الله
أسماء الله الحسنى وصفاته أصل الإيمان، وهي نوع من أنواع التوحيد...
العربية
المؤلف | محمد بن صالح بن عثيمين |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات - الصلاة |
أيها المسلمون: لقد فرضت الصلاة على نبيكم من الله -تعالى- إليه بلا واسطة، وفرضت فوق السماوات العلى، وفرضت خمسين صلاة حتى خفضت إلى خمس صلوات بالفعل، وخمسين بالميزان.
ألم يكن هذا أكبر دليل على فضلها والعناية بها؟ الصلاة صلة بين العبد وبين ربه، يقف بين يديه مكبرا معظما، يتلو كتابه، ويسبحه ويعظمه، ويسأله من حاجات دينه ودنياه ما شاء.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي فرض على عباده الصلوات لحكم بالغة وأسرار، وجعلها صلة بين العبد وبين ربه ليستنير بذلك قلبه، ويحصل له المطلوب في الدنيا ودار القرار.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العزيز الغفار، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المصطفى المختار، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان آناء الليل والنهار، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله –تعالى-؛ و(حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ)[البقرة:238].
حافظوا على الصلوات بأداء أركانها وشروطها وواجباتها، ثم كملوها بفعل مستحباتها، فإن الصلاة عمود الدين، ولا دين لمن لا صلاة له.
أيها المسلمون: لقد فرضت الصلاة على نبيكم من الله -تعالى- إليه بلا واسطة، وفرضت فوق السماوات العلى، وفرضت خمسين صلاة حتى خفضت إلى خمس صلوات بالفعل، وخمسين بالميزان.
ألم يكن هذا أكبر دليل على فضلها والعناية بها؟
الصلاة صلة بين العبد وبين ربه، يقف بين يديه مكبرا معظما، يتلو كتابه، ويسبحه ويعظمه، ويسأله من حاجات دينه ودنياه ما شاء.
جدير بمن كان متصلا بربه: أن ينسى كل شيء دونه، وأن يكون حين هذه الصلة، خاشعا قانتا معظما مستريحا.
ولذلك كانت الصلاة قرة أعين العارفين، وراحة قلوبهم لما يجدون فيها من اللذة والأنس بربهم ومعبودهم ومحبوبهم.
جدير بمن اتصل بربه: أن يخرج من صلاته بقلب غير القلب الذي دخلها فيه أن يخرج منها مملوءا قلبه فرحا وسرورا وإنابة إلى ربه وإيمانا.
ولذلك كانت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر لما يحصل للقلب منها من النور والإيمان والإنابة.
جدير بمن عرف حقيقة الصلاة وفائدتها وثمراتها: أن تكون أكبر همه، وأن يكون منتظرا إليها، مشتاقا إليها، ينتظر تلك الساعة بغاية الشوق، حتى إذا بلغها ظفر بمطلوبه، واتصل اتصالا كاملا بمحبوبه.
أيها المسلمون: إن كثيرا من المصلين لا يعرفون فائدة الصلاة حقيقة، ولا يقدرونها حق قدرها، ولذلك ثقلت الصلاة عليهم، ولم تكن قرة لأعينهم، ولا راحة لأنفسهم، ولا نورا لقلوبهم، ترى كثيرا منهم ينقرون الصلاة نقر الغراب، لا يطمئنون فيها، ولا يذكرون الله فيها إلا قليلا.
وهؤلاء لا صلاة لهم، ولو صلوا ألف مرة؛ لأن الطمأنينة في الصلاة ركن من أركانها، ولذلك، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- للرجل الذي كان لا يطمئن في صلاته: "ارجع فصل، فإنك لم تصل".
فصلى عدة مرات، وكل مرة يقول له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ارجع فصل، فإنك لم تصل" حتى علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمره بالطمأنينة".
وتجد كثيرا من الناس إن لم يكن أكثر الناس يصلي بجسمه لا بقلبه جسمه في المصلى، وقلبه في كل واد، فليس في قلبه خشوع؛ لأنه يجول، ويفكر في كل شيء، حتى في الأمور التي لا مصلحة له منها.
وهذا ينقص الصلاة نقصا كبيرا، وهو الذي يجعلها قليلة الفائدة للقلب، بحيث يخرج هذا المصلي من صلاته، وهي لم تزده إيمانا ولا نورا، وقد فشا هذا الأمر، أعني الهواجيس في الصلاة.
ولكن الذي يعين على إزالته، هو: أن يفتقر العبد إلى ربه، ويسأله دائما أن يعينه على إحسان العمل.
وأن يستحضر عند دخوله في الصلاة: أنه سيقف بين يدي ربه وخالقه الذي يعلم سره ونجواه، ويعلم ما توسوس به نفسه، وأن يعتقد بأنه إذا أقبل على ربه بقلبه أقبل الله عليه، وإن أعرض أعرض الله عنه.
وأن يؤمن بأن روح الصلاة ولبها، هو الخشوع فيها، وحضور القلب.
وأن الصلاة بلا خشوع القلب كالجسم بلا روح، وكالقشور بلا لب.
ومن الأمور التي تستوجب حضور القلب: أن يستحضر معنى ما يقول، وما يفعل في صلاته، وأنه إذا كبر، ورفع يديه، فهو تعظيم لله، وإذا وضع اليمنى على اليسرى، فهو ذل بين يديه، وإذا ركع، فهو تعظيم لله، وإذا سجد، فهو تطامن أمام علو الله، وأنه إذا قال: (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الفاتحة:2].
أجابه الله من فوق عرشه قائلا: حمدني عبدي، فإذا قال: (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)[الفاتحة:3].
قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[الفاتحة:4] قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)[الفاتحة:5] قال الله: "هذا بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل".
هكذا يجيبك مولاك من فوق سبع سموات، فاستحضر ذلك، وإنك إذا قلت: "سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى" وإن كنت تقولها بصوت خفي، فإن الله -تعالى- يسمع ذلك، وهو فوق عرشه، فما ظنك إذ آمنت بأن الله -تعالى- يقبل عليك إذا أقبلت عليه في الصلاة، وإنه يسمع كل قول تقوله، وإن كان خفيا، ويرى كل فعل تفعله، وإن كان صغيرا، ويعلم كل ما تفكر فيه، وإن كان يسيرا.
إذا نظرت إلى موضع سجودك، فالله يراك، وإن أشرت بأصبعك عند ذكر الله في التشهد، فإنه تعالى يرى إشارتك، فهو تعالى المحيط بعبده علما وقدرة وتدبيرا وسمعا وبصرا، وغير ذلك من معاني ربوبيته.
فاتقوا الله -تعالى- أيها المسلمون- وأقيموا صلاتكم، وحافظوا عليها، واخشعوا فيها، فقد قال ربكم في كتابه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[المؤمنون: 1- 11].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...