الحق
كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...
التوسط في قضاؤ حاجة شخص دُنْيَوِيَّةٍ، أَوْ أُخْرَوِيَّةٍ، أو للتجاوز عن ذنب وقع فيه . ومن أمثلته تَحْرِيمِ الشَّفَاعَةِ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إِلَى الْحَاكِمِ، وجوازها في التعزير، ومن شواهده قوله صلى الله وسلم : "أتشفع في حدّ من حدود الله ". البخاري :6404
الشَّفاعَةُ: الطَّلَبُ لِأَجْلِ الآخَرين، يُقال: شَفَعَ إلى فُلانٍ في أَمْرٍ ما، شَفاعَةً: إذا طَلَبَ إليه قَضاءَ حاجَةٍ لِلْغَيْرِ. وتأْتي بِمعنى الزِّيادَةِ، يُقال: شَفَعَ شَفاعَةً حَسَنَةً، أيْ: زادَ إلى عَمَلِهِ عَمَلاً. وتُطْلَقُ الشَّفاعَةُ على الإِعانَةِ والتَّقْوِيَةِ. وأَصْلُ الكَلِمَة مِن الشَّفْعِ، وهو: ضَمُّ الشَّيءِ إلى غَيْرِهِ. ومنه الشَّفاعَةُ، وهي: الاِنْضِمامُ إلى الغَيْرِ وضَمُّ الطَّلَبِ إلى طَلَبِهِ. ومِن مَعانِيها أيضاً: المُشارَكَةُ، والدُّعاءُ.
يَرِد مُصطلَح (شَفاعَة) في باب: آداب الصُّحْبَةِ والعِشْرَةِ، وباب: فَضائِل التَّوْحِيدِ، وغَيْر ذلك. ويرِد أيضاً في علم العقيدة، باب: الشَّفاعة وأقسامها.
شفع
التَّوَسُّطُ لِلْآخرين لِجَلْبِ مَنْفَعَةٍ له، أو دَفْعِ مَضَرَّةٍ عنه.
تَنْقَسِمُ الشَّفاعَةُ إلى قِسْمَيْنِ: الأَوَّلُ: شَفاعَةٌ في أُمُورِ الآخِرَةِ، وهي نَوْعانِ: 1- شَفاعَةٌ خاصَّةٌ: وهي التي تكون لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلّمَ في أُمَّتِهِ، وهي أَرْبَع شَفاعاتٍ: - الشَّفاعَةُ العُظْمَى، وهي طَلَبُ الرَّسولِ مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ مِن رَبِّهِ إِراحَةَ النَّاسِ مِن المَوْقِفِ بِمَجِيئِهِ لِفَصْلِ القَضاءِ، وهي المَقامُ المَحْمودُ الذي يحمدُه عليه الأوَّلون والآخِرون. - شَفاعَتُهُ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ في دُخولِ أَهْلِ الجَنَّةِ الجَنَّةَ. - شَفاعَتُهُ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ في تَخْفِيفِ العَذابِ عن عَمِّهِ أبي طالِبٍ. - شَفاعَتُهُ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ في دُخولِ أُناسٍ مِن أُمَّتِهِ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ. 2- شَفَاعَةٌ عامَّةٌ: وهذه الشَّفاعَةُ ثابِتَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، ولِمَن شاءَ اللهُ تعالى من الأنْبِياءِ والمَلائِكَةِ والصَّالِحِينَ، وهي أَنواعٌ: الشَّفاعَةُ لِأُناسٍ قد دَخَلُوا النَّارَ في أن يَخْرُجُوا مِنْها، والشَّفَاعَةُ فِيمَن اسْتَحَقَّ النَّارَ أن لا يَدْخُلَها، والشَّفاعَةُ لِأُناسٍ مِن أَهْلِ الإِيمانِ قد اسْتَحَقُّوا الجَنَّةَ أن يَزْدادُوا دَرَجاتٍ فِيها. الثَّانِي: شَفاعَةٌ في أُمورِ الدُّنْيا، وهي نَوْعانِ: 1- ما يكون في مَقْدورِ العَبْدِ واسْتِطاعَتِهِ، وتكون حَسَنَةً إذا كانت فيما أَذِنَ فِيهِ الشَّرْعُ، كالشَّفاعَةِ لِتَزْوِيجِ شَخْصٍ، وتكون سَيِّئَةً إذا كانت في ما لم يَأْذَنُ فيه الشَّرْعُ، كالشَّفاعَةِ لإسْقاطِ حَقٍّ لِلْغَيْرِ. 2- ما لا يكون في مَقْدورِ العَبْدِ وطاقَتِهِ كطَلَبِ الشَّفاعَةِ مِن الأَمْواتِ والغائِبِينَ، وهذه شِرْكٌ بِاللهِ تعالى. ويُشْتَرَطُ لِلْانْتِفاعِ بِالشَّفاعَةِ الدِّينِيَّةِ شَرْطانِ: الأَوَّلُ: إِذْنُ اللهِ تعالى بالشَّفاعَةِ. الثَّاني: رِضا اللهِ عن الشَّافِعِ والمَشْفُوعِ لَهُ.
