الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
الجمع بين أفعال العمرة، والحج في أشهر الحج في سنة واحدة في إحرامين . وذلك بأن يحرم بالعمرة، ويؤدي مناسكها ويتحلل منها، ثم يحرم بالحج، ويؤدي مناسكه . ومن شواهده قوله تعالى : ﱫﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀﱪ البقرة :196
الجمع بين أفعال العمرة، والحج في أشهر الحج في سنة واحدة في إحرامين.
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّمَتُّعُ فِي اللُّغَةِ: الاِنْتِفَاعُ، وَالْمَتَاعُ هُوَ كُل شَيْءٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَمَا يُتَبَلَّغُ بِهِ مِنَ الزَّادِ.
وَالْمُتْعَةُ اسْمٌ مِنَ التَّمَتُّعِ، وَمِنْهُ مُتْعَةُ الْحَجِّ وَمُتْعَةُ الطَّلاَقِ، وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ يُطْلَقُ التَّمَتُّعُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ:
أَوَّلاً: بِمَعْنَى مُتْعَةِ النِّكَاحِ وَهُوَ الْعَقْدُ عَلَى امْرَأَةٍ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ مَجْهُولَةٍ، وَهُوَ بَاطِلٌ بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ الأَْئِمَّةِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُرَادُ بِهِ مَقَاصِدُ النِّكَاحِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (مُتْعَةٌ) .
وَثَانِيًا: بِمَعْنَى الْمُتْعَةِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَفْعَل أَفْعَال الْعُمْرَةِ أَوْ أَكْثَرَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إِلْمَامًا صَحِيحًا - وَالإِْلْمَامُ الصَّحِيحُ النُّزُول فِي وَطَنِهِ مِنْ غَيْرِ بَقَاءِ صِفَةِ الإِْحْرَامِ - وَيُحْرِمُ لِلْحَجِّ مِنَ الْحَرَمِ (2) . وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ وَيُتَمِّمَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ يَحُجَّ بَعْدَهَا فِي عَامِهِ (3) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يُنْشِئَ حَجًّا مِنْ عَامِهِ دُونَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِلإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ (4) .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ عَامِهِ مِنْ مَكَّةَ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهَا (5) .
وَسُمِّيَ مُتَمَتِّعًا لِتَمَتُّعِهِ بَعْدَ تَمَامِ عُمْرَتِهِ بِالنِّسَاءِ وَالطِّيبِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لاَ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ؛ وَلِتَرَفُّقِهِ وَتَرَفُّهِهِ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ (6) .
هَذَا هُوَ مَعْنَى التَّمَتُّعِ الَّذِي يُقَابِل الْقِرَانَ وَالإِْفْرَادَ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْفْرَادُ:
2 - الإِْفْرَادُ فِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ أَنْ يُهِل بِالْحَجِّ وَحْدَهُ، وَيُحْرِمَ بِهِ مُنْفَرِدًا (7) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِفْرادٌ) . ب - الْقِرَانُ:
3 - الْقِرَانُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ قَرَنَ بِمَعْنَى جَمَعَ، وَفِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ أَنْ يُهِل بِالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ مِنَ الْمِيقَاتِ، أَوْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ يُدْخِل عَلَيْهَا الْحَجَّ (8) عَلَى خِلاَفٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِرَانٌ)
الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ التَّمَتُّعِ وَالإِْفْرَادِ وَالْقِرَانِ:
4 - قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: الإِْفْرَادُ أَفْضَل، لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَفْرَدَ الْحَجَّ (9) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَل - وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِذَا سَاقَ الْهَدْيَ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (10) وَإِتْمَامُهُمَا أَنْ يُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ؛ وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَجَّ قَارِنًا (11) . وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ قَال سَمِعْت رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا (12) "، وَلأَِنَّ الْقَارِنَ يَجْمَعُ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ بِامْتِدَادِ إِحْرَامِهِمَا، وَالْمَشَقَّةُ فِيهِ أَكْثَرُ، فَيَكُونُ الثَّوَابُ فِي الْقِرَانِ أَتَمَّ وَأَكْمَل (13) .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ - وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - بِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَل مِنَ الإِْفْرَادِ وَالْقِرَانِ إِذَا لَمْ يَسُقْ هَدْيًا، وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ اخْتِيَارُ التَّمَتُّعِ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةُ وَكَثِيرٌ مِنَ التَّابِعِينَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ أَصْحَابَهُ لَمَّا طَافُوا بِالْبَيْتِ أَنْ يُحِلُّوا وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً (14) . فَنَقْل النَّبِيِّ إِيَّاهُمْ مِنَ الإِْفْرَادِ وَالْقِرَانِ إِلَى التَّمَتُّعِ يَدُل عَلَى أَفْضَلِيَّةِ التَّمَتُّعِ (15) .
