المبين
كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...
إثبات اليد على الشيء، ووضعها عليه، والتمكُّن منه بالغَلَبَة . مثل استيلاء الغاصب على مال غيره، والتمكن منه بالغلبة . ومن شواهده في الحديث الشريف : "مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ". فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ : " وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ ". مسلم :137.
إثبات اليد على الشيء، ووضعها عليه، والتمكُّن منه بالغَلَبَة.
التَّعْرِيفُ
1 - مِنْ مَعَانِي الاِسْتِيلاَءِ لُغَةً: وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ، وَالْغَلَبَةُ عَلَيْهِ، وَالتَّمَكُّنُ مِنْهُ. (1)
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: إِثْبَاتُ الْيَدِ عَلَى الْمَحَل (2) ، أَوْ الاِقْتِدَارُ عَلَى الْمَحَل حَالاً وَمَآلاً (3) ، أَوِ الْقَهْرُ وَالْغَلَبَةُ وَلَوْ حُكْمًا. (4)
وَأَمَّا الْفِعْل الْمَادِّيُّ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِهِ الاِسْتِيلاَءُ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ تَبَعًا لِلأَْشْيَاءِ وَالأَْشْخَاصِ، أَيْ أَنَّ مَدَارَ الاِسْتِيلاَءِ عَلَى الْعُرْفِ (5) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْحِيَازَةُ:
2 - الْحِيَازَةُ وَالْحَوْزُ لُغَةً: الْجَمْعُ وَالضَّمُّ. (6)
وَشَرْعًا: وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ وَالاِسْتِيلاَءُ عَلَيْهِ، كَمَا قَال الدَّرْدِيرُ (7) . ب - الْغَصْبُ:
3 - الْغَصْبُ لُغَةً: أَخْذُ الشَّيْءِ قَهْرًا وَظُلْمًا. (8)
وَشَرْعًا: الاِسْتِيلاَءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ بِلاَ حَقٍّ. (9)
فَالْغَصْبُ أَخَصُّ مِنْ الاِسْتِيلاَءِ، لأَِنَّ الاِسْتِيلاَءَ يَكُونُ بِحَقٍّ وَبِغَيْرِ حَقٍّ.
ج - وَضْعُ الْيَدِ:
4 - يُسْتَفَادُ مِنْ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ هُوَ: الاِسْتِيلاَءُ عَلَى الشَّيْءِ بِالْحِيَازَةِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ وَضْعَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ مِنْ أَقْوَى مَا يُسْتَدَل بِهِ عَلَى الْمِلْكِ، وَلِذَا تَصِحُّ الشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ، وَلَيْسَ لِلإِْمَامِ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْ يَدِ أَحَدٍ إِلاَّ بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ (10) ، وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ.
د - الْغَنِيمَةُ:
5 - الاِغْتِنَامُ: أَخْذُ الْغَنِيمَةِ، وَهِيَ كَمَا قَال أَبُو عُبَيْدٍ: مَا أُخِذَ مِنْ أَهْل الْعَدُوِّ عَنْوَةً فَالاِغْتِنَامُ أَخَصُّ مِنْ الاِسْتِيلاَءِ. (11)
هـ - الإِْحْرَازُ:
6 - الإِْحْرَازُ لُغَةً: جَعْل الشَّيْءِ فِي الْحِرْزِ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْحَصِينُ الَّذِي يُحْفَظُ فِيهِ الشَّيْءُ. وَفِي الشَّرْعِ: حِفْظُ الْمَال فِيمَا يُحْفَظُ فِيهِ عَادَةً، كَالدَّارِ وَالْخَيْمَةِ، أَوْ بِالشَّخْصِ نَفْسِهِ (12) .
وَبَيْنَ الإِْحْرَازِ وَالاِسْتِيلاَءِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ. وَلِذَا كَانَ الإِْحْرَازُ شَرْطًا لِتَرَتُّبِ الْمِلْكِ عَلَى الاِسْتِيلاَءِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، فَيَنْفَرِدُ الاِسْتِيلاَءُ فِي مِثْل اسْتِيلاَءِ الْكُفَّارِ عَلَى أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ إِحْرَازًا.
صِفَةُ الاِسْتِيلاَءِ (حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ) :
7 - يَخْتَلِفُ حُكْمُ الاِسْتِيلاَءِ بِحَسَبِ الشَّيْءِ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ، وَتَبَعًا لِكَيْفِيَّةِ الاِسْتِيلاَءِ، فَالأَْصْل بِالنِّسْبَةِ لِلْمَال الْمَعْصُومِ الْمَمْلُوكِ لِلْغَيْرِ أَنَّ الاِسْتِيلاَءَ عَلَيْهِ مُحَرَّمٌ، إِلاَّ إِذَا كَانَ مُسْتَنِدًا إِلَى طَرِيقٍ مَشْرُوعٍ.