الشَّفاعَةُ: الطَّلَبُ لِأَجْلِ الآخَرين، يُقال: شَفَعَ إلى فُلانٍ في أَمْرٍ ما، شَفاعَةً: إذا طَلَبَ إليه قَضاءَ حاجَةٍ لِلآخرين. وتُطْلَقُ على الإِعانَةِ والتَّقْوِيَةِ. وأَصْلُ الكَلِمَة مِن الشَّفْعِ، وهو: ضَمُّ الشَّيءِ إلى غَيْرِهِ.
التوسط في قضاء حاجة شخص دُنْيَوِيَّةٍ، أَوْ أُخْرَوِيَّةٍ، أو للتجاوز عن ذنب وقع فيه.
* مقاييس اللغة : (3/201)
* المحكم والمحيط الأعظم : (1/378)
* لسان العرب : (8/183)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 432)
* الكليات : (ص 846)
* مجموع فتاوى ابن تيمية : (3/147)
* معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول : (2/805) -
التَّعْرِيفُ
1 - الشَّفَاعَةُ فِي اللُّغَةِ: مِنْ شَفَعَ إِلَى فُلاَنٍ فِي الأَْمْرِ شَفْعًا، وَشَفَاعَةً طَالَبَهُ بِوَسِيلَةٍ، أَوْ ذِمَامٍ (1) . أَوْ هِيَ التَّوَسُّطُ بِالْقَوْل فِي وُصُول شَخْصٍ إِلَى مَنْفَعَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ أَوْ أُخْرَوِيَّةٍ أَوْ إِلَى خَلاَصٍ مِنْ مَضَرَّةٍ كَذَلِكَ (2) . أَوْ هِيَ سُؤَال التَّجَاوُزِ عَنِ الذُّنُوبِ مِنَ الَّذِي وَقَعَ الْجِنَايَةُ فِي حَقِّهِ (3) . وَاسْتُشْفِعَ بِفُلاَنٍ إِلَيَّ طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يُشَفَّعَ فَشَفَّعْتُهُ أَيْ قَبِلْتُ شَفَاعَتَهُ (4) .
