البارئ
(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...
أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ رجلاً آخَرَ امْرَأَةً كابنته، عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآْخَرُ امْرَأَةً كأخته بِغَيْرِ مَهْرٍ بينهما، كُلّ مِنْهُمَا بُضْعُ الأخْرَى . ومن أمثلته تحريم نكاح الشغار؛ لما فيه من إبطال مَهْرَيْ المرأتين . ومن شواهده عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهما - أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - قَالَ : "لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ ". مسلم :1415.
الشِّغارُ: الفارِغُ والخالِي. وأصلُ الكلِمَةِ يَدُلُّ على انْتِشارٍ وخُلُوٍّ مِن ضَبْطٍ، يُقال: شَغَرَ المَكانَ، شُغُوراً: إذا خَلا وفَرَغَ. ومَكانٌ شاغِرٌ، أيْ: فارِغٌ. ويأْتي الشِّغارُ بِمعنى الرَّفْعِ، يُقال: شَغَرَ الكلبُ، يَشْغَرُ، شَغْراً: إذا رَفَعَ إِحدى رِجْلَيْهِ لِيَبُولَ. ومنه أطلِق الشِّغارُ على نَوعٍ مِن أنكِحَةِ الجاهِلِيَّةِ، وهو: أن يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ أو أُختَهُ لِرَجُلٍ آخَرَ على أن يُزَوِّجَهُ أُخرى بِغَيْرِ مَهْرٍ؛ لأنَّهُما رَفَعا المَهْرَ وأَخْلَيا النِّكاحَ مِنْهُ. ومن معانيه أيضاً: الشِّغَارُ: أن يَبْرُزَ رَجُلانِ مِن العَسْكَرَيْن، فإذا كادَ أَحَدُهما أن يَغْلِبَ صاحِبَه جاءَ اثْنانِ ليُعِينا أحدَهُما فيَصِيحُ الآخرُ: لَا شِغارَ، لَا شِغارَ.
يَرِد مُصْطلَح (شِغار) في الفِقْهِ في كِتابِ النِّكاحِ، باب: الشُّروط في النِّكاحِ، وباب: الصَّداق، وفي كِتابِ الحُدودِ، باب: حَدّ الزِّنا.
شغر
أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ رجلاً آخَرَ امْرَأَةً كابنته، عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآْخَرُ امْرَأَةً كأخته بِغَيْرِ مَهْرٍ بينهما، كُلّ مِنْهُمَا بُضْعُ الأخْرَى.
* العين : (4/358)
* تهذيب اللغة : (8/41)
* مقاييس اللغة : (3/196)
* المحكم والمحيط الأعظم : (5/392)
* مختار الصحاح : (ص 166)
* لسان العرب : (4/417)
* تاج العروس : (12/203)
* بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع : (2/278)
* تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ : (2/145)
* جواهر الإكليل : (1/311)
* القوانين الفقهية : (ص 207)
* مغني الـمحتاج فـي شرح الـمنهاج : (3/143)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 392)
* القاموس الفقهي : (ص 198)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (16/126)
* الـمغني لابن قدامة : (6/641) -
التَّعْرِيفُ
1 - الشِّغَارُ بِكَسْرِ الشِّينِ لُغَةً: نِكَاحٌ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُل آخَرَ امْرَأَةً عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآْخَرُ امْرَأَةً أُخْرَى بِغَيْرِ مَهْرٍ، وَصَدَاقُ كُلٍّ مِنْهُمَا بُضْعُ الأُْخْرَى. وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الْقَرَائِبَ فَقَال: لاَ يَكُونُ الشِّغَارُ إِلاَّ أَنْ تُنْكِحَهُ وَلِيَّتَكَ عَلَى أَنْ يُنْكِحَكَ وَلِيَّتَهُ.