أَمَّا الْمَال غَيْرُ الْمَعْصُومِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الاِسْتِيلاَءُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا، وَكَذَا الْمَال الْمُبَاحُ فَإِنَّهُ يُمْلَكُ بِالاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ.
أَثَرُ الاِسْتِيلاَءِ فِي الْمِلْكِ وَالتَّمَلُّكِ:
8 - الاِسْتِيلاَءُ يُفِيدُ الْمِلْكَ إِذَا وَرَدَ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ لأَِحَدٍ، عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي بَيَانُهُ، أَوْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ، بِأَنْ كَانَ مَالاً لَلْحَرْبِيِّينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَهَذَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَنْقُولاً، أَوْ عَقَارًا، وَلِكُلٍّ حُكْمُهُ الْخَاصُّ.
9 - فَإِنْ كَانَ الْمَال الَّذِي تَمَّ الاِسْتِيلاَءُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَرْبِيِّينَ مَنْقُولاً أُخِذَ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، فَإِنَّ الْمِلْكَ لاَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ إِلاَّ بِالْقِسْمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فَالْمِلْكُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا. (13) وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ بِنَفْسِ الاِسْتِيلاَءِ بِدَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقِتَال، لِزَوَال مِلْكِ الْكُفَّارِ بِالاِسْتِيلاَءِ، وَوُجُودِ مُقْتَضَى التَّمْلِيكِ، وَهُوَ انْقِضَاءُ الْقِتَال، وَفِي قَوْلٍ أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ سُلِّمَتِ الْغَنِيمَةُ إِلَى الْقِسْمَةِ بَانَ مِلْكُهُمْ عَلَى الشُّيُوعِ. (14)
وَبِالْقِسْمَةِ - وَلَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ - ثَبَتَ الْمِلْكُ، وَيَسْتَقِرُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ. وَبِهَذَا قَال الأَْوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو ثَوْرٍ، لِمَا رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ قَال: قُلْتُ لِلأَْوْزَاعِيِّ: هَل قَسَمَ رَسُول اللَّهِ ﷺ شَيْئًا مِنَ الْغَنَائِمِ بِالْمَدِينَةِ؟ قَال: لاَ أَعْلَمُهُ، إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يَتَّبِعُونَ غَنَائِمَهُمْ وَيَقْسِمُونَهَا فِي أَرْضِ عَدُوِّهِمْ، وَلَمْ يَقْفُل رَسُول اللَّهِ ﷺ عَنْ غَزَاةٍ قَطُّ، أَصَابَ فِيهَا غَنِيمَةً إِلاَّ خَمَّسَهُ وَقَسَّمَهُ مِنْ قَبْل أَنْ يَقْفُل، وَلأَِنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ فِيهَا بِالْقَهْرِ وَالاِسْتِيلاَءِ، فَصَحَّتْ قِسْمَتُهَا كَمَا لَوْ أُحْرِزَتْ بِدَارِ الإِْسْلاَمِ، لأَِنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الاِسْتِيلاَءُ التَّامُّ وَقَدْ وُجِدَ، فَإِنَّنَا أَثْبَتْنَا أَيْدِيَنَا عَلَيْهَا حَقِيقَةً، وَقَهَرْنَاهُمْ وَنَفَيْنَاهُمْ عَنْهَا، وَالاِسْتِيلاَءُ يَدُل عَلَى حَاجَةِ الْمُسْتَوْلِي فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ كَالْمُبَاحَاتِ. (15) 10 - لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَرَوْنَ أَنَّ الْمِلْكَ لاَ يَثْبُتُ لِلْغُزَاةِ بِدَارِ الْحَرْبِ بِالاِسْتِيلاَءِ، وَلَكِنْ يَنْعَقِدُ سَبَبُ الْمِلْكِ فِيهَا، عَلَى أَنْ يَصِيرَ عِلَّةً عِنْدَ الإِْحْرَازِ بِدَارِ الإِْسْلاَمِ، وَعَلَى هَذَا فَلَمْ يَعْتَبِرُوا قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ قِسْمَةَ تَمْلِيكٍ، وَإِنَّمَا هِيَ قِسْمَةُ حَمْلٍ، لأَِنَّ مِلْكَ الْكُفَّارِ قَائِمٌ، إِذْ الْمِلْكُ لاَ يَتِمُّ عَلَيْهَا إِلاَّ بِالاِسْتِيلاَءِ التَّامِّ، وَلاَ يَحْصُل إِلاَّ بِإِحْرَازِهَا فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ، وَمَا دَامَ الْغُزَاةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاسْتِرْدَادُ الْكُفَّارِ لَيْسَ بِنَادِرٍ بَل هُوَ مُحْتَمَلٌ (16) .
