الغفار
كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...
الاحتمال الراجح من الاحتمالات المتضادة . يقال : هذا ظن، ومقابله، وهم .
الظَّنُّ: الشَّكُّ والتَّرَدُّدُ، يُقال: ظَنَنْتُ الشَّيْءَ: إذا شَكَكْتَ فِيهِ ولم تَتَيَقَّنْهُ. ويأْتي بِمعنى الاتِّهامِ، والظِّنَّةُ: التُّهْمَةُ. ويُطْلَقُ الظَّنُّ على اليَقِينِ والعِلْمِ، فيُقال: ظَنَنْتُ ظَنّاً، أيْ: عَلِمْتُ وأيقَنْتُ. وجَمْعُه: ظُنونٌ.
يَرِد مُصطلَح (ظَنّ) في الفقه في عِدَّة مواضِع، منها: كتاب الطَّهارَةِ، باب: المِياه، وباب: التَيَمُّم، وفي كتاب الصَّلاة، باب: أَوْقات الصَّلاةِ، وباب: اسْتِقْبال القِبْلَةِ، وفي كتابِ الصِّيامِ، باب: وَقْت الإفْطارِ، وغَيْر ذلك مِن الأَبوابِ. ويُطلَق في أُصولِ الفِقْهِ، باب: تَعارُض الأَدِلَّةِ، ويُراد بِه: رُجْحانُ أَحَدِ الاحْتِمالاتِ على الآخَرِ. ويُطْلَق بهذا المعنى أيضاً في عِلمِ العَقائِدِ، ويُقَسِّمونَهُ إلى: ظَنٍّ حَسَنٍ، وهو: تَرْجِيحُ جانِبِ الخَيْرِ على جانِبِ الشَّرِّ، وإلى ظَنٍّ سَيِّءٍ، وهو: تَرْجِيحُ جانِبِ الشَّرِّ على الخَيْرِ.
ظنن
-الاحتمال الراجح من الاحتمالات المتضادة.
* العين : (8/152)
* مقاييس اللغة : (3/461)
* المحكم والمحيط الأعظم : (10/8)
* لسان العرب : (13/272)
* الكليات : (ص 936)
* حاشية الدسوقي على الشرح الكبير : (1/124)
* شرح الكوكب المنير : (1/76)
* التعريفات : (ص 187)
* حاشية الحموي على الأشباه والنظائر : (1/104)
* الكليات : (ص 588) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الظَّنُّ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ ظَنَّ، مِنْ بَابِ قَتَل وَهُوَ خِلاَفُ الْيَقِينِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَل بِمَعْنَى الْيَقِينِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو رَبِّهِمْ} (1) وَمِنْهُ الْمَظِنَّةُ بِكَسْرِ الظَّاءِ لِلْمَعْلَمِ وَهُوَ حَيْثُ يُعْلَمُ الشَّيْءُ، وَالْجَمْعُ الْمَظَانُّ، قَال ابْنُ فَارِسٍ مَظِنَّةُ الشَّيْءِ مَوْضِعُهُ وَمَأْلَفُهُ، وَالظِّنَّةُ بِالْكَسْرِ: التُّهْمَةُ (2) .
وَالظَّنُّ فِي الاِصْطِلاَحِ - كَمَا عَرَّفَهُ الْجُرْجَانِيُّ - هُوَ: الاِعْتِقَادُ الرَّاجِحُ مَعَ احْتِمَال النَّقِيضِ، وَيُسْتَعْمَل فِي الْيَقِينِ وَالشَّكِّ، وَقِيل: الظَّنُّ أَحَدُ طَرَفَيِ الشَّكِّ بِصِفَةِ الرُّجْحَانِ (3) ، وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكُلِّيَّاتِ: أَنَّ الظَّنَّ مِنَ الأَْضْدَادِ، لأَِنَّهُ يَكُونُ يَقِينًا وَيَكُونُ شَكًّا، كَالرَّجَاءِ يَكُونُ أَمْنًا وَخَوْفًا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الظَّنَّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ قَبِيل الشَّكِّ؛ لأَِنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ التَّرَدُّدَ بَيْنَ وُجُودِ الشَّيْءِ وَعَدَمِهِ، سَوَاءٌ اسْتَوَيَا أَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا (4) .
وَمِثْلُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ (5) .
وَنَقَل أَبُو الْبَقَاءِ أَنَّ الزَّرْكَشِيَّ أَوْرَدَ ضَابِطَيْنِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الظَّنِّ الْوَارِدِ فِي الْقُرْآنِ بِمَعْنَى الْيَقِينِ، وَالظَّنِّ الْوَارِدِ فِيهِ بِمَعْنَى الشَّكِّ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَ الظَّنُّ مَحْمُودًا مُثَابًا عَلَيْهِ فَهُوَ الْيَقِينُ، وَحَيْثُ وُجِدَ مَذْمُومًا مُتَوَعَّدًا عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ فَهُوَ الشَّكُّ.
الثَّانِي: أَنَّ كُل ظَنٍّ يَتَّصِل بِهِ (أَنْ) الْمُخَفَّفَةُ فَهُوَ شَكٌّ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى: {بَل ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُول وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا} (6) وَكُل ظَنٍّ يَتَّصِل بِهِ (إِنَّ) الْمُشَدَّدَةُ فَهُوَ يَقِينٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ} (7) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الشَّكُّ:
2 - الشَّكُّ فِي اللُّغَةِ: الاِرْتِيَابُ. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ التَّرَدُّدُ بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ بِلاَ تَرْجِيحٍ لأَِحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ عِنْدَ الشَّاكِّ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ: أَنَّ الشَّكَّ مَا اسْتَوَى طَرَفَاهُ، وَهُوَ الْوُقُوفُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لاَ يَمِيل الْقَلْبُ إِلَى أَحَدِهِمَا، فَإِذَا تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يُطْرَحِ الآْخَرُ فَهُوَ ظَنٌّ، فَإِذَا طَرَحَهُ فَهُوَ غَالِبُ الظَّنِّ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْيَقِينِ (8) .
ب - الْوَهْمُ:
3 - الْوَهْمُ فِي اللُّغَةِ: سَبْقُ الْقَلْبِ إِلَى الشَّيْءِ مَعَ إِرَادَةِ غَيْرِهِ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ إِدْرَاكُ الطَّرَفِ الْمَرْجُوحِ، أَيْ مَا يُقَابِل الظَّنَّ (9) .
