المحيط
كلمة (المحيط) في اللغة اسم فاعل من الفعل أحاطَ ومضارعه يُحيط،...
نساءُ العدو، وأطفالُه الذين يؤخَذون في الحروب . ومن أمثلته سبي النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - نساء، وأطفال بني قريظة . ومن شواهده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْه - قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ هُوَ ابْنُ مُعَاذٍ، بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - وَكَانَ قَرِيبًا مِنْهُ، فَجَاءَ عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : " قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ . " فَجَاءَ، فَجَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - فَقَالَ لَهُ : إِنَّ هَؤُلاَءِ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ، قَالَ : فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ، وَأَنْ تُسْبَى الذُّرِّيَّةُ، قَالَ : " لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الْمَلِكِ ." البخاري :3043.
السَّبْيُ: أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ بَلَدٍ إلى بَلَدٍ آخَرَ قَهْراً، يُقال: سَبَى الخَمْرَ، يَسْبِيها، سَبْياً، أيْ: حَمَلَها مِنْ بَلَدٍ إلى بَلَدٍ. ويأْتي السَّبْيُ بِـمعنى الأسْرِ، يُقالُ: سَبَى العَدُوَّ سَبْياً وسِباءً: إذا أَسَرَهُ وأَخَذَهُ قَهْراً، فهو سَبِيٌّ، والأُنْثَى سَبِيَّةٌ ومَسْبِيَّةٌ، والنِّسْوَةُ سَبايا. ومِن مَعانيهِ أيضاً: الإِبْعادُ، ومِنْهُ قَوْلُهُم: سَباكَ اللهُ، أيْ: أَبْعَدَكَ.
يَرِد مُصْطَلح (سَبْي) في الفقه في كتاب النِّكاحِ، باب: الأَنْكِحَة الفاسِدَةِ، وباب: مَوانِع النِّكاحِ، وفي كتاب الـجِهادِ، باب: قِسْمَة الغَنائِمِ، وفي كتاب القَضاءِ، باب: شُروط الشَّهادَةِ. ويُطْلَق بِمعنى:" الأَسْرَى مِن الكُفّارِ الـحَرْبِيِّينَ، سواءٌ اسْتُرِقُّوا بعد ذلك أو لم يُسْتَرَقُّوا ". ويُطْلَقُ أيضاً بِـمعنى: الاِسْتِرْقاق.
سبي
نساءُ العدو، وأطفالُه الذين يؤخَذون في الحروب.
* معجم مقاييس اللغة : (3/130)
* تهذيب اللغة : (13/68)
* المحكم والمحيط الأعظم : (8/585)
* النهاية في غريب الحديث والأثر : (2/340)
* القاموس المحيط : (ص 1293)
* لسان العرب : (14/367)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (1/362)
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : (ص 88)
* الأحكام السلطانية للماوردي : (ص 171)
* حاشية ابن عابدين : (3/229)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 240)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (1/173)، و (2/240)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (24/154) -
التَّعْرِيفُ:
1 - السَّبْيُ وَالسِّبَاءُ لُغَةً: الأَْسْرُ، يُقَال: سَبَى الْعَدُوَّ وَغَيْرَهُ سَبْيًا وَسِبَاءً: إِذَا أَسَرَهُ، فَهُوَ سَبِيٌّ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٌ لِلذَّكَرِ. وَالأُْنْثَى سَبْيٌ وَسَبِيَّةٌ وَمَسْبِيَّةٌ، وَالنِّسْوَةُ سَبَايَا، وَلِلْغُلاَمِ سَبْيٌ وَمَسْبِيٌّ. (1)
أَمَّا اصْطِلاَحًا: فَالْفُقَهَاءُ فِي الْغَالِبِ يَخُصُّونَ السَّبْيَ بِالنِّسَاءِ وَالأَْطْفَال، وَالأَْسْرَ بِالرِّجَال. فَفِي الأَْحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: الْغَنِيمَةُ تَشْتَمِل عَلَى أَقْسَامٍ: أَسْرَى، وَسَبْيٍ، وَأَرَضِينَ، وَأَمْوَالٍ، فَأَمَّا الأَْسْرَى فَهُمُ الرِّجَال الْمُقَاتِلُونَ مِنَ الْكُفَّارِ إِذَا ظَفِرَ الْمُسْلِمُونَ بِهِمْ أَحْيَاءً، وَأَمَّا السَّبْيُ فَهُمُ النِّسَاءُ وَالأَْطْفَال. (2) وَفِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ: الْمُرَادُ بِالسَّبْيِ: النِّسَاءُ وَالْوِلْدَانُ (3) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الرَّهِينَةُ:
2 - الرَّهِينَةُ وَاحِدَةُ الرَّهَائِنِ، وَهِيَ كُل مَا احْتُبِسَ بِشَيْءٍ، وَالسَّبْيُ وَالرَّهِينَةُ كِلاَهُمَا مُحْتَبَسٌ إِلاَّ أَنَّ السَّبْيَ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ إِنْسَانًا وَهُوَ مُحْتَبِسٌ بِذَاتِهِ، أَمَّا الرَّهِينَةُ فَلِغَيْرِهَا لِلْوَفَاءِ بِالْتِزَامٍ. (ر: أَسْرَى ف 3)
ب - الْحَبْسُ:
3 - الْحَبْسُ ضِدُّ التَّخْلِيَةِ، وَالْمَحْبُوسُ: الْمَمْنُوعُ عَنِ التَّوَجُّهِ حَيْثُ يَشَاءُ، فَالْحَبْسُ أَعَمُّ مِنَ السَّبْيِ. (ر: أَسْرَى ف 4) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - السَّبْيُ مَشْرُوعٌ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} (4) وَقَدْ سَبَى النَّبِيُّ ﷺ وَقَسَّمَ السَّبْيَ بَيْنَ الْمُجَاهِدِينَ كَسْبِي بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهَوَازِنَ (5) . وَسَبَى الصَّحَابَةُ مِنْ بَعْدِهِ، كَمَا فَعَل أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حِينَ اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ وَذَرَارِيِّهِمْ، وَسَبَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَنِي نَاجِيَةَ. (6)
وَكَانَ السَّبْيُ مَوْجُودًا قَبْل الإِْسْلاَمِ، فَقَيَّدَهُ الإِْسْلاَمُ بِشُرُوطٍ، وَخَصَّهُ بِحَالَةِ الْحَرْبِ وَنَحْوِهَا عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي أَسْبَابِهِ.
