الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ كَوْنُهُ حَرَامًا، أَوْ حَلاَلاً . أَوْ مَا جُهِل تَحْلِيلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وتَحْرِيمُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ . ومن أمثلته ندب المسلم إلى تجنب الشبهات مطلقاً . ومن شواهده عن النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ
مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ كَوْنُهُ حَرَامًا، أَوْ حَلاَلاً. أَوْ مَا جُهِل تَحْلِيلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وتَحْرِيمُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ.
التَّعْرِيفُ:
1 - الشُّبْهَةُ لُغَةً: مِنْ أَشْبَهَ الشَّيْءُ الشَّيْءَ؛ أَيْ مَاثَلَهُ فِي صِفَاتِهِ. وَالشِّبْهُ، وَالشَّبَهُ، وَالشَّبِيهُ: الْمِثْل. وَالْجَمْعُ: أَشْبَاهٌ، وَالتَّشْبِيهُ التَّمْثِيل. وَالشُّبْهَةُ: الْمَأْخَذُ الْمُلَبِّسُ وَالأُْمُورُ الْمُشْتَبِهَةُ أَيْ: الْمُشْكِلَةُ لِشَبَهِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ (1) .
وَاصْطِلاَحًا هِيَ: مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ كَوْنُهُ حَرَامًا أَوْ حَلاَلاً. أَوْ مَا جُهِل تَحْلِيلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَتَحْرِيمُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ. أَوْ مَا يُشْبِهُ الثَّابِتَ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ (2) .
مَا تَتَنَاوَلُهُ الشُّبْهَةُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ:
2 - فَسَّرَ الْعُلَمَاءُ الشُّبْهَةَ بِأَرْبَعَةِ تَفْسِيرَاتٍ:
الأَْوَّل: مَا تَعَارَضَتْ فِيهِ الأَْدِلَّةُ.
الثَّانِي: مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ وَهُوَ مُتَفَرِّعٌ مِنَ الأَْوَّل. الثَّالِثُ: الْمَكْرُوهُ.
الرَّابِعُ: الْمُبَاحُ الَّذِي تَرْكُهُ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ ذَاتِهِ.
وَيَدُل لِلتَّفْسِيرِ الأَْوَّل وَالثَّانِي مَا جَاءَ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ - ﵁ - عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: الْحَلاَل بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْل الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُل مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ (3) .
وَوَجْهُ الدَّلِيل قَوْلُهُ ﷺ: لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ لاَ يَدْرِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَمِنَ الْحَلاَل هِيَ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ.
وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ: " كَثِيرٌ " أَنَّ مَعْرِفَةَ حُكْمِهَا مُمْكِنٌ لِلْقَلِيل مِنَ النَّاسِ وَهُمُ الْمُجْتَهِدُونَ. فَالشُّبَهُ تَكُونُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لاَ يَظْهَرُ لَهُمْ تَرْجِيحُ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ، أَوْ مَعْرِفَةُ الرَّاجِحِ مِنْ أَقْوَال الْعُلَمَاءِ. مَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الْحَال لاَ يُقَال: إِنَّهُ مِنَ الْحَلاَل الْبَيِّنِ وَلاَ مِنَ الْحَرَامِ الْبَيِّنِ، وَالْمُتَبَيِّنُ: هُوَ مَا لاَ إِشْكَال فِيهِ وَهُوَ مَا يَدُل عَلَيْهِ الْحَدِيثُ فِي قَوْلِهِ: الْحَلاَل بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ.
وَيَدُل لِلتَّفْسِيرِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ أَنَّ الْمَكْرُوهَ يَتَجَاذَبُهُ جَانِبَا الْفِعْل وَالتَّرْكِ، وَكَذَلِكَ الْمُبَاحُ الَّذِي لاَ يُقْصَدُ بِهِ هُنَا مَا اسْتَوَى فِيهِ الْفِعْل وَالتَّرْكُ، بَل يُقْصَدُ بِهِ مَا كَانَ خِلاَفَ الأَْوْلَى، بِأَنْ يَكُونَ مُتَسَاوِيَ الطَّرَفَيْنِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ، رَاجِحَ التَّرْكِ عَلَى الْفِعْل بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ خَارِجٍ لأَِنَّ مَنِ اسْتَكْثَرَ مِنَ الْمَكْرُوهِ اجْتَرَأَ عَلَى الْحَرَامِ، وَمَنِ اسْتَكْثَرَ مِنَ الْمُبَاحِ اجْتَرَأَ عَلَى الْمَكْرُوهِ، وَقَدْ يَحْمِل اعْتِيَادُ تَعَاطِي الْمَكْرُوهِ - وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ غَيْرُ الْمُحَرَّمِ - عَلَى ارْتِكَابِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ الْمُحَرَّمِ إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ.
وَيَدُل لَهُ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ: اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْحَرَامِ سُتْرَةً مِنَ الْحَلاَل، مَنْ فَعَل اسْتَبْرَأَ لِعِرْضِهِ وَلِدِينِهِ (4) . وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَلاَل حَيْثُ يُخْشَى أَنْ يُؤَوَّل فِعْلُهُ مُطْلَقًا إِلَى مَكْرُوهٍ أَوْ مُحَرَّمٍ، يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ، كَالإِْكْثَارِ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، فَإِنَّهُ يُحْوِجُ إِلَى كَثْرَةِ الاِكْتِسَابِ الْمُوقِعِ فِي أَخْذِ مَا لاَ يَسْتَحِقُّ أَوْ يُفْضِي إِلَى بَطَرِ النَّفْسِ.
وَيُرَاجَعُ كَذَلِكَ مُصْطَلَحَاتُ: (إِبَاحَة، حَلاَل، سَدّ الذَّرَائِعِ) (5) .
أَقْسَامُ الشُّبْهَةِ:
3 - قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ الشُّبْهَةَ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ، اتَّفَقَا فِي اثْنَيْنِ مِنْهَا وَانْفَرَدَ كُل مَذْهَبٍ بِقَسَمٍ ثَالِثٍ.
فَاتَّفَقَ الْمَذْهَبَانِ فِي الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَشُبْهَةِ الْفَاعِل.
أَمَّا الْقِسْمُ الأَْوَّل فَهُوَ الشُّبْهَةُ الْحُكْمِيَّةُ، وَتُسَمَّى شُبْهَةَ الْمَحَل؛ أَيِ الْمِلْكِ.
وَسُمِّيَتْ حُكْمِيَّةً لأَِنَّ حِل الْمَحَل ثَبَتَ بِحُكْمِ الشَّرْعِ. أَوْ شُبْهَةُ حُكْمِ الشَّرْعِ بِحِل الْمَحَل، لأَِنَّ نَفْسَ حُكْمِ الشَّرْعِ وَمَحَلَّهُ لَمْ يَثْبُتْ وَإِنَّمَا الثَّابِتُ شُبْهَتُهُ لِكَوْنِ دَلِيل الْحِل عَارَضَهُ مَانِعٌ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا: وَطْءُ مُعْتَدَّةِ الْكِنَايَاتِ وَالْوَطْءِ فِي الْخُلْعِ الْخَالِي عَنِ الْمَال. وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةَ الْمِلْكِ لأَِنَّ الشُّبْهَةَ وَارِدَةٌ عَلَى كَوْنِ الْمَحَل مَمْلُوكًا.
أَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ شُبْهَةُ الْفِعْل: وَتُسَمَّى شُبْهَةَ اشْتِبَاهٍ؛ أَيْ شُبْهَةً فِي حَقِّ مَنْ حَصَل لَهُ اشْتِبَاهٌ، وَذَلِكَ إِذَا ظَنَّ الْحِل؛ لأَِنَّ الظَّنَّ هُوَ الشُّبْهَةُ لِعَدَمِ دَلِيلٍ قَائِمٍ تَثْبُتُ بِهِ الشُّبْهَةُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ شُبْهَةِ الْفِعْل وَشُبْهَةِ الْمَحَل أَنَّ الشُّبْهَةَ فِي شُبْهَةِ الْمَحَل جَاءَتْ مِنْ دَلِيل حِل الْمَحَل فَلاَ حَاجَةَ فِيهِ إِلَى ظَنِّ الْحِل.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ شُبْهَةِ الْفِعْل: وَطْءُ مُعْتَدَّةِ الثَّلاَثِ، وَوَطْءُ مُعْتَدَّةِ الطَّلاَقِ عَلَى مَالٍ، وَوَطْءُ الْمُخْتَلِعَةِ عَلَى مَالٍ.
وَانْفَرَدَ الْحَنَفِيَّةُ بِقِسْمِ شُبْهَةِ الْعَقْدِ: وَهُوَ مَا وُجِدَ فِيهِ صُورَةُ الْعَقْدِ لاَ حَقِيقَتُهُ وَمَثَّلُوا لَهُ بِمَنْ وَطِئَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ نِكَاحُهَا بِعَقْدٍ. وَلاَ تُوجِبُ الْحَدَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ يُوجِبُهُ إِنْ عَلِمَ الْحُرْمَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.
وَانْفَرَدَ الشَّافِعِيَّةُ بِقِسْمِ شُبْهَةِ الطَّرِيقِ، أَوْ شُبْهَةِ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ، وَهِيَ الشُّبْهَةُ النَّاشِئَةُ عَنِ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْمُجْتَهِدِينَ قَال بِالْحِل. وَمَثَّلُوا لَهُ بِالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ بِدُونِ وَلِيٍّ. وَيُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ هَذَاالْقِسْمُ دَاخِلاً فِي الْقِسْمِ الأَْوَّل وَهُوَ مَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ (الشُّبْهَةَ الْحُكْمِيَّةَ) . (6)
حُكْمُ تَعَاطِي الشُّبُهَاتِ:
4 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى حُرْمَةِ تَعَاطِي شُبْهَةِ الْمَحَل، وَمَثَّلُوا لَهَا بِوَطْءِ الأَْمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ لِلإِْجْمَاعِ عَلَى حُرْمَتِهِ.
أَمَّا شُبْهَةُ الْفِعْل. فَلاَ تُوصَفُ بِحِلٍّ وَلاَ بِحُرْمَةٍ، كَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً يَظُنُّهَا حَلِيلَتَهُ لأَِنَّهُ فِي حَالَةِ الْغَفْلَةِ عَنِ الْحَقِيقَةِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ اتِّفَاقًا، وَمِنْ ثَمَّ حُكِيَ الإِْجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ إِثْمِهِ، وَإِذَا انْتَفَى التَّكْلِيفُ انْتَفَى وَصْفُ فِعْلِهِ بِالْحِل وَالْحُرْمَةِ، وَهَذَا مَحْمَل قَوْلِهِمْ: وَطْءُ الشُّبْهَةِ لاَ يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلاَ حُرْمَةٍ.
أَمَّا شُبْهَةُ الطَّرِيقِ فَيَخْتَلِفُ حُكْمُهَا بِحَسَبِ مَنْ قُلِّدَ، فَإِنْ قَلَّدَ مَنْ قَال بِالتَّحْرِيمِ حَرُمَتْ، وَإِلاَّ لَمْ تَحْرُمْ.
وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ: حُرْمَةُ تَعَاطِي شُبْهَةِ الْمَحَل إِذَا كَانَ تَحْرِيمُهَا مُجْمَعًا عَلَيْهِ كَوَطْءِ الْمُخْتَلِعَةِ عَلَى مَالٍ، حَيْثُ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي أَنَّ الْخُلْعَ عَلَى مَالٍ يَقَعُ بَائِنًا، وَفِيمَا مَثَّل بِهِ الشَّافِعِيَّةُ لِحُرْمَةِ تَعَاطِي شُبْهَةِ الْمَحِل مِنَ الْمُجْمَعِ عَلَى حُرْمَتِهِ، وَهُوَ وَطْءُ الْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ مُوَافَقَةً لِلْحَنَفِيَّةِ. أَمَّا شُبْهَةُ الْفِعْل فَيُعْتَدُّ بِهَا شَرِيطَةَ أَنْ يَظُنَّ الْحِل، كَمَنْ وَطِئَ الْمُخْتَلِعَةَ عَلَى مَالٍ ظَانًّا الْحِل.