11 - وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَال الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهِ مِنَ الْكُفَّارِ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ أَرْضًا، فَإِنَّ لِلْفُقَهَاءِ ثَلاَثَةَ اتِّجَاهَاتٍ: فَالْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ - عَلَيْهَا الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ - صَرَّحُوا بِأَنَّ الإِْمَامَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقْسِمَهَا أَوْ يَتْرُكَهَا فِي يَدِ أَهْلِهَا بِالْخَرَاجِ. (17)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ: إِنَّهَا لاَ تُقْسَمُ، وَيُرْصَدُ خَرَاجُهَا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، إِلاَّ أَنْ يَرَى الإِْمَامُ فِي وَقْتٍ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ تَقْتَضِي الْقِسْمَةَ، وَالْقَوْل بِأَنَّهَا تَصِيرُ وَقْفًا بِالاِسْتِيلاَءِ، وَيُرْصَدُ خَرَاجُهَا لِصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهَا تُمَلَّكُ لِلْفَاتِحِينَ كَالْمَنْقُول.
وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَبِهِ قَال ابْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُقَابِل الْمَشْهُورَ، وَقَالُوا: إِنَّ الاِسْتِيلاَءَ الْحُكْمِيَّ كَالْحَقِيقِيِّ فِي تَرَتُّبِ الْمِلْكِ عَلَى الاِسْتِيلاَءِ. (18) 12 - أَمَّا الأَْرْضُ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ جَلاَءِ الْكُفَّارِ عَنْهَا خَوْفًا، فَإِنَّهَا تَصِيرُ بِالاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهَا وَقْفًا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا الأَْرْضُ الَّتِي اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ صُلْحًا فَإِنَّهَا تَبْقَى فِي أَيْدِي أَصْحَابِهَا، إِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ تَبْقَى فِي مِلْكِيَّتِهِمْ، وَيُوضَعُ عَلَيْهَا الْخَرَاجُ. أَمَّا إِذَا كَانَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يَتَمَلَّكَهَا الْمُسْلِمُونَ فَإِنَّهَا تَكُونُ وَقْفًا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. (19)
13 - وَأَمَّا إِذَا كَانَ الاِسْتِيلاَءُ عَلَى مَالٍ مَعْصُومٍ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ بِطَرِيقٍ مِنْ طُرُقِ التَّمَلُّكِ، فَإِنَّ الاِسْتِيلاَءَ وَحْدَهُ لاَ يُكْسِبُ مِلْكِيَّةً، (20) وَإِنَّمَا حُدُوثُ التَّمَلُّكِ يَكُونُ بِالسَّبَبِ الْمَشْرُوعِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ، وَحَقُّ الاِسْتِيلاَءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ أَثَرًا وَنَتِيجَةً لِلتَّمَلُّكِ وَلَيْسَ سَبَبًا لَهُ.
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الاِسْتِيلاَءُ عُدْوَانًا، فَإِنَّهُ لاَ يُفِيدُ مِلْكًا. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَاتِ (غَصْب) (وَسَرِقَة) .
14 - وَاسْتِيلاَءُ الْحَاكِمِ عَلَى مَا يَحْتَكِرُهُ التُّجَّارُ لَهُ أَثَرٌ فِي إِزَالَةِ مِلْكِيَّتِهِمْ، إِذْ لِلْحَاكِمِ رَفْعُ يَدِ الْمُحْتَكِرِينَ عَمَّا احْتَكَرُوهُ وَبَيْعُهُ لِلنَّاسِ جَبْرًا، وَالثَّمَنُ لِمَالِكِيهِ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ مُبَيَّنٍ فِي مُصْطَلَحِ (احْتِكَارٌ) .
وَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالُوهُ مِنِ اسْتِيلاَءِ الْحَاكِمِ عَلَى الْفَائِضِ مِنَ الأَْقْوَاتِ بِالْقِيمَةِ لإِِمْدَادِ جِهَةٍ انْقَطَعَ عَنْهَا الْقُوتُ أَوْ إِمْدَادِ جُنُودِهِ، لأَِنَّ لِلإِْمَامِ أَنْ يُخْرِجَ ذَلِكَ إِذَا كَانَ بِحَقٍّ ثَابِتٍ مَعْرُوفٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ حَاشِيَةِ ابْنِ عَابِدِينَ (21) ، وَالاِسْتِيلاَءُ عَلَى عَمَل الصَّانِعِ إِذَا احْتَاجَ النَّاسُ إِلَى صِنَاعَةِ طَائِفَةٍ كَالْفِلاَحَةِ وَالنِّسَاجَةِ، (22) وَمَدَارُ الاِسْتِيلاَءِ فِي الصُّورَتَيْنِ عَلَى الْعُرْفِ.