أَسْبَابُ السَّبْيِ:
الأَْوَّل - الْقِتَال:
5 - شُرِعَ الْقِتَال فِي سَبِيل اللَّهِ تَعَالَى لإِِعْلاَءِ دِينِ الْحَقِّ وَكَسْرِ شَوْكَةِ الأَْعْدَاءِ. وَالأَْصْل أَنَّ مَنْ لَمْ يُشَارِكْ فِي الْقِتَال فَلاَ يُقْتَل، وَلِذَلِكَ يُمْنَعُ التَّعَرُّضُ لِلنِّسَاءِ وَالأَْطْفَال وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الْعَجَزَةِ الَّذِينَ لاَ يُشَارِكُونَ فِي الْقِتَال لِنَهْيِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ قَتْل النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. (7) قَال ﷺ: لاَ تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلاَ طِفْلاً وَلاَ امْرَأَةً. (8)
وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا جَوَازُ قَتْل مَنْ يُشَارِكُ فِي الْقِتَال مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ أَوْ يُحَرِّضُ عَلَى الْقِتَال، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي (جِهَادٍ ف 29) .
وَإِذَا أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ الْغَنَائِمَ فَإِنَّ مَنْ يُوجَدُ فِيهَا مِنَ النِّسَاءِ وَالأَْطْفَال يُعْتَبَرُ سَبْيًا. (9)
الثَّانِي: النُّزُول عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ:
6 - لَوْ حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ حِصْنًا لِلْعَدُوِّ، وَطَلَبَ أَهْل الْحِصْنِ النُّزُول عَلَى حُكْمِ فُلاَنٍ وَارْتَضَوْا حُكْمَ أَحَدِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ، فَلَهُ الْحُكْمُ بِسَبْيِ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ. (10)
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ لَمَّا حَاصَرَهُمْ رَسُول اللَّهِ ﷺ خَمْسًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَحَكَمَ سَعْدُ أَنْ تُقَتَّل رِجَالُهُمْ وَتُقَسَّمَ أَمْوَالُهُمْ وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لَقَدْ حَكَمْتَ بِمَا حَكَمَ الْمَلِكُ. (11)
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (جِهَادٍ ف 24)
الثَّالِثُ - الرِّدَّةُ:
7 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ إِنِ اسْتُتِيبَتْ وَلَمْ تَتُبْ فَإِنَّهَا تُقْتَل، لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً يُقَال لَهَا أُمُّ رُومَانَ ارْتَدَّتْ عَنِ الإِْسْلاَمِ، فَبَلَغَ أَمْرُهَا النَّبِيَّ ﷺ فَأَمَرَ أَنْ تُسْتَتَابَ فَإِنْ تَابَتْ وَإِلاَّ قُتِلَتْ. (12) وَلأَِنَّهَا شَخْصٌ مُكَلَّفٌ بَدَّل دِينَ الْحَقِّ بِالْبَاطِل، فَيُقْتَل كَالرَّجُل.
8 - وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تُحْبَسُ إِلَى أَنْ تَتُوبَ - إِلاَّ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - عَلَى مَا سَيَأْتِي.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا ارْتَدَّتْ فَإِنَّهَا تُسْبَى وَلاَ تُقْتَل، لأَِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ وَذَرَارِيَّهُمْ، وَأَعْطَى عَلِيًّا مِنْهُمُ امْرَأَةً فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَانَ هَذَا بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ قَال: إِنَّهَا تُسْتَرَقُّ وَلَوْ كَانَتْ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، قِيل: لَوْ أَفْتَى بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ لاَ بَأْسَ بِهِ فِيمَنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ حَسْمًا لِتَوَصُّلِهَا لِلْفُرْقَةِ بِالرِّدَّةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - غَيْرُ رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ - لاَ تُسْبَى الْمَرْأَةُ إِلاَّ إِذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ ارْتِدَادِهَا، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ سِبَاؤُهَا. (13) 9 - أَمَّا ذُرِّيَّةُ الْمُرْتَدِّ فَمَنْ وُلِدَ بَعْدَ رِدَّةِ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ، لأَِنَّهُ وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ، وَيَجُوزُ سِبَاؤُهُ حِينَئِذٍ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمُرْتَدٍّ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ.