أَمَّا شُبْهَةُ الْعَقْدِ؛ فَالْمُفْتَى بِهِ عَدَمُ الاِعْتِدَادِ بِهَا فِي إِسْقَاطِ الْحَدِّ، وَهُوَ قَوْل الصَّاحِبَيْنِ خِلاَفًا لأَِبِي حَنِيفَةَ.
وَقَدْ حَضَّتِ الشَّرِيعَةُ عَلَى تَجَنُّبِ الشُّبُهَاتِ وَوُجُوبِ الاِسْتِبْرَاءِ مِنْهَا؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الاِحْتِيَاطِ فِي الدِّينِ. يَدُل لَهُ قَوْلُهُ ﷺ: فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ (7) وَفِي رِوَايَةٍ: فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنَ الإِْثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنِ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنَ الإِْثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ (8) .
وَفِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قُسِّمَتِ الأَْحْكَامُ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ: الأَْوَّل: الْحَلاَل الْبَيِّنُ، وَالثَّانِي: الْحَرَامُ الْبَيِّنُ، وَالثَّالِثُ: مُشْتَبَهٌ لِخَفَائِهِ فَلاَ يُدْرَى هَل هُوَ حَلاَلٌ أَوْ حَرَامٌ، وَلِذَا يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ لأَِنَّهُ إِنْ كَانَ حَرَامًا فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ حَلاَلاً فَقَدْ أُجِرَ لِتَرْكِهِ الْحَلاَل بِنِيَّةِ تَجَنُّبِ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ.
وَاجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ عَلَى مَرَاتِبَ:
5 - الأُْولَى: مَا يَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ لأَِنَّ ارْتِكَابَهُ يَسْتَلْزِمُ ارْتِكَابَ الْحَرَامِ وَهُوَ مَا يَكُونُ أَصْلُهُ التَّحْرِيمَ كَالصَّيْدِ الْمَشْكُوكِ فِي حِل اصْطِيَادِهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُهُ قَبْل ذَكَاتِهِ، فَإِذَا شَكَّ فِيهِ بَقِيَ عَلَى أَصْل التَّحْرِيمِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْحِل.
يَدُل لِهَذَا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - ﵁ - قَال: سَأَلْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ الْمِعْرَاضِ، فَقَال: إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُل وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَل فَلاَ تَأْكُل، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ، قُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ أُرْسِل كَلْبِي وَأُسَمِّي فَأَجِدُ مَعَهُ عَلَى الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ لَمْ أُسَمِّ عَلَيْهِ وَلاَ أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ، قَال: لاَ تَأْكُل إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الآْخَرِ. (9)
وَيَدُل لَهُ كَذَلِكَ حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَال: إِنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ جَاءَتْ فَزَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ ﷺ قَال: كَيْفَ وَقَدْ قِيل؟ وَقَدْ كَانَتْ تَحْتَهُ ابْنَةُ أَبِي إِهَابٍ التَّمِيمِيِّ (10) . وَوَجْهُ الدَّلاَلَةِ مِنَ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ ﷺ كَيْفَ وَقَدْ قِيل؟ مُشْعِرٌ بِأَنَّ أَمْرَهُ بِفِرَاقِ امْرَأَتِهِ إِنَّمَا كَانَ لأَِجْل قَوْل الْمَرْأَةِ: إِنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا، فَاحْتَمَل أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فَيَرْتَكِبُ الْحَرَامَ، فَأَمَرَهُ بِفِرَاقِهَا احْتِيَاطًا.
