القهار
كلمة (القهّار) في اللغة صيغة مبالغة من القهر، ومعناه الإجبار،...
إزالة الشعر كله، أو بعضه . ومن أمثلته حلق، أو تقصير الحاج، والمعتمر شعره للتحلل من حجه، أو عمرته . ومن شواهده قوله تَعَالَى : ﭽﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﭼ الفتح : 27.
إِزَالَةُ الشَّعْرِ، يُقَالُ: حَلَقَ رَأْسَهُ حَلْقًا وحِلَاقًا وحِلَاقَةً أَيْ أَزَالَ شَعْرَهُ، فَهُوَ حَالِقٌ وَحَلاَّقٌ، وَقَوْمٌ حَلَقَةٌ أَيْ يَحْلِقونَ الشَعْرَ، وَأَصْلُ الحَلْقِ: تَنْحِيَةُ الشَّيْءِ وَإِزَالَتُهُ، تَقُولُ: احْتَلَقَتِ السَّنَةُ المَالَ إِذَا ذَهَبَتْ بِهِ، وَجَبَلٌ حَالِقٌ: لَا نَبَاتَ فِيهِ، وَيَأْتِي الحَلْقُ بِمَعْنَى: الحُلْقُوم وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ والشَّرَابِ، وَالجَمْعُ: حُلُوقٌ، وَحَلَقَهُ أَيْ أَصَابَ حَلْقَهُ، وَحُلُوقُ الأَرْضِ: مَجَارِيهَا وَأَوْدِيَتُهَا، وَالحَلْقُ أيضًا: مَخْرَجُ النَّفَسِ، ومَوْضِعُ الذّبَحِ مِنَ الرَّقَبَةِ.
يَرِدُ مُصْطَلَحُ (حَلْقٍ) فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي بَابِ خِصَالِ الفِطْرَةِ ، وَكِتَابِ الأَضَاحِي فِي بَابِ العَقِيقَةِ عِنْدَ الكَلاَمِ عَلَى حَلْقِ شَعْرِ رَأْسِ المَوْلودِ بَعْدَ وِلَادَتِهِ ، وَكِتَابِ الحُدُودِ فِي بَابِ التَّعْزِيرِ. وَيُسْتَعْمَلُ الحَلْقُ أَيْضًا بِمَعْنَى: (مَجْرَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَى الجَوْفِ ، وَالذِي يُوصِلُ مَا بَيْنَ الفَمِ وَالمَرِيءِ) ، وَذَلِكَ فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ كَكِتَابِ الصِّيَامِ فِي بَابِ المُفَطِّرَاتِ ، وَكِابِ النِّكَاحِ فِي بَابِ الرَّضَاعِ ، وَكِتَابِ الذَّبَائِحِ فِي بَابِ صِفَةِ الذَّكَاةِ ، وَكِتَابِ الجِنَايَاتِ فِي بَابِ الجِنَايَةِ عَلَى الأَعْضَاءِ ، وَغَيْرِهَا.
حلق
إزالة الشعر كله، أو بعضه.
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : ص34 - المطلع على ألفاظ المقنع : ص237 - الصحاح : 1464/4 - معجم مقاييس اللغة : 98/2 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : 146 - كشاف القناع : 6 /41 - الـمغني لابن قدامة : 1 /89 - أسنى المطالب في شرح روض الطالب : 1/551 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار : 1 /133 - المغرب في ترتيب المعرب : 1 /123 - المحكم والمحيط الأعظم : 3 /6 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْحَلْقُ فِي اللُّغَةِ إِزَالَةُ الشَّعْرِ. يُقَال حَلَقَ رَأْسَهُ، أَيْ: أَزَال شَعْرَهُ. وَمِنْ مَعَانِيهِ أَيْضًا: الْحُلْقُومُ وَهُوَ مَسَاغُ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي الْمَرِّيءِ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِكَلِمَةِ الْحَلْقِ عَنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الاِسْتِحْدَادُ:
2 - الاِسْتِحْدَادُ حَلْقُ الْعَانَةِ. وَسُمِّيَ اسْتِحْدَادًا لاِسْتِعْمَال الْحَدِيدَةِ وَهِيَ الْمُوسَى (2) . فَالاِسْتِحْدَادُ نَوْعٌ مِنَ الْحَلْقِ.