اسْتِيلاَءُ الْكُفَّارِ الْحَرْبِيِّينَ عَلَى أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ:
15 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ:
(21) إِنَّ مَا اسْتَرَدَّهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَيْدِي الْحَرْبِيِّينَ فَهُوَ لأَِرْبَابِهِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ لاَ يَمْلِكُونَ أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ بِالاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهَا أَصْلاً، وَمِمَّنْ قَال بِهَذَا الشَّافِعِيَّةُ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، (24) وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّهُ أُسِرَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَْنْصَارِ، وَأُصِيبَتِ الْعَضْبَاءُ، فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْوَثَاقِ، وَكَانَ الْقَوْمُ يُرِيحُونَ نَعَمَهُمْ بَيْنَ يَدَيْ بُيُوتِهِمْ، فَانْفَلَتَتْ مَعَ نَعَمِهَا ذَاتَ لَيْلَةٍ مِنَ الْوَثَاقِ، فَأَتَتِ الإِْبِل، فَجَعَلَتْ إِذَا دَنَتْ مِنَ الْبَعِيرِ رَغَا فَتَتْرُكُهُ، حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى الْعَضْبَاءِ، فَلَمْ تَرْغُ. قَال: وَنَاقَةٌ مُنَوَّقَةٌ. فَقَعَدَتْ فِي عَجُزِهَا ثُمَّ زَجَرَتْهَا فَانْطَلَقَتْ، وَنَذَرُوا بِهَا، فَطَلَبُوهَا فَأَعْجَزَتْهُمْ. قَال: وَنَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا، فَلَمَّا قَدِمَتِ الْمَدِينَةَ رَآهَا النَّاسُ، فَقَالُوا: الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُول اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: إِنَّهَا نَذَرَتْ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا. فَأَتَوْا رَسُول اللَّهِ ﷺ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَال: سُبْحَانَ اللَّهِ، بِئْسَمَا جَزَتْهَا، نَذَرَتْ لِلَّهِ إِنْ نَجَّاهَا اللَّهُ عَلَيْهَا لَتَنْحَرَنَّهَا لاَ وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلاَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ الْعَبْدُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حَجَرٍ لاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ (25) .
(26) إِنَّ مَا غَنِمَهُ الْكُفَّارُ يَمْلِكُونَهُ بِمُجَرَّدِ الاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَحْرَزُوهُ بِدَارِهِمْ أَوْ لَمْ يُحْرِزُوهُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَهْرَ سَبَبٌ يَمْلِكُ بِهِ الْمُسْلِمُ مَال الْكَافِرِ، فَمَلَكَ بِهِ الْكَافِرُ مَال الْمُسْلِمِ، وَعَلَى هَذَا إِذَا اسْتَرَدَّ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ كَانَ غَنِيمَةً سَوَاءٌ بَعْدَ الإِْحْرَازِ أَوْ قَبْلَهُ. (26)
(28) إِنَّ الْكُفَّارَ يَمْلِكُونَ أَمْوَال الْمُسْلِمِينَ بِالاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهَا شَرْطَ إحْرَازِهَا بِدَارِهِمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، وَدَلِيلُهُ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: وَهَل تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رَبَاعٍ (28) وَلأَِنَّ الْعِصْمَةَ تَزُول بِالإِْحْرَازِ بِدَارِ الْحَرْبِ، إِذِ الْمَالِكُ لاَ يُمْكِنُهُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ إِلاَّ بَعْدَ الدُّخُول لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَاطَرَةٍ، إِذْ الدَّارُ دَارُهُمْ، فَإِذَا زَال مَعْنَى الْمِلْكِ أَوْ مَا شُرِعَ لَهُ الْمِلْكُ يَزُول الْمِلْكُ ضَرُورَةً، فَبِاسْتِرْدَادِ الْمُسْلِمِينَ لِذَلِكَ يَكُونُ غَنِيمَةً. (30) اسْتِيلاَءُ
الْكُفَّارِ عَلَى بَلَدٍ إِسْلاَمِيٍّ:
16 - إِذَا اسْتَوْلَى الْكُفَّارُ عَلَى بَلَدٍ إِسْلاَمِيٍّ فَهَل تَصِيرُ دَارَ حَرْبٍ أَمْ تَبْقَى كَمَا هِيَ دَارَ إِسْلاَمٍ؟
فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ، فَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ دَارَ الإِْسْلاَمِ تَصِيرُ دَارَ كُفْرٍ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ إِظْهَارُ أَحْكَامِ الْكُفْرِ. (31) وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (دَارُ الإِْسْلاَمِ وَدَارُ الْحَرْبِ) .