أَرْكَانُ التَّمَتُّعِ:
5 - التَّمَتُّعُ جَمْعٌ بَيْنَ نُسُكَيِ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ بِإِحْرَامَيْنِ: إِحْرَامٍ مِنَ الْمِيقَاتِ لِلْعُمْرَةِ، وَإِحْرَامٍ مِنْ مَكَّةَ لِلْحَجِّ؛ وَلِذَلِكَ فَأَرْكَانُ التَّمَتُّعِ هِيَ أَرْكَانُ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الإِْحْرَامِ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لِلْعُمْرَةِ، ثُمَّ بَعْدَ الإِْحْرَامِ لِلْحَجِّ يَجِبُ عَلَيْهِ الإِْتْيَانُ بِأَرْكَانِ وَأَعْمَال الْحَجِّ كَالْمُفْرِدِ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مُصْطَلَحِ: (حَجٌّ) .
وَهُنَاكَ شُرُوطٌ خَاصَّةٌ لِلتَّمَتُّعِ ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ كَمَا يَأْتِي: شُرُوطُ التَّمَتُّعِ:
أ - تَقْدِيمُ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ:
6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ يُشْتَرَطُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْل الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ، وَيَأْتِيَ بِأَعْمَالِهَا قَبْل أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا مِنَ الْمِيقَاتِ أَوْ أَدْخَل الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْل الشُّرُوعِ فِي أَعْمَالِهِمَا يُصْبِحُ قَارِنًا. إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: إِذَا طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ قَبْل الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ صَحَّ تَمَتُّعُهُ (16) .
ب - أَنْ تَكُونَ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ:
7 - يُشْتَرَطُ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ تَكُونَ عُمْرَتُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَإِنِ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَل مِنْهَا قَبْل أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لاَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا.
وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ (17) . إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ أَعْطَوُا الأَْكْثَرَ حُكْمَ الْكُل فَقَالُوا: لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ يُعْتَبَرُ مُتَمَتِّعًا وَإِنْ وَقَعَ الإِْحْرَامُ وَالأَْشْوَاطُ الثَّلاَثَةُ قَبْل أَشْهُرِ الْحَجِّ (18) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ فِعْل بَعْضِ رُكْنِ الْعُمْرَةِ وَلَوْ شَوْطًا مِنَ السَّعْيِ فِي وَقْتِ الْحَجِّ. فَمَنْ أَدَّى شَوْطًا مِنَ السَّعْيِ وَحَل مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ،
وَإِنْ حَل مِنْ عُمْرَتِهِ قَبْل أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ (19) .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ - فَاشْتَرَطُوا أَنْ يَكُونَ الإِْحْرَامُ بِالْعُمْرَةِ وَأَعْمَالِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، فَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ وَقَعَتْ أَفْعَالُهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لأَِنَّهُ أَتَى بِالإِْحْرَامِ - وَهُوَ نُسُكٌ لاَ تَتِمُّ الْعُمْرَةُ إِلاَّ بِهِ - فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا كَمَا لَوْ طَافَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ.
وَالْقَوْل الآْخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَتَى بِأَفْعَالِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لأَِنَّ عُمْرَتَهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَطُوفُ فِيهِ، وَاسْتِدَامَةُ الإِْحْرَامِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَائِهِ فِيهَا (20) .
