ الشَّافِعِيِّ، فَإِنَّهُ يَقُول: لاَ يَجِبُ التَّحَرِّي، بَل لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَعْمَل بِأَيِّهِمَا شَاءَ، وَعَلَى هَذَا الْخِلاَفِ، التَّحَرِّي فِي قَوْل صَحَابِيَّيْنِ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِحُجِّيَّةِ قَوْل الصَّحَابِيِّ (32) ، وَالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
17 - وَرَدَ ذِكْرُ التَّحَرِّي فِي فُصُولٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ مِنْهَا: كِتَابُ الصَّلاَةِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنِ اسْتِقْبَال الْقِبْلَةِ، وَسَجْدَةِ السَّهْوِ، وَأَبْوَابُ الْحَيْضِ وَالطَّهَارَةِ، وَالصَّوْمِ، وَخَصَّصَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ لِلتَّحَرِّي كِتَابًا مُسْتَقِلًّا بِعِنْوَانِ (كِتَابُ التَّحَرِّي) (33) ، كَمَا أَنَّهُ يُرْجَعُ لِتَفْصِيل أَحْكَامِهِ إِلَى مُصْطَلَحَاتِ (اسْتِقْبَالٌ، وَاسْتِحَاضَةٌ، وَاشْتِبَاهٌ) .
__________
(1) سورة الجن / 14.
(2) حديث: " تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 259 - ط السلفية) .
(3) المصباح المنير ولسان العرب، وتاج العروس، ومتن اللغة، والصحاح مادة: " حرى "، والمبسوط 10 / 185 ط دار المعرفة، والقرطبي 19 / 16.
(4) ابن عابدين 1 / 190، 2 / 67، والمبسوط 7 / 185 ط مصطفى البابي الحلبي، ومطالب أولي النهى 1 / 55.
(5) المستصفى للغزالي 2 / 350، والفروق في اللغة 69 - 70، وحاشية ابن عابدين 1 / 290 ط دار التراث العربي بيروت.
(6) حديث: " اذهبا وتوخيا، واستهما. . . " أخرجه أحمد (6 / 320 - ط الميمنية) وأبو داود (4 / 14 - ط عزت عبيد دعاس) وإسناده حسن.
(7) المبسوط 10 / 186 ط دار المعرفة، ومتن اللغة مادة: " وخى ".
(8) حديث: " إذا شك أحدكم في الصلاة فليتحر الصواب " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 504 - ط السلفية) ومسلم (1 / 400 - ط الحلبي) .
(9) المبسوط 10 / 186 ط د دار المعرفة، والتعريفات للجرجاني، والمصباح المنير مادة: " ظن ".
(10) سورة البقرة / 46.
(11) المصباح المنير، والتعريفات للجرجاني مادة: " شك "، والمبسوط 10 / 186.
(12) سورة الممتحنة / 10.
(13) المبسوط 10 / 185، 186.
(14) المبسوط 10 / 201، وابن عابدين 5 / 221، 469، 470، والمغني 1 / 60، 61.
(15) المغني 1 / 60، 61.
(16) نهاية المحتاج 1 / 88، 89، 90، 91.
(17) الدسوقي 1 / 82.
(18) المغني 1 / 60، 61.
(19) المبسوط 10 / 200، وابن عابدين 5 / 221، 469، وحاشية الدسوقي 1 / 79، والحطاب 1 / 160، ونهاية المحتاج 2 / 17، 18، والمغني 1 / 63، وانظر مصطلح: (اشتباه) .
(20) المبسوط 10 / 196، 197، 198، وابن عابدين 5 / 221، والفروق للقرافي 1 / 226، ونهاية المحتاج 1 / 99، وأسنى المطالب 1 / 23، والأشباه والنظائر للسيوطي 1 / 106، والقواعد لابن رجب 241.
(21) ابن عابدين 1 / 190، ومغني المحتاج 1 / 346، والمغني 1 / 321.
(22) بدائع الصنائع 1 / 118 ط دار الكتاب العربي بيروت، والحطاب 1 / 508 ط دار الفكر بيروت، ونهاية المحتاج 1 / 424 وما بعدها - ط مصطفى البابي الحلبي، والمغني 1 / 439 ط مكتبة الرياض الحديثة.
(23) ابن عابدين 1 / 290 ط دار إحياء التراث العربي، والمبسوط 10 / 190 - 192 ط دار المعرفة، والحطاب 1 / 509، دار الفكر، والدسوقي 1 / 226 ط دار الفكر، ونهاية المحتاج 1 / 440، 441، 442، 443 ط مصطفى البابي الحلبي، والمغني 1 / 440، 441 ط، مكتبة الرياض الحديثة.
(24) المراجع السابقة في المذاهب الأربعة.
(25) حاشية ابن عابدين 1 / 289، وبدائع الصنائع 1 / 118، وفتح القدير 234، 237 ط دار إحياء التراث العربي، والمغني 10 / 444 ط مكتبة الرياض الحديثة، وحاشية الدسوقي 1 / 227، ونهاية المحتاج 1 / 443 ط مصطفى البابي الحلبي.
(26) سورة البقرة / 115. وحديث عامر بن ربيعة أخرجه ابن ماجه (1 / 326 - ط الحلبي) وذكر ابن كثير الأحاديث في ذلك في تفسيره ثم قال: وهذه الأسانيد فيها ضعف، ولعله يشد بعضها بعضها (تفسير ابن كثير 1 / 278 - ط الأندلس) .
(27) حديث. " من شك في الصلاة فليتحر الصواب ". تقدم تخريجه (ف 3) .
(28) فتح القدير 1 / 452، والدسوقي 1 / 275، ونهاية المحتاج 1 / 79، والوجيز 1 / 51، والمغني 2 / 17، 18.
(29) المبسوط 3 / 59 ط دار المعرفة، والدسوقي 1 / 519 ط دار الفكر، والحطاب 2 / 417 ط دار الفكر، ونهاية المحتاج 3 / 162، 163 ط مصطفى البابي الحلبي، والمغني 3 / 161، 163، وكشاف القناع 2 / 307، 308 ط عالم الكتب.
(30) حاشية ابن عابدين 2 / 106، 114 ط دار إحياء التراث العربي، ونهاية المحتاج 3 / 162، 163 ط مصطفى البابي الحلبي، والمغني 3 / 162 ط مكتبة الرياض الحديثة.
(31) المبسوط 1 / 187، 189، والدسوقي 1 / 501، والمغني 3 / 667، 668.
(32) مسلم الثبوت 2 / 193.
(33) المبسوط 10 / 185.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 187/ 10