إِسْلاَمُ الْحَرْبِيِّ بَعْدَ اسْتِيلاَئِهِ عَلَى مَال الْمُسْلِمِ:
17 - إِذَا اسْتَوْلَى الْحَرْبِيُّ عَلَى مَال مُسْلِمٍ بِالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، وَحُكِمَ بِمِلْكِيَّتِهِ لَهُ شَرْعًا، ثُمَّ دَخَل إِلَى دَارِ الإِْسْلاَمِ مُسْلِمًا وَهُوَ فِي يَدِهِ، فَهُوَ لَهُ، لِقَوْل الرَّسُول ﷺ: مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ لَهُ (32) وَلأَِنَّ إِسْلاَمَهُ يَعْصِمُ دَمَهُ وَمَالَهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الرَّسُول ﷺ قَال: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ (33) . وَاسْتَثْنَى الْجُمْهُورُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِيلاَءَهُ عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فَلاَ يُقَرُّ عَلَيْهِ. قَال أَبُو يُوسُفَ: كُل مِلْكٍ لاَ يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ فَإِنَّ أَهْل الْحَرْبِ لاَ يَمْلِكُونَهُ إِذَا أَصَابُوهُ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهِ، وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ مِثْلَهُ: الْوَقْفُ الْمُحَقَّقُ، وَالْمَسْرُوقُ فِي فَتْرَةِ عَهْدِهِ، وَاللُّقَطَةُ، وَالدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ، الْوَدِيعَةُ، وَمَا اسْتَأْجَرَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَال كُفْرِهِ فَلاَ يُقَرُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الأُْخْرَى لاَ تَأْبَى ذَلِكَ. (34)
18 - وَإِذَا اسْتَوْلَى الْكَافِرُ الْحَرْبِيُّ عَلَى مَال مُسْلِمٍ بِطَرِيقِ السَّرِقَةِ، أَوْ الاِغْتِصَابِ مِنْ حَرْبِيٍّ آخَرَ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَدَخَل دَارَ الإِْسْلاَمِ وَهُوَ فِي يَدِهِ، فَهُوَ لَهُ أَيْضًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لأَِنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ حَال كُفْرِهِ فَأَشْبَهَ مَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ بِقَهْرِهِ لِلْمُسْلِمِينَ. وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ صَاحِبَهُ أَحَقُّ بِهِ بِالْقِيمَةِ (35) .
الاِسْتِيلاَءُ عَلَى الْمَال الْمُبَاحِ:
19 - الْمَال الْمُبَاحُ كُل مَا خَلَقَهُ اللَّهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ النَّاسُ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَادٍ، وَلَيْسَ فِي حِيَازَةِ أَحَدٍ مَعَ إِمْكَانِ حِيَازَتِهِ، وَيَكُونُ حَيَوَانًا: بَرِّيًّا أَوْ بَحْرِيًّا، وَيَكُونُ نَبَاتًا: حَشَائِشَ وَأَعْشَابًا وَحَطَبًا، وَيَكُونُ جَمَادًا: أَرْضًا مَوَاتًا وَرِكَازًا، كَمَا يَكُونُ مَاءً وَهَوَاءً، وَمِنْ حَقِّ أَيِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَتَمَلَّكَ مِنْهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهِ، وَيَتَحَقَّقُ الاِسْتِيلاَءُ وَتَسْتَقِرُّ الْمِلْكِيَّةُ إِذَا كَانَ الاِسْتِيلاَءُ بِفِعْلٍ يُؤَدِّي إِلَى التَّمَكُّنِ مِنْ وَضْعِ الْيَدِ.
رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أُمِّ جُنْدَبٍ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ (36) وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ (37) وَفِي رِوَايَةٍ: مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ (38) وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْعَقَارِ الْمُبَاحِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَنْقُول مِنَ الْمُبَاحَاتِ أَوْلَى، لِظُهُورِ الاِسْتِئْثَارِ بِهِ ظُهُورًا لاَ يَكُونُ فِي الْعَقَارِ.
وَلاَ يَحُدُّ مِنْ سُلْطَانِ النَّاسِ فِي الاِسْتِيلاَءِ عَلَى الْمَال الْمُبَاحِ إِلاَّ الْقَوَاعِدُ الْعَامَّةُ لِتَنْظِيمِ الاِنْتِفَاعِ وَمَنْعِ الضَّرَرِ.