2 - وَالشَّفَاعَةُ إِنْ كَانَتْ إِلَى اللَّهِ فَهِيَ الدُّعَاءُ لِلْمَشْفُوعِ لَهُ، فَفِي الأَْثَرِ: مَنْ دَعَا لأَِخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قَال الْمَلَكُ الْمُوَكَّل بِهِ: وَلَكَ بِمِثْلٍ (5) . وَإِنْ كَانَتْ إِلَى النَّاسِ فَهِيَ كَلاَمُ الشَّفِيعِ فِي حَاجَةٍ يَطْلُبُهَا لِغَيْرِهِ إِلَى مَنْ يَسْتَطِيعُ قَضَاءَهَا كَالْمَلِكِ مَثَلاً (6) . وَلاَ يَخْرُجُ اصْطِلاَحُ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْغَاثَةُ:
3 - وَهُوَ مِنْ أَغَاثَ الْمَكْرُوبَ إِغَاثَةً وَمَغُوثَةً: أَيْ فَرَّجَ عَنْهُ وَنَصَرَهُ فِي حَالَةِ الشِّدَّةِ (7) . فَكُلٌّ مِنَ الشَّفَاعَةِ وَالإِْغَاثَةِ مَعُونَةٌ لِلطَّالِبِ
ب - التَّوَسُّل:
4 - وَهُوَ التَّقَرُّبُ يُقَال: تَوَسَّلْتُ إِلَى اللَّهِ بِالْعَمَل وَتَوَسَّل بِفُلاَنٍ إِلَى كَذَا (8) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالشَّفَاعَةِ:
الشَّفَاعَةُ قِسْمَانِ: شَفَاعَةٌ حَسَنَةٌ، وَشَفَاعَةٌ سَيِّئَةٌ.
الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ:
5 - أ - الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ: وَهِيَ: أَنْ يَشْفَعَ الشَّفِيعُ لإِِزَالَةِ ضَرَرٍ أَوْ رَفْعِ مَظْلَمَةٍ عَنْ مَظْلُومٍ، أَوْ جَرِّ مَنْفَعَةٍ إِلَى مُسْتَحِقٍّ لَيْسَ فِي جَرِّهَا ضَرَرٌ وَلاَ ضِرَارٌ، فَهَذِهِ مَرْغُوبٌ فِيهَا مَأْمُورٌ بِهَا، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (9) . وَلِلشَّفِيعِ نَصِيبٌ فِي أَجْرِهَا وَثَوَابِهَا قَال اللَّهُ تَعَالَى (10) : {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} (11) وَيَنْدَرِجُ فِيهَا دُعَاءُ الْمُسْلِمِ لأَِخِيهِ الْمُسْلِمِ عَنْ ظَهْرِ الْغَيْبِ.
الشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ:
5 - ب - الشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ هِيَ: أَنْ يَشْفَعَ فِي إِسْقَاطِ حَدٍّ بَعْدَ بُلُوغِهِ السُّلْطَانَ أَوْ هَضْمِ حَقٍّ أَوْ إِعْطَائِهِ لِغَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لأَِنَّهُ تَعَاوُنٌ عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ. قَال تَعَالَى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِْثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (12) وَلِلشَّفِيعِ فِي هَذَا كِفْلٌ مِنَ الإِْثْمِ. قَال تَعَالَى: {وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا. . .} (13) الآْيَةَ. وَالضَّابِطُ الْعَامُّ: أَنَّ الشَّفَاعَةَ الْحَسَنَةَ هِيَ: مَا كَانَتْ فِيمَا اسْتَحْسَنَهُ الشَّرْعُ، وَالسَّيِّئَةَ فِيمَا كَرِهَهُ وَحَرَّمَهُ (14) .
وَالشَّفَاعَةُ تَكُونُ فِي الآْخِرَةِ وَفِي الدُّنْيَا:
أَوَّلاً - الشَّفَاعَةُ فِي الآْخِرَةِ:
6 - أَجْمَعَ أَهْل السُّنَّةِ، وَالْجَمَاعَةِ عَلَى وُقُوعِ الشَّفَاعَةِ فِي الآْخِرَةِ وَوُجُوبِ الإِْيمَانِ بِهَا. لِصَرِيحِ قَوْله تَعَالَى: {يَوْمَئِذٍ لاَ تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً} (15) وَقَال عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} (16) وَقَدْ جَاءَتِ الأَْحَادِيثُ الَّتِي بَلَغَتْ بِمَجْمُوعِهَا حَدَّ التَّوَاتُرِ بِصِحَّةِ الشَّفَاعَةِ فِي الآْخِرَةِ لِمُذْنِبِي الْمُسْلِمِينَ، فَيَشْفَعُ لَهُ مَنْ يَأْذَنُ لَهُ الرَّحْمَنُ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَصَالِحِي الْمُؤْمِنِينَ (17) .
جَاءَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ فَيَقُول اللَّهُ ﷿: شَفَعَتِ الْمَلاَئِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْمًا لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ. . إِلَخْ. (18)
7 - قَال الْعُلَمَاءُ: الشَّفَاعَةُ فِي الآْخِرَةِ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ:
أَوَّلُهَا: مُخْتَصَّةٌ بِنَبِيِّنَا ﷺ وَهِيَ: الإِْرَاحَةُ مِنْ هَوْل الْمَوْقِفِ، وَتَعْجِيل الْحِسَابِ، وَهِيَ: الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى.
ثَانِيهَا: فِي إِدْخَال قَوْمٍ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَهَذِهِ أَيْضًا خَاصَّةٌ بِنَبِيِّنَا ﷺ.
ثَالِثُهَا: الشَّفَاعَةُ لِقَوْمٍ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ فَيَشْفَعُ فِيهِمْ نَبِيُّنَا، وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. رَابِعُهَا: فِيمَنْ دَخَل النَّارَ مِنَ الْمُذْنِبِينَ: فَقَدْ جَاءَتِ الأَْحَادِيثُ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا ﷺ وَالْمَلاَئِكَةِ وَإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
خَامِسُهَا. فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ لأَِهْلِهَا (19) .
8 - وَيَجُوزُ لِلإِْنْسَانِ أَنْ يَسْأَل اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ شَفَاعَةَ الْحَبِيبِ مُحَمَّدٍ ﷺ.
وَقَال النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ: قَال الْقَاضِي عِيَاضٌ: " قَدْ عُرِفَ بِالنَّقْل الْمُسْتَفِيضِ سُؤَال السَّلَفِ الصَّالِحِ - ﵃ -: شَفَاعَةَ نَبِيِّنَا ﷺ وَرَغْبَتُهُمْ فِيهَا، وَعَلَى هَذَا لاَ يُلْتَفَتُ إِلَى مَنْ قَال: إِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَسْأَل الإِْنْسَانُ اللَّهَ تَعَالَى: أَنْ يَرْزُقَهُ شَفَاعَةَ نَبِيِّنَا ﷺ لِكَوْنِهَا لاَ تَكُونُ إِلاَّ لِلْمُذْنِبِينَ؛ لأَِنَّ الشَّفَاعَةَ قَدْ تَكُونُ لِتَخْفِيفِ الْحِسَابِ، وَزِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ. ثُمَّ كُل عَاقِلٍ: مُعْتَرِفٌ بِالتَّقْصِيرِ مُحْتَاجٌ إِلَى الْعَفْوِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِعَمَلِهِ مُشْفِقٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ. وَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِل أَلاَ يَدْعُوَ بِالْمَغْفِرَةِ، وَالرَّحْمَةِ لأَِنَّهَا لأَِصْحَابِ الذُّنُوبِ (20) ". ثَانِيًا - الشَّفَاعَةُ فِي الدُّنْيَا:
أ - الشَّفَاعَةُ فِي الْحَدِّ:
9 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْرِيمِ الشَّفَاعَةِ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إِلَى الْحَاكِمِ (21) لِقَوْلِهِ ﷺ: لأُِسَامَةَ لَمَّا كَلَّمَهُ فِي شَأْنِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ . ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَال: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ: أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا (22) وَلِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدْ ضَادَّ اللَّهَ (23) وَلأَِنَّ الْحَدَّ إِذَا بَلَغَ الْحَاكِمَ وَثَبَتَ عِنْدَهُ وَجَبَ إِقَامَتُهُ وَالسَّعْيُ لِتَرْكِ وَاجِبٍ أَمْرٌ بِالْمُنْكَرِ، وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُ. الْحَنَفِيَّةِ جَوَازَ الشَّفَاعَةِ عِنْدَ الرَّافِعِ لَهُ بَعْدَ وُصُولِهَا إِلَى الْحَاكِمِ وَقَبْل الثُّبُوتِ عِنْدَهُ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: وَكَذَلِكَ لاَ تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ إِذَا بَلَغَ الْحَدُّ الشُّرَطَ وَالْحَرَسَ لأَِنَّ الشُّرَطَ وَالْحَرَسَ بِمَنْزِلَةِ الْحَاكِمِ (24) .