ج - الْيَقِينُ:
4 - الْيَقِينُ فِي اللُّغَةِ: الْعِلْمُ الْحَاصِل عَنْ نَظَرٍ وَاسْتِدْلاَلٍ، وَلِهَذَا لاَ يُسَمَّى عِلْمُ اللَّهِ يَقِينًا.
وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَهُوَ: جَزْمُ الْقَلْبِ بِوُقُوعِ الشَّيْءِ أَوْ عَدَمِ وُقُوعِهِ (10) . الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
5 - الظَّنُّ عَلَى أَضْرُبٍ: مَحْظُورٌ، وَمَأْمُورٌ بِهِ، وَمَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، وَمُبَاحٌ.
فَأَمَّا الْمَحْظُورُ. فَمِنْهُ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى، لأَِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَرْضٌ وَوَاجِبٌ مَأْمُورٌ بِهِ، وَسُوءُ الظَّنِّ بِهِ تَعَالَى مَحْظُورٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَعَنْ جَابِرٍ ﵁ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَبْل مَوْتِهِ بِثَلاَثٍ يَقُول: لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ ﷿ (11) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: حُسْنُ الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ (12) .
وَمِنَ الظَّنِّ الْمَحْظُورِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ سُوءُ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ ظَاهِرُهُمُ الْعَدَالَةُ، فَعَنْ صَفِيَّةَ ﵂ قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ مُعْتَكِفًا، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ سَكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ﵄، فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَْنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ ﷺ أَسْرَعَا، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُول اللَّهِ، قَال: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِْنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا أَوْ قَال: شَيْئًا (13)
ثُمَّ إِنَّ كُل ظَنٍّ فِيمَا لَهُ سَبِيلٌ إِلَى مَعْرِفَتِهِ مِمَّا تُعُبِّدَ بِعِلْمِهِ فَهُوَ مَحْظُورٌ؛ لأَِنَّهُ لَمَّا كَانَ مُتَعَبَّدًا بِعِلْمِهِ، وَنُصِبَ لَهُ الدَّلِيل عَلَيْهِ، فَلَمْ يَتْبَعِ الدَّلِيل وَحَصَل عَلَى الظَّنِّ كَانَ تَارِكًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ.
وَأَمَّا مَا لَمْ يَنْصِبْ لَهُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ يُوصِلُهُ إِلَى الْعِلْمِ بِهِ، وَقَدْ تُعُبِّدَ بِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ فِيهِ، فَالاِقْتِصَارُ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ وَإِجْرَاءِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَاجِبٌ، وَذَلِكَ نَحْوُ مَا تُعُبِّدْنَا بِهِ مِنْ قَبُول شَهَادَةِ الْعُدُول، وَتَحَرِّي الْقِبْلَةِ، وَتَقْوِيمِ الْمُسْتَهْلَكَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ بِمَقَادِيرِهَا تَوْقِيفٌ، فَهَذِهِ وَمَا كَانَ مِنْ نَظَائِرِهَا قَدْ تُعُبِّدْنَا فِيهَا بِتَنْفِيذِ أَحْكَامِ غَالِبِ الظَّنِّ.
وَأَمَّا الظَّنُّ الْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ فَهُوَ: حُسْنُ الظَّنِّ بِالأَْخِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ مُثَابٌ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الضَّرْبُ مِنَ الظَّنِّ مَنْدُوبًا وَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا كَمَا كَانَ سُوءُ الظَّنِّ مَحْظُورًا لِوُجُودِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ احْتِمَالٌ أَنْ لاَ يَظُنَّ بِهِ شَيْئًا فَكَانَ مَنْدُوبًا.
وَأَمَّا الظَّنُّ الْمُبَاحُ، فَمِنْهُ: ظَنُّ الشَّاكِّ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّحَرِّي وَالْعَمَل عَلَى مَا يَغْلِبُ فِي ظَنِّهِ، فَإِنْ عَمِل بِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ ظَنُّهُ كَانَ مُبَاحًا، وَإِنْ عَدَل عَنْهُ إِلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ كَانَ جَائِزًا (14) .
وَذَكَرَ الرَّمْلِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الظَّنَّ يَنْقَسِمُ فِي الشَّرْعِ إِلَى وَاجِبٍ وَمَنْدُوبٍ وَحَرَامٍ وَمُبَاحٍ، فَالْوَاجِبُ حُسْنُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَالْحَرَامُ سُوءُ الظَّنِّ بِهِ تَعَالَى، وَبِكُلٍّ مَنْ ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُبَاحُ الظَّنُّ بِمَنِ اشْتَهَرَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِمُخَالَطَةِ الرِّيَبِ وَالْمُجَاهَرَةِ بِالْخَبَائِثِ فَلاَ يَحْرُمُ ظَنُّ السُّوءِ بِهِ؛ لأَِنَّهُ قَدْ دَل عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا أَنَّ مَنْ سَتَرَ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَظُنَّ النَّاسُ بِهِ إِلاَّ خَيْرًا، وَمَنْ دَخَل مَدْخَل السُّوءِ اتُّهِمَ، وَمَنْ هَتَكَ نَفْسَهُ ظَنَنَّا بِهِ السُّوءَ، مِنَ الظَّنِّ الْجَائِزِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مَا يَظُنُّ الشَّاهِدَانِ فِي التَّقْوِيمِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ، وَمَا يَحْصُل بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فِي الأَْحْكَامِ بِالإِْجْمَاعِ (15) . الْحُكْمُ بِالظَّنِّ:
6 - ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ لِلظَّنِّ حَالَتَيْنِ: حَالَةٌ تُعْرَفُ وَتَقْوَى بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الأَْدِلَّةِ فَيَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا، وَأَكْثَرُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، كَالْقِيَاسِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ.
وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَقَعَ فِي النَّفْسِ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ دَلاَلَةٍ، فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ ضِدِّهِ، فَهَذَا هُوَ الشَّكُّ، فَلاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ، وَهُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} (16) ، وَفِي قَوْلِهِ ﷺ: إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ (17) .