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَيُحْتَمَل أَنْ لاَ يَجُوزَ اسْتِرْقَاقُهُمْ؛ لأَِنَّ آبَاءَهُمْ لاَ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ؛ لأَِنَّهُمْ لاَ يُقِرُّونَ بِدَفْعِ الْجِزْيَةِ فَلاَ يُقِرُّونَ بِالاِسْتِرْقَاقِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يُسْبَى مَنْ وُلِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَحِقَ أَبَوَاهُ بِدَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ مَعَهُمَا، وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا قُتِل الْمُرْتَدُّ بَقِيَ وَلَدُهُ مُسْلِمًا سَوَاءٌ وُلِدَ قَبْل الرِّدَّةِ أَوْ بَعْدَهَا. (14)
10 - وَمَتَى ارْتَدَّ أَهْل بَلَدٍ وَجَرَتْ فِيهِ أَحْكَامُهُمْ صَارَ دَارَ حَرْبٍ، فَإِذَا غَلَبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ كَانَ لَهُمْ سَبْيُ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَالَّذِينَ وُلِدُوا بَعْدَ الرِّدَّةِ، كَمَا سَبَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ذَرَارِيَّ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ، وَكَمَا سَبَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَنِي نَاجِيَةَ مُوَافَقَةً لأَِبِي بَكْرٍ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَصْبَغَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ - غَيْرِ أَصْبَغَ - لاَ تُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَلاَ ذَرَارِيُّهُمْ. (15)
الرَّابِعُ: نَقْضُ الْعَهْدِ:
11 - أَهْل الذِّمَّةِ آمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِسَبَبِ الْعَهْدِ، فَإِذَا نَقَضُوا الْعَهْدَ قَاتَلَهُمُ الإِْمَامُ وَأَسَرَ رِجَالَهُمْ، أَمَّا نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ فَلاَ يُسْبَوْنَ لأَِنَّ أَمَانَهُمْ لَمْ يَبْطُل بِنَقْضِ الْعَهْدِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَشْهَبَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ غَيْرَ أَشْهَبَ وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يُنْتَقَضُ عَهْدُ الْجَمِيعِ وَتُسْبَى النِّسَاءُ وَالذَّرَارِيُّ، قَال الْمَالِكِيَّةُ: هَذَا الَّذِي خَالَفَتْ فِيهِ سِيرَةُ عُمَرَ سِيرَةَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي الَّذِينَ ارْتَدُّوا مِنَ الْعَرَبِ، سَارَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ سِيرَةَ النَّاقِضِينَ فَسَبَى النِّسَاءَ وَالصِّغَارَ وَجَرَتِ الْمَقَاسِمُ فِي أَمْوَالِهِمْ. فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ بَعْدَهُ نَقَضَ ذَلِكَ وَسَارَ فِيهِمْ سِيرَةَ الْمُرْتَدِّينَ، أَخْرَجَهُمْ مِنَ الرِّقِّ وَرَدَّهُمْ إِلَى عَشَائِرِهِمْ وَإِلَى الْجِزْيَةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: مَنْ وُلِدَ بَعْدَ نَقْضِ الْعَهْدِ فَإِنَّهُ يُسْتَرَقُّ وَيُسْبَى. (16)
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (أَهْل الذِّمَّةِ) . التَّصَرُّفُ فِي السَّبْيِ:
12 - يُعْتَبَرُ السَّبْيُ (النِّسَاءُ وَالذَّرَارِيُّ) مِنَ الْغَنَائِمِ، وَالأَْصْل فِي أَسْرَى الْغَنَائِمِ أَنَّ الإِْمَامَ مُخَيَّرٌ فِيهَا بِمَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَتْلٍ أَوْ مَنٍّ أَوْ فِدَاءٍ أَوِ اسْتِرْقَاقٍ، إِلاَّ أَنَّ السَّبْيَ يَخْتَلِفُ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ عَنِ الأَْسْرَى مِنَ الرِّجَال الْمُقَاتِلِينَ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أ - حُكْمُ قَتْلِهِمْ:
13 - إِذَا سُبِيَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَلاَ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ أَثْنَاءَ الْقِتَال فَلاَ يَجُوزُ قَتْلُهُمْ بَعْدَ السَّبْيِ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ: لاَ تَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلاَ وَلِيدًا. (17) وَرُوِيَ أَنَّهُ ﵊ رَأَى فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَال ﷺ: هَاهْ مَا أَرَاهَا قَاتَلَتْ فَلِمَ قُتِلَتْ؟ وَنَهَى عَنْ قَتْل النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ. (18) وَلأَِنَّ هَؤُلاَءِ لَيْسُوا مِنْ أَهْل الْقِتَال فَلاَ يُقْتَلُونَ، وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ السَّبْيِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْحُكْمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَ السَّبْيُ أَهْل كِتَابٍ، وَفِي الْوَثَنِيَّاتِ عِنْدَهُمْ خِلاَفٌ. (19) 14 - وَالْحُكْمُ بِعَدَمِ قَتْل النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَشْتَرِكُوا فِي الْقِتَال فَإِنْ كَانُوا قَدِ اشْتَرَكُوا فِي الْقِتَال، وَحَمَلُوا السِّلاَحَ وَقَاتَلُوا، جَازَ قَتْلُهُمْ بَعْدَ السَّبْيِ، وَقَدْ قَتَل النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ قُرَيْظَةَ امْرَأَةً أَلْقَتْ رَحًى عَلَى خَلاَّدِ بْنِ سُوَيْدٌ. (20) وَقَدْ جَاءَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَال: مَنْ قَتَل هَذِهِ؟ قَال رَجُلٌ: أَنَا يَا رَسُول اللَّهِ، قَال: وَلِمَ؟ قَال: نَازَعَتْنِي سَيْفِي. قَال: فَسَكَتَ. (21)
لَكِنْ قَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يُقْتَل الصَّبِيُّ وَلَوْ شَارَكَ فِي الْقِتَال لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْعُقُوبَةِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ مَلِكًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ؛ لأَِنَّ فِي قَتْل الْمَلِكِ كَسْرَ شَوْكَةِ الأَْعْدَاءِ، كَمَا يَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَتْل الْمَرْأَةِ إِذَا كَانَتْ مَلِكَةً وَلَوْ لَمْ تُقَاتِل. (22) ب - الْمُفَادَاةُ:
15 - جَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: لاَ يُفَادَى بِنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ؛ لأَِنَّ الصِّبْيَانَ يَبْلُغُونَ فَيُقَاتِلُونَ وَالنِّسَاءُ يَلِدْنَ فَيَكْثُرُ نَسْل الْكُفَّارِ، لَكِنْ قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لَعَل الْمَنْعَ فِيمَا إِذَا كَانَ الْبَدَل مَالاً وَإِلاَّ فَقَدْ جَوَّزُوا دَفْعَ أَسْرَاهُمْ فِدَاءً لأَِسْرَانَا، مَعَ أَنَّهُمْ إِذَا ذَهَبُوا إِلَى دَارِهِمْ يَتَنَاسَلُونَ. (23)
وَقَال مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: الصِّبْيَانُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِذَا سُبُوا وَمَعَهُمُ الآْبَاءُ وَالأُْمَّهَاتُ فَلاَ بَأْسَ بِالْمُفَادَاةِ بِهِمْ، وَأَمَّا إِذَا سُبِيَ الصَّبِيُّ وَحْدَهُ، أَوْ خَرَجَ إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ فَلاَ تَجُوزُ الْمُفَادَاةُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِنْ قُسِمَتِ الْغَنِيمَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَوَقَعَ فِي سَهْمِ رَجُلٍ أَوْ بِيعَتِ الْغَنَائِمُ، فَقَدْ صَارَ الصَّبِيُّ مَحْكُومًا لَهُ بِالإِْسْلاَمِ تَبَعًا لِمَنْ تَعَيَّنَ مِلْكُهُ فِيهِ بِالْقَسَمِ أَوِ الشِّرَاءِ.