أَمَّا قَبْل بُلُوغِهِ إِلَى مَنْ ذُكِرَ فَتَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ لِمَا وَرَدَ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ مُرَّ عَلَيْهِ بِسَارِقٍ فَتَشَفَّعَ لَهُ، قَالُوا: أَتَشْفَعُ لِسَارِقٍ؟ قَال: نَعَمْ، مَا لَمْ يُؤْتَ بِهِ إِلَى الإِْمَامِ، فَإِذَا أُتِيَ بِهِ إِلَى الإِْمَامِ فَلاَ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ إِنْ عَفَا عَنْهُ (25) .
قَال الْمَالِكِيَّةُ: إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَشْفُوعُ فِيهِ مِنَ الأَْشْرَارِ الَّذِينَ مَرَدُوا عَلَى ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي الَّتِي تُوجِبُ الْحَدَّ، فَلاَ يَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ (26) .
ب - الشَّفَاعَةُ فِي التَّعَازِيرِ:
10 - أَمَّا التَّعَازِيرُ: فَيَجُوزُ فِيهَا الشَّفَاعَةُ بَلَغَتِ الْحَاكِمَ أَمْ لاَ، بَل يُسْتَحَبُّ.
قَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَشْفُوعُ لَهُ صَاحِبَ شَرٍّ (27) . ج - الشَّفَاعَةُ إِلَى وُلاَةِ الأُْمُورِ:
11 - الشَّفَاعَةُ إِلَى وُلاَةِ الأُْمُورِ إِنْ كَانَتْ فِي حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ (28) .
لِقَوْلِهِ تَعَالَى. {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً} (29) . . . الآْيَةَ. وَلِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى ﵁: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَل عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَال: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا (30) وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا أَحَبَّ.
أَخْذُ الْهَدِيَّةِ عَلَى الشَّفَاعَةِ:
12 - إِنْ أَهْدَى الْمَشْفُوعُ لَهُ هَدِيَّةً لِمَنْ يَشْفَعُ لَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، وَنَحْوِهِ مِنْ أَرْبَابِ الْوِلاَيَةِ فَإِنْ كَانَتِ الشَّفَاعَةُ لِطَلَبِ مَحْظُورٍ، أَوْ إِسْقَاطِ حَقٍّ أَوْ مَعُونَةٍ عَلَى ظُلْمٍ، أَوْ تَقْدِيمِهِ فِي وِلاَيَةٍ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ أَوْلَى بِهَا مِنْهُ، فَقَبُولُهَا حَرَامٌ بِالاِتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ: لِرَفْعِ مَظْلَمَةٍ عَنِ الْمَشْفُوعِ لَهُ أَوْ إِيصَال حَقٍّ لَهُ أَوْ تَوْلِيَتِهِ وِلاَيَةً يَسْتَحِقُّهَا، فَإِنْ شَرَطَ الْهَدِيَّةَ عَلَى الْمَشْفُوعِ لَهُ فَقَبُولُهَا حَرَامٌ أَيْضًا. وَإِنْ قَال الْمَشْفُوعُ لَهُ: هَذِهِ الْهَدِيَّةُ جَزَاءُ شَفَاعَتِكَ فَقَبُولُهَا حَرَامٌ كَذَلِكَ. أَمَّا إِنْ لَمْ يَشْرِطِ الشَّافِعُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُهْدِي أَنَّهَا جَزَاءٌ فَإِنْ كَانَ يُهْدَى لَهُ قَبْل الشَّفَاعَةِ فَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يُكْرَهُ لَهُ الْقَبُول، وَإِلاَّ كُرِهَ إِلاَّ أَنْ يُكَافِئَهُ عَلَيْهَا فَإِنْ كَافَأَهُ عَلَيْهَا لَمْ يُكْرَهْ (31) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يَجُوزُ لِلشَّافِعِ أَخْذُ هَدِيَّةٍ بِحَالٍ مِنَ الأَْحْوَال، لأَِنَّهَا كَالأُْجْرَةِ، وَالشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ فَيَحْرُمُ أَخْذُ شَيْءٍ فِي مُقَابِلِهَا. أَمَّا الْبَاذِل فَلَهُ أَنْ يَبْذُل فِي ذَلِكَ مَا يَتَوَصَّل بِهِ إِلَى حَقِّهِ. وَهُوَ الْمَنْقُول عَنِ السَّلَفِ وَالأَْئِمَّةِ (32) .
الاِسْتِشْفَاعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَهْل الصَّلاَحِ:
13 - الاِسْتِشْفَاعُ بِالأَْعْمَال الصَّالِحَةِ وَبِالنَّبِيِّ ﷺ وَبِأَهْل الصَّلاَحِ هُوَ مِنَ التَّوَسُّل، وَيُنْظَرُ حُكْمُهُ فِي (تَوَسُّلٌ) .
__________
(1) المصباح المنير.
(2) الفتوحات الإلهية في تفسير آية: (من يشفع شفاعة حسنة) (الآية 85 من سورة النساء) .
(3) التعريفات للجرجاني.
(4) القاموس.
(5) حديث: " من دعا لأخيه بظهر الغيب. . . " أخرجه مسلم (4 / 2094 - ط الحلبي) من حديث أبي الدرداء.
(6) لسان العرب، الفتوحات الإلهية.
(7) متن اللغة.
(8) المصباح المنير.
(9) سورة المائدة / 2.
(10) تفسير فخر الرازي في تفسير آية (من يشفع شفاعة حسنة) الفتوحات الإلهية.
(11) سورة النساء رقم 85.
(12) سورة المائدة / 2.
(13) سورة النساء / 85.
(14) المصادر السابقة.
(15) سورة طه / 109.
(16) سورة الأنبياء / 28.
(17) شرح النووي لصحيح مسلم 3 / 35.
(18) حديث الشفاعة: " فيقول الله: شفعت الملائكة " أخرجه مسلم (1 / 170 - ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري.
(19) روضة الطالبين 7 / 113، أسنى المطالب 3 / 104، الشرقاوي على شرح التحرير 2 / 320، شرح صحيح مسلم للنووي 3 / 35.
(20) شرح صحيح مسلم للنووي 3 / 36.
(21) ابن عابدين 3 / 140، حاشية الجمل 5 / 162 - 165، أسنى المطالب 4 / 131، شرح الزرقاني 8 / 92، المدونة 6 / 271، مطالب أولي النهى 6 / 159.
(22) حديث: " أتشفع في حد من حدود الله " أخرجه البخاري (الفتح 6 / 513 - ط السلفية) ، ومسلم (3 / 1315 - ط الحلبي) من حديث عائشة.
(23) حديث: " من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله " أخرجه أبو داود (4 / 23 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث ابن عمر وإسناده صحيح.
(24) المدونة 6 / 271.
(25) أثر أن الزبير مر عليه بسارق أخرجه ابن أبي شيبة (9 / 465 - ط الدار السلفية - بمبي) وحسنه ابن حجر في الفتح (12 / 87 - ط السلفية) ، وورد عنده كذلك عن علي بن أبي طالب وحسنه ابن حجر كذلك.
(26) المصادر السابقة والقوانين الفقهية 349، 354، ومواهب الجليل 6 / 320، والشرح الصغير 4 / 489.
(27) المصادر السابقة، زرقاني 8 / 92.
(28) حاشية الجمل 5 / 165، الإقناع للخطيب 2 / 183.
(29) سورة النساء / 85.
(30) حديث: " كان إذا أتاه طالب حاجة " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 299 - ط السلفية) ومسلم (4 / 2026 - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(31) حاشية الرملي على روضة الطالب 4 / 300.
(32) مطالب أولي النهى 6 / 481، كشاف القناع 6 / 317.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 131/ 26