وَسُمِّيَ شِغَارًا إِمَّا تَشْبِيهًا بِرَفْعِ الْكَلْبِ رِجْلَهُ لِيَبُول فِي الْقُبْحِ، قَال الأَْصْمَعِيُّ: الشِّغَارُ الرَّفْعُ فَكَأَنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَفَعَ رِجْلَهُ لِلآْخَرِ عَمَّا يُرِيدُ. وَإِمَّا لِخُلُوِّهِ عَنِ الْمَهْرِ لِقَوْلِهِمْ: شَغَرَ الْبَلَدُ إِذَا خَلاَ. وَشَاغَرَ الرَّجُل الرَّجُل أَيْ زَوَّجَ كُل وَاحِدٍ صَاحِبَهُ حَرِيمَتَهُ، عَلَى أَنَّ بُضْعَ كُل وَاحِدَةٍ صَدَاقُ الأُْخْرَى وَلاَ مَهْرَ سِوَى ذَلِكَ، وَكَانَ سَائِغًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ (1) .
وَالشِّغَارُ فِي الاِصْطِلاَحِ: أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُل وَلِيَّتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآْخَرُ وَلِيَّتَهُ عَلَى أَنَّ مَهْرَ كُلٍّ مِنْهُمَا بُضْعُ الأُْخْرَى. وَهَذَا تَعْرِيفُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: الشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَهُ وَلِيَّتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآْخَرُ وَلِيَّتَهُ، سَوَاءٌ جَعَلاَ مَهْرَ كُلٍّ مِنْهُمَا بُضْعَ الأُْخْرَى أَوْ سَكَتَ عَنِ الْمَهْرِ أَوْ شَرَطَا نَفْيَهُ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: صَرِيحُ الشِّغَارِ أَنْ يَقُول زَوَّجْتُكَ مُوَلِّيَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي مُوَلِّيَتَكَ وَلاَ يَذْكُرَانِ مَهْرًا. وَأَمَّا إِنْ قَال: زَوَّجْتُكَ مُوَلِّيَتِي بِكَذَا مَهْرًا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي وَلِيَّتَكَ بِكَذَا فَهُوَ وَجْهُ الشِّغَارِ؛ لأَِنَّهُ شِغَارٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، فَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ سَمَّى لِكُل وَاحِدَةٍ مَهْرًا فَلَيْسَ بِشِغَارٍ، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ شَرَطَ تَزَوُّجَ إِحْدَاهُمَا بِالأُْخْرَى فَهُوَ شِغَارٌ (2) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
أَوْرَدَ الْفُقَهَاءُ أَحْكَامَ الشِّغَارِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ وَالصَّدَاقِ وَلِكَوْنِهِمُ اخْتَلَفُوا فِي تَعْرِيفِهِ الشَّرْعِيِّ وَبَعْضِ مَسَائِلِهِ التَّفْصِيلِيَّةِ، نَذْكُرُ تَفْصِيل الْحُكْمِ فِي كُل مَذْهَبٍ عَلَى حِدَةٍ.
2 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ - هُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُل الرَّجُل حَرِيمَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ " الآْخَرُ حَرِيمَتَهُ - ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقًا لِلأُْخْرَى لاَ مَهْرَ سِوَى ذَلِكَ -
وَهَذَا النِّكَاحُ عِنْدَهُمْ صَحِيحٌ لأَِنَّهُ مُؤَبَّدٌ أُدْخِل فِيهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ - وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بُضْعُ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقًا لِلأُْخْرَى - وَالنِّكَاحُ لاَ يُبْطِلُهُ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ، كَمَا إِذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَتَكُونُ التَّسْمِيَةُ فَاسِدَةً لأَِنَّ الْبُضْعَ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَهْرًا بَل يَجِبُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَهْرُ الْمِثْل كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ.