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَرْكَ الْعَمَل بِالظَّنِّ الَّذِي تُنَاطُ بِهِ الأَْحْكَامُ غَالِبًا، بَل الْمُرَادُ تَحْقِيقُ الظَّنِّ الَّذِي يَضُرُّ بِالْمَظْنُونِ بِهِ، وَكَذَا مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَذَلِكَ أَنَّ أَوَائِل الظُّنُونِ إِنَّمَا هِيَ خَوَاطِرُ لاَ يُمْكِنُ دَفْعُهَا، وَمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ لاَ يُكَلَّفُ بِهِ (18) ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُِمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسُهَا (19) .
عَدَمُ اعْتِبَارِ الظَّنِّ إِذَا ظَهَرَ خَطَؤُهُ:
7 - مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّهُ: لاَ عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ، وَمَعْنَاهَا أَنَّ الظَّنَّ الَّذِي يَظْهَرُ خَطَؤُهُ لاَ أَثَرَ لَهُ وَلاَ يُعْتَدُّ بِهِ (20) .
وَمِنَ الْفُرُوعِ الَّتِي تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ لَوْ ظَنَّ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ أَنَّهُ لاَ يَعِيشُ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ تَضَيَّقَ عَلَيْهِ، فَلَوْ لَمْ يَفْعَلْهُ ثُمَّ عَاشَ وَفَعَلَهُ فَأَدَاءٌ عَلَى الصَّحِيحِ (21) .
وَمِنْ فُرُوعِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ مِنْ أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَل الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا، وَظَنَّ أَنَّ وَقْتَ الْفَجْرِ ضَاقَ، فَصَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ بَطَل الْفَجْرُ، فَإِذَا بَطَل يُنْظَرُ؛ فَإِنْ كَانَ فِي الْوَقْتِ سَعَةٌ يُصَلِّي الْعِشَاءَ ثُمَّ يُعِيدُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سَعَةٌ يُعِيدُ الْفَجْرَ فَقَطْ (22) .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِل:
مِنْهَا: لَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَظُنُّهُ مُتَطَهِّرًا، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فَصَلاَتُهُ صَحِيحَةٌ عَمَلاً بِظَنِّهِ.
وَمِنْهَا: مَا لَوْ رَأَى الْمُتَيَمِّمُ رَكْبًا فَظَنَّ أَنَّ مَعَهُمْ مَاءً بَطَل تَيَمُّمُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مَاءٌ، لِتَوَجُّهِ الطَّلَبِ عَلَيْهِ (23) .
وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَنْثُورِ أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْيَقِينِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالظَّنِّ فِيمَا يُتَعَبَّدُ فِيهِ بِالنَّصِّ قَطْعًا، كَالْمُجْتَهِدِ الْقَادِرِ عَلَى النَّصِّ لاَ يَجْتَهِدُ، وَكَذَا إِنْ كَانَ بِمَكَّةَ لاَ يَجْتَهِدُ فِي الْقِبْلَةِ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالظَّنِّ فِيمَا لَمْ يُتَعَبَّدْ فِيهِ بِالنَّصِّ، كَالاِجْتِهَادِ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ مِنَ الثِّيَابِ وَالأَْوَانِي، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى طَاهِرٍ بِيَقِينٍ فِي الأَْصَحِّ، وَلَوِ اجْتَهَدَ فِي دُخُول الْوَقْتِ جَازَتِ الصَّلاَةُ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ عِلْمِهِ فِي الأَْصَحِّ (24) .
أَثَرُ الظَّنِّ فِي التَّعَارُضِ وَالتَّرْجِيحِ بَيْنَ الأَْدِلَّةِ:
8 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الأُْصُولِيِّينَ مِنْ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّ التَّعَارُضَ لاَ يَقَعُ بَيْنَ دَلِيلَيْنِ قَطْعِيَّيْنِ اتِّفَاقًا، سَوَاءٌ كَانَا عَقْلِيَّيْنِ أَوْ نَقْلِيَّيْنِ، وَكَذَلِكَ التَّرْجِيحُ لاَ يَجُوزُ فِي الأَْدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ (25) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي التَّعَارُضِ تَسَاوِي الدَّلِيلَيْنِ قُوَّةً، وَيَثْبُتُ التَّعَارُضُ فِي دَلِيلَيْنِ قَطْعِيَّيْنِ (26) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
اسْتِعْمَال الْمَاءِ الْمَظْنُونِ نَجَاسَتُهُ:
9 - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ ظَنَّ نَجَاسَتَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ طَاهِرًا جَازَ وُضُوءُهُ (27) .
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا تَغَيَّرَ مَاءُ الْبِئْرِ وَنَحْوُهَا، وَتَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ الَّذِي غَيَّرَهُ مِمَّا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ وَالطَّاهِرِيَّةَ لِقُرْبِهَا مِنَ الْمَرَاحِيضِ وَرَخَاوَةِ أَرْضِهَا فَإِنَّهُ يَضُرُّ، وَإِنْ تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ مُغَيِّرَهُ مِمَّا لاَ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ فَالْمَاءُ طَهُورٌ (28) .
وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْمَاءَ الْقَلِيل إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ، وَشَكَّ هَل هُوَ قُلَّتَانِ أَمْ لاَ؟ فَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ أَنَّهُ نَجِسٌ، لِتَحَقُّقِ النَّجَاسَةِ، وَلإِِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ احْتِمَالاَنِ، وَالْمُخْتَارُ بَل الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِطَهَارَتِهِ، لأَِنَّ الأَْصْل طَهَارَتُهُ وَشَكَكْنَا فِي نَجَاسَةِ مُنَجِّسِهِ (أَيْ فِي تَنَجُّسِ الْمَاءِ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ) وَلاَ يَلْزَمُ مِنَ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ (29) .
وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ اسْتِعْمَال الْمَاءِ الَّذِي ظُنَّ نَجَاسَتُهُ مَكْرُوهٌ، بِخِلاَفِ مَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهِ فَلاَ يُكْرَهُ (30) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (نَجَاسَة) .