20 - وَلِكُل نَوْعٍ مِنَ الأَْمْوَال الْمُبَاحَةِ طَرِيقٌ لِلاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهِ، فَالاِسْتِيلاَءُ عَلَى الْمَاءِ الْمُبَاحِ وَالرِّكَازِ يَكُونُ بِالْحَوْزِ وَالْكَشْفِ، وَالاِسْتِيلاَءُ عَلَى الْكَلأَِ وَالْعُشْبِ يَكُونُ بِالْحَشِّ، وَالاِسْتِيلاَءُ عَلَى حَيَوَانِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ يَكُونُ بِالاِصْطِيَادِ، وَالاِسْتِيلاَءُ عَلَى الأَْرْضِ الْمَوَاتِ يَكُونُ بِالإِْحْيَاءِ، وَبِإِقْطَاعِ التَّمْلِيكِ. (39)
تَنَوُّعُ الاِسْتِيلاَءِ:
21 - الاِسْتِيلاَءُ يَكُونُ حَقِيقِيًّا بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ الْمُبَاحِ فِعْلاً، وَهَذَا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ وَقَصْدٍ، صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ، قَال الرَّمْلِيُّ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: يُمْلَكُ الصَّيْدُ بِضَبْطِهِ بِالْيَدِ، لأَِنَّهُ مُبَاحٌ، فَمُلِكَ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ، سَوَاءٌ أَقَصَدَ بِذَلِكَ مِلْكَهُ أَمْ لاَ، حَتَّى لَوْ أَخَذَهُ لِيَنْظُرَ إِلَيْهِ مَلَكَهُ. وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ كَلاَمِ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِالاِسْتِيلاَءِ الْحَقِيقِيِّ الْمِلْكِيَّةُ مُسْتَقِرَّةً، وَكَذَلِكَ يَكُونُ الاِسْتِيلاَءُ حَقِيقِيًّا إِذَا كَانَ بِآلَةٍ أُعِدَّتْ لِذَلِكَ، وَكَانَ وَاضِعُهَا قَرِيبًا مِنْهَا، بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا لأََمْسَكَ الصَّيْدَ، لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمُمْتَنِعٍ عَلَيْهِ. وَمِنْ هَذَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلصَّيْدِ فَوَقَعَ فِيهَا طَائِرٌ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ الطَّيَرَانُ، أَوْ أَغْرَى كَلْبًا مُعَلَّمًا فَاصْطَادَ حَيَوَانًا، فَإِنَّ مَنْ نَصَبَ الشَّبَكَةَ وَمَنْ أَغْرَى الْكَلْبَ يَتَمَلَّكُ الصَّيْدَ، سَوَاءٌ أَكَانَ هُوَ مَالِكُ الشَّبَكَةِ وَالْكَلْبِ أَمْ كَانَ الْمَالِكُ غَيْرَهُ.
22 - وَيَكُونُ الاِسْتِيلاَءُ حُكْمِيًّا، وَهُوَ مَا كَانَ بِوَاسِطَةِ الآْلَةِ وَحْدَهَا الَّتِي تُهَيِّئُ الْمُبَاحَ لِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ وَاضِعُهَا قَرِيبًا مِنْهَا. كَحُفْرَةٍ فِي جَوَرَةِ الْمُنْتَفِعِ بِالأَْرْضِ أَوْ مَالِكِهَا تَجَمَّعَ فِيهَا مَاءُ الْمَطَرِ، فَلاَ بُدَّ لِتَمَلُّكِ مَا تَجَمَّعَ فِيهَا مِنْ مَاءٍ مِنْ وُجُودِ الْقَصْدِ، أَمَّا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَإِنَّ الْمِلْكِيَّةَ تَثْبُتُ غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ، وَلاَ تَسْتَقِرُّ إِلاَّ بِصَيْرُورَةِ الاِسْتِيلاَءِ حَقِيقِيًّا، وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْمَذَاهِبِ. (40)
23 - وَقَدْ سُئِل الْحَلْوَانِيُّ الْحَنَفِيُّ عَمَّنْ عَلَّقَ كُوزَهُ، أَوْ وَضَعَهُ فِي سَطْحِهِ، فَأَمْطَرَ السَّحَابُ وَامْتَلأََ الْكُوزُ مِنَ الْمَطَرِ، فَجَاءَ إِنْسَانٌ وَأَخَذَ ذَلِكَ الْكُوزَ مَعَ الْمَاءِ، هَل لِصَاحِبِ الْكُوزِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مَعَ الْمَاءِ؟ فَقَال: لاَ إِشْكَال فِي اسْتِرْدَادِ الْكُوزِ، وَأَمَّا الْمَاءُ فَإِنْ كَانَ قَدْ أُعِدَّ الْكُوزُ لِذَلِكَ حُقَّ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُعِدَّهُ لِذَلِكَ لَمْ يَسْتَرِدَّهُ.