وَالنَّهْيُ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ الْوَارِدُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ﵄: نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ بِالْمَرْأَةِ لَيْسَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرٌ (3) مَحْمُولٌ عِنْدَهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ. وَيُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ مَعْنَى الشِّغَارِ أَنْ يُجْعَل بُضْعُ كُلٍّ مِنْهُمَا صَدَاقًا لِلأُْخْرَى مَعَ الْقَبُول مِنَ الآْخَرِ فَإِنْ لَمْ يَقُل ذَلِكَ وَلاَ مَعْنَاهُ، بَل قَال: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ، فَقَبِل الآْخَرُ أَوْ قَال: عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُ بِنْتِي صَدَاقًا لِبِنْتِكَ فَلَمْ يَقْبَل الآْخَرُ بَل زَوَّجَهُ بِنْتَهُ وَلَمْ يَجْعَلْهَا صَدَاقًا، لَمْ يَكُنْ شِغَارًا وَإِنَّمَا نِكَاحًا صَحِيحًا بِاتِّفَاقٍ (4) . 3 - وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ صَرِيحَ الشِّغَارِ هُوَ أَنْ يَقُول الرَّجُل لِلرَّجُل: زَوِّجْنِي بِنْتَكَ أَوْ أُخْتَكَ أَوْ أَمَتَكَ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَكَ بِنْتِي أَوْ أُخْتِي مَعَ جَعْل تَزْوِيجِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَهْرًا لِلأُْخْرَى. فَهَذَا النِّكَاحُ فَاسِدٌ يُفْسَخُ قَبْل الْبِنَاءِ وَبَعْدَ الْبِنَاءِ أَبَدًا، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَعْدَ الْبِنَاءِ صَدَاقُ الْمِثْل.
وَإِنْ سَمَّى لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرًا دُونَ الأُْخْرَى كَأَنْ يَقُول: زَوِّجْنِي بِنْتَكَ بِمِائَةٍ مِنَ الدَّنَانِيرِ مَثَلاً عَلَى أَنْ أُزَوِّجَكَ بِنْتِي فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ أَيْضًا، وَيُفْسَخُ نِكَاحُ مَنْ لَمْ يُسَمَّ لَهَا صَدَاقٌ قَبْل الْبِنَاءِ وَبَعْدَ الْبِنَاءِ أَبَدًا، وَلَهَا بَعْدَ الْبِنَاءِ صَدَاقُ مِثْلِهَا. أَمَّا الْمُسَمَّى لَهَا الصَّدَاقُ فَيُفْسَخُ نِكَاحُهَا قَبْل الْبِنَاءِ وَيَمْضِي بَعْدَ الْبِنَاءِ بِالأَْكْثَرِ مِنَ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْل، وَيُسَمَّى هَذَا النِّكَاحُ بِمَرْكَبِ الشِّغَارِ عِنْدَهُمْ. وَإِنْ سَمَّى لِكُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرًا كَأَنْ يَقُول: زَوِّجْنِي بِنْتَكَ وَنَحْوَهَا بِمِائَةٍ مِنَ الدَّنَانِيرِ مَثَلاً عَلَى شَرْطِ أَنْ أُزَوِّجَكَ ابْنَتِي أَوْ أُخْتِي أَوْ أَمَتِي بِمِائَةٍ مِنَ الدَّنَانِيرِ أَوْ أَقَل أَوْ أَكْثَرَ فَهَذَا النِّكَاحُ فَاسِدٌ كَذَلِكَ يُفْسَخُ قَبْل الْبِنَاءِ وَيَمْضِي بَعْدَ الْبِنَاءِ بِالأَْكْثَرِ مِنَ الْمُسَمَّى وَصَدَاقِ الْمِثْل، وَيُسَمَّى هَذَا النَّوْعُ وَجْهَ الشِّغَارِ (5) .
4 - وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ - وَهُوَ قَوْل الرَّجُل لِلرَّجُل زَوَّجْتُكَ بِنْتِي أَوْ نَحْوَهَا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ أَوْ نَحْوَهَا وَبُضْعُ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقُ الأُْخْرَى، فَيَقْبَل الآْخَرُ ذَلِكَ كَأَنْ يَقُول: تَزَوَّجْتُ بِنْتَكَ وَزَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى مَا ذَكَرْتُ - بَاطِلٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ قَال: نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنِ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُل ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآْخَرُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ (6) وَلِمَعْنَى الاِشْتِرَاكِ فِي الْبُضْعِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَوْرِدَ النِّكَاحِ وَصَدَاقًا لأُِخْرَى فَأَشْبَهَ تَزْوِيجَ وَاحِدَةٍ مِنِ اثْنَيْنِ.