الظَّنُّ فِي دُخُول وَقْتِ الصَّلاَةِ:
10 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ شَكَّ فِي دُخُول وَقْتِ الْعِبَادَةِ فَأَتَى بِهَا، فَبَانَ أَنَّهُ فَعَلَهَا فِي الْوَقْتِ لَمْ يُجْزِهِ. . وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ أَذَانُ الْوَاحِدِ لَوْ عَدْلاً، وَإِلاَّ تَحَرَّى، وَبَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ (31) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَرَدَّدَ الْمُصَلِّي هَل دَخَل وَقْتُ الصَّلاَةِ أَوْ لاَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؟ أَوْ ظَنَّ دُخُولَهُ ظَنًّا غَيْرَ قَوِيٍّ، أَوْ ظَنَّ عَدَمَ الدُّخُول وَتَوَهَّمَ الدُّخُول، سَوَاءٌ حَصَل لَهُ مَا ذُكِرَ قَبْل الدُّخُول فِي الصَّلاَةِ أَوْ طَرَأَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُول فِيهَا فَإِنَّ صَلاَتَهُ لاَ تُجْزِيهِ، لِتَرَدُّدِ النِّيَّةِ وَعَدَمِ تَيَقُّنِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، سَوَاءٌ تَبَيَّنَ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلاَةِ أَنَّهَا وَقَعَتْ قَبْلَهُ أَوْ وَقَعَتْ فِيهِ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ، اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ظَنُّهُ بِدُخُول الْوَقْتِ قَوِيًّا، فَإِنَّهَا تُجْزِئُ إِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهَا وَقَعَتْ فِيهِ، كَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الإِْرْشَادِ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (32) .
وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ مَنِ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلاَةِ لِغَيْمٍ أَوْ حَبْسٍ فِي مُظْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا اجْتَهَدَ، مُسْتَدِلًّا بِالدَّرْسِ وَالأَْعْمَال وَالأَْوْرَادِ وَشَبَهِهَا، وَحَيْثُ لَزِمَ الاِجْتِهَادُ فَصَلَّى بِلاَ اجْتِهَادٍ وَجَبَتِ الإِْعَادَةُ وَإِنْ صَادَفَ الْوَقْتَ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ دَلاَلَةٌ أَوْ كَانَتْ فَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ صَبَرَ إِلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى قَلْبِهِ دُخُول الْوَقْتِ، وَالاِحْتِيَاطُ أَنْ يُؤَخِّرَ إِلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ خَرَجَ الْوَقْتُ (33) .
وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي دُخُول وَقْتِ الصَّلاَةِ لَمْ يُصَل حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُهُ؛ لأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ دُخُولِهِ، فَإِنْ صَلَّى مَعَ الشَّكِّ فَعَلَيْهِ الإِْعَادَةُ وَإِنْ وَافَقَ الْوَقْتَ؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ صَلاَتِهِ، كَمَا لَوْ صَلَّى مَنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ (34) . وَأَمَّا الصَّلاَةُ عَلَى ظَنِّ بَقَاءِ الْوَقْتِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ نَظَرًا لِلأَْصْل، إِذِ الأَْصْل بَقَاءُ الْوَقْتِ.
الأَْخْذُ بِالظَّنِّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ:
11 - مَنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَإِنَّهُ يَجْتَهِدُ وَيُصَلِّي إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا الْقِبْلَةُ، فَإِنْ تَغَيَّرَ رَأْيُهُ بَعْدَ الدُّخُول فِي الصَّلاَةِ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهَا، حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إِلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ بِالاِجْتِهَادِ صَحَّتْ صَلاَتُهُ وَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ لأَِنَّ الاِجْتِهَادَ لاَ يُنْقَضُ بِالاِجْتِهَادِ، لِمَا وَرَدَ أَنَّ أَهْل قُبَاءَ كَانُوا مُتَوَجِّهِينَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ، فَأُخْبِرُوا بِتَحْوِيل الْقِبْلَةِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْقِبْلَةِ، وَأَقَرَّهُمُ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى ذَلِكَ (35) وَيَلْزَمُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي حَال تَغَيُّرِ ظَنِّهِ الاِسْتِدَارَةُ عَلَى الْفَوْرِ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي يَظُنُّ أَنَّهَا الْقِبْلَةُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل وَمَكَثَ قَدْرَ رُكْنٍ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ (36) .
وَتَبْطُل الصَّلاَةُ إِنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى جِهَةٍ وَخَالَفَهَا بِصَلاَتِهِ لِغَيْرِهَا عَامِدًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِنْ لَمْ يُصَادِفِ الْقِبْلَةَ فِي الَّتِي صَلَّى إِلَيْهَا، بَل وَإِنْ صَادَفَهَا فِي الْجِهَةِ الَّتِي صَلَّى إِلَيْهَا، فَيُعِيدُهَا أَبَدًا، لِدُخُولِهِ عَلَى الْفَسَادِ وَتَعَمُّدِهِ إِيَّاهُ (37) .
وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ ثَلاَثَةَ أَحْوَالٍ لِلْمُجْتَهِدِ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ إِذَا ظَهَرَ لَهُ الْخَطَأُ فِي اجْتِهَادِهِ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَظْهَرَ لَهُ الْخَطَأُ قَبْل الشُّرُوعِ فِي الصَّلاَةِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ أَعْرَض عَنْهُ وَاعْتَمَدَ الْجِهَةَ الَّتِي يَعْلَمُهَا أَوْ يَظُنُّهَا الآْنَ، وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ، بَل ظَنَّ أَنَّ الصَّوَابَ جِهَةٌ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ دَلِيل الاِجْتِهَادِ الثَّانِي عِنْدَهُ أَوْضَحَ مِنَ الأَْوَّل الآْنَ اعْتَمَدَ الثَّانِيَ، وَإِنْ كَانَ الأَْوَّل أَوْضَحَ اعْتَمَدَهُ، وَإِنْ تَسَاوَيَا فَلَهُ الْخِيَارُ فِيهِمَا عَلَى الأَْصَحِّ، وَقِيل: يُصَلِّي إِلَى الْجِهَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ.
الثَّانِي: أَنْ يَظْهَرَ لَهُ الْخَطَأُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلاَةِ، فَإِنْ تَيَقَّنَهُ وَجَبَتِ الإِْعَادَةُ عَلَى الأَْظْهَرِ، سَوَاءٌ تَيَقَّنَ الصَّوَابَ أَيْضًا أَمْ لاَ، وَقِيل: الْقَوْلاَنِ إِذَا تَيَقَّنَ الْخَطَأَ وَتَيَقَّنَ الصَّوَابَ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَيَقَّنِ الصَّوَابَ فَلاَ إِعَادَةَ قَطْعًا، وَالْمَذْهَبُ الأَْوَّل.
وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَيَقَّنِ الْخَطَأَ بَل ظَنَّهُ فَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ، فَلَوْ صَلَّى أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ إِلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ بِاجْتِهَادَاتٍ فَلاَ إِعَادَةَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَى وَجْهٍ شَاذٍّ يَجِبُ إِعَادَةُ الأَْرْبَعِ، وَقِيل: يَجِبُ إِعَادَةُ غَيْرِ الأَْخِيرَةِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَظْهَرَ لَهُ الْخَطَأُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلاَةِ، وَهُوَ ضَرْبَانِ:
الأَْوَّل: أَنْ يَظْهَرَ الصَّوَابُ مُقْتَرِنًا بِظُهُورِ الْخَطَأِ فَإِنْ كَانَ الْخَطَأُ مُتَيَقَّنًا فَيَبْنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي تَيَقُّنِ الْخَطَأِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الصَّلاَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَيَقَّنًا بَل مَظْنُونًا فَالأَْصَحُّ أَنَّهُ يَنْحَرِفُ وَيَبْنِي حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ إِلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ فَلاَ إِعَادَةَ كَالصَّلَوَاتِ، وَخُصَّ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ الدَّلِيل الثَّانِي أَوْضَحَ مِنَ الأَْوَّل، فَإِنِ اسْتَوَيَا تَمَّمَ صَلاَتَهُ إِلَى الْجِهَةِ الأُْولَى وَلاَ إِعَادَةَ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لاَ يَظْهَرَ الصَّوَابُ مَعَ الْخَطَأِ فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الصَّوَابِ بِالاِجْتِهَادِ عَلَى الْقُرْبِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ عَلَى الْقُرْبِ، فَهَل يَنْحَرِفُ وَيَبْنِي أَمْ يَسْتَأْنِفُ؟ فِيهِ خِلاَفٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الضَّرْبِ الأَْوَّل، وَالأَْوْلَى الاِسْتِئْنَافُ، قَال النَّوَوِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ (38) .
وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ مَنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَإِنْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ فَفَرْضُهُ التَّوَجُّهُ إِلَى مَحَارِيبِهِمْ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ مَحَارِيبُ لَزِمَهُ السُّؤَال عَنِ الْقِبْلَةِ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلاً بِأَدِلَّتِهَا فَفَرْضُهُ الرُّجُوعُ إِلَى مَنْ يُخْبِرُهُ عَنْ يَقِينٍ إِنْ وَجَدَهُ، وَلاَ يَجْتَهِدُ قِيَاسًا عَلَى الْحَاكِمِ إِذَا وَجَدَ النَّصَّ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي وَجَدَهُ يُخْبِرُهُ عَنْ ظَنٍّ فَفَرْضُهُ تَقْلِيدُهُ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْل الاِجْتِهَادِ وَكَانَ عَالِمًا بِأَدَاتِهَا وَضَاقَ الْوَقْتُ وَإِلاَّ لَزِمَهُ التَّعَلُّمُ وَالْعَمَل بِاجْتِهَادِهِ.
وَإِنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فِي السَّفَرِ - وَكَانَ عَالِمًا بِأَدَاتِهَا - فَفَرْضُهُ الاِجْتِهَادُ فِي مَعْرِفَتِهَا لأَِنَّ مَا وَجَبَ اتِّبَاعُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ وَجَبَ الاِسْتِدْلاَل عَلَيْهِ عِنْدَ خَفَائِهِ كَالْحُكْمِ فِي الْحَادِثَةِ فَإِذَا اجْتَهَدَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ جِهَةٌ أَنَّهَا الْقِبْلَةُ صَلَّى إِلَيْهَا لِتَعَيُّنِهَا قِبْلَةً لَهُ، إِقَامَةً لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ لِتَعَذُّرِهِ، فَإِنْ تَرَكَهَا - أَيِ الْجِهَةَ الَّتِي غَلَبَتْ عَلَى ظَنِّهِ - وَصَلَّى إِلَى غَيْرِهَا أَعَادَ مَا صَلاَّهُ إِلَى غَيْرِهَا وَإِنْ أَصَابَ لأَِنَّهُ تَرَكَ فَرْضَهُ، كَمَا لَوْ تَرَكَ الْقِبْلَةَ الْمُتَيَقَّنَةَ، وَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الاِجْتِهَادُ - لِغَيْمٍ وَنَحْوِهِ كَمَا لَوْ كَانَ مَطْمُورًا أَوْ كَانَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الاِجْتِهَادِ كَرَمَدٍ وَنَحْوِهِ أَوْ تَعَادَلَتْ عِنْدَهُ الأَْمَارَاتُ - صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ بِلاَ إِعَادَةٍ (39) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِقْبَال ف 28، وَاشْتِبَاه ف 20) . الاِقْتِدَاءُ بِمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُسَافِرٌ:
12 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا اقْتَدَى بِإِمَامٍ لاَ يَدْرِي أَمُسَافِرٌ هُوَ أَمْ مُقِيمٌ؟ لاَ يَصِحُّ؛ لأَِنَّ الْعِلْمَ بِحَال الإِْمَامِ شَرْطُ الأَْدَاءِ بِجَمَاعَةٍ (40) .
وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا دَخَل مُصَلٍّ عَلَى قَوْمٍ ظَنَّ أَنَّهُمْ مُسَافِرُونَ فَظَهَرَ خِلاَفُهُ، أَعَادَ أَبَدًا إِنْ كَانَ الدَّاخِل مُسَافِرًا، لِمُخَالَفَةِ إِمَامِهِ نِيَّةً وَفِعْلاً إِنْ سَلَّمَ مِنِ اثْنَتَيْنِ، وَإِنْ أَتَمَّ فَقَدْ خَالَفَهُ نِيَّةً، وَفَعَل خِلاَفَ مَا دَخَل عَلَيْهِ، وَتَبْطُل صَلاَتُهُ أَيْضًا إِذَا لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ، لِحُصُول الشَّكِّ فِي الصِّحَّةِ وَهُوَ يُوجِبُ الْبُطْلاَنَ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الدَّاخِل مُقِيمًا فَإِنَّهُ يُتِمُّ صَلاَتَهُ، وَلاَ يَضُرُّهُ كَوْنُهُمْ عَلَى خِلاَفِ ظَنِّهِ، لِمُوَافَقَتِهِ لِلإِْمَامِ نِيَّةً وَفِعْلاً كَعَكْسِهِ وَهُوَ أَنْ يَظُنَّهُمْ مُقِيمِينَ فَيَنْوِيَ الإِْتْمَامَ فَيَظْهَرَ أَنَّهُمْ مُسَافِرُونَ أَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يُعِيدُ أَبَدًا إِنْ كَانَ مُسَافِرًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إِنْ قَصَرَ لِمُخَالَفَةِ فِعْلِهِ لِنِيَّتِهِ، وَأَمَّا إِنْ أَتَمَّ فَكَانَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ الصِّحَّةَ كَاقْتِدَاءِ مُقِيمٍ بِمُسَافِرٍ.