ب - النَّتْفُ:
3 - النَّتْفُ لُغَةً نَزْعُ الشَّعْرِ وَالرِّيشِ وَنَحْوِهِ (3) . وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِكَلِمَةِ النَّتْفِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَالْوَجْهُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالنَّتْفِ: أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِزَالَةٌ لِلشَّعْرِ إِلاَّ أَنَّ الْحَلْقَ بِالْمُوسَى وَنَحْوِهِ، وَالنَّتْفَ بِنَزْعِهِ مِنْ جُذُورِهِ.
أَحْكَامُ الْحَلْقِ بِالْمَعْنَى الأَْوَّل (حَلْقِ الشَّعْرِ) : حَلْقُ الرَّأْسِ:
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُل إِمَّا الْفَرْقُ أَوِ الْحَلْقُ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْحَلْقَ سُنَّةٌ (4) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ كَمَا جَاءَ فِي الْفَوَاكِهِ الدَّوَانِي إِلَى أَنَّ حَلْقَ شَعْرِ الرَّأْسِ بِدْعَةٌ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ، لأَِنَّهُ ﷺ لَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ إِلاَّ فِي التَّحَلُّل مِنَ الْحَجِّ، قَال الْقُرْطُبِيُّ: كَرِهَ مَالِكٌ حَلْقَ الرَّأْسِ لِغَيْرِ الْمُتَحَلِّل مِنَ الإِْحْرَامِ، وَقَال الأَُجْهُورِيُّ: إِنَّ الْقَوْل بِجَوَازِ حَلْقِهِ وَلَوْ لِغَيْرِ الْمُتَعَمِّمِ أَوْلَى بِالاِتِّبَاعِ فَهُوَ مِنَ الْبِدَعِ الْحَسَنَةِ حَيْثُ لَمْ يَفْعَلْهُ لِهَوَى نَفْسِهِ وَإِلاَّ كُرِهَ أَوْ حَرُمَ (5) .
وَصَرَّحَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّ الشَّعْرَ عَلَى الرَّأْسِ زِينَةٌ، وَحَلْقُهُ بِدْعَةٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُتَّخَذَ جُمَّةً وَهِيَ مَا أَحَاطَ بِمَنَابِتِ الشَّعْرِ، وَوَفْرَةً وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ إِلَى شَحْمَةِ الأُْذُنَيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ أَطْوَل مِنْ ذَلِكَ (6) .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِحَلْقِ جَمِيعِ الرَّأْسِ لِمَنْ أَرَادَ التَّنْظِيفَ (7) .
وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ: فَعَنْهُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال فِي الْخَوَارِجِ: سِيمَاهُمُ التَّحْلِيقُ (8) فَجَعَلَهُ عَلاَمَةً لَهُمْ.
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ ذَلِكَ، لَكِنْ تَرْكُهُ أَفْضَل، قَال حَنْبَلٌ: كُنْتُ أَنَا وَأَبِي نَحْلِقُ رُءُوسَنَا فِي حَيَاةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَيَرَانَا وَنَحْنُ نَحْلِقُ فَلاَ يَنْهَانَا (9) .
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الْقَزَعُ، وَهُوَ أَنْ يَحْلِقَ بَعْضَ الرَّأْسِ دُونَ بَعْضٍ. وَقِيل: أَنْ يَحْلِقَ مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةً مِنْهُ (10) .
لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ رَأَى غُلاَمًا قَدْ حَلَقَ بَعْضَ رَأْسِهِ، وَتَرَكَ بَعْضَهُ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ. وَفِي لَفْظٍ قَال: احْلِقْهُ كُلَّهُ أَوْ دَعْهُ كُلَّهُ (11) . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنِ الْقَزَعِ (12) .
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُل، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلاَ يَجُوزُ لَهَا حَلْقُ رَأْسِهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ لِقَوْل أَبِي مُوسَى: بَرِئَ رَسُول اللَّهِ ﷺ مِنَ الصَّالِقَةِ (13) ، وَالْحَالِقَةِ (14) وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا (15) ، قَال الْحَسَنُ: هِيَ مُثْلَةٌ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ حَلْقُ الْمَرْأَةِ شَعْرَ رَأْسِهَا لِعُذْرٍ أَوْ وَجَعٍ فَلاَ بَأْسَ بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الْكَرَاهَةَ (16) . قَال الأَْثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَل عَنِ الْمَرْأَةِ تَعْجِزُ عَنْ شَعْرِهَا وَعَنْ مُعَالَجَتِهِ، وَتَقَعُ فِيهِ الدَّوَابُّ، قَال: إِذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ فَأَرْجُو أَنْ لاَ يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ (17) .