ج - كَوْنُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ:
8 - يُشْتَرَطُ فِي التَّمَتُّعِ أَنْ تُؤَدَّى الْعُمْرَةُ وَالْحَجُّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنِ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَلَمْ يَحُجَّ ذَلِكَ الْعَامَ بَل حَجَّ الْعَامَ الْقَابِل فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَإِنْ بَقِيَ حَرَامًا إِلَى السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (21) وَهَذَا يَقْتَضِي الْمُوَالاَةَ بَيْنَهُمَا؛ وَلِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَال: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ يَعْتَمِرُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِذَا لَمْ يَحُجُّوا مِنْ عَامِهِمْ ذَلِكَ لَمْ يُهْدُوا.
وَهَذَا الشَّرْطُ مَحَل اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ (22) .
د - عَدَمُ السَّفَرِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ:
9 - اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْفُقَهَاءِ فِي بَيَانِ هَذَا الشَّرْطِ:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ طَوَافُ الْعُمْرَةِ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ وَالْحَجُّ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ، فَإِنْ عَادَ الْمُتَمَتِّعُ إِلَى بَلَدِهِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ بَطَل تَمَتُّعُهُ؛ لأَِنَّهُ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ إِلْمَامًا صَحِيحًا فَانْقَطَعَ حُكْمُ السَّفَرِ الأَْوَّل.
وَلَوْ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ قَبْل إِتْمَامِ الطَّوَافِ ثُمَّ عَادَ وَحَجَّ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الطَّوَافِ فِي السَّفَرِ الأَْوَّل لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ فِي الثَّانِي كَانَ مُتَمَتِّعًا (23) . وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ عَدَمُ رُجُوعِهِ بَعْدَ عُمْرَتِهِ إِلَى بَلَدِهِ أَوْ إِلَى مِثْل بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ عَنْ مَكَّةَ، فَإِذَا رَجَعَ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ كَانَ بَلَدُهُ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ. وَأَمَّا إِذَا رَجَعَ إِلَى أَقَل مِنْ بَلَدِهِ ثُمَّ حَجَّ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بَلَدُهُ بَعِيدًا كَتُونِسَ، فَإِنَّ هَذَا إِذَا رَجَعَ إِلَى مِصْرَ بَعْدَ فِعْل عُمْرَتِهِ وَقَبْل حَجِّهِ وَعَادَ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ لاَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا (24) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يَعُودَ لإِِحْرَامِ الْحَجِّ إِلَى الْمِيقَاتِ، فَإِنْ رَجَعَ إِلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ لِلْحَجِّ لاَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا وَلَمْ يَلْزَمْهُ الدَّمُ (25) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يُسَافِرَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ سَفَرًا بَعِيدًا تُقْصَرُ فِي مِثْلِهِ الصَّلاَةُ.
وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ قَال: إِذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، فَإِنْ خَرَجَ وَرَجَعَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ (26) .
هـ - التَّحَلُّل مِنَ الْعُمْرَةِ قَبْل الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ:
10 - يُشْتَرَطُ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَحِل مِنَ الْعُمْرَةِ قَبْل إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ، فَإِنْ أَدْخَل الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ قَبْل حِلِّهِ مِنْهَا فَيَكُونُ قَارِنًا وَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا، وَهَذَا الشَّرْطُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: إِنَّ هَذَا الشَّرْطَ لِمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ، أَمَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلاَ يَحِل مِنْ إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ إِلَى أَنْ يُحْرِمَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَوْ قَبْلَهُ لِلْحَجِّ كَمَا يُحْرِمُ أَهْل مَكَّةَ، فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ حَل مِنَ الإِْحْرَامَيْنِ (27) .
و أَنْ لاَ يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ:
11 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ دَمَ التَّمَتُّعِ لاَ يَجِبُ عَلَى حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلاَ تَمَتُّعَ لَهُمْ، إِذْ قَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (28) .
وَلأَِنَّ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مِيقَاتُهُمْ مَكَّةُ فَلاَ يَحْصُل لَهُمُ التَّرَفُّهُ بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ؛ وَلأَِنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ تَكُونُ عُمْرَتُهُ مِيقَاتِيَّةً وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّةً وَلاَ كَذَلِكَ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (29) . الْمُرَادُ بِحَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
12 - صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَهْل الْحَرَمِ وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ، (وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَمِ) دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الْمُرَادُ بِحَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَهْل مَكَّةَ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ مِنْ أَهْل دَاخِل الْمَوَاقِيتِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: هُمْ مُقِيمُو مَكَّةَ وَمُقِيمُو ذِي طُوًى (30) .
