الحميد
(الحمد) في اللغة هو الثناء، والفرقُ بينه وبين (الشكر): أن (الحمد)...
جعل الْفَسِيلَة -الشجيرة الصغيرة - فِي الأرْضِ، وإثباتها فيها لتنمو . ومن أمثلته استمرار أَجْر من يغرس فسيلة مَا دَامَت منتفعَاً بها . ومن شواهده قول النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : "مَا مِنْ مُسْلِمٍ غَرَسَ غَرْسًا، فَأَكَلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ، أَوْ دَابَّةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ ." البخاري :6012.
الغَرْسُ: إِثْباتُ الشَّيْءِ في الأَرْضِ، يُقال: غَرَسَ الشَّجَرَةَ، يَغْرِسُها، غَرْساً، أيْ: أَثْبَتَها في الأَرْضِ وزَرَعَها. ويأْتي الغَرْسُ أيضاً بِمعنى الشَّيْءِ الـمَغْرُوسِ. والغَرِيسَةُ: النَّخْلَةُ أَوَّلَ ما تَنْبُتُ، والغِراسَةُ والـمُغارَسَةُ: مِهْنَةُ الغَرْسِ. والغِراسُ: وَقْتُ الغَرْسِ. والـجَمْعُ: أَغْراسٌ.
يَرِد مُصْطلَح (غَرْس) في مَواطِنَ مِن الفقه، منها: كِتاب الصَّلاةِ، باب: أَحْكام الـمَساجِدِ، وفي كتاب إِحْياءِ الـمَواتِ، باب: شُروط الإِحْياءِ، وفي كتاب الإِجارَةِ، باب: شُروط الإِجارَةِ، وغَيْر ذلك من الأبواب. ويُطْلَق في كِتابِ البَيْعِ، باب: الأُصول والـثِّمار، وفي كتاب الوَقْفِ، وفي كتاب الرَّهْنِ، باب: الاِنْتِفاع بِالرَّهْنِ، وفي كتاب الشُّفْعَةِ، وفي كِتابِ الغَصْبِ، باب: تَصَرُّف الغاصِبِ في الـمَغْصوبِ، ويُراد به: الشَّجَرُ الذي نَبَت على الأَرْضِ.
غرس
جعل الْفَسِيلَة -الشجيرة الصغيرة- فِي الأرْضِ، وإثباتها فيها لتنمو.
* العين : (4/376)
* مقاييس اللغة : (4/417)
* تهذيب اللغة : (8/66)
* المحكم والمحيط الأعظم : (5/428)
* مختار الصحاح : (ص 226)
* لسان العرب : (6/154)
* تاج العروس : (16/303)
* المغرب في ترتيب المعرب : (ص 339)
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : (ص 98)
* التعريفات الفقهية : (ص 157)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (3/10)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 330)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (33/220) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْغَرْسُ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ غَرَسَ يَغْرِسُ، يُقَال: غَرَسَ الشَّجَرَ غَرْسًا إِذَا أَثْبَتَهُ فِي الأَْرْضِ، كَأَغْرِسُهُ، وَالْغِرَاسُ مَا يُغْرَسُ مِنَ الشَّجَرِ، وَوَقْتُ الْغَرْسِ، وَيُطْلَقُ الْغَرْسُ عَلَى نَفْسِ الشَّجَرَةِ وَالْفَسِيلَةِ أَوِ الْقَضِيبِ الَّذِي يُغْرَسُ. (1) وَلاَ يَخْرُجُ مَعْنَى الْغَرْسِ فِي الاِصْطِلاَحِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الزَّرْعُ:
2 - الزَّرْعُ طَرْحُ الْبَذْرِ، وَيُطْلَقُ الزَّرْعُ عَلَى الْمَزْرُوعِ أَيْضًا، أَيْ مَا اسْتُنِبْتَ بِالْبَذْرِ، تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُل مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ} (2) . وَقَال بَعْضُهُمْ: لاَ يُسَمَّى زَرْعًا إِلاَّ وَهُوَ غَضٌّ طَرِيٌّ (3) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْغَرْسِ:
أَوَّلاً: فَضْل الْغَرْسِ:
3 - وَرَدَ فِي فَضْل الْغَرْسِ وَالزَّرْعِ أَحَادِيثُ مِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَنَسٌ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُل مِنْهُ طَيْرٌ، أَوْ إِنْسَانٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ. (4) وَمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ أَجْرَ ذَلِكَ يَسْتَمِرُّ مَا دَامَ الزَّرْعُ وَالْغَرْسُ مَأْكُولاً مِنْهُ وَلَوْ مَاتَ زَارِعُهُ وَغَارِسُهُ، وَلَوِ انْتَقَل مِلْكُهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الأَْجْرَ يَحْصُل لِلْغَارِسِ وَلَوْ كَانَ مِلْكُهُ لِغَيْرِهِ. (5)
ثَانِيًا: عَقْدُ الْمُغَارَسَةِ:
4 - الْمُغَارَسَةُ عَقْدٌ عَلَى غَرْسِ شَجَرٍ فِي أَرْضٍ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ، وَتُسَمَّى أَيْضًا: الْمُنَاصَبَةُ. (6) وَجَعَلَهَا الْحَنَابِلَةُ قِسْمًا مِنَ الْمُسَاقَاةِ، حَيْثُ قَالُوا: الْمُسَاقَاةُ دَفْعُ أَرْضٍ وَشَجَرٍ لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ لِمَنْ يَغْرِسُهُ، وَهِيَ الْمُنَاصَبَةُ، أَوْ شَجَرٌ مَغْرُوسٌ مَعْلُومٌ لِمَنْ يَعْمَل عَلَيْهِ. (7)
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى صِحَّةِ الْمُغَارَسَةِ فِي الأَْشْجَارِ عَلَى سَبِيل الإِْجَارَةِ، كَأَنْ يَقُول لَهُ: اغْرِسْ لِي هَذِهِ الأَْرْضَ نَخْلاً أَوْ عِنَبًا أَوْ زَيْتُونًا وَلَكَ كَذَا، وَتَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الإِْجَارَةِ (8) .
أَمَّا الْمُغَارَسَةُ عَلَى سَبِيل الشَّرِكَةِ، بِأَنْ تُعْطَى الأَْرْضُ لِلْعَامِل لِغَرْسِ الأَْشْجَارِ، وَتَكُونَ الأَْرْضُ وَالأَْشْجَارُ بَيْنَهُمَا، أَوِ الأَْشْجَارُ وَحْدَهَا بَيْنَهُمَا، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ:
فَأَمَّا الْمُغَارَسَةُ عَلَى سَبِيل الشَّرِكَةِ فِي الأَْشْجَارِ وَحْدَهَا فَهِيَ كَمَا يَلِي:
قَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ أَرْضًا مُدَّةً مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا غِرَاسًا عَلَى أَنَّ مَا تَحْصَّل مِنَ الأَْغْرَاسِ وَالثِّمَارِ بَيْنَهُمَا جَازَ. (9) وَمِثْلُهُ مَا قَالَهُ الْحَنَابِلَةُ، حَيْثُ صَرَّحُوا بِجَوَازِ دَفْعِ أَرْضٍ وَشَجَرٍ لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ لِمَنْ يَغْرِسُهُ وَيَعْمَل عَلَيْهِ بِجُزْءٍ مُشَاعٍ مَعْلُومٍ مِنْ ثَمَرَتِهِ أَوْ مِنْهُ. (10)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ تَصِحُّ الْمُغَارَسَةُ عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ فِي أَحَدِهِمَا، أَيِ الأَْرْضِ أَوِ الشَّجَرِ. (11)
كَمَا صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِعَدَمِ جَوَازِ الْمُنَاصَبَةِ، بِأَنْ يُسَلِّمَ إِلَيْهِ أَرْضًا لِيَغْرِسَهَا مِنْ عِنْدِهِ، وَالشَّجَرَةُ بَيْنَهُمَا. (12)
وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّال: أَنَّ الْحَاصِل فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلْعَامِل، وَلِمَالِكِ الأَْرْضِ أُجْرَةُ مِثْلِهَا عَلَيْهِ. (13)