ثُمَّ فِي الْمُفَادَاةِ يُشْتَرَطُ رِضَا أَهْل الْعَسْكَرِ، فَلَوْ أَبَوْا ذَلِكَ لَيْسَ لِلأَْمِيرِ أَنْ يُفَادِيَهُمْ. (24)
16 - وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ الْفِدَاءَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ بِمَالٍ أَمْ بِأَسْرَى. فَإِنْ كَانَ الْفِدَاءُ بِمَالٍ يَأْخُذُهُ الإِْمَامُ مِنَ الْكُفَّارِ وَيَضُمُّهُ لِلْغَنِيمَةِ. وَإِنْ حَصَل الْفِدَاءُ بِرَدِّ الأَْسْرَى فَيُحْسَبُ الْقَدْرُ الَّذِي يَفُكُّ بِهِ الأَْسْرَى مِنْ عِنْدِهِمْ مِنَ الْخُمُسِ. (25) 17 - وَالأَْصْل عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا جَاءَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ أَنَّ الإِْمَامَ غَيْرُ مُخَيَّرٍ فِي السَّبْيِ، وَيَتَعَيَّنُ الرِّقُّ فِيهِمْ بِمُجَرَّدِ السَّبْيِ وَبِذَلِكَ يُمْتَنَعُ الْفِدَاءُ.
لَكِنْ قَال الْمَاوَرْدِيُّ فِي الأَْحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ: إِنْ فَادَى السَّبْيَ عَلَى مَالٍ جَازَ؛ لأَِنَّ هَذَا الْفِدَاءَ بَيْعٌ وَيَكُونُ مَال فِدَائِهِمْ مَغْنُومًا مَكَانَهُمْ، وَلاَ يَلْزَمُهُ اسْتِطَابَةُ نُفُوسِ الْغَانِمِينَ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُفَادَى بِهِمْ عَنْ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَيْدِي قَوْمِهِمْ عَوَّضَ الْغَانِمِينَ عَنْهُمْ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ. (26)
18 - وَالأَْصْل كَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ يَصِيرُونَ رَقِيقًا بِمُجَرَّدِ سَبْيِهِمْ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ يَصِيرُونَ رَقِيقًا بِالسَّبْيِ، ثُمَّ قَال: وَمَنَعَ أَحْمَدُ مِنْ فِدَاءِ النِّسَاءِ بِالْمَال لأَِنَّ فِي بَقَائِهِنَّ تَعْرِيضًا لَهُنَّ لِلإِْسْلاَمِ لِبَقَائِهِنَّ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ، وَجَوَّزَ أَنْ يُفَادَى بِهِنَّ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ فَادَى بِالْمَرْأَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَْكْوَعِ. (27) وَلأَِنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِنْقَاذَ مُسْلِمٍ مُتَحَقِّقٌ إِسْلاَمُهُ فَاحْتُمِل تَفْوِيتُ مَا يُرْجَى مِنْ إِسْلاَمِهَا الْمَظْنُونِ، وَلاَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ احْتِمَال فَوَاتِهَا لِتَحْصِيل الْمَال، فَأَمَّا الصِّبْيَانُ فَقَال أَحْمَدُ: لاَ يُفَادَى بِهِمْ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الصَّبِيَّ يَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلاَمِ سَابِيهِ فَلاَ يَجُوزُ رَدُّهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، وَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ غَيْرَ مَحْكُومٍ بِإِسْلاَمِهِ كَالَّذِي سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ لَمْ يَجُزْ فِدَاؤُهُ بِمَالٍ، وَهَل يَجُوزُ فِدَاؤُهُ بِمُسْلِمٍ؟ يُحْتَمَل وَجْهَيْنِ. وَفِي الأَْحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لأَِبِي يَعْلَى: وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزِ الْفِدَاءُ لأَِنَّ حَقَّهُمْ ثَابِتٌ فِي السَّبْيِ فَلَمْ تَجْرِ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ، وَلأَِنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَيْعُ السَّبْيِ مِنْ أَهْل الذِّمَّةِ، فَالْفِدَاءُ كَذَلِكَ لأَِنَّهُ مُعَاوَضَةٌ.
وَإِذَا فَادَى الإِْمَامُ بِالأُْسَارَى عَوَّضَ الْغَانِمِينَ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ (28) .