وَأَمَّا حَلْقُ الْقَفَا - وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْعُنُقِ - فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَنْ لَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِ لِحِجَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
قَال الْمَرْوَزِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حَلْقِ الْقَفَا فَقَال: هُوَ مِنْ فِعْل الْمَجُوسِ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَقَال: لاَ بَأْسَ أَنْ يَحْلِقَ قَفَاهُ وَقْتَ الْحِجَامَةِ (18) .
حَلْقُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ:
5 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ حَلْقُ رَأْسِ الْمَوْلُودِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ، وَيُتَصَدَّقُ بِوَزْنِ الشَّعْرِ وَرِقًا (فِضَّةً) ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حَلْقِ شَعْرِ الْمَوْلُودِ الأُْنْثَى، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأُْنْثَى، لِمَا رُوِيَ، أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَزَنَتْ شَعْرَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَزَيْنَبِ وَأُمِّ كُلْثُومٍ، وَتَصَدَّقَتْ بِزِنَةِ ذَلِكَ فِضَّةً (19) . وَلأَِنَّ هَذَا حَلْقٌ فِيهِ مَصْلَحَةٌ مِنْ حَيْثُ التَّصَدُّقُ، وَمِنْ حَيْثُ حُسْنُ الشَّعْرِ بَعْدَهُ، وَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ مِنْ تَشْوِيهِ الْخَلْقِ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ هُنَا.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَرَوْنَ عَدَمَ حَلْقِ شَعْرِ الْمَوْلُودِ الأُْنْثَى لِحَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ مَرْفُوعًا: كُل غُلاَمٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ (20) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ.
وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِفَاطِمَةَ لَمَّا وَلَدَتِ الْحَسَنَ: احْلِقِي رَأْسَهُ، وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِ شَعْرِهِ فِضَّةً عَلَى الْمَسَاكِينِ وَالأَْوْفَاضِ (21) يَعْنِي أَهْل الصُّفَّةِ (22) .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ حَلْقَ شَعْرِ الْمَوْلُودِ فِي سَابِعِ الْوِلاَدَةِ مُبَاحٌ لاَ سُنَّةٌ وَلاَ وَاجِبٌ (23) .
حَلْقُ الشَّارِبِ:
6 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ حَلْقَ الشَّارِبِ سُنَّةٌ وَقَصُّهُ أَحْسَنُ، وَقَال الطَّحَاوِيُّ: حَلْقُهُ أَحْسَنُ مِنَ الْقَصِّ، لِقَوْلِهِ ﷺ: أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَعْفُوا اللِّحَى (24) . وَالإِْحْفَاءُ: الاِسْتِئْصَال، وَهُوَ قَوْلٌ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ.
وَيَرَى الْغَزَالِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا (25) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الشَّارِبَ لاَ يُحْلَقُ، بَل يُقَصُّ (26) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى كَرَاهَةِ حَلْقِ الشَّارِبِ وَاسْتِحْبَابِ قَصِّهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ حَتَّى يَبِينَ طَرَفُ الشَّفَةِ بَيَانًا ظَاهِرًا.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُسَنُّ حَفُّ الشَّارِبِ أَوْ قَصُّ طَرَفِهِ، وَالْحَفُّ أَوْلَى نَصًّا، (وَفَسَّرُوا الْحَفَّ بِالاِسْتِقْصَاءِ أَيِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْقَصِّ.) (27) وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (شَارِبٌ) وَأَمَّا حَلْقُ اللِّحْيَةِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَفِيهِ خِلاَفٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (لِحْيَةٌ) .
حَلْقُ شَعْرِ الْمُحْرِمِ:
7 - يُحْظَرُ عَلَى الْمُحْرِمِ حَلْقُ رَأْسِهِ أَوْ رَأْسِ مُحْرِمٍ غَيْرِهِ، مَا لَمْ يَفْرُغِ الْحَالِقُ وَالْمَحْلُوقُ لَهُ مِنْ أَدَاءِ نُسُكِهِمَا. وَكَذَا لَوْ حَلَقَ لَهُ غَيْرُهُ حَلاَلاً أَوْ مُحْرِمًا يُحْظَرُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهُ مِنْ ذَلِكَ (28) .
وَفِي الْمَوْضُوعِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ " إِحْرَامٌ ".