وَالْعِبْرَةُ بِالتَّوَطُّنِ، فَلَوِ اسْتَوْطَنَ الْمَكِّيُّ الْمَدِينَةَ مَثَلاً فَهُوَ آفَاقِيٌّ، وَبِالْعَكْسِ مَكِّيٌّ. فَإِنْ كَانَ لِلْمُتَمَتِّعِ مَسْكَنَانِ أَحَدُهُمَا بَعِيدٌ، وَالآْخَرُ قَرِيبٌ اُعْتُبِرَ فِي كَوْنِهِ مِنَ الْحَاضِرِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ كَثْرَةُ إِقَامَتِهِ بِأَحَدِهِمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ (31) . فَإِنِ اسْتَوَتْ إِقَامَتُهُ بِهِمَا فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَاعْتُبِرَ الأَْهْل وَالْمَال عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِاعْتِبَارِ الأَْكْثَرِيَّةِ (32) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ كَانَ لِلْمُتَمَتِّعِ أَهْلاَنِ أَهْلٌ بِمَكَّةَ وَأَهْلٌ بِغَيْرِهَا، فَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ الْهَدْيِ وَلَوْ غَلَبَتْ إِقَامَتُهُ فِي أَحَدِهِمَا (33) .
هَذَا وَإِذَا دَخَل الآْفَاقِيُّ مَكَّةَ مُتَمَتِّعًا نَاوِيًا الإِْقَامَةَ بِهَا بَعْدَ تَمَتُّعِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ اتِّفَاقًا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ (34) .
ز - عَدَمُ إِفْسَادِ الْعُمْرَةِ أَوِ الْحَجِّ:
13 - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ - أَنَّ مِنْ شُرُوطِ التَّمَتُّعِ عَدَمَ إِفْسَادِ الْعُمْرَةِ أَوِ الْحَجِّ، فَإِذَا أَفْسَدَهَا لاَ يُعْتَبَرُ مُتَمَتِّعًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَحْصُل لَهُ التَّرَفُّهُ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ إِذَا أَفْسَدَ الْقَارِنُ وَالْمُتَمَتِّعُ نُسُكَيْهِمَا لَمْ يَسْقُطِ الدَّمُ عَنْهُمَا، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَبِهِ قَال مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ؛ لأَِنَّهُ مَا وَجَبَ فِي النُّسُكِ الصَّحِيحِ وَجَبَ فِي الْفَاسِدِ.
هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الدَّمِ أَنْ يَنْوِيَ التَّمَتُّعَ فِي ابْتِدَاءِ الْعُمْرَةِ أَوْ أَثْنَائِهَا، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الآْخَرُونَ (35) .
14 - وَلاَ يُعْتَبَرُ وُقُوعُ النُّسُكَيْنِ عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، فَلَوْ اعْتَمَرَ لِنَفْسِهِ وَحَجَّ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ فَعَل ذَلِكَ عَنِ اثْنَيْنِ كَانَ عَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ لِظَاهِرِ الآْيَةِ، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: فِي شَرْطِ كَوْنِهِمَا عَنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ تَرَدُّدٌ، أَنْكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ وَخَلِيلٌ فِي مَنَاسِكِهِ، وَقَال ابْنُ الْحَاجِبِ: الأَْشْهَرُ اشْتِرَاطُهُ (36) .
هَذَا وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ مُعْتَبَرَةٌ لِوُجُوبِ الدَّمِ لاَ لِكَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا، وَلِهَذَا يَصِحُّ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ مِنَ الْمَكِّيِّ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ. وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَرِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهَا تُشْتَرَطُ لِكَوْنِهِ مُتَمَتِّعًا، فَلَوْ فَاتَ شَرْطٌ لاَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا (37) .
سَوْقُ الْهَدْيِ هَل يَمْنَعُ التَّحَلُّل؟
15 - قَال مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: الْمُتَمَتِّعُ إِذَا فَرَغَ مِنْ أَعْمَال الْعُمْرَةِ يَتَحَلَّل، سَاقَ الْهَدْيَ أَمْ لَمْ يَسُقْ (38) .