ج - الْمَنُّ:
19 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْمَنِّ عَلَى السَّبْيِ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَمَنَعَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ مَا جَاءَ فِي أَغْلَبِ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. فَفِي شُرَّاحِ خَلِيلٍ مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ كَالدُّسُوقِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلإِْمَامِ فِي النِّسَاءِ وَالذَّرَارِيِّ إِلاَّ الاِسْتِرْقَاقُ أَوِ الْفِدَاءُ، لَكِنْ قَال ابْنُ جُزَيٍّ: وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَيُخَيَّرُ الإِْمَامُ فِيهِمْ بَيْنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالاِسْتِرْقَاقِ، وَمِثْل ذَلِكَ جَاءَ فِي حَاشِيَةِ الْعَدَوِيِّ عَلَى كِفَايَةِ الطَّالِبِ الرَّبَّانِيِّ. (29) وَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ نِسَاءَ الْكُفَّارِ وَصِبْيَانَهُمْ إِذَا أُسِرُوا رُقُّوا، وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ فِدَاؤُهُمْ أَوِ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ. (30) لَكِنْ قَال الْمَاوَرْدِيُّ: إِنْ أَرَادَ الإِْمَامُ الْمَنَّ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ إِلاَّ بِاسْتِطَابَةِ نُفُوسِ الْغَانِمِينَ عَنْهُمْ، إِمَّا بِالْعَفْوِ عَنْ حُقُوقِهِمْ مِنْهُمْ، وَإِمَّا بِمَالٍ يُعَوِّضُهُمْ عَنْهُمْ، فَإِنْ كَانَ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ جَازَ أَنْ يُعَوِّضَهُمْ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ، وَإِنْ كَانَ لأَِمْرٍ يَخُصُّهُ عَاوَضَ عَنْهُمْ مِنْ مَال نَفْسِهِ. وَمَنِ امْتَنَعَ مِنَ الْغَانِمِينَ لَمْ يَسْتَنْزِل عَنْهُ إِجْبَارًا حَتَّى يَرْضَى، وَخَالَفَ ذَلِكَ حُكْمُ الأَْسْرَى فَفِيهِمْ لاَ يَلْزَمُهُ اسْتِطَابَةُ نُفُوسِ الْغَانِمِينَ لأَِنَّ قَتْل الرِّجَال مُبَاحٌ وَقَتْل السَّبْيِ مَحْظُورٌ، فَصَارَ السَّبْيُ مَالاً مَغْنُومًا لاَ يَسْتَنْزِلُونَ عَنْهُ إِلاَّ بِاسْتِطَابَةِ النُّفُوسِ. (31) فَإِنَّ هَوَازِنَ لَمَّا سُبِيَتْ وَغُنِمَتْ أَمْوَالُهَا بِحُنَيْنٍ اسْتَعْطَفَتِ النَّبِيَّ ﷺ وَأَتَاهُ وُفُودُهَا وَقَدْ فَرَّقَ الأَْمْوَال وَقَسَّمَ السَّبْيَ فَذَكَّرُوهُ حُرْمَةَ رَضَاعِهِ فِيهِمْ مِنْ لَبَنِ حَلِيمَةَ وَطَلَبُوا أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ وَرَدَّتْ قُرَيْشٌ وَالأَْنْصَارُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُمْ وَأَبَى غَيْرُهُمْ، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: أَمَّا مَنْ تَمَسَّكَ بِحَقِّهِ مِنْ هَذَا السَّبْيِ فَلَهُ بِكُل إِنْسَانٍ سِتُّ فَرَائِضَ { (32) . فَرُدُّوا إِلَى النَّاسِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ فَرَدُّوا. (33)
وَفِي كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ كَذَلِكَ مَا يُفِيدُ عَدَمَ جَوَازِ الْمَنِّ عَلَى النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: الإِْمَامُ لاَ يَمْلِكُ الْمَنَّ عَلَى الذُّرِّيَّةِ إِذَا سُبُوا، وَمَنْ سُبِيَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ رَقِيقًا بِنَفْسِ السَّبْيِ وَمِثْل ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ.
لَكِنْ قَال أَبُو يَعْلَى: إِنْ أَرَادَ الإِْمَامُ الْمَنَّ عَلَى السَّبْيِ لَمْ يَجُزْ إِلاَّ بِاسْتِطَابَةِ نُفُوسِ الْغَانِمِينَ بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ أَوْ بِمَالٍ يُعَوِّضُهُمْ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ، وَمَنِ امْتَنَعَ مِنَ الْغَانِمِينَ عَنْ تَرْكِ حَقِّهِ لَمْ يُجْبَرْ. (34)
د - الاِسْتِرْقَاقُ:
20 - إِذَا سُبِيَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ صَارُوا رَقِيقًا بِنَفْسِ السَّبْيِ كَمَا يَقُول الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الإِْمَامَ فِي السَّبْيِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْمُفَادَاةِ أَوِ الاِسْتِرْقَاقِ. وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِالْقَوْل أَوْ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِمْ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي الرَّقِيقِ أَوْ بِدَلاَلَةِ الْحَال. (35)
التَّصَرُّفُ فِي السَّبْيِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ:
21 - السَّبْيُ يُعْتَبَرُ مِنَ الْغَنَائِمِ وَالإِْمَامُ مُخَيَّرٌ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ مِنْ جَوَازِ الْمَنِّ أَوِ الْفِدَاءِ أَوِ الاِسْتِرْقَاقِ عَلَى الْخِلاَفِ الَّذِي سَبَقَ. وَالسَّبْيُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ يَكُونُ مِلْكًا لِمَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ.
أَمَّا قَبْل الْقِسْمَةِ فَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ لِلإِْمَامِ، وَالإِْمَامُ مَنُوطٌ بِهِ التَّصَرُّفُ بِمَا فِيهِ الأَْصْلَحُ لِلْغَانِمِينَ. (36) وَيُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (غُنَيْمَةٍ) .
التَّفْرِيقُ بَيْنَ الأُْمِّ وَوَلِيدِهَا الْمَسْبِيَّيْنِ:
22 - لاَ يَجُوزُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الأُْمِّ وَوَلِيدِهَا الْمَسْبِيَّيْنِ فِي الْبَيْعِ أَوْ فِي قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ، وَالأَْصْل فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَال: لاَ تُولَهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا. (37) وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا تَوْلِيهٌ فَكَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ، وَرَوَى أَبُو أَيُّوبَ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. (38) وَقَدْ رَأَى النَّبِيُّ ﷺ امْرَأَةً وَالِهَةً فِي السَّبْيِ فَسَأَل عَنْ شَأْنِهَا فَقِيل قَدْ بِيعَ وَلَدُهَا فَأَمَرَ بِالرَّدِّ. (39) وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ. (40) وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلٌ مِنْ حَيْثُ شُمُول التَّفْرِيقِ لِغَيْرِ الأُْمِّ مِنْ ذَوِي الأَْرْحَامِ، أَوْ لاَ، وَهَل يَخْتَصُّ التَّفْرِيقُ بِكَوْنِ الْوَلَدِ صَغِيرًا أَوْ يَشْمَل ذَلِكَ حَالَةَ الْكِبَرِ أَيْضًا.