وَأَمَّا الْمُغَارَسَةُ عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الأَْرْضِ وَالأَْشْجَارِ مَعًا فَلاَ تَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَذَلِكَ لاِشْتِرَاطِ الشَّرِكَةِ فِيمَا هُوَ مَوْجُودٌ قَبْل الشَّرِكَةِ، لأَِنَّهُ نَظِيرُ مَنِ اسْتَأْجَرَ صَبَّاغًا يَصْبُغُ ثَوْبَهُ بِصَبْغِ نَفْسِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ نِصْفُ الْمَصْبُوغِ لِلصَّبَّاغِ، فَكَانَ كَقَفِيزِ الطَّحَّانِ، كَمَا عَلَّلَهُ الْحَنَفِيَّةُ. (14) وَإِذَا فَسَدَتِ الْمُغَارَسَةُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، فَالثَّمَرُ وَالْغَرْسُ لِرَبِّ الأَْرْضِ تَبَعًا لأَِرْضِهِ؛ لأَِنَّهَا هِيَ الأَْصْل وَلِلآْخَرِ قِيمَةُ غَرْسِهِ يَوْمَ الْغَرْسِ، وَأَجْرُ مِثْل عَمَلِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ (15) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: تَجُوزُ الْمُغَارَسَةُ بِشَرِكَةِ جُزْءٍ مَعْلُومٍ فِي الأَْرْضِ وَالشَّجَرِ (16) .
وَلِتَفْصِيل أَحْكَامِ الْمُغَارَسَةِ وَنَوْعِيَّةِ الْغِرَاسِ وَسَائِرِ شُرُوطِهَا، يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (مُسَاقَاة) .
ثَالِثًا: الْغَرْسُ فِي الأَْرْضِ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْغَيْرِ:
أ - الْغَرْسُ فِي الأَْرْضِ الْمَغْصُوبَةِ:
5 - مَنْ غَصَبَ أَرْضًا، فَغَرَسَ فِيهَا أَوْ بَنَى، كُلِّفَ بِقَلْعِ الْغَرْسِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ ﷺ لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ (17) وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ﵁ قَال إِنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، غَرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلاً فِي أَرْضِ الآْخَرِ، فَقَضَى لِصَاحِبِ الأَْرْضِ بِأَرْضِهِ، وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْل أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا قَال عُرْوَةُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا وَإِنَّهَا لَتُضْرَبُ أُصُولُهَا بِالْفُؤُوسِ، وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عُمٌّ (18) .؛ وَلأَِنَّ مِلْكَ صَاحِبِ الأَْرْضِ بَاقٍ، فَإِنَّ الأَْرْضَ لَمْ تَصِرْ مُسْتَهْلَكَةً، فَيُؤْمَرُ الشَّاغِل بِتَفْرِيغِهَا، كَمَا إِذَا شَغَل ظَرْفَ غَيْرِهِ بِطَعَامِهِ، وَتَكْلِيفِ الْغَاصِبِ بِقَلْعِ الأَْشْجَارِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، إِذَا أَرَادَ مَالِكُ الأَْرْضِ ذَلِكَ (19) .
وَهَل لِمَالِكِ الأَْرْضِ أَنْ يَضْمَنَ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ الْغَرْسِ فَيَتَمَلَّكُهُ؟ فِيهِ تَفْصِيلٌ: إِنِ اتَّفَقَا - أَيْ مَالِكُ الأَْرْضِ وَمَالِكُ الْغِرَاسِ - عَلَى ذَلِكَ جَازَ، لأَِنَّ الْحَقَّ لاَ يَعْدُوهُمَا (20) . وَكَذَلِكَ إِنْ وَهَبَ الْغَاصِبُ الْغِرَاسَ لِمَالِكِ الأَْرْضِ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ تَكْلِفَةِ قَلْعِهِ. فَقَبِلَهُ الْمَالِكُ (21) .
أَمَّا إِذَا اخْتَلَفَا:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَتِ الأَْرْضُ تَنْقُصُ بِقَلْعِ ذَلِكَ، فَلِلْمَالِكِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَةَ الْغَرْسِ مَقْلُوعًا، وَيَكُونَ الْغَرْسُ لَهُ؛ لأَِنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهُمَا، وَدَفْعَ الضَّرَرِ عَنْهُمَا، فَتَقُومُ الأَْرْضُ بِدُونِ شَجَرٍ، ثُمَّ بِالشَّجَرِ مُسْتَحَقُّ الْقَلْعِ، فَيَضْمَنُ فَضْل مَا بَيْنَهُمَا (22) .