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ لِلْمُتَمَتِّعِ إِنْ شَاءَ أَنْ يَسُوقَ الْهَدْيَ - وَهُوَ أَفْضَل - وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِذَا دَخَل مَكَّةَ طَافَ وَسَعَى لِلْعُمْرَةِ وَلاَ يَتَحَلَّل، ثُمَّ يُحْرِمُ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَوْ قَبْلَهُ كَمَا يُحْرِمُ أَهْل مَكَّةَ. لِقَوْلِهِ ﷺ: لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً وَتَحَلَّلْتُ مِنْهَا (39) وَهَذَا يَنْفِي التَّحَلُّل عِنْدَ سَوْقِ الْهَدْيِ فَإِذَا حَلَقَ يَوْمَ النَّحْرِ حَل مِنَ الإِْحْرَامَيْنِ وَذَبَحَ دَمَ التَّمَتُّعِ. وَعَدَمُ التَّحَلُّل لِمَنْ يَسُوقُ الْهَدْيَ هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَيْضًا فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ (40) . لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لاَ يَحِل مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ (41) ".
وُجُوبُ الْهَدْيِ فِي التَّمَتُّعِ:
16 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْهَدْيُ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَذَلِكَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ
قَال تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (42) :
وَالْهَدْيُ الْوَاجِبُ شَاةٌ أَوْ بَقَرَةٌ أَوْ بَعِيرٌ أَوْ سُبُعُ الْبَقَرَةِ أَوِ الْبَعِيرِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَقَال مَالِكٌ هُوَ بَدَنَةٌ وَلاَ يَصِحُّ سُبُعُ بَعِيرٍ أَوْ بَقَرَةٍ. وَوَقْتُ وُجُوبِهِ إِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُمْ وَقْتُ وُجُوبِهِ الْوَقْتُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ فِيهِ نَحْرُهُ (43) . وَوَقْتُ ذَبْحِهِ وَإِخْرَاجِهِ يَوْمُ النَّحْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَيَجُوزُ ذَبْحُهُ بَعْدَ أَعْمَال الْعُمْرَةِ وَلَوْ قَبْل الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ إِنْ قَدَّمَ الْمُتَمَتِّعُ الْهَدْيَ قَبْل الْعَشْرِ طَافَ وَسَعَى وَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَإِنْ قَدَّمَ فِي الْعَشْرِ لَمْ يَنْحَرْ إِلاَّ يَوْمَ النَّحْرِ (44) .
وَلِلتَّفْصِيل اُنْظُرْ مُصْطَلَحَ: (هَدْيٌ) .
بَدَل الْهَدْيِ:
17 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ إِذَا لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ بِأَنْ فَقَدَهُ أَوْ ثَمَنَهُ أَوْ وَجَدَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، يَنْتَقِل إِلَى صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ؛ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} (45) .
وَتُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ فِي مَوْضِعِهِ، فَمَتَى عَدِمَهُ فِي مَوْضِعِهِ جَازَ لَهُ الاِنْتِقَال إِلَى الصِّيَامِ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْهَدْيِ فِي بَلَدِهِ (46) .
هَذَا وَلاَ يَلْزَمُ التَّتَابُعُ فِي الصِّيَامِ بَدَل الْهَدْيِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا. وَيُنْدَبُ تَتَابُعُ الثَّلاَثَةِ، وَكَذَا السَّبْعَةُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمُ الشَّافِعِيَّةُ (47) .
وَقْتُ الصِّيَامِ وَمَكَانُهُ:
أَوَّلاً - صِيَامُ الأَْيَّامِ الثَّلاَثَةِ:
18 - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ لِصِيَامِ الثَّلاَثَةِ هُوَ أَنْ يَصُومَهَا مَا بَيْنَ إِحْرَامِهِ بِالْحَجِّ وَيَوْمِ عَرَفَةَ، وَيَكُونُ آخِرُ أَيَّامِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَعَلَى ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَقْدِيمُ الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ قَبْل يَوْمِ التَّرْوِيَةِ لِيُكْمِل الثَّلاَثَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ؛ لأَِنَّ الصَّوْمَ بَدَل الْهَدْيِ فَيُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ إِلَى آخِرِ وَقْتِهِ رَجَاءَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الأَْصْل.
وَيُسْتَحَبُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَكُونَ الثَّلاَثَةُ قَبْل يَوْمِ عَرَفَةَ؛ لأَِنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ (48) . وَلاَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الثَّلاَثَةِ أَوْ يَوْمٍ مِنْهَا عَلَى الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل زُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} (49) وَلأَِنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ فَلاَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهَا كَسَائِرِ الصِّيَامِ الْوَاجِبِ؛ وَلأَِنَّ مَا قَبْلَهُ لاَ يَجُوزُ فِيهِ الدَّمُ فَلَمْ يَجُزْ بَدَلُهُ (50) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الثَّلاَثَةِ عَلَى الإِْحْرَامِ بِالْحَجِّ بَعْدَ الإِْحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ إِذَا حَل مِنَ الْعُمْرَةِ. وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ أَنَّ إِحْرَامَ الْعُمْرَةِ أَحَدُ إِحْرَامَيِ التَّمَتُّعِ فَجَازَ الصَّوْمُ بَعْدَهُ كَإِحْرَامِ الْحَجِّ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} (51) فَالْمُرَادُ بِهِ وَقْتُهُ أَوْ أَشْهُرُ الْحَجِّ؛ لأَِنَّ نَفْسَ الْحَجِّ - وَهِيَ أَفْعَالٌ مَعْلُومَةٌ - لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِفِعْلٍ آخَرَ وَهُوَ الصَّوْمُ.
وَأَمَّا تَقْدِيمُ الصَّوْمِ عَلَى إِحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَلاَ يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ وُجُودِ السَّبَبِ (52) . وَإِنْ فَاتَهُ الصَّوْمُ حَتَّى أَتَى يَوْمُ النَّحْرِ صَامَ أَيَّامَ مِنًى عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: وَهُوَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَصُومُهَا بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ لأَِنَّهُ صَوْمٌ مُؤَقَّتٌ فَيُقْضَى، وَالأَْظْهَرُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّبْعَةِ بِقَدْرِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (يَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ) وَمُدَّةُ إِمْكَانِ السَّيْرِ إِلَى أَهْلِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ (53) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يُجْزِئُهُ إِلاَّ الدَّمُ، لِنَهْيِ النَّبِيِّ ﷺ عَنِ الصَّوْمِ فِي هَذِهِ الأَْيَّامِ؛ وَلأَِنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنِ الْهَدْيِ وَلاَ نَظِيرَ لَهُ فِي الشَّرْعِ؛ وَلأَِنَّ الإِْبْدَال ثَبَتَ شَرْعًا عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ؛ لأَِنَّهُ لاَ مُمَاثَلَةَ بَيْنَ الدَّمِ وَالصَّوْمِ فَلاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِإِثْبَاتِ الشَّارِعِ، وَالنَّصُّ خَصَّهُ بِوَقْتِ الْحَجِّ، فَإِذَا فَاتَ وَقْتُهُ فَاتَ هُوَ أَيْضًا فَيَظْهَرُ حُكْمُ الأَْصْل وَهُوَ الدَّمُ عَلَى مَا كَانَ (54)
ثَانِيًا - صِيَامُ الأَْيَّامِ السَّبْعَةِ:
19 - يَصُومُ الْمُتَمَتِّعُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ إِذَا رَجَعَ مِنَ الْحَجِّ لِيُكْمِل الْعَشَرَةَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (55) ، وَالأَْفْضَل أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى أَهْلِهِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ (56)
وَيَجُوزُ صِيَامُهَا بِمَكَّةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْحَجِّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، إِذِ الْمُرَادُ مِنَ الرُّجُوعِ الْفَرَاغُ مِنَ الْحَجِّ؛ لأَِنَّهُ سَبَبُ الرُّجُوعِ إِلَى أَهْلِهِ، فَكَانَ الأَْدَاءُ بَعْدَ السَّبَبِ (57) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْظْهَرِ: لاَ يَجُوزُ صِيَامُهَا إِلاَّ بَعْدَ الرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (58) ، فَلاَ يَجُوزُ صَوْمُهَا فِي الطَّرِيقِ أَوْ فِي مَكَّةَ إِلاَّ إِذَا أَرَادَ الإِْقَامَةَ بِهَا (59) .