وَلَوْ الْتَجَأَ صَيْدٌ إِلَى أَرْضِ رَجُلٍ أَوْ إِلَى دَارِهِ، فَلاَ يُعَدُّ ذَلِكَ اسْتِيلاَءً مِنْ صَاحِبِ الأَْرْضِ أَوِ الدَّارِ، لأَِنَّهُمَا لَمْ يُعَدَّا لِلاِصْطِيَادِ، لأَِنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ مِنْهُ فِعْل الاِسْتِيلاَءِ، أَمَّا إِذَا رَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الدَّارِ الْبَابَ بِنِيَّةِ أَخْذِهِ مَلَكَهُ، لِتَحَقُّقِ الاِسْتِيلاَءِ عَلَيْهِ بِفِعْلِهِ مَعَ إِمْكَانِ أَخْذِهِ.
وَمَنْ نَصَبَ فُسْطَاطًا فَالْتَجَأَ إِلَيْهِ صَيْدٌ لَمْ يَمْلِكْ، لأَِنَّ الْفُسْطَاطَ لَمْ يَكُنْ آلَةَ صَيْدٍ، وَمَا كَانَ نَصَبَهُ بِقَصْدِ الاِسْتِيلاَءِ عَلَى الصَّيْدِ، وَكَذَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلتَّجْفِيفِ فَتَعَلَّقَ بِهَا صَيْدٌ وَلَمْ يَكُنْ مَنْ عَلَّقَ الشَّبَكَةَ حَاضِرًا بِالْقُرْبِ مِنْهَا فَإِنَّهُ لاَ يَمْلِكُهُ، إِذْ الْقَصْدُ مَرْعِيٌّ فِي التَّمَلُّكِ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ إِنْ حَضَرَ وَهُوَ مُعَلَّقٌ بِالشَّبَكَةِ.
وَتَفْصِيل كُل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (اصْطِيَادٌ) . (41)
__________
(1) المصباح والقاموس مادة (ولي) .
(2) البدائع 7 / 121 ط الثانية سنة 1394 هـ.
(3) البحر الرائق 5 / 103.
(4) حاشية القليوبي 3 / 26 ط عيسى الحلبي، وحاشية الجمل على شرح المنهج 3 / 469 ط دار إحياء التراث.
(5) حاشية الجمل 3 / 469.
(6) المصباح مادة (حوز) وطلبة الطلبة ص 106، والتحرير على التنبيه للنووي ص 141.
(7) الشرح الصغير 4 / 319، والفواكه الدواني 2 / 168.
(8) المصباح المنير مادة (غصب) .
(9) شرح المنهج مع حاشية الجمل 4 / 469، وكشاف القناع 4 / 76، وحاشية الدسوقي 3 / 442، والدر المختار 5 / 113 ط بولاق سنة 1472 هـ، والفواكه الدواني 2 / 216.
(10) المصباح والقاموس، وحاشية ابن عابدين 3 / 257، والمنثور في القواعد للزركشي 3 / 370.
(11) المصباح، وحاشية الشلبي على تبيين الحقائق 3 / 248 ط دار المعارف بيروت، وفتح القدير 4 / 203.
(12) القاموس والمصباح مادة (حرز) ، وطلبة الطلبة ص 77، والنظم المستعذب 1 / 366 ط م الحلبي، وحاشية الشلبي على تبيين الحقائق 3 / 220 ط دار المعارف، وحاشية ابن عابدين 5 / 282 ط أولى بولاق.
(13) البدائع 7 / 121، والمغني 8 / 446 - 447.
(14) الأحكام السلطانية للماوردي ص 139 ط 1960، ونهاية المحتاج 8 / 73.
(15) حاشية الدسوقي 2 / 194، ومنح الجليل 1 / 745، 750. ونهاية المحتاج 8 / 73، والمغني 8 / 421 - 422.
(16) البدائع 7 / 116، 118 - 121، والمغني 8 / 421.
(17) المغني 2 / 118، والمقنع وحواشيه 1 / 510.
(18) البدائع 7 / 118، وحاشية الدسوقي 2 / 189، ونهاية المحتاج 8 / 73، 119، والأحكام السلطانية للماوردي 137 - 138، والمغني 2 / 717، وكشاف القناع 4 / 128، 133، ومنح الجليل 1 / 585 - 586.
(19) الأحكام السلطانية للماوردي ص 137 - 138، والمغني 2 / 719.
(20) البدائع 7 / 121، 127، والمغني 8 / 430، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4 / 187، ونهاية المحتاج 8 / 73، والمهذب 2 / 243.
(21) حاشية ابن عابدين 3 / 257.
(22) البدائع 5 / 129، والشرح الصغير 4 / 39، وحاشية الجمل 4 / 469.
(23) حاشية ابن عابدين 3 / 257.
(24) المغني 8 / 433 - 434، والمهذب 2 / 242، وبجيرمي على المنهج 4 / 259.