وَمِثْلُهُ مَا قَالَهُ الْمَالِكِيَّةُ، مِنْ أَنَّ مَالِكَ الأَْرْضِ لَهُ الْخِيَارُ: بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الأَْرْضَ مَعَ الْغَرْسِ مُقَابِل دَفْعِ قِيمَةِ نَقْضِهِ، وَبَيْنَ إِلْزَامِ الْغَاصِبِ قَلْعَهُ، إِلاَّ أَنَّهُمْ لَمْ يُقَيِّدُوا أَخْذَ الْغَرْسِ مُقَابِل الْقِيمَةِ بِمَا إِذَا كَانَتِ الأَْرْضُ تَنْقُصُ بِقَلْعِ الْغَرْسِ (23) .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ تَمَلُّكَ الْغِرَاسِ بِالْقِيمَةِ، أَوْ إِبْقَاءَهَا بِأُجْرَةٍ، لَمْ يَلْزَمْ إِجَابَتُهُ فِي الأَْصَحِّ (24) .
وَنَظِيرُهُ مَا قَالَهُ الْحَنَابِلَةُ، حَيْثُ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ مَالِكُ الأَْرْضِ الْغِرَاسَ مِنَ الْغَاصِبِ مَجَّانًا أَوْ بِالْقِيمَةِ، وَأَبَى مَالِكُهُ، أَيِ الْغَاصِبِ، لَمْ يَكُنْ لِمَالِكِ الأَْرْضِ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ عَيْنُ مَال الْغَاصِبِ، كَمَا لَوْ وَضَعَ فِيهَا أَثَاثًا أَوْ نَحْوَهُ (25) .
وَقَدْ صَرَّحَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِأَنَّ الْغَاصِبَ إِذَا كُلِّفَ بِقَلْعِ الْغِرَاسِ فَإِنَّ تَكْلِفَةَ الْقَلْعِ وَتَسْوِيَةَ الأَْرْضِ كَمَا كَانَتْ عَلَى نَفَقَةِ الْغَاصِبِ (26) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (غَصْب) .
ب - الْغَرْسُ فِي الأَْرْضِ الْمُسْتَعَارَةِ:
6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ إِعَارَةِ الأَْرْضِ لِلْغَرْسِ لِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ مُطْلَقًا بِدُونِ ذِكْرِ مُدَّةٍ، وَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا مَا يَشَاءُ مِنَ الْغِرَاسِ فِي دَاخِل الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ أَوِ الْمُعْتَادَةِ إِذَا كَانَتِ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً، وَلَيْسَ لَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمَشْرُوطَةِ أَوِ الْمُعْتَادَةِ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا، وَإِذَا فَعَل ذَلِكَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ غَرَسَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ (27) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ رَأْيٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، إِلَى أَنَّ مَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِلْبِنَاءِ فَلِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا؛ لأَِنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ مُتَشَابِهَانِ فِي قَصْدِ الدَّوَامِ وَالإِْضْرَارِ بِالأَْرْضِ (28) .
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ لاَ يَغْرِسَ مُسْتَعِيرًا لِبِنَاءٍ، وَلاَ يَبْنِيَ مُسْتَعِيرًا لِغِرَاسٍ؛ لأَِنَّ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ يَخْتَلِفَانِ فِي الضَّرَرِ، فَإِنَّ ضَرَرَ الْبِنَاءِ فِي ظَاهِرِ الأَْرْضِ أَكْثَرُ مِنْ بَاطِنِهَا، وَالْغِرَاسُ بِالْعَكْسِ؛ لاِنْتِشَارِ عُرُوقِهِ (29) .
ج - الْغَرْسُ فِي الأَْرْضِ الْمَرْهُونَةِ:
7 ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَغْرِسَ فِي الأَْرْضِ الْمَرْهُونَةِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلاً؛ لأَِنَّ تَعْطِيل مَنْفَعَتِهَا إِلَى حُلُول الدَّيْنِ تَضْيِيعٌ لِلْمَال، وَقَدْ نَهَى عَنْهُ، بِخِلاَفِ الْحَال.