ثَالِثًا - الْقُدْرَةُ عَلَى الْهَدْيِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصِّيَامِ:
20 - مَنْ دَخَل فِي الصِّيَامِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنَ الصَّوْمِ إِلَى الْهَدْيِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (60) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ وَجَدَ الْهَدْيَ بَعْدَ صَوْمِ يَوْمَيْنِ بَطَل صَوْمُهُ، وَيَجِبُ الْهَدْيُ، وَبَعْدَ التَّحَلُّل لاَ يَجِبُ كَالْمُتَيَمِّمِ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلاَةِ (1) .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ فَصَّلُوا فِي الْمَوْضُوعِ وَقَالُوا: إِنْ أَيْسَر بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الصَّوْمِ وَقَبْل إِكْمَال الْيَوْمِ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِلْهَدْيِ، وَإِنْ أَيْسَر بَعْدَ إِتْمَامِ الْيَوْمِ وَقَبْل إِكْمَال الثَّالِثِ يُسْتَحَبُّ لَهُ الرُّجُوعُ، وَإِنْ أَيْسَر بَعْدَ الثَّالِثِ يَجُوزُ لَهُ التَّمَادِي عَلَى الصَّوْمِ وَالرُّجُوعُ (2) .
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير مادة: " متع "، وابن عابدين 2 / 194، والزيلعي 2 / 44، والبناية 3 / 6.
(2) الزيلعي 2 / 45، والبناية 3 / 130، ومراقي الفلاح مع حاشية الطحطاوي ص402، ومغني المحتاج 1 / 513، وكشاف القناع 2 / 411
(3) جواهر الإكليل 1 / 172، والفواكه الدواني 1 / 434
(4) مغني المحتاج 1 / 514
(5) كشاف القناع 2 / 411
(6) جواهر الإكليل 1 / 172، والفواكه الدواني 1 / 434، والقليوبي 2 / 128، والمغني 3 / 468.
(7) الاختيار 1 / 158، وحاشية الدسوقي 2 / 28، والقليوبي 2 / 127، وكشاف القناع 2 / 411.
(8) الاختيار 1 / 160، والقليوبي 2 / 127، وكشاف القناع 2 / 411، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 28.
(9) الدسوقي 2 / 28، ونهاية المحتاج 3 / 324، والمغني 3 / 276، 277.
(10) سورة البقرة / 196
(11) حديث: " أن النبي ﷺ حج قارنا " أخرجه مسلم (2 / 886 - 892 عيسى الحلبي)
(12) حديث: " لبيك عمرة وحجا " أخرجه مسلم (2 / 905 ط عيسى الحلبي)
(13) الزيلعي 2 / 40، 41، 42
(14) ) حديث: " أن النبي ﷺ أمر أصحابه لما طافوا بالبيت أن يحلوا ويجعلوها عمرة " أخرجه مسلم (2 / 911 ط عيسى الحلبي) من حديث ابن عباس.
(15) المغني 3 / 276، وكشاف القناع 2 / 410، والدسوقي 2 / 27، ونهاية المحتاج 3 / 314، 315
(16) ابن عابدين 23 / 194، والفواكه الدواني 1 / 433، والقليوبي 2 / 228، ومغني المحتاج 1 / 514، وكشاف القناع 2 / 411، والمغني لابن قدامة 3 / 469
(17) الاختيار 2 / 158، وجواهر الإكليل 1 / 172، مغني المحتاج 1 / 514، والمغني 3 / 470.
(18) ابن عابدين 2 / 194، والبناية 3 / 650
(19) الفوكه الدواني 1 / 345، وجواهر الإكليل 1 / 172.
(20) المهذب 1 / 208، ومغني المحتاج 1 / 514، والمغني لابن قدامة 3 / 470، وكشاف القناع 2 / 413.
(21) سورة البقرة / 196.
(22) ابن عابدين 1 / 195، والزيلعي 2 / 45، وجواهر الإكليل 1 / 173، والفواكه الدواني 1 / 434، ومغني المحتاج 1 / 524، والمغني 3 / 471، وكشاف القناع 2 / 413.
(23) الاختيار 2 / 159، وابن عابدين 1 / 195.
(24) الفواكه الدواني 1 / 434.
(25) المهذب 1 / 208.