الْحَلْقُ لِلتَّحَلُّل مِنَ الإِْحْرَامِ:
8 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْحَلْقَ أَوِ التَّقْصِيرَ نُسُكٌ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَلاَ يَحْصُل التَّحَلُّل فِي الْعُمْرَةِ وَالتَّحَلُّل الأَْكْبَرُ فِي الْحَجِّ إِلاَّ مَعَ الْحَلْقِ (29) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ - وَهُوَ خِلاَفُ الأَْظْهَرِ - وَأَحْمَدُ فِي قَوْلٍ: إِنَّ الْحَلْقَ أَوِ التَّقْصِيرَ لَيْسَ بِنُسُكٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إِطْلاَقٌ مِنْ مَحْظُورٍ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ بِالإِْحْرَامِ فَأُطْلِقَ فِيهِ عِنْدَ الْحِل، كَاللِّبَاسِ وَالطِيبِ وَسَائِرِ مَحْظُورَاتِ الإِْحْرَامِ، وَهَذَا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا.
فَعَلَى هَذَا الاِتِّجَاهِ لاَ شَيْءَ عَلَى تَارِكِ الْحَلْقِ وَيَحْصُل التَّحَلُّل بِدُونِهِ (30) .
هَذَا وَلاَ تُؤْمَرُ الْمَرْأَةُ بِالْحَلْقِ بَل تُقَصِّرُ لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ حَلْقٌ وَإِنَّمَا عَلَيْهِنَّ التَّقْصِيرُ (31) . وَرَوَى عَلِيٌّ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى الْمَرْأَةَ أَنْ تَحْلِقَ رَأْسَهَا (32) وَلأَِنَّ الْحَلْقَ لِلتَّحَلُّل فِي حَقِّ النِّسَاءِ بِدْعَةٌ وَفِيهِ مُثْلَةٌ، وَلِهَذَا لَمْ تَفْعَلْهُ وَاحِدَةٌ مِنْ نِسَاءِ رَسُول اللَّهِ ﷺ (33) .
مِقْدَارُ الْوَاجِبِ حَلْقُهُ لِلتَّحَلُّل:
9 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَفْضَلِيَّةِ حَلْقِ جَمِيعِ الرَّأْسِ عَلَى التَّقْصِيرِ لِقَوْلِهِ ﷿: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} (34) وَالرَّأْسُ اسْمٌ لِلْجَمِيعِ، وَكَذَا رُوِيَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ (35) .
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي أَقَل مَا يُجْزِئُ مِنَ الْحَلْقِ: فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ فَكَانَ تَفْسِيرًا لِمُطْلَقِ الأَْمْرِ بِالْحَلْقِ. فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ (36) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مَنْ حَلَقَ أَقَل مِنْ رُبْعِ الرَّأْسِ لَمْ يُجْزِهِ، وَإِنْ حَلَقَ رُبْعَ الرَّأْسِ أَجْزَأَهُ وَيُكْرَهُ. أَمَّا الْجَوَازُ فَلأَِنَّ رُبْعَ الرَّأْسِ يَقُومُ مَقَامَ كُلِّهِ فِي الْقُرَبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالرَّأْسِ كَمَسْحِ رُبْعِ الرَّأْسِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ.
وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلأَِنَّ الْمَسْنُونَ هُوَ حَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَتَرْكُ الْمَسْنُونِ مَكْرُوهٌ (37) .
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: أَقَل مَا يُجْزِئُ ثَلاَثُ شَعَرَاتٍ حَلْقًا أَوْ تَقْصِيرًا مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ.
وَقَال النَّوَوِيُّ: فَتُجْزِئُ الثَّلاَثُ بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَنَا وَلاَ يُجْزِئُ أَقَل مِنْهَا. وَحَكَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَجْهًا أَنَّهُ يُجْزِئُ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ. قَال النَّوَوِيُّ وَهُوَ غَلَطٌ (38) .
الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ لِلتَّحَلُّل:
10 - قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ يُجْزِئُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَعْنًى يَقْتَضِي وُجُوبَ الْحَلْقِ عَلَيْهِ (39) . كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَل مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ الرَّجُل، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ. قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُول اللَّهِ. قَال: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ. قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُول اللَّهِ. قَال: اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ (40) .
فَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ ﷺ لِلْمُحَلِّقِينَ ثَلاَثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مُرَّةً، وَلأَِنَّ ذِكْرَ الْمُحَلِّقِينَ فِي الْقُرْآنِ قَبْل الْمُقَصِّرِينَ، وَلأَِنَّ الْحَلْقَ أَكْمَل فِي قَضَاءِ التَّفَثِ، وَفِي التَّقْصِيرِ بَعْضُ تَقْصِيرٍ فَأَشْبَهَ الاِغْتِسَال مَعَ الْوُضُوءِ (41) .
وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ الْحَلْقُ بِالإِْجْمَاعِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِنَّ التَّقْصِيرُ (42) كَمَا تَقَدَّمَ. هَذَا وَلِلتَّفْصِيل فِي آدَابِ الْحَلْقِ لِلتَّحَلُّل وَزَمَانِهِ وَمَكَانِهِ، وَحُكْمِ تَأْخِيرِهِ عَنْ زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ، تُنْظَرُ أَبْوَابُ الْحَجِّ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَمُصْطَلَحَاتُ (إِحْرَامٌ، إِحْصَارٌ، تَحَلُّلٌ، وَتَحْلِيقٌ) .
حَلْقُ الْعَانَةِ وَالإِْبْطِ:
11 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ حَلْقُ الْعَانَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُل، لأَِنَّهُ مِنَ الْفِطْرَةِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: الْفِطْرَةُ خَمْسٌ (43) ،، وَذَكَرَ مِنْهَا الاِسْتِحْدَادَ وَهُوَ حَلْقُ الْعَانَةِ.
وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيُسْتَحَبُّ لَهَا النُّتَفُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِحْدَادٌ) .
وَأَمَّا حَلْقُ شَعْرِ الإِْبْطِ فَجَائِزٌ لِمَنْ شَقَّ عَلَيْهِ النَّتْفُ، وَالأَْفْضَل فِيهِ النَّتْفُ (44) .
حَلْقُ شَعْرِ سَائِرِ الْجَسَدِ:
12 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَوْ نَبَتَتْ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ أَوْ شَارِبٌ أَوْ عَنْفَقَةٌ كَانَ لَهَا إِزَالَتُهَا بِالْحَلْقِ (45) . وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا إِزَالَتُهَا (46) . وَقَال ابْنُ جَرِيرٍ: لاَ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ حَلْقُ لِحْيَتِهَا وَلاَ عَنْفَقَتِهَا وَلاَ شَارِبِهَا، وَلاَ تَغْيِيرُ شَيْءٍ مِنْ خِلْقَتِهَا بِزِيَادَةٍ وَلاَ نَقْصٍ مِنْهُ، قَصَدَتْ بِهِ التَّزَيُّنَ لِزَوْجٍ أَوْ غَيْرِهِ، لأَِنَّهَا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ مُغَيِّرَةٌ خَلْقَ اللَّهِ وَمُتَعَدِّيَةٌ عَلَى مَا نَهَى عَنْهُ (47) .
وَأَمَّا حَلْقُ شَعْرِ سَائِرِ الْجَسَدِ كَشَعْرِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِوُجُوبِهِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَقَالُوا: يَجِبُ عَلَيْهَا إِزَالَةُ مَا فِي إِزَالَتِهِ جَمَالٌ لَهَا وَلَوْ شَعْرَ اللِّحْيَةِ إِنْ نَبَتَتْ لَهَا لِحْيَةٌ، وَيَجِبُ عَلَيْهِنَّ إِبْقَاءُ مَا فِي إِبْقَائِهِ جَمَالٌ لَهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا حَلْقُ شَعْرِهَا (48) .
وَأَمَّا حَلْقُ شَعْرِ الْجَسَدِ فِي حَقِّ الرِّجَال فَمُبَاحٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَقِيل: سُنَّةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْجَسَدِ مَا عَدَا الرَّأْسَ (49) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَحْلِقُ الرَّجُل شَعْرَ حَلْقِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ. وَفِي حَلْقِ شَعْرِ الصَّدْرِ وَالظَّهْرِ تَرْكُ الأَْدَبِ (50) . وَلَمْ يُسْتَدَل عَلَى نَصٍّ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ.
هَذَا وَلِلْفُقَهَاءِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ فِي حَلْقِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ يُنْظَرُ فِي (تَنَمُّصٌ) .
حَلْقُ شَعْرِ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ:
13 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ يُسَنُّ حَلْقُ رَأْسِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثَيْمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال لَهُ: أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ (51) .
قَال الرَّمْلِيُّ: وَظَاهِرُ إِطْلاَقِهِمْ أَيِ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُ الْفَرْقِ هُنَا فِي اسْتِحْبَابِ الْحَلْقِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. وَيُحْتَمَل أَنَّ مَحَل نَدْبِهِ الذَّكَرُ، وَأَنَّ السُّنَّةَ لِلْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى التَّقْصِيرُ كَمَا فِي التَّحَلُّل فِي الْحَجِّ (52) .
وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ الأَْمْرَ بِحَلْقِ شَعْرِ مَنْ أَسْلَمَ بِمَا إِذَا كَانَ شَعْرُهُ عَلَى غَيْرِ زِيِّ الْعَرَبِ (أَيِ الْمُسْلِمِينَ) كَالْقَزَعَةِ وَشَبَهِهَا، لِمَا رُوِيَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عُثَيْمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَال: قَدْ أَسْلَمْتُ، فَقَال لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ يَقُول: احْلِقْ قَال: وَأَخْبَرَنِي آخَرُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال لآِخَرَ مَعَهُ: أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ (53) .
وَقَوْلُهُ ﷺ شَعْرَ الْكُفْرِ أَيِ الشَّعْرَ الَّذِي مِنْ زِيِّ الْكُفْرِ.
وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ تَدْخُل فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، وَلَمْ يَرَوْا فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْلِقُونَ.
وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يَحْلِقَ عَلَى عُمُومِ الأَْحْوَال (54) .
وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ أَنْ يَكُونَ رَجُلاً، وَأَطْلَقُوا فِي حَلْقِ الْعَانَةِ وَالإِْبْطَيْنِ (55) .
حَلْقُ شَعْرِ الْمَيِّتِ:
14 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ حَلْقُ شَعْرِ رَأْسِ الْمَيِّتِ، لأَِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ لِزِينَةٍ أَوْ نُسُكٍ، وَالْمَيِّتُ لاَ نُسُكَ عَلَيْهِ وَلاَ يُزَيَّنُ.
وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ حَلْقُ عَانَتِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ لَمْسِ عَوْرَتِهِ، وَرُبَّمَا احْتَاجَ إِلَى نَظَرِهَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ، فَلاَ يُرْتَكَبُ مِنْ أَجْل مَنْدُوبٍ أَيْ فِي حَال الْحَيَاةِ (56) .
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ يُكْرَهُ حَلْقُ شَعْرِ الْمَيِّتِ الَّذِي لاَ يَحْرُمُ عَلَى الْحَيِّ حَلْقُهُ وَإِلاَّ حَرُمَ حَلْقُهُ مِنْ مَيِّتٍ (57) .
وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ يَحْلِقُ شَعْرَ رَأْسِ الْمَيِّتِ، وَقِيل: إِنْ كَانَ لَهُ عَادَةٌ بِحَلْقِهِ فَفِيهِ الْخِلاَفُ، وَكَذَلِكَ لاَ يَحْلِقُ شَعْرَ عَانَتِهِ وَإِبْطَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَهُوَ الأَْصَحُّ وَالْمُخْتَارُ، لأَِنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَالصَّحَابَةِ ﵃ فِيهِ شَيْءٌ مُعْتَمَدٌ، وَأَجْزَاءُ الْمَيِّتِ مُحْتَرَمَةٌ، فَلاَ تُنْتَهَكُ بِذَلِكَ.
ثُمَّ مَحَل كَرَاهَةِ إِزَالَةِ شَعْرِهِ مَا لَمْ تَدْعُ حَاجَةٌ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ كَأَنْ لَبَّدَ شَعْرَ رَأْسِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ بِصَبْغٍ أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ كَانَ بِهِ قُرُوحٌ وَجَمَدَ دَمُهَا، بِحَيْثُ لاَ يَصِل الْمَاءُ إِلَى أُصُولِهِ إِلاَّ بِإِزَالَتِهِ وَجَبَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الأَْذْرَعِيُّ (58) .
أَحْكَامُ الْحَلْقِ (بِمَعْنَى مَسَاغِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) :
15 - يَتَعَلَّقُ بِالْحَلْقِ أَحْكَامٌ كَذَهَابِ بَعْضِ حُرُوفِ الْحَلْقِ لِجِنَايَةٍ (59) وَوُصُول اللَّبَنِ إِلَى جَوْفِ الرَّضِيعِ مِنَ الْحَلْقِ (60) ، وَوُصُول شَيْءٍ لِحَلْقِ الصَّائِمِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ أُذُنٍ (61) وَوُصُول غَيْرِ مُتَحَلِّلٍ لِلْحَلْقِ فِي الصِّيَامِ (62) ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الأَْحْكَامِ يُنْظَرُ تَفْصِيلُهَا فِي مَوَاطِنِهَا، وَفِي مُصْطَلَحِ " بُلْعُومٌ ".