وَقَال بَعْضُهُمْ: عِلَّةُ الْبُطْلاَنِ، التَّعْلِيقُ وَالتَّوَقُّفُ الْمَوْجُودُ فِي هَذَا النِّكَاحِ، وَقِيل لِخُلُوِّهِ مِنَ الْمَهْرِ. فَإِنْ لَمْ يُجْعَل الْبُضْعُ صَدَاقًا بِأَنْ سَكَتَ عَنْهُ، كَقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ فَالأَْصَحُّ الصِّحَّةُ لِعَدَمِ التَّشْرِيكِ فِي الْبُضْعِ وَلأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ وَذَلِكَ لاَ يُفْسِدُ النِّكَاحَ وَيَجِبُ لِكُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ الْمِثْل.
فَعَلَى هَذَا لَوْ قَال: زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ وَبُضْعُ ابْنَتِكَ صَدَاقٌ لاِبْنَتِي صَحَّ النِّكَاحُ الأَْوَّل وَبَطَل النِّكَاحُ الثَّانِي. وَلَوْ قَال: وَبُضْعُ ابْنَتِي صَدَاقٌ لاِبْنَتِكَ بَطَل الأَْوَّل وَصَحَّ الثَّانِي.
وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي - وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ - لاَ يَصِحُّ النِّكَاحُ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ وَالتَّوَقُّفِ.
وَلَوْ سَمَّيَا مَالاً مَعَ جَعْل الْبُضْعِ صَدَاقًا كَأَنْ يَقُول: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي بِأَلْفٍ مِنَ الدَّنَانِيرِ مَثَلاً عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ بِأَلْفٍ كَذَلِكَ وَبُضْعُ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقٌ لِلأُْخْرَى، أَوْ يَقُول: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ وَيَكُونَ بُضْعُ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَأَلْفُ دِرْهَمٍ صَدَاقًا لِلأُْخْرَى، فَالأَْصَحُّ بُطْلاَنُ هَذَا النِّكَاحِ لِوُجُودِ التَّشْرِيكِ فِيهِ.
وَكَذَا إِذَا سَمَّيَا لإِِحْدَاهُمَا مَهْرًا دُونَ الأُْخْرَى كَأَنْ يَقُول: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ وَبُضْعُ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقٌ لِلأُْخْرَى فَالأَْصَحُّ بُطْلاَنُهُ أَيْضًا لِوُجُودِ مَعْنَى التَّشْرِيكِ فِيهِ.
وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي - وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ - يَصِحُّ النِّكَاحُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لأَِنَّهُ لَيْسَ عَلَى تَفْسِيرِ صُورَةِ الشِّغَارِ وَلأَِنَّهُ لَمْ يَخْل عَنِ الْمَهْرِ.
وَمِنْ صُوَرِ الشِّغَارِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يَقُول: زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَ ابْنِي ابْنَتَكَ وَبُضْعُ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقُ الأُْخْرَى.وَلَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ زَيْدٌ مَثَلاً ابْنَتَهُ وَصَدَاقُ الْبِنْتِ بُضْعُ الْمُطَلَّقَةِ فَزَوَّجَهُ عَلَى ذَلِكَ، صَحَّ التَّزْوِيجُ بِمَهْرِ الْمِثْل؛ لِفَسَادِ الْمُسَمَّى وَوَقَعَ الطَّلاَقُ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ (7) .
5 - وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الشِّغَارَ - وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ شَخْصٌ وَلِيَّتَهُ لِشَخْصٍ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآْخَرُ وَلِيَّتَهُ - نِكَاحٌ فَاسِدٌ، لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ (8) . وَلِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ جَلَبَ وَلاَ جَنَبَ وَلاَ شِغَارَ فِي الإِْسْلاَمِ (9) . وَلأَِنَّهُ جَعَل كُل وَاحِدٍ مِنَ الْعَقْدَيْنِ سَلَفًا فِي الآْخَرِ فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَال: بِعْنِي ثَوْبَكَ عَلَى أَنْ أَبِيعَكَ ثَوْبِي.
وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُول: عَلَى أَنَّ صَدَاقَ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بُضْعُ الأُْخْرَى، أَوْ لَمْ يَقُل ذَلِكَ بِأَنْ سَكَتَا عَنْهُ أَوْ شَرَطَا نَفْيَهُ، وَكَذَا لَوْ جَعَلاَ بُضْعَ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَدَرَاهِمَ مَعْلُومَةً مَهْرًا لِلأُْخْرَى.