الثَّانِيَةُ: مَا أَصْلُهُ الإِْبَاحَةُ كَالطَّهَارَةِ إِذَا اسْتُوْفِيَتْ لاَ تُرْفَعُ إِلاَّ بِتَيَقُّنِ الْحَدَثِ. يَدُل لَهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ - ﵁ - قَال: شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ الرَّجُل يَجِدُ فِي الصَّلاَةِ شَيْئًا أَيَقْطَعُ الصَّلاَةَ؟ قَال: لاَ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا (11) . وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ مَنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَشَكَّ هَل طَلَّقَ، فَلاَ عِبْرَةَ لِذَلِكَ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى عِصْمَتِهِ.
الثَّالِثَةُ: مَا لاَ يَتَحَقَّقُ أَصْلُهُ وَيَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالإِْبَاحَةِ، فَالأَْوْلَى تَرْكُهُ. يَدُل لَهُ حَدِيثُ أَنَسٍ - ﵁ قَال -: مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ فَقَال: لَوْلاَ أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً لأََكَلْتُهَا. (12) وَإِنَّمَا تَرَكَ ﷺ أَكْلَهَا تَوَرُّعًا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لأَِنَّ الأَْصْل أَنَّ كُل شَيْءٍ فِي بَيْتِ الإِْنْسَانِ عَلَى الإِْبَاحَةِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى التَّحْرِيمِ.
الرَّابِعَةُ: مَا يُنْدَبُ اجْتِنَابُهُ. وَمِثَالُهُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ اجْتِنَابُ مُعَامَلَةِ مَنِ الأَْقَل مِنْ مَالِهِ حَرَامٌ.
الْخَامِسَةُ: مَا يُكْرَهُ اجْتِنَابُهُ، وَمِثَالُهُ: اجْتِنَابُ الرُّخَصِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى سَبِيل التَّنَطُّعِ (1) . وَيُرَاجَعُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُصْطَلَحِ (شُبْهَة) مُصْطَلَحُ " اشْتِبَاه " " وَإِبَاحَة " " وَتَعَارُض " " وَحَلاَل " " وَسَدّ الذَّرَائِعِ ". وَتُنْظَرُ الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِبَحْثِ الشُّبْهَةِ فِي أَبْوَابِ " النِّكَاحِ " وَالْحُدُودِ وَالصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَالْبُيُوعِ.
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير مادة (شبه) .
(2) مصطلح (اشتباه) الموسوعة 4 / 290.
(3) حديث: " الحلال بيّن والحرام بيّن. . . . ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 126 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1219 - 1220 - ط الحلبي) والترمذي (3 / 502 - ط الحلبي) ، واللفظ للبخاري.
(4) حديث: " اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة. . . . ". أخرجه ابن حبان (الإحسان 7 / 437 - ط دار الكتب العلمية) .
(5) كشف الشبهات عن المشتبهات للشوكاني ص 3 - 11 نشر مكتبة الحرمين بالدمام، فتح الباري 1 / 127، فتح المبين ص 112، 113.
(6) حاشية ابن عابدين 3 / 151 - 153، الإقناع 2 / 81 تحفة المحتاج 7 / 304، الاختيار 4 / 90.
(7) حديث: " فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ". تقدم تخريجه ف 2.
(8) رواية: " فمن ترك ما شبه عليه. . . . ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 290 - ط السلفية) .
(9) حديث عدي بن حاتم: " سألت رسول الله ﷺ عن المعراض. . . . ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 92 - ط السلفية) .
(10) حديث عقبة بن الحارث: " كيف وقد قيل. . ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 292 - ط السلفية) .
(11) حديث عبد الله بن زيد: " شُكي إلى النبي الرجل يجد في. . . . . ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 294 - ط السلفية) .
(12) حديث أنس " مر النبي ﷺ بتمرة مسقوطة. . . . . ". أخرجه البخاري (الفتح 4 / 293 - ط السلفية) .
الموسوعة الفقهية الكويتية: 338/ 25
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".