البحث

عبارات مقترحة:

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

مفهوم السياحة

العربية

المؤلف عبد الله بن درويش الغامدي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. مساوئ استعمال كلمات شرعية في معاني مخالفة .
  2. معاني كلمة السياحة وفق المنظور الشرعي .
  3. السياحة وفق المفهوم الغربي .
  4. كيف كان صيف السلف؟ .
  5. همومنا الدنيئة في قضاء الإجازة .
  6. نقد فكرة السياحة الغربية وبيان بