البحث

عبارات مقترحة:

الحيي

كلمة (الحيي ّ) في اللغة صفة على وزن (فعيل) وهو من الاستحياء الذي...

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

يوم الفرقان

العربية

المؤلف أيمن عبد العظيم
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات السيرة النبوية
عناصر الخطبة
  1. ملامح لدولة الإيمان بالمدينة قبل بدر .
  2. أحداث موقعة بدر .
  3. دروس وعبر مستفادة من الموقعة .
  4. اغتنام العشر الأواخر من رمضان .

اقتباس

ولقد أعدّ الله -سبحانه- أمراً من عنده ليكون فرقاناً بين الحق والباطل، والكفر والإيمان، وذلك بأن جعل جيش المسلمين يلتقي بجيش المشركين، وهذا أمر لا يُمكن تصوُّره أبداً! بعد أقل من سنتين يقف الذين كانوا يُعذَّبون أمام معذِّبيهم في ساحة حرب! تقف قلة قليلة أمام جيش قريش! وما أدراك ما قريش؟!.

الخطبة الأولى:

الحمد لله رب العالمين، مُعزّ المتقين، ومُذلّ العصاة المتجبرين. (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33].

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة تنفعنا به، وترفعنا بها، وتدفع بها عنا.

حتى إذا جاءه وحيُ السماءِ غَدَا

خيرُ السماء لأهل الأرض مُنْهَمِرا

دع عنك تأييده بالمعجزات كمــ

ــاءٍ من أصابعه للظامئين جرى

أو كالطعام الذي من مَسِّهِ كَثُرا

أو كالمريض الذي بالتّفْل منه برا

أو بالقُرَان تحدّاهم بصنعته

وعَجْزُهُم قد غدا في ذاك مشتهرا

أليس أكبر من ذياك معجزة

إعماره الأرض بالدين الذي ظهرا؟

عباد الله: إن الخير العميم الذي نتنعم بالعيش فيه اليوم، الجماهير الصائمة، والصلاة القائمة، وصنوف البر والإحسان والتراحم والتعاون، نحن مدينون فيه للنبي -صلى الله عليه وسلم-، وصحبه الكرام، الذين بذلوا النفس والنفيس، والغالي والرخيص، في سبيل إرسائه على ظهر الأرض، فوصل إلينا ظاهرا طاهرا، قويا نقيا.

والفضل من قبلُ ومن بعد لله -تعالى-، الذي خاطب النبي وصحبه قائلاً: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال:17]، إذ لا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.

لقد تحمل المسلمون في مكة صنوف العذاب، وهاجروا رغبة في الإسلام إلى المدينة تاركين ديارهم وأموالهم، تركوا الدنيا لله -تعالى-، فأتتهم الدنيا راغمة! (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [النحل:41-41].

هذه الآية الكريمة نزلت أول وقت الهجرة في ستة من الصحابة، ما كان أحد منهم يتصور أن يتبوأ في الدنيا حسنة! لكنهم حكموا الأرض.

وبعد هجرتهم تلك، قرر حكام مكة الظَّلَمة مصادرة دور وأموال المهاجرين، أما المهاجرون فإنهم كانوا لا يأبهون ولا يعبؤون بالدنيا التي تركوها من أجل ربهم -تعالى-، يتقاسمون اللقمة مع إخوانهم الأنصار، يعيشون معهم في سلام وتوادُدٍ وتحابب: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [الأنفال:62-63].

هذه الفئة المؤمنة من المهاجرين والأنصار، ضربت مثلا عظيما رائعا في التضحية والإيثار، كل ذلك رغبة فيما عند الله، صحبة لرسول الله، نصرة لدين الله.

كانت نفوسهم المؤمنة تزداد إيماناً، وقلوبهم المهتدية تزداد هدى، (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) [محمد:17]، فقد تغذت نفوسهم بالصبر الجميل، تحملا لصنوف الأذى، وبجهاد النفس النبيل، بالصلاة والعبادة، تكلؤهم رعاية مولاهم الذي رضي عنهم ورضوا عنه، وبركة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

كانوا مَنهيين عن القتال، مأمورين بالصبر، وفي السنة الثانية من الهجرة جاءهم الإذن من الله بالقتال، فهذه الفترة من التربية كانت مهمة لإخراج الدنيا من قلوبهم، ليصير جهادهم خالصاً لوجهه -تعالى-، لا رغبة في الانتقام، ولا في تحصيل متاع دنيوي زائل: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ) [الحج:39-40].

ولقد أعدّ الله -سبحانه- أمراً من عنده ليكون فرقاناً بين الحق والباطل، والكفر والإيمان، وذلك بأن جعل جيش المسلمين يلتقي بجيش المشركين، وهذا أمر لا يُمكن تصوُّره أبداً! بعد أقل من سنتين يقف الذين كانوا يُعذَّبون أمام معذِّبيهم في ساحة حرب! تقف قلة قليلة أمام جيش قريش! وما أدراك ما قريش؟!.

الله -تعالى- اللطيف الخبير دفع بهم للمعركة بدون معرفة منهم في مَبدئها بها، ذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد دعاهم للخروج لاعتراض عير لقريش كانت تحمل بضائعهم، ولقد كانت أموال المهاجرين المغصوبة فيها، فهي أموالهم، فخرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- من المدينة في اليوم الثاني عشر من شهر رمضان.

كانت قافلة قريش قادمة من الشام، ولقد فطن أبو سفيان، وهو قائد القافلة، لتحركات المسلمين، فانتحى بالقافلة إلى طريق البحر، غيّر اتجاهها للساحل، وأرسل إلى قريش من يخبرهم باعتراض المسلمين لقافلتهم وتجارتهم.

استفز هذا الأمر قريشاً، فخرجوا مع أحلافهم بجيشٍ عرمرم، تحركوا بعُدَدِهم وعَدِيدِهم، خيلهم وخُيَلائِهم، لاستئصال تلك النبتة الصغيرة، والقضاء على دعوة الإسلام نهائياً، واستئصال شأفته.

كان جيشهم يتكون من ألف رجل، ومائتي فرس، وعدد كبير من الجمال، يقودهم قادة قريش وزعماؤها أجمعون، ما تخلف منهم إلا أبو لهب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، الذي أرسل أحدا مكانه. كان جيشا مَهيباً يقوده أبو جهل عمرو بن هشام المخزومي القرشي.

لما تأكد أبو سفيان من نجاة القافلة، أرسل إلى قريشٍ يخبرهم بسلامة القافلة، ويطلب منهم الرجوع لمكة، إلا أن أبا جهل رفض الرجوع.

لما بلغ الرسول -صلى الله عليه وسلم- خبر نجاة القافلة، وإصرار زعماء مكة على قتال المسلمين، استشار أصحابه، فتزعزت قلوب فريق من الناس خوف اللقاء الدامي، إذ كان جيش المسلمين قليل العدد، ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، وعندهم فرَسان فقط، وسبعون جملاً.

أما قادة المهاجرين فقد أيدوا بكل بسالة فكرة التقدم لملاقاة العدو، على رأسهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، والمقداد بن الأسود؛ ثم قادة الأنصار، سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، ولقد خاطبا الرسول -صلى الله عليه وسلم- بما يشرح الصدر، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "سيروا وأبشروا! فإن الله -تعالى- قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم!".

وود كثير من المسلمين ملاقاة الطائفة الأضعف الأقل شوكة، عير أبي سفيان، ولكن الله -تعالى- أراد لهم شأنا آخر، فالخير فيما يختاره الله: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) [الأنفال:7-8].

في يوم السابع عشر من شهر رمضان، من السنة الثانية للهجرة، التقى الجيشان، في معركة أسماها الله -تعالى- بالفرقان، إذ كان لها في تغيير مسار التاريخ شان، كانت مفاجأة أن تهزم القلةُ القليلةُ الذليلةُ جيشَ قريش، وتقتل زعماءه: أبا جهل، وأمية بن خلف، وعتبة بن ربيعة، وغيرهم! ويفر من نجا من القتل أو الأسر ذليلاً!.

وأدركت قريش والعرب أن الأمر ما عاد مشكلة تجارة وقوافل، بل صار لهم مشكلة وجود دولتهم وبقائها.

أقام -صلى الله عليه وسلم- ببدر ثلاثة أيام بعد المعركة، خاطب سادة قريش الذين ألقوا بالقليب: "يا عتبة بن ربيعة! يا شيبة بن ربيعة! يا فلان ويا فلان! هل وجدتم ما عدكم ربكم حقا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقا". فقيل للرسول -صلى الله عليه وسلم- في مخاطبته لميتين، فقال: "والذي نفس محمد بيده! ما أنتم بأسمع لما أقول منهم"

قال الشاعر الصحابي حسان بن ثابت:

 فلاقيناهمُ منّا بجمعٍ

كأُسْدِ الغابِ مُردانٍ وشِيبِ

 أَمامَ محمدٍ قد وازروهُ

على الأعداءِ في لفحِ الحروب

 بأيديهمْ صوارمُ مرهَفاتٌ

وكلُّ مُجرَّبٍ خاظي الكُعوبِ

 بنو الأوسِ القضارفُ وازَرَتْها

بنو النجّار في الدين الصليبِ

 فغادرْنا أبا جهلٍ صريعاً

وعتبةَ قد تركنا بالجَبوب

 وشيبةَ قد تركنا في رجالٍ

ذوي حسَبٍ إذا نُسِبُوا نسيبِ

 يناديهم رسولُ الله لمّا

قذفناهم كباكبَ في القليبِ

 ألم تجدوا كلامي كان حقا

وأمر الله يأخذ بالقلوب؟

 فما نطقوا، ولو نطقوا لقالوا

صدقتَ وكنت ذا رأيٍ مُصيبِ

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، ولي المتقين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، قائد الغر المحجلين، صاحب اللواء المعقود، والحوض المورود.

أما بعد: ونحن ندرس غزوة بدر، فإننا في حاجة ماسة لدراسة أسباب النصر، وفي دراسة سورة الأنفال، التي تحدثت عن هذه الغزوة، ففيها دروس وعبر.

أولاً: على المسلمين أن يعلموا يقينا أن يد الله تعمل، وفق حكمة باصرة، وقدرةٍ قادرة، ومشيئة قاهرة، ونظرة كلية ليست قاصرة. إلقاءُ يوسف في الجب بدايةُ الرحلة لملك مصر. إلقاء موسى الوليد في البحر وأخْذ البحر له لقصر فرعون بدايةُ نهاية دولة فرعون. في بدر، قدر -سبحانه- لقاء المسلمين بالمشركين تقديرا عبر عنه -سبحانه- بقوله: (وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا) [الأنفال:42]. فالمؤمن يطمئن لذلك، فلا يجزع ويطيش عقله فيقترح على الله -سبحانه- الاقتراحات، وينفذ ما يضر به وبدينه.

ثانياً: إن وعد الله حق، لقد وعد الله -تعالى- القلة القليلة التي هاجرت بالنصر بالمبين، وهذا الوعدُ وعد دائم، قال لنا ربنا: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ? يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55].

وهنا يتبين سبب النصر والتمكين الأساس: الإيمان والعمل والصالح، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7]، أي: إن تنصروا الله على أنفسكم ينصركم على أعدائكم. (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) [الحج:40]، أي: من ينصره على نفسه، ينصره على أعدائه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الأنفال:29].

فمحور عمل المؤمن هو نفسه، المهاجرون ما هاجروا رغبة في إقامة دولة الإسلام، وإلا لما هاجروا من قبلُ للحبشة مرتين، وإنما هاجروا ليعبدوا الله، ولو تَرَكَهُم أهل مكة وشأنهم لما هاجروا! هذه نقطة في غاية الأهمية.

ثالثا: علينا أن نعلم أن النصر بيد الله وحده، لا حول ولا قوة للمسلمين في ذلك، (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [آل عمران:123]، قارن هذا بيوم حنين: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ) [التوبة:25].

فعليكم نفوسكم أدبوها

أوما قيل ذاك في القرآن؟

انصروه على نفوسكم ينصر

كُمُ حين تثبت القدمان

رابعا: لا يعني هذا عدم بذل الجهد، ففي بدر استشار النبي الكريم أصحابه، ونظم الصفوف، واختار المكان المناسب للقتال، وأرسل العيون والجواسيس، فعل ما استطاع من قوة، فبعد أن بذل وسعه، أيده الله -تعالى- بالمطر الذي أنزله تطهيرا للمؤمنين وتثبيتا لأقدامهم إذ كانوا على أرض رملية، وإزعاجاً للمشركين وإزلاجا لأقدامهم. غشّاهم بالنعاس فناموا وارتاحوا أعصابا في ذلك الموقف العصيب. قلَّلَهُم في أعين أعدائهم فاستهانوا بأمرهم وقلل أعداءهم في أعينهم فما خافوا منهم. ثبت قلوبهم بالملائكة وألقى الرعب في قلوب أعدائهم، وغير ذلك من المعجزات التي نتلوها في كتاب الله -تعالى-: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ? سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) [الأنفال:11-12].

خامساً: عاقبة الظلم ونهايته ثابتة: التدمير الشامل. وهذا قولٌ متكرر في القرآن الكريم: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الفتح:23]، قال -تعالى- مذكرا لنا حال المسلمين بعيد الهجرة: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال:26].

سادساً: منهج الإسلام في التربية، فالحرب خالية تماما من أي أغراض دنيوية، كالانتقام والحقد، والدليل على ذلك معاملة أسرى بدر، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "استوصوا بهم خيرا"، فكانوا يأكلون التمر ويطعمونهم البُر، ويحملونهم ويمشون، وإذا وقع في يد أحدهم شيء من كسرة دفع بها للأسير وهو لها محتاج: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا) [الإنسان:8-9].

عباد الله: أيام معدودة وتدخل العشر الأواخر من رمضان التي هي أعظم أيام رمضان فضلاً، كم لله فيها من عتيق من النار! فيها ليلة القدر، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله".

ولنكثر فيها من قراءة القرآن والذكر والدعاء والصدقة والاعتكاف في المساجد وصلاة التراويح وصلاة القيام، فلا ينبغي لمسلم أن يفوت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله، فلعل أن تدركنا نفحة من نفحات الرحمن في هذه الليالي والأيام فننال بها سعادة الدنيا والآخرة.

هذا وصلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، والحمد لله رب العالمين.