(26) المغني لابن قدامة 3 / 471، وكشاف القناع 2 / 413.
(27) الاختيار 1 / 158، 159، وابن عابدين 2 / 194، 195، وجواهر الإكليل 1 / 173، والفواكه الدواني 1 / 434، ومغني المحتاج 1 / 514، والمغني 3 / 472، وكشاف القناع 2 / 413.
(28) سورة البقرة / 196.
(29) الاختيار 1 / 159، والبناية 30 / 657، والفواكه الدواني 1 / 435، والمغني لابن قدامة 3 / 472، 473، ومغني المحتاج 1 / 515
(30) ابن عابدين 2 / 197، وجواهر الإكليل 1 / 172، والفواكه الدواني والمهذب 1 / 208، والقليوبي 2 / 128، والمغني لابن قدامة 3 / 473.
(31) ابن عابدين 2 / 195، ومغني المحتاج 1 / 516، والمغني لابن قدامة 3 / 473.
(32) كشاف القناع 2 / 413، ومغني المحتاج 1 / 516، والمغني لابن قدامة 3 / 473.
(33) الفواكه الدواني 1 / 435، وجواهر الإكليل 1 / 172.
(34) المراجع السابقة، وانظر ابن عابدين 2 / 195، 197، والمهذب 1 / 208، والمغني 3 / 473.
(35) ابن عابدين 2 / 194، والمهذب 1 / 208، ومغني المحتاج 1 / 516، وكشاف القناع 3 / 413، والمغني 3 / 474، 486
(36) ابن عابدين 2 / 194، 195، ومغني المحتاج 1 / 516، وجواهر الإكليل 1 / 173، وكشاف القناع 2 / 413، 414.
(37) مغني المحتاج 1 / 516، والمغني لابن قدامة 474.
(38) الدسوقي 8 / 87، والقرطبي 2 / 476، ومغني المحتاج 1 / 516.
(39) حديث: " لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقطت الهدي ولجعلتها عمرة وتحللت منها ". أخرجه مسلم (2 / 889 ط عيسى الحلبي) .
(40) البناية على الهداية 3 / 645، والاختيار 1 / 159، والمغني لابن قدامة 3 / 390، 391.
(41) حديث: " من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء منه حتى يقضي حجه ". أخرجه البخاري (3 / 433 ط السلفية) . ومسلم (2 / 901 ط عيسى الحلبي) .
(42) سورة البقرة / 196.
(43) فتح القدير 2 / 417، وجواهر الإكليل 1 / 173، والحطاب 2 / 60، 63، ومغني المحتاج 1 / 515 - 516، والمغني لابن قدامة 3 / 469، 475.
(44) المراجع السابقة.
(45) سورة البقرة / 196.
(46) البناية على الهداية 3 / 635، 636، والفواكه الدواني 1 / 433، ومغني المحتاج 1 / 516، والمغني 3 / 476.
(47) المراجع السابقة، وانظر مغني المحتاج 1 / 517، والمغني 3 / 478، وجواهر الإكليل 1 / 200 - 201.
(48) البناية على الهداية 3 / 623، والفواكه الدواني 1 / 433، ومغني المحتاج 1 / 516، 517 والمغني لابن قدامة 3 / 476، 477.
(49) سورة البقرة / 196.
(50) المراجع السابقة.
(51) سورة البقرة / 196.
(52) البناية على الهداية 3 / 621، 622، والفواكه الدواني 1 / 433، والمغني لابن قدامة 3 / 477، وانظر المراجع السابقة.
(53) الفواكه الدواني 1 / 433، ومغني المحتاج 1 / 517، والمغني 3 / 478، 479.
(54) البناية شرح الهداية 3 / 623، 624.
(55) سورة البقرة / 196.
(56) حديث: " فمن لم يجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ". أخرجه البخاري (3 / 539 ط السلفية) ، ومسلم (2 / 801 ط عيسى الحلبي) .
(57) البناية على الهداية 3 / 622، 623، والفواكه الدواني 1 / 433، والمغني لابن قدامة 3 / 477.
(58) سورة البقرة / 196.
(59) مغني المحتاج 1 / 517.
(60) مغني المحتاج 1 / 518، والمغني لابن قدامة 3 / 480، 481.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 6/ 14