(25) حديث عمران بن حصين. أخرجه مسلم وأبو داود مرفوعا واللفظ لمسلم (صحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 3 / 1262، 1263 ط عيسى الحلبي 1375 هـ، وسنن أبي داود 3 / 609 - 612 ط استانبول) .
(26) المغني 8 / 433 - 434.
(27) المغني 8 / 433 - 434.
(28) حديث " وهل ترك لنا. . .، متفق عليه في حديث أسامة بن زيد (اللؤلؤ والمرجان ص 313 نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت 1397 هـ) .
(29) حديث " وهل ترك لنا. . .، متفق عليه في حديث أسامة بن زيد (اللؤلؤ والمرجان ص 313 نشر وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت 1397 هـ) .
(30) تبيين الحقائق 3 / 260 - 261، والبدائع 7 / 123، 127، 128، وحاشية الدسوقي 2 / 188، والمهذب 2 / 242، والمغني 8 / 430 وما بعدها، وبداية المجتهد 1 / 416، والدر المختار 3 / 244، وحاشية الصاوي 2 / 291.
(31) الفتاوى الهندية 2 / 232، وحاشية ابن عابدين 3 / 253.
(32) حديث: " من أسلم على شيء فهو له " أخرجه البيهقي وابن عدي من حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعا، وقال المناوي: في إسناده ياسين بن الزيات متروك. قال البيهقي: وهذا الحديث إنما يروى عن ابن أبي مليكه عن النبي ﷺ مرسلا، وعن عروة عن النبي صل وللحديث طرق أخرى، ولم نجد من حكم على الحديث بمجموع طرقه. (السنن الكبرى للبيهقي 9 / 113 ط الهند، وكتاب السنن لسعيد بن منصور، القسم الأول من المجلد الثالث / 54، 55 ط مطبعة علمي بريس (ماليكاؤن) ، وفيض القدير 6 / 62 ط المكتبة التجارية، وإرواء الغليل 6 / 156 نشر المكتب الإسلامي) .
(33) حديث: " أمرت أن أقاتل الناس. . . " أخرجه البخاري ومسلم من حديث عمر ﵁ مرفوعا (فتح الباري 3 / 262 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 1 / 51، 52 ط عيسى الحلبي 1374 هـ) .
(34) الدسوقي 2 / 188.
(35) المغني 8 / 434، والخراج لأبي يوسف ص 200 ط ثانية 1353 هـ، والسير الكبير 2 / 688، والشرح الصغير 2 / 291 ط دار المعارف، والمنهج مع حاشية البجيرمي 4 / 257 ط 1369 هـ.
(36) حديث: " من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو له ". أخرجه أبو داود من حديث أسمر بن مضرس ﵁ مرفوعا. ونقل صاحب عون المعبود عن ابن حجر تجهيل بعض رواته. قال المنذري: غريب. وقال أبو القاسم البغوي: لا أعلم بهذا الإسناد حديثا (عون المعبود 3 / 142 وجامع الأصول 10 / 584 نشر مكتبة الحلواني) .
(37) حديث: " من أحاط حائطا على أرض فهي له " أخرجه أبو داود وأحمد والضياء المقدسي من حديث الحسن عن سمرة بن جندب، ﵁ مرفوعا، قال ابن حجر: في صحة سماع الحسن عن سمرة خلاف، وأشار المنذري أيضا إلى هذا الخلاف. وقال عبد القادر الأرناؤوط محقق جامع الأصول: وفيه ضعف، وأخرجه أحمد من حديث جابر بن عبد الله ﵄ بهذا اللفظ، قال البنا الساعاتي في تخريجه: أخرجه الترمذي والنسائي والبيهقي، وقال الترمذي: حديث صحيح (مختصر سنن أبي داود للمنذري 4 / 226 نشر دار المعرفة، ومسند أحمد بن حنبل 5 / 12 ط الميمنية، والفتح الرباني 15 / 130، 131 الطبعة الأولى 1370 هـ، وفيض القدير 6 / 29) .
(38) حديث: " من أحيا أرضا ميتة فهي له ". علقه البخاري من حديث جابر ﵁، وذكر ابن حجر في شرحه شواهد هذا الحديث، وقال: وفي أسانيدها مقال، ولكن يتقوى بعضها ببعض (فتح الباري 5 / 18 ط السلفية) .
(39) البدائع 6 / 193 - 194، والفتاوى الهندية 5 / 390 - 393، 417، والدر المختار مع حاشية ابن عابدين 5 / 298، والمبسوط 11 / 251، والشرح الصغير مع حاشية الصاوي 1 / 167، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 2 / 110، ومنح الجليل 1 / 585 - 586، ونهاية المحتاج 8 / 117 - 119، والمغني 8 / 562 - 564، وكشاف القناع 4 / 122، 187.
(40) المراجع السابقة.
(41) المراجع السابقة.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 157/ 4