فَإِذَا غَرَسَ الرَّاهِنُ فِي الأَْرْضِ الْمَرْهُونَةِ تَدْخُل الْغِرَاسُ فِي الرَّهْنِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ (30) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِذَا رَهَنَ أَرْضًا، وَأَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي غِرَاسِهَا بَعْدَ شَهْرٍ، فَالأَْرْضُ قَبْل الشَّهْرِ أَمَانَةٌ بِحُكْمِ الرَّهْنِ، وَبَعْدَهُ عَارِيَّةً مَضْمُونَةٌ بِحُكْمِ الْعَارِيَّةِ (31) .
كَمَا يَجُوزُ لِلرَّاهِنِ غَرْسُهَا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ.
وَلِتَفْصِيل أَحْكَامِ الرَّهْنِ، وَهَل هُوَ أَمَانَةٌ، أَوْ مَضْمُونٌ؟ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (ضَمَان ف 62)
د - الْغَرْسُ فِي الأَْرْضِ الْمَشْفُوعِ فِيهَا:
8 - إِذَا أَحْدَثَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَشْفُوعِ بِنَاءً أَوْ غِرَاسًا قَبْل قِيَامِ الشَّفِيعِ بِطَلَبِ الشُّفْعَةِ، ثُمَّ طَالَبَ الشَّفِيعُ بِشُفْعَتِهِ، فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الشَّفِيعُ بِالْخِيَارِ، إِنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ الْمُشْتَرِي وَقِيمَةِ الْبِنَاءِ أَوِ الْغَرْسِ، وَإِنْ شَاءَ كَلَّفَ الْمُشْتَرِيَ بِقَلْعِهِ؛ لأَِنَّهُ غَرْسٌ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لِلْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ، فَيُنْقَضُ، كَالرَّاهِنِ إِذَا بَنَى أَوْ غَرَسَ فِي الرَّهْنِ (32) .
وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْحَنَابِلَةُ: أَنَّ لِلشَّفِيعِ الْخِيَارَ بَيْنَ أَخْذِ الْمَشْفُوعِ مَعَ الْغِرَاسِ مُقَابِل دَفْعِ قِيمَةِ الْغِرَاسِ، وَبَيْنَ الْقَلْعِ، لَكِنَّهُمْ أَضَافُوا: إِنْ أَحَبَّ الشَّفِيعُ قَلْعَ الْغِرَاسِ يَضْمَنُ نَقْصَهُ مِنَ الْقِيمَةِ بِالْقَلْعِ، وَهِيَ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الأَْرْضِ مَغْرُوسَةً وَبَيْنَ قِيمَتِهَا خَالِيَةً (33) .
وَقَال مَالِكٌ: لاَ شُفْعَةَ إِلاَّ أَنْ يُعْطِيَ الْمُشْتَرِي قِيمَةَ مَا بَنَى وَمَا غَرَسَ (34) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ بَنَى أَوْ غَرَسَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَشْفُوعِ وَلَمْ يَعْلَمِ الشَّفِيعُ بِهِمَا، ثُمَّ عَلِمَ، قَلَعَ ذَلِكَ مَجَّانًا؛ لِعُدْوَانِ الْمُشْتَرِي (35) .
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (شُفْعَة ف 48) .
رَابِعًا: غَرْسُ الشَّجَرِ فِي الْمَسْجِدِ وَالأَْرْضِ الْمَوْقُوفَةِ.