وَيُنْظَرُ هَذَا التَّفْصِيل فِي: (بَيْعٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ) (ف 101) (وَرِقٌّ ف 39) .
أَثَرُ السَّبْيِ فِي الْحُكْمِ بِإِسْلاَمِ الْمَسْبِيِّ:
23 - إِذَا سُبِيَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ أَوْلاَدِ الْكُفَّارِ صَارَ رَقِيقًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ، أَمَّا الْحُكْمُ بِإِسْلاَمِ الصَّغِيرِ الْمَسْبِيِّ فَلَهُ ثَلاَثَةُ أَحْوَالٍ:
الأَْوَّل: أَنْ يُسْبَى مُنْفَرِدًا عَنْ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْلِمًا؛ لأَِنَّ الدِّينَ إِنَّمَا يَثْبُتُ لَهُ تَبَعًا، وَقَدِ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لأَِبَوَيْهِ لاِنْقِطَاعِهِ عَنْهُمَا وَإِخْرَاجِهِ عَنْ دَارِهِمَا، وَمَصِيرِهِ إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ تَبَعًا لِسَابِيهِ الْمُسْلِمِ فَكَانَ تَابِعًا لَهُ فِي دِينِهِ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَرِوَايَةُ أَهْل الْمَدِينَةِ عَنْ مَالِكٍ، وَمُقَابِل ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَعِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى كُفْرِهِ تَبَعًا لأَِبِيهِ، وَلاَ يَتْبَعُ السَّابِي فِي الإِْسْلاَمِ؛ لأَِنَّ يَدَ السَّابِي يَدُ مِلْكٍ فَلاَ تُوجِبُ إِسْلاَمَهُ كَيَدِ الْمُشْتَرِي.
الثَّانِي: أَنْ يُسْبَى مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ - يُعْتَبَرُ كَافِرًا تَبَعًا لأَِبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فِي الْكُفْرِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ فَلَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلاَمِهِ وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: كُل مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ. (41)
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يُحْكَمُ بِإِسْلاَمِهِ، وَبِهَذَا قَال الأَْوْزَاعِيُّ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: كُل مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، الْحَدِيثُ، فَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لاَ يَتْبَعُ أَحَدَهُمَا؛ لأَِنَّ الْحُكْمَ مَتَى عُلِّقَ بِشَيْئَيْنِ لاَ يَثْبُتُ بِأَحَدِهِمَا؛ وَلأَِنَّهُ يَتْبَعُ سَابِيهِ مُنْفَرِدًا فَيَتْبَعُهُ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَسْلَمَ أَحَدُ الأَْبَوَيْنِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُسْبَى مَعَ أَبَوَيْهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى دِينِهِمَا لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ، وَهُمَا مَعَهُ وَمِلْكُ السَّابِي لَهُ لاَ يَمْنَعُ اتِّبَاعَهُ لأَِبَوَيْهِ بِدَلِيل مَا لَوْ وُلِدَ فِي مِلْكِهِ مِنْ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ الْكَافِرَيْنِ.
وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُ الأَْبَوَيْنِ فَهُوَ مُسْلِمٌ تَبَعًا لَهُ لأَِنَّ الإِْسْلاَمَ أَعْلَى، فَكَانَ إِلْحَاقُهُ بِالْمُسْلِمِ مِنْهُمَا أَوْلَى.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ عَلَى دِينِ أَبِيهِ وَلاَ عِبْرَةَ بِإِسْلاَمِ أُمِّهِ أَوْ جَدِّهِ. (42)
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي بَحْثِ: (إِسْلاَمٍ ف 25) (4 270)
أَثَرُ السَّبْيِ فِي النِّكَاحِ:
سَبْيُ الْمُتَزَوِّجَاتِ مِنَ الْكُفَّارِ لاَ يَخْلُو مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْوَالٍ:
24 - أَحَدُهَا: أَنْ يُسْبَى الزَّوْجَانِ مَعًا، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا، وَهُوَ قَوْل الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَأَبِي ثَوْرٍ، كَمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ قَال: أَصَابُوا سَبْيًا يَوْمَ أَوْطَاسٍ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فَتَخَوَّفُوا فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (43) فَحَرَّمَ الْمُتَزَوِّجَاتِ إِلاَّ الْمَمْلُوكَاتِ بِالسَّبْيِ فَدَل عَلَى ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ، قَال الشَّافِعِيُّ: سَبَى رَسُول اللَّهِ ﷺ أَوْطَاسَ وَبَنِيَّ الْمُصْطَلِقِ وَقَسَّمَ الْفَيْءَ، وَأَمَرَ أَلاَّ تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلاَ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ، وَلَمْ يَسْأَل عَنْ ذَاتِ زَوْجٍ وَلاَ غَيْرِهَا (44) قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَإِنْ كَانَ الزَّوْجَانِ مَمْلُوكَيْنِ فَسُبِيَا فَلاَ نَصَّ فِيهِ، وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ لاَ يَنْفَسِخَ النِّكَاحُ، لأَِنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ بِالسَّبْيِ رِقٌّ، وَإِنَّمَا حَدَثَ انْتِقَال الْمِلْكِ فَلَمْ يَنْفَسِخِ النِّكَاحُ كَمَا لَوِ انْتَقَل الْمِلْكُ فِيهِمَا بِالْبَيْعِ، قَال أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَال: يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ؛ لأَِنَّهُ حَدَثَ سَبْيٌ يُوجِبُ الاِسْتِرْقَاقَ وَإِنْ صَادَفَ رِقًّا كَمَا أَنَّ الزِّنَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَإِنْ صَادَفَ حَدًّا. (45)
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لاَ يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا بِالسَّبْيِ مَعًا. قَال الْحَنَفِيَّةُ: لِعَدَمِ اخْتِلاَفِ الدَّارَيْنِ، فَسَبَبُ الْبَيْنُونَةِ هُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ دُونَ السَّبْيِ؛ لأَِنَّ مَصَالِحَ النِّكَاحِ لاَ تَحْصُل مَعَ التَّبَايُنِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لأَِنَّ مَصَالِحَهُ إِنَّمَا تَحْصُل بِالاِجْتِمَاعِ، وَالتَّبَايُنُ مَانِعٌ مِنْهُ، أَمَّا السَّبْيُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي مِلْكَ الرَّقَبَةِ وَذَلِكَ لاَ يُنَافِي النِّكَاحَ ابْتِدَاءً فَكَذَا بَقَاءً. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنَّ الرِّقَّ مَعْنًى لاَ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ فَلاَ يَقْطَعُ اسْتِدَامَتَهُ كَالْعِتْقِ، وقَوْله تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ، (46) نَزَلَتْ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ، وَكَانُوا أَخَذُوا النِّسَاءَ دُونَ أَزْوَاجِهِنَّ، وَعُمُومُ الآْيَةِ مَخْصُوصٌ بِالْمَمْلُوكَةِ الْمُزَوَّجَةِ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ فَيَخُصُّ مِنْهُ مَحَل النِّزَاعِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ. (47)
25 - الثَّانِي: أَنْ تُسْبَى الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا فَيَنْفَسِخَ النِّكَاحُ بِلاَ خِلاَفٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَالآْيَةُ دَالَّةٌ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَهُوَ الْحَدِيثُ السَّابِقُ، وَتَعْلِيل الْفَسْخِ وَسَبَبُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هُوَ السَّبْيُ، أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَهُوَ اخْتِلاَفُ الدَّارِ. (48)
26 - الثَّالِثُ: أَنْ يُسْبَى الرَّجُل وَحْدَهُ فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَبِي الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ - يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ لاِخْتِلاَفِ الدَّارِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلِلسَّبْيِ عِنْدَ غَيْرِهِمْ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - غَيْرِ أَبِي الْخَطَّابِ - لاَ يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ لأَِنَّهُ لاَ نَصَّ فِيهِ، وَلاَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِيهِ. وَقَدْ سَبَى النَّبِيُّ ﷺ سَبْعِينَ مِنَ الْكُفَّارِ يَوْمَ بَدْرٍ فَمَنَّ عَلَى بَعْضِهِمْ وَفَادَى بَعْضًا. (49) وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِمْ بِفَسْخِ أَنْكِحَتِهِمْ، وَلأَِنَّنَا إِذَا لَمْ نَحْكُمْ بِفَسْخِ النِّكَاحِ فِيمَا إِذَا سُبِيَا مَعًا مَعَ الاِسْتِيلاَءِ عَلَى مَحَل حَقِّهِ، فَلأََنْ لاَ يَنْفَسِخَ نِكَاحُهُ مَعَ عَدَمِ الاِسْتِيلاَءِ أَوْلَى (50) . (ر: نِكَاحٌ) .
الزَّوَاجُ بِالْمَسْبِيَّةِ:
27 - السَّبَايَا مِنَ النِّسَاءِ يُعْتَبَرْنَ مِنَ الْغَنَائِمِ إِلَى أَنْ تَتِمَّ قِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ، فَإِذَا قُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَكُل مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ سَبِيَّةٌ مَلَكَهَا وَصَارَتْ أَمَةً لَهُ، وَيَحِل لَهُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ بَعْدَ اسْتِبْرَائِهَا لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} . (51) وَقَدْ نَزَلَتْ فِي سَبَايَا أَوْطَاسَ عَلَى مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ (52) .
أَمَّا حِل نِكَاحِهَا فَهُوَ مَحَل اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي جَوَازِ نِكَاحِ الأَْمَةِ، وَمَا يُشْتَرَطُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيل الْقَوْل فِي ذَلِكَ فِي بَحْثِ: (رِقٍّ: ف 74 وَمَا بَعْدَهَا) .
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير.
(2) الأحكام السلطانية للماوردي ص 131، 134، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 141، 143، والبدائع 7 / 119.
(3) مغني المحتاج 4 / 227.
(4) سورة محمد / 4.
(5) حديث: " سبى النبي ﷺ بني المصطلق وهوازن " ذكر سبيه لبني المصطلق أخرجه البخاري (الفتح 7 / 129 - ط السلفية) من حديث أبي سعيد الخدري، وحديث سبيه لهوازن أخرجه البخاري كذلك (الفتح 8 / 32 - 33 ط السلفية) من حديث مروان والمسور بن مخرمة.
(6) المهذب 2 / 236، والمغني 8 / 138، والخراج لأبي يوسف / 67.
(7) حديث: " نهى عن قتل النساء والصبيان ". أخرجه البخاري (الفتح 6 / 148 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1364 ط الحلبي) من حديث ابن عمر.
(8) حديث: " لا تقتلوا شيخًا فانيًا ولا طفلاً ولا امرأة ". أخرجه أبو داود (3 / 86 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث أنس بن مالك، وإسناده حسن لغيره.
(9) البدائع 7 / 101، 119، والدسوقي 2 / 176، 184، وأسنى المطالب 4 / 190 - 191، والمغني 8 / 372.
(10) البدائع 7 / 108، والدسوقي 2 / 185، والمغني 8 / 480 - 481.
(11) حديث: " لقد حكمت بما حكم الملك " أخرجه البخاري (الفتح 7 / 411، 11 / 49 - ط السلفية) من حديث أبي سعيد الخدري.
(12) حديث: " أن امرأة يقال لها أم رومان ارتدت ". أخرجه الدارقطني (3 / 118 - 119 ط دار المحاسن) من حديث جابر بن عبد الله، وضعف إسناده ابن حجر في التلخيص الحبير (4 / 49 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(13) حاشية ابن عابدين 3 / 304، والبدائع 7 / 139، 140، والدسوقي 4 / 304، والقوانين الفقهية / 356، والمهذب 2 / 223 - 225، والمغني 8 / 123.
(14) ابن عابدين 3 / 306، والبدائع 7 / 139 - 140، والخرشي 8 / 66، والمغني 8 / 137، والأحكام السلطانية للماوردي / 56.