وَفَرَّقَ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَمَّا دَخَل عَلَى الْمُوَافَقَةِ فَتَبَيَّنَ لَهُ الْمُخَالَفَةُ لَمْ يُغْتَفَرْ لَهُ ذَلِكَ، بِخِلاَفِ الْمُقِيمِ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ عَلَى الْمُخَالَفَةِ مِنْ أَوَّل الأَْمْرِ فَاغْتُفِرَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الدَّاخِل مُقِيمًا صَحَّتْ وَلاَ إِعَادَةَ، لأَِنَّهُ مُقِيمٌ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ (41) .
وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لَوِ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا فَنَوَى الْقَصْرَ الَّذِي هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ حَال الْمُسَافِرِ أَنْ يَنْوِيَهُ فَبَانَ مُقِيمًا أَتَمَّ لِتَقْصِيرِهِ فِي ظَنِّهِ إِذْ شِعَارُ الإِْقَامَةِ ظَاهِرٌ، أَوِ اقْتَدَى نَاوِيًا الْقَصْرَ بِمَنْ جَهِل سَفَرَهُ - أَيْ شَكَّ فِي أَنَّهُ مُسَافِرٌ أَوْ مُقِيمٌ أَتَمَّ - وَإِنْ بَانَ مُسَافِرًا قَاصِرًا، لِتَقْصِيرِهِ فِي ذَلِكَ، لِظُهُورِ شِعَارِ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ، وَالأَْصْل الإِْتْمَامُ، وَقِيل: يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ إِذَا بَانَ كَمَا ذُكِرَ (42) .
وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ مَعَ مَنْ يَظُنُّهُ مُقِيمًا أَوْ شَكَّ فِيهِ لَزِمَهُ الإِْتْمَامُ وَإِنْ قَصَرَ إِمَامُهُ اعْتِبَارًا بِالنِّيَّةِ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ لِدَلِيلٍ فَلَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْقَصْرَ وَيَتْبَعَ إِمَامَهُ، فَيَقْصُرَ بِقَصْرِهِ وَيُتِمَّ بِإِتْمَامِهِ، وَإِنْ أَحْدَثَ إِمَامُهُ قَبْل عِلْمِهِ بِحَالِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ، لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مُسَافِرٌ (43) .
ظَنُّ الْخَوْفِ الْمُرَخَّصِ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ:
13 - لَوْ رَأَى الْمُسْلِمُونَ سَوَادًا فَظَنُّوهُ عَدُوًّا فَصَلَّوْا صَلاَةَ الْخَوْفِ، ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلاَفُ ذَلِكَ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ اشْتِدَادَ الْخَوْفِ لَيْسَ شَرْطًا فِي أَدَاءِ صَلاَةِ الْخَوْفِ، بَل الشَّرْطُ حُضُورُ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ فَلَوْ رَأَوْا سَوَادًا ظَنُّوهُ عَدُوًّا صَلَّوْهَا، فَإِنْ تَبَيَّنَ كَمَا ظَنُّوا جَازَتْ لِتَبَيُّنِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ، وَإِنْ ظَهَرَ خِلاَفُهُ لَمْ تَجُزْ إِلاَّ إِنْ ظَهَرَ بَعْدَ أَنِ انْصَرَفَتِ الطَّائِفَةُ مِنْ نَوْبَتِهَا فِي الصَّلاَةِ قَبْل أَنْ تَتَجَاوَزَ الصُّفُوفَ، فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَبْنُوا اسْتِحْسَانًا، كَمَنِ انْصَرَفَ عَلَى ظَنِّ الْحَدَثِ يَتَوَقَّفُ الْفَسَادُ إِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ عَلَى مُجَاوَزَةِ الصُّفُوفِ (44) .
وَيَكْفِي عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي عَدَمِ الإِْعَادَةِ مُجَرَّدُ الْخَوْفِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُحَقَّقًا أَمْ مَظْنُونًا، وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِل الأَْظْهَرِ، لِوُجُودِ الْخَوْفِ عِنْدَ الصَّلاَةِ، كَسَوَادٍ ظُنَّ بِرُؤْيَةٍ أَوْ بِإِخْبَارِ ثِقَةٍ أَنَّهُ عَدُوٌّ فَصَلَّوْا صَلاَةَ الْتِحَامٍ أَوْ صَلاَةَ قَسْمٍ ثُمَّ ظَهَرَ خِلاَفُ ذَلِكَ فَلاَ إِعَادَةَ، وَالظَّنُّ الْبَيِّنُ خَطَؤُهُ لاَ عِبْرَةَ بِهِ إِذَا أَدَّى إِلَى تَعْطِيل حُكْمٍ، لاَ إِلَى تَغَيُّرِ كَيْفِيَّةٍ، وَهَذَا بِخِلاَفِ الْمُتَيَمِّمِ الْخَائِفِ مِنْ لِصٍّ وَنَحْوِهِ ثُمَّ يَظْهَرُ خِلاَفُهُ، فَإِنَّهُ يُعِيدُ؛ لأَِنَّهُ أَخَل بِشَرْطٍ (45) . وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُمْ لَوْ صَلَّوْا لِسَوَادٍ ظَنُّوهُ عَدُوًّا فَبَانَ بِخِلاَفِ ظَنِّهِمْ كَإِبِلٍ أَوْ شَجَرٍ قَضَوْا فِي الأَْظْهَرِ، لِتَرْكِهِمْ فُرُوضًا مِنَ الصَّلاَةِ بِظَنِّهِمْ الَّذِي تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ، وَالثَّانِي: لاَ يَجِبُ الْقَضَاءُ لِوُجُودِ الْخَوْفِ عِنْدَ الصَّلاَةِ وَقَدْ قَال تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا} (46) وَسَوَاءٌ فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ أَكَانُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَمْ دَارِ الإِْسْلاَمِ، اسْتَنَدَ ظَنُّهُمْ إِلَى إِخْبَارٍ أَمْ لاَ، وَقِيل: إِنْ كَانُوا فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ أَوْ لَمْ يَسْتَنِدْ ظَنُّهُمْ إِلَى إِخْبَارٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ قَطْعًا (47) .
وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ مَنْ رَأَى سَوَادًا فَظَنَّهُ عَدُوًّا فَصَلَّى صَلاَةَ الْخَوْفِ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ غَيْرُ عَدُوٍّ، أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَا يَمْنَعُ الْعُبُورَ أَعَادَ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يُوجَدِ الْمُبِيحُ، فَأَشْبَهَ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ فَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ بِحَدَثِهِ (48) .
ظَنُّ الصَّائِمِ غُرُوبَ الشَّمْسِ أَوْ طُلُوعَ الْفَجْرِ:
14 - يَرَى الْفُقَهَاءُ أَنَّ مَنْ تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ فَإِذَا هُوَ قَدْ طَلَعَ، أَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا هِيَ لَمْ تَغْرُبْ فَإِنَّ صَوْمَهُ يَبْطُل (49) .
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي: (صَوْم) .
الظَّنُّ فِي الْمَسْرُوقِ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ:
15 - ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ أَنَّ ظَنَّ السَّارِقِ فِي تَعْيِينِ نَوْعِ مَا سَرَقَهُ لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْقَطْعِ، فَلَوْ سَرَقَ دَنَانِيرَ ظَنَّهَا فُلُوسًا، أَوْ سَرَقَ ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ وَهُوَ يَظُنُّهَا حِينَ أَخْرَجَهَا مِنَ الْحِرْزِ أَنَّهَا فُلُوسٌ لاَ تُسَاوِي قِيمَتُهَا النِّصَابَ قُطِعَ وَلاَ يُعْذَرُ بِظَنِّهِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الشَّكُّ فِي قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ فِي كَوْنِهِ هَل يَبْلُغُ نِصَابًا أَوْ لاَ لاَ يُوجِبُ الْقَطْعَ (50) .
ظَنُّ الْمُكْرَهِ سُقُوطَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ:
16 - قَال النَّوَوِيُّ: لَوْ أَكْرَهَ رَجُلٌ رَجُلاً عَلَى أَنْ يَرْمِيَ إِلَى طَلَلٍ عَلِمَ الآْمِرُ أَنَّهُ إِنْسَانٌ، وَظَنَّهُ الْمَأْمُورُ حَجَرًا أَوْ صَيْدًا، أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يَرْمِيَ إِلَى سُتْرَةٍ وَرَاءَهَا إِنْسَانٌ وَعَلِمَهُ الآْمِرُ دُونَ الْمَأْمُورِ، فَلاَ قِصَاصَ عَلَى الْمَأْمُورِ، وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الآْمِرِ عَلَى الصَّحِيحِ، فَإِنَّهُ آلَةٌ لَهُ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ شَرِيكٌ مُخْطِئٌ، فَإِنْ آل الأَْمْرُ إِلَى الدِّيَةِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا تَجِبُ كُلُّهَا عَلَى الآْمِرِ وَاخْتَارَهُ الْبَغَوِيُّ، وَالثَّانِي: عَلَيْهِ نِصْفُهَا وَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَأْمُورِ، نِصْفُهَا (51) .
لاَ أَثَرَ لِلظَّنِّ فِي الأُْمُورِ الثَّابِتَةِ بِيَقِينٍ:
17 - مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ مَا ثَبَتَ بِيَقِينٍ لاَ يَرْتَفِعُ إِلاَّ بِيَقِينٍ، وَقَدِ اسْتَنْبَطَ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ الرَّجُل الَّذِي يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلاَةِ فَقَال: لاَ يَنْفَتِل أَوْ لاَ يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدُ رِيحًا (52) .
وَمِنْ فُرُوعِهَا: أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ طَهَارَةً أَوْ حَدَثًا وَشَكَّ فِي ضِدِّهِ فَإِنَّهُ يَعْمَل بِيَقِينِهِ.
وَمِنْهَا: مَا لَوْ نَسِيَ صَلاَةً مِنَ الْخَمْسِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخَمْسُ، لاِشْتِغَال ذِمَّتِهِ بِكُلٍّ مِنْهَا يَقِينًا.
وَمِنْهَا: أَنَّ الطَّلاَقَ لاَ يَقَعُ بِالشَّكِّ؛ لأَِنَّ النِّكَاحَ مُسْتَيْقَنٌ، فَإِذَا شَكَّ هَل طَلَّقَ أَمْ لاَ؟ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَهَل طَلَّقَ ثِنْتَيْنِ أَوْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةً. وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَفْقُودَ لاَ يُقْسَمُ مَالُهُ وَلاَ تُنْكَحُ زَوْجَتُهُ مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ يُتَيَقَّنُ أَنَّهُ لاَ يَعِيشُ أَمْثَالُهُ فِيهَا؛ لأَِنَّ بَقَاءَ الْحَيَاةِ مُتَيَقَّنٌ، فَلاَ نَرْفَعُهُ إِلاَّ بِيَقِينٍ (53) .
أَثَرُ الظَّنِّ فِي مَصَارِفِ الزَّكَاةِ:
18 - إِذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ لِمَنْ ظَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا، فَبَانَ خَطَؤُهُ: اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الإِْجْزَاءُ وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ الإِْعَادَةُ.
وَالآْخَرُ: لاَ يُجْزِئُهُ، وَفِي الاِسْتِرْدَادِ قَوْلاَنِ. يُرَاجَعُ مُصْطَلَحُ: (خَطَأ ف 11) .
أَثَرُ الظَّنِّ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ:
19 - لَوْ وَقَفَ الْحَجِيجُ الْعَاشِرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ التَّاسِعُ، فَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (خَطَأ ف 42) .
__________
(1) سورة البقرة / 46.
(2) الصحاح واللسان والمصباح.
(3) التعريفات للجرجاني.