9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ غَرْسِ الأَْشْجَارِ فِي الْمَسْجِدِ وَالأَْرْضِ الْمَوْقُوفَةِ: فَقَال الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً غَرَسَ شَجَرَةً فِي الْمَسْجِدِ فَهِيَ لِلْمِسْجَدَةِ أَوْ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى رِبَاطٍ مَثَلاً فَهِيَ لِلْوَقْفِ إِنْ قَال لِلْقَيِّمِ: تَعَاهَدْهَا، وَلَوْ لَمْ يَقُل فَهِيَ لَهُ يَرْفَعُهَا؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ لَهُ هَذِهِ الْوِلاَيَةُ، وَلاَ يَكُونُ غَارِسًا لِلْوَقْفِ. وَقَيَّدَ الْحَصْكَفِيُّ هَذَا الْجَوَازَ بِأَنْ يَكُونَ الْغَرْسُ لِنَفْعِ الْمَسْجِدِ، كَتَقْلِيل نَزٍّ، وَهُوَ مَا يَتَحَلَّبُ مِنَ الأَْرْضِ مِنَ الْمَاءِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنْ كَانَ لِنَفْعِ النَّاسِ بِظِلِّهِ، وَلاَ يُضَيِّقُ عَلَى النَّاسِ، وَلاَ يُفَرِّقُ الصُّفُوفَ، لاَ بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لِنَفْعِ نَفْسِهِ بِوَرَقَةِ أَوْ ثَمَرِةِ، أَوْ يُفَرِّقُ الصُّفُوفَ، أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ تَقَعُ بِهِ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ الْبِيعَةِ وَالْمَسْجِدِ، يُكْرَهُ (36) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ مُحْبِسٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ، فَإِنْ بَيَّنَ أَنَّ مَا غَرَسَهُ وَقْفٌ كَانَ الْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ وَقْفًا، وَكَذَلِكَ إِنْ لَمْ يُبَيِّنْ قَبْل مَوْتِهِ بِأَنَّهُ وَقْفٌ، أَمَّا إِذَا بَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ، كَانَ لَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ، فَيُؤْمَرُ بِنَقْضِهِ، أَوْ يَأْخُذُ قِيمَتَهُ مَنْقُوضًا بَعْدَ إِسْقَاطِ كُلْفَةٍ لَمْ يَتَوَلَّهَا (37) .
وَقَال النَّوَوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ لاَ تُغْرَسَ الأَْشْجَارُ فِي الْمَسْجِدِ (38) وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَال: يُكْرَهُ غَرْسُ الشَّجَرِ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ غَرَسَ قَطَعَهُ الإِْمَامُ (39) .
وَفَصَّل الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَوْضُوعِ فَقَال: يُكْرَهُ غَرْسُ الشَّجَرِ وَالنَّخْل وَحَفْرُ الآْبَارِ فِي الْمَسَاجِدِ، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّضْيِيقِ عَلَى الْمُصَلِّينَ، وَالصَّحِيحُ تَحْرِيمُهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْجِيرِ مَوْضِعِ الصَّلاَةِ، وَالضِّيقِ وَجَلْبِ النَّجَاسَاتِ مِنْ ذَرْقِ الطُّيُورِ. أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْغَرْسِ فِي الْمَسْجِدِ، وَقَال أَحْمَدُ: إِنْ كَانَتْ غُرِسَتِ النَّخْلَةُ بَعْدَ أَنْ صَارَ مَسْجِدًا فَهَذِهِ غُرِسَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلاَ أُحِبُّ الأَْكْل مِنْهَا، وَلَوْ قَلَعَهَا الإِْمَامُ لَجَازَ؛ وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمَسْجِدَ لَمْ يُبْنَ لِهَذَا، وَإِنَّمَا بُنِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ؛ وَلأَِنَّ الشَّجَرَةَ تُؤْذِي الْمَسْجِدَ، وَتَمْنَعُ الْمُصَلِّينَ مِنَ الصَّلاَةِ فِي مَوْضِعِهَا، وَيَسْقُطُ وَرَقُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَثَمَرُهَا، وَتَسْقُطُ عَلَيْهَا الْعَصَافِيرُ وَالطُّيُورُ فَتَبُول فِي الْمَسْجِدِ، وَرُبَّمَا اجْتَمَعَ الصِّبْيَانُ فِي الْمَسْجِدِ لأَِجْلِهَا وَرَمَوْهَا بِالْحِجَارَةِ لِيَسْقُطَ ثَمَرُهَا (40) .
خَامِسًا: الْغَرْسُ فِي الأَْرْضِ الْمَوَاتِ:
10 - اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ غَرْسَ الشَّجَرَةِ فِي الأَْرْضِ الْمَوَاتِ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ إِحْيَائِهَا (41) .