(15) ابن عابدين 3 / 269، والخراج لأبي يوسف / 67، والدسوقي 2 / 205، والمواق 3 / 386، والمغني 8 / 138، والأحكام السلطانية للماوردي 56 - 57.
(16) ابن عابدين 3 / 277، والمواق بهامش الحطاب 3 / 386، ومغني المحتاج 4 / 259، وكشاف القناع 3 / 144، ومنح الجليل 1 / 765.
(17) حديث: " لا تقتلوا امرأة ولا وليدًا ". سبق تخريجه ف / 5.
(18) حديث: " نهى عن قتل النساء والصبيان ". تقدم تخريجه ف / 5.
(19) الأحكام السلطانية 134، وأسنى المطالب 4 / 193.
(20) حديث: " قتل النبي ﷺ يوم قريظة امرأة ألقت رحًى على خلاد بن سويد ". أخرجه ابن إسحاق في سيرته كما في السيرة النبوية لابن كثير (3 / 252 - نشر دار إحياء التراث العربي) .
(21) حديث ابن عباس: " مر النبي ﷺ بامرأة مقتولة يوم الخندق ". أخرجه أحمد (1 / 256 - ط الميمنية) والطبراني في الكبير (11 / 388 - ط وزارة الأوقاف العراقية) واللفظ للطبراني، وأورده الهيثمي في المجمع (5 / 316 - ط القدسي) وقال: " في إسنادهما الحجاج بن أرطاة وهو مدلس ".
(22) البدائع 7 / 101، 119، وحاشية ابن عابدين 3 / 255، 229، وجواهر الإكليل 1 / 252، 257، والأحكام السلطانية للماوردي / 134، وأسنى المطالب 4 / 193.
(23) ابن عابدين 3 / 230.
(24) الفتاوى الهندية 2 / 206 - 207.
(25) الدسوقي 2 / 184.
(26) مغني المحتاج 4 / 228، والأحكام السلطانية للماوردي / 134.
(27) حديث: " أنه ﷺ فادى بالمرأة التي أخذها من سلمة بن الأكوع ". أخرجه مسلم (3 / 1376 - ط الحلبي) من حديث سلمة بن الأكوع.
(28) المغني 8 / 372، 376، 377، والأحكام السلطانية لأبي يعلى / 144.
(29) ابن عابدين 3 / 229، والدسوقي 2 / 184، والقوانين الفقهية / 145، نشر دار الكتاب العربي، وحاشية العدوي 2 / 6.
(30) مغني المحتاج 4 / 227 - 228، ونهاية المحتاج 8 / 65، وأسنى المطالب 4 / 193.
(31) الأحكام السلطانية / 134 - 135، والمهذب 2 / 236.
(32) الفرائض: جمع فريضة، وهو البعير المأخوذ في الزكاة، وسمي فريضة لأنه فرض واجب على رب المال، ثم اتسع فيه حتى سُمِّي البعير فريضة في غير الزكاة. النهاية لابن الأثير (3 / 432 ط دار الفكر) .
(33) حديث: " أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ". أخرجه ابن إسحاق في السيرة كما في السيرة النبوية لابن كثير (3 / 667 - 669 - نشر دار إحياء التراث العربي) وإسناده حسن.
(34) المغني 8 / 481، وكشاف القناع 3 / 54، والأحكام السلطانية لأبي يعلى / 144.
(35) البدائع 7 / 119، وابن عابدين 3 / 230، والفتاوى الهندية 2 / 206 - 207، والدسوقي 2 / 184، ومغني المحتاج 4 / 228، والمغني 8 / 376، 481.
(36) المغني 8 / 445، 446، 447، والاختيار 4 / 126، ومنح الجليل 1 / 745 - 749.
(37) حديث: " لا توله والدة عن ولدها ". أخرجه البيهقي (8 / 5 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث أبي بكر، وضعف إسناده ابن حجر في التلخيص (3 / 15 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(38) حديث: " من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة ". أخرجه الترمذي (3 / 511 - ط الحلبي) وقال: " حديث حسن غريب ".
(39) حديث: " رأى في السبي امرأة والهة ". أورد الزيلعي في نصب الراية (4 / 24 - ط المجلس العلمي) حديثًا بمعناه. وعزاه إلى البيهقي في المعرفة.
(40) البدائع 5 / 228، والقوانين الفقهية / 145، 146، والمهذب 2 / 240، والمغني 8 / 422.
(41) حديث: " كل مولود يولد على الفطرة ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 246 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
(42) البدائع 7 / 104، والكافي لابن عبد البر 1 / 467 - 468، الدسوقي 4 / 305، والمهذب 2 / 240، والمغني 8 / 426.
(43) سورة النساء / 24. وحديث أبي سعيد: " أصابوا سبيًا يوم أوطاس ". أخرجه مسلم (2 / 1080 - ط الحلبي) .
(44) حديث: " أمر ألا توطأ حامل حتى تضع. . . " أخرجه أبو داود (2 / 614 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث أبي سعيد الخدري، وحسنه ابن حجر في التلخيص (1 / 172 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(45) الدسوقي 2 / 200، والمهذب 2 / 241.
(46) سورة النساء / 24.
(47) الاختيار 3 / 113، والبدائع 2 / 339، والمغني 8 / 427.
(48) الاختيار 3 / 113، والبدائع 2 / 339، والدسوقي 2 / 200، والمهذب 2 / 241، والمغني 8 / 427.
(49) حديث: " سبى النبي ﷺ سبعين من الكفار يوم بدر " أخرجه البخاري (الفتح 7 / 307 - ط السلفية) من حديث البراء بن عازب. وأما فداء بعضهم فقد ورد من حديث ابن عباس. أخرجه أبو داود (3 / 139 - تحقيق عزت عبيد دعاس) .
(50) المراجع السابقة.
(51) سورة النساء / 24.
(52) ينظر البدائع 2 / 271، 339، والمغني 6 / 596 - 597، 8 / 427، والأحكام السلطانية للماوردي / 54.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 154/ 24