قَالُوا: وَلَيْسَ فَسَادُ نِكَاحِ الشِّغَارِ مِنْ قِبَل التَّسْمِيَةِ الْفَاسِدَةِ، بَل مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، أَوْ لأَِنَّهُ شَرَطَ تَمْلِيكَ الْبُضْعِ لِغَيْرِ الزَّوْجِ، فَإِنَّهُ جَعَل تَزْوِيجَهُ إِيَّاهَا مَهْرًا لِلأُْخْرَى فَكَأَنَّهُ مَلَّكَهُ إِيَّاهَا بِشَرْطِ انْتِزَاعِهَا مِنْهُ.
فَإِنْ سَمَّيَا لِكُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرًا كَأَنْ يَقُول: زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ وَمَهْرُ كُل وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِائَةُ دِرْهَمٍ، أَوْ قَال: وَمَهْرُ ابْنَتِي مِائَةٌ وَمَهْرُ ابْنَتِكَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ أَقَل أَوْ أَكْثَرُ صَحَّ النِّكَاحُ بِالْمُسَمَّى، وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا هُوَ مَنْصُوصُ الإِْمَامِ أَحْمَدَ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَحْصُل فِي هَذَا الْعَقْدِ تَشْرِيكٌ وَإِنَّمَا حَصَل فِيهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَبَطَل الشَّرْطُ وَصَحَّ النِّكَاحُ. وَقَال الْخِرَقِيُّ: هَذَا النِّكَاحُ بَاطِلٌ لِلنَّهْيِ الَّذِي وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ، وَلأَِنَّهُ شَرَطَ نِكَاحَ إِحْدَاهُمَا لِنِكَاحِ الأُْخْرَى فَلَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ سَمَّيَا الْمَهْرَ لإِِحْدَاهُمَا دُونَ الأُْخْرَى صَحَّ نِكَاحُ مَنْ سُمِّيَ لَهَا؛ لأَِنَّ فِي نِكَاحِهَا تَسْمِيَةً وَشَرْطًا. فَصَحَّتِ التَّسْمِيَةُ وَبَطَل الشَّرْطُ دُونَ الأُْخْرَى الَّتِي لَمْ يُسَمَّ لَهَا مَهْرٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ؛ لأَِنَّهُ خَلاَ مِنْ صَدَاقٍ سِوَى نِكَاحِ الأُْخْرَى.
وَقَال أَبُو بَكْرٍ بِفَسَادِ النِّكَاحَيْنِ لأَِنَّهُ فَسَدَ فِي إِحْدَاهُمَا فَيَفْسُدُ فِي الأُْخْرَى (10) . رَاجِعِ التَّفَاصِيل فِي مُصْطَلَحِ (نِكَاحٌ، مَهْرٌ، صَدَاقٌ) .
__________
(1) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمصباح المنير والمعجم الوسيط.
(2) المغني لابن قدامة 6 / 641، والبدائع 2 / 278، ومغني المحتاج 3 / 143، وجواهر الإكليل 1 / 311.
(3) حديث: " نهى أن تنكح المرأة بالمرأة " أورده بهذا اللفظ الكاساني في البدائع (2 / 278 - ط الحلبي) ، ولم يعزه إلى أي مصدر، وسيأتي بلفظ مشهور ويأتي تخريجه.
(4) البدائع 2 / 278، حاشية ابن عابدين 2 / 332، 292، والمغني 6 / 641.
(5) جواهر الإكليل 1 / 311، مواهب الجليل 3 / 512.
(6) حديث ابن عمر: نهى عن الشغار: أخرجه البخاري (الفتح 9 / 162 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 1034 - ط الحلبي) .
(7) مغني المحتاج 3 / 142، روضة الطالبين 7 / 41 - 40.
(8) حديث: " نهى عن الشغار " تقدم تخريجه ف 4.
(9) حديث: " لا جلب ولا جنب ولا. . . " أخرجه النسائي (6 / 111 - ط المكتبة التجارية) من حديث عمران بن حصين، وفي إسناده مقال. ولكن أورد له ابن حجر شواهد تقويه (تلخيص الحبير) (2 / 161، 162 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(10) المغني لابن قدامة 6 / 641، وكشاف القناع 5 / 92.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 126/ 26