وَتَفْصِيل مَسَائِل إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ فِي مُصْطَلَحِهِ (ف 24) .
__________
(1) متن اللغة، والمعجم الوسيط، ولسان العرب، والمصباح المنير.
(2) سورة السجدة / 27.
(3) المصباح المنير، ولسان العرب، والقاموس المحيط.
(4) حديث: " ما من مسلم يغرس غرسًا. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 3) ومسلم (3 / 1189) .
(5) فتح الباري 5 / 4.
(6) ابن عابدين 5 / 183، وجواهر الإكليل 2 / 182.
(7) كشاف القناع 3 / 532.
(8) ابن عابدين 5 / 183 - 185، وجواهر الإكليل 2 / 182 - 183، وحاشية القليوبي 2 / 63، وكشاف القناع 3 / 532 - 535، والمغني لابن قدامة 5 / 392.
(9) ابن عابدين 5 / 183.
(10) كشاف القناع 3 / 532.
(11) جواهر الإكليل 2 / 183.
(12) مغني المحتاج 2 / 324.
(13) مغني المحتاج 2 / 324.
(14) حاشية ابن عابدين وبهامشه الدر المختار 5 / 183، 184، وكشاف القناع 3 / 35.
(15) الدر المختار 5 / 183، 184.
(16) جواهر الإكليل 2 / 182، 183.
(17) حديث:: " " ليس لعرق ظالم حق " ". أخرجه الترمذي (3 / 653) من حديث سعيد بن زيد، وأشار إلى إعلاله بالإرسال، وخرجه ابن حجر في الفتح (5 / 19) ذاكرًا أحاديث غيره من الصحابة، وقال:: في أسانيدها مقال، ولكن يتقوى بعضها ببعض.
(18) حديث عروة بن الزبير:: " " إن رجلين اختصما إلى النبي ﷺ. . . " ". أخرجه أبو داود (3 / 455) ، وفي إسناده انقطاع. والعم:: الطوال.
(19) الهداية مع تكملة فتح القدير 8 / 269، 270، وشرح الزرقاني على مختصر خليل 6 / 150 وما بعدها، وروضة الطالبين 5 / 46، ومغني المحتاج 2 / 290، 291، وكشاف القناع 4 / 81.
(20) كشاف القناع 4 / 83.
(21) كشاف القناع 4 / 83.
(22) الهداية مع تكملة فتح القدير 8 / 270.
(23) الزرقاني على خليل 6 / 150.
(24) مغني المحتاج 2 / 291.
(25) كشاف القناع 4 / 83.
(26) الزرقاني 6 / 150 وما بعدها، ومغني المحتاج 2 / 291، وكشاف القناع 4 / 82.
(27) حاشية ابن عابدين 4 / 504، والاختيار 3 / 57، وجواهر الإكليل 2 / 147، ومغني المحتاج 2 / 269 - 271، وكشاف القناع 4 / 66.
(28) الاختيار للموصلي 3 / 57، وجواهر الإكليل 2 / 146، ومغني المحتاج 2 / 269، وكشاف القناع 4 / 66.
(29) مغني المحتاج 2 / 269.
(30) الدر المختار بهامش ابن عابدين 5 / 337، وكشاف القناع عن متن الإقناع 3 / 335.
(31) أسنى المطالب 2 / 171، ومغني المحتاج 2 / 131 و132 و137.
(32) الهداية مع تكملة فتح القدير 8 / 322، 323.
(33) كشاف القناع 4 / 157.
(34) بداية المجتهد 2 / 264.
(35) مغني المحتاج 2 / 304.
(36) ابن عابدين 1 / 444، وفتح القدير مع الهداية 5 / 449.
(37) الشرح الصغير ومعه بلغة السالك لأقرب المسالك 4 / 136، 137.
(38) روضة الطالبين 5 / 362.
(39) الروضة 1 / 297.
(40) إعلام الساجد / 341، 343، والمغني لابن قدامة 5 / 634، 635.
(41) الفتاوى الهندية 5 / 386، جواهر الإكليل 5 / 203، والتاج والإكليل على هامش الحطاب 6 / 12، ومغني المحتاج 2 / 366.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 173/ 31