(4) الكليات لأبي البقاء الكفوي 3 / 174 ط. دمشق، الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 124 ط. دار الفكر.
(5) حاشية الحموي على الأشباه والنظائر 1 / 104.
(6) سورة الفتح / 12.
(7) سورة الحاقة / 20، الكليات لأبي البقاء الكفوي 3 / 165 ط. دمشق.
(8) التعريفات للجرجاني / 113 ط، حلبي.
(9) شرح البدخشي 1 / 25 ط. صبيح.
(10) شرح المجلة للأتاسي 1 / 18.
(11) حديث جابر: " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن. . . " أخرجه مسلم (4 / 2206) .
(12) حديث " حسن الظن من حسن العبادة ". أخرجه أحمد (2 / 407) وأبو داود (5 / 266) من حديث أبي هريرة، وفي إسناده راو قال عنه الذهبي في الميزان (2 / 234) : نكرة.
(13) حديث صفية: " كان رسول الله ﷺ معتكفا فأتيته أزوره ليلا. . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 336، 337) ومسلم (4 / 1712)
(14) أحكام القرآن للجصاص 3 / 499 - 500.
(15) نهاية المحتاج للرملي 2 / 429 ط. المكتبة الإسلامية، حاشية الرملي على أسنى المطالب 1 / 296 ط. المكتبة الإسلامية، حاشية القليوبي 1 / 321 ط. الحلبي.
(16) سورة الحجرات / 12، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي 16 / 323 ط. المصرية.
(17) حديث: " إياكم والظن فإن الظن أكذبُ الحديث ". أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 484) ومسلم (4 / 1985) من حديث أبي هريرة.
(18) صحيح مسلم بشرح النووي (16 / 118 - 119) .
(19) حديث: " إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ". أخرجه البخاري (فتح الباري 11 / 548، 549) ومسلم (1 / 116) من حديث أبي هريرة، واللفظ لمسلم
(20) المنثور 2 / 353 ط. الأولى، الأشباه والنظائر لابن نجيم وحاشية الحموي 1 / 193 ط. العامرة، والأشباه والنظائر للسيوطي 157 ط. العلمية.
(21) أسنى المطالب 1 / 118، 119 ط المكتبة الإسلامية، نهاية المحتاج 1 / 356 ط. المكتبة الإسلامية، الأشباه والنظائر للسيوطي 157 ط. العلمية، جواهر الإكليل 1 / 23 ط. الحلبي.
(22) الأشباه والنظائر لابن نجيم، حاشية الحموي 1 / 193 ط. العامرة.
(23) المنثور 2 / 354 ط. الأولى، والأشباه والنظائر للسيوطي 157 ط. العلمية.
(24) المنثور 2 / 354 - 355 ط. الأولى.
(25) إرشاد الفحول ص 274، 275 الحلبي، وشرح البدخشي 3 / 156، 157 صبيح.
(26) تيسير التحرير 3 / 136، 137 ط. صبيح.
(27) الأشباه والنظائر لابن نجيم، حاشية الحموي 1 / 193 ط. العامرة.
(28) الدسوقي على الشرح 1 / 35 ط. دار الفكر، وجواهر الإكليل 1 / 6 ط. الحلبي.
(29) روضة الطالبين 1 / 19 ط. المكتب الإسلامي، وحاشية الجمل على شرح المنهج للقاضي زكريا الأنصاري 1 / 39.
(30) مطالب أولي النهى 1 / 31 ط. المكتب الإسلامي.
(31) ابن عابدين 1 / 247.
(32) الدسوقي على الشرح 1 / 181 ط. دار الفكر.
(33) روضة الطالبين 1 / 185 ط. المكتب الإسلامي.
(34) كشاف القناع 1 / 257 ط. عالم الكتب.
(35) حديث: " أن أهل قباء كانوا متوجهين إلى بيت المقدس في صلاة الفجر. . " أخرجه مسلم (1 / 275) من حديث ابن عمر.
(36) حاشية ابن عابدين 1 / 291 ط. المصرية.
(37) جواهر الإكليل 1 / 14 ط الحلبي.
(38) روضة الطالبين 1 / 219، 220 ط. المكتب الإسلامي.
(39) كشاف القناع 1 / 307 ط. النصر.
(40) فتح القدير 1 / 402 ط. بولاق، حاشية ابن عابدين 1 / 390 ط. المصرية.
(41) الدسوقي على الشرح 1 / 367 ط. دار الفكر، مواهب الجليل 2 / 152 ط. النجاح.
(42) حاشية القليوبي 1 / 262 - 263 ط. الحلبي، نهاية المحتاج 2 / 255 ط. المكتبة الإسلامية.
(43) الكافي 1 / 198، 199 ط. المكتب الإسلامي.
(44) فتح القدير 1 / 441 ط. الأميرية، تبيين الحقائق 1 / 233 ط. الأميرية.
(45) الخرشي 2 / 97 ط. بولاق الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 394 ط. دار الفكر، جواهر الإكليل 1 / 101 ط. الحلبي.
(46) سورة البقرة / 239.
(47) روضة الطالبين 2 / 63 ط. المكتب الإسلامي، حاشية القليوبي 1 / 301 ط. الحلبي.
(48) الكافي 1 / 212 ط. المكتب الإسلامي، كشاف القناع 2 / 20 ط. النصر، مطالب أولي النهى 1 / 572 ط. المكتب الإسلامي.
(49) فتح القدير 2 / 93 ط. الأميرية، والكافي 1 / 355 ط. المكتب الإسلامي.
(50) جواهر الإكليل 2 / 290 ط. الحلبي، حاشية القليوبي 4 / 186 ط. الحلبي، الكافي 4 / 176 ط. المكتب الإسلامي.
(51) روضة الطالبين 9 / 136 ط. المكتب الإسلامي، حاشية القليوبي وعميرة 4 / 102 ط. الحلبي، نهاية المحتاج 7 / 246 ط. المكتبة الإسلامية، حاشية الشرواني 8 / 390 ط. الحلبي.
(52) حديث: عباد بن تميم عن عمه، " أنه شكا إلى رسول الله ﷺ الرجل. . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 237) ومسلم (1 / 276) . واللفظ للبخاري.
(53) المنثور في القواعد 3 / 135، 136، 137 ط. الأولى، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 53 ط. العلمية، حاشية الحموي على ابن نجيم 1 / 89 العامرة.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 178/ 29