__________
(1) لسان العرب مادة " حلق ".
(2) الصحاح في اللغة والعلوم، ولسان العرب المحيط مادة " حدد ". ونيل الأوطار 1 / 133ط دار الجيل.
(3) المصباح المنير ولسان العرب مادة " نتف ".
(4) ابن عابدين 5 / 261 ط دار إحياء التراث العربي.
(5) الفواكه الدواني 2 / 401.
(6) القوانين الفقهية / 435 ط دار الكتاب العربي.
(7) أسنى المطالب 1 / 551 ط المكتبة الإسلامية.
(8) حديث: " سيماهم التحليق " يعني الخوارج. أخرجه البخاري (الفتح 13 / 535 - 536 - ط السلفية) من حديث أبي سعيد الخدري.
(9) المغني 1 / 89، 90 ط الرياض، ونيل الأوطار 1 / 153، 154، 155، ط دار الجيل.
(10) ابن عابدين 5 / 261، والقوانين الفقهية / 435، والجمل 5 / 267 ط دار إحياء التراث العربي، وأسنى المطالب 1 / 551، والمغني 1 / 89، 90.
(11) حديث ابن عمر: " أن رسول الله ﷺ رأى غلاما قد حلق بعض. . . " رواه مسلم: (3 / 1675 - ط الحلبي) ، إلا أنه لم يذكر لفظه، وذكره النسائي (6 / 130 - ط المكتبة التجارية بمصر) .
(12) حديث: أن النبي ﷺ " نهى عن القزع. . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 364 ط السلفية) . ومسلم (3 / 1675 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر.
(13) الصالقة: من صلقت المرآة إذا صاحت مولولة (المعجم الوسيط) .
(14) حديث أبي موسى: " برئ رسول الله ﷺ من الصالقة والحالقة " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 165 - السلفية) .
(15) حديث أن النبي ﷺ " نهى أن تحلق المرأة رأسها ". أخرجه الترمذي (3 / 248 - ط الحلبي) من حديث علي بن أبي طالب ثم حكم عليه بالاضطراب.
(16) ابن عابدين 2 / 182 و 5 / 261، والأشباه والنظائر لابن نجيم / 384 ط دار الفكر بدمشق، والقوانين الفقهية / 435، والفواكه الدواني 2 / 401، والجمل 5 / 266، والمغني 1 / 90.
(17) الفتاوى الخانية بهامش الهندية 3 / 409، والمغني 1 / 90، وكشاف القناع 1 / 78.
(18) المغني 1 / 80، 90.
(19) حديث أن فاطمة بنت رسول الله ﷺ " وزنت شعر الحسن والحسين ". أخرجه مالك في الموطأ (2 / 501 - ط الحلبي) وعنه أبو داود في المراسيل (ص279 - ط مؤسسة الرسالة) من حديث محمد بن علي بن الحسين مرسلا.
(20) حديث: " كل غلام رهينة بعقيقته " أخرجه أبو داود (3 / 259 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والترمذي (3 / 101 - ط الحلبي) وقال: " حسن صحيح ".
(21) حديث: " احلقي رأسه وتصدقي بوزن شعره فضة على. . . " أخرجه أحمد (6 / 390، 392 - ط الميمنية) من حديث ابن رافع بإسنادين يقوي أحدهما الآخر.
(22) مواهب الجليل 3 / 256، 257 ط دار الفكر، والقوانين الفقهية / 192 ط دار الكتاب العربي، والجمل 5 / 266، ومطالب أولي النهى 2 / 489، 490.
(23) الفتاوى البزازية على هامش الفتاوى الهندية 6 / 371 ط المطبعة الأميرية ببولاق.
(24) حديث: " أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى ". أخرجه مسلم (1 / 222 - ط الحلبي) من حديث أنس بن مالك.
(25) ابن عابدين 5 / 261، والاختيار 4 / 167 ط دار المعرفة، وأسنى المطالب 1 / 550، 551، والجمل 5 / 267.
(26) القوانين الفقهية / 435.
(27) الاختيار 4 / 167، والقوانين الفقهية / 435 والجمل 5 / 267، والأنصاري على هامش أسنى المطالب 1 / 551، وشرح منتهى الإرادات 1 / 41.
(28) الموسوعة الفقهية مصطلح " إحرام ".
(29) المغني 3 / 435 وروضة الطالبين 3 / 101 وبدائع الصنائع 2 / 140 والشرح الصغير 4 / 59.
(30) المغني 3 / 435، والمجموع 8 / 208 وروضة الطالبين 3 / 101، 102.
(31) حديث: " ليس على النساء حلق وإنما عليهن التقصير " أخرجه أبو داود (2 / 502 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، وحسنه ابن حجر في التلخيص (2 / 261 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(32) حديث علي ﵁ قال: نهى رسول الله ﷺ أن تحلق المرأة رأسها " أخرجه الترمذي (3 / 248 - ط الحلبي) وقال حديث علي فيه اضطراب.
(33) بدائع الصنائع 2 / 141 وروضة الطالبين 3 / 101 والمجموع 8 / 210 والمغني لابن قدامة 3 / 439 والشرح الصغير 2 / 60.
(34) سورة الفتح / 27.
(35) بدائع الصنائع 2 / 141 وروضة الطالبين 3 / 101، والمجموع 8 / 193، 199 والمغني3 / 435 وحديث " أن رسول الله ﷺ حلق جميع رأسه " أخرجه مسلم (2 / 947 - ط الحلبي) من حديث أنس.
(36) الشرح الصغير 2 / 60 وحاشية العدوي على شرح الرسالة 1 / 479 نشر دار المعرفة ومطالب أولي النهى 2 / 425.
(37) بدائع الصنائع 2 / 141 ومراقي الفلاح ص 401.
(38) المجموع 8 / 199 - 200 وروضة الطالبين 3 / 101.
(39) المغني 3 / 334 وحلق متعذر التقصير لقلته أو ذي تلبيد أو ضفر أو عقص متعين. بهذا قال المالكية وأحمد وعزاه ابن قدامة أيضا إلى النخعي والشافعي وإسحاق. (حاشية العدوي على شرح الرسالة 1 / 479 والشرح الصغير مع حاشية الصاوي عليه 2 / 59 والمغني 3 / 435) .
(40) حديث: " اللهم ارحم المحلقين. . . " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 561 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
(41) المغني 3 / 435، والمجموع 8 / 199، 209، وروضة الطالبين 3 / 101 وبدائع الصنائع 2 / 140، والجوهر النيرة 1 / 195 وحاشية العدوي على شرح الرسالة 1 / 479.
(42) المجموع 8 / 210، وبدائع الصنائع 2 / 141 والمغني لابن قدامة 3 / 439 والشرح الصغير 2 / 60.
(43) حديث: " الفطرة خمس " أخرجه مسلم (1 / 222 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(44) المراجع السابقة، ونيل الأوطار 1 / 134.
(45) المجموع 1 / 290، 378 وابن عابدين 5 / 239 والآداب الشرعية 3 / 355، والمغني 1 / 94 وكشاف القناع 1 / 82 والروض المربع 1 / 165.
(46) حاشية العدوي على شرح الرسالة 2 / 409 نشر دار المعرفة.
(47) صحيح مسلم بشرح الأبي 5 / 407 نشر دار الكتب العلمية.
(48) العدوي على شرح الرسالة 2 / 409 والثمر الداني ص 500.
(49) حاشية العدوي على شرح الرسالة 2 / 409.
(50) الفتاوى الهندية 5 / 358.
(51) حديث: " ألق عنك شعر الكفر " أخرجه أبو داود (1 / 253 - تحقيق عزت عبيد دعاس) . كما في التلخيص لابن حجر (4 / 82 ط شركة الطباعة الفنية) . وفي إسناده جهالة ولكن له طرق يقوي بعضها بعضا كما في المصدر المتقدم.
(52) عمدة القاري 2 / 427 ط دار الطباعة العامرة، مواهب الجليل 1 / 311، 312، ونهاية المحتاج 2 / 331، 332، وكشاف القناع 1 / 153، والمغني 1 / 208.
(53) حديث: " ألق عنك شعر الكفر واختتن ". أخرجه أبو داود (1 / 253 - تحقيق عزت عبيد دعاس) .
(54) مواهب الجليل 1 / 311، 312.
(55) كشاف القناع 1 / 153، والمغني 1 / 208.
(56) ابن عابدين 1 / 575، وكشاف القناع 2 / 97.
(57) حاشية الزرقاني 2 / 105 ط دار الفكر.
(58) روضة الطالبين 2 / 107، 108.
(59) كشاف القناع 6 / 41.
(60) كشاف القناع 5 / 445.
(61) مواهب الجليل 2 / 424.
(62) حاشية الدسوقي 1 / 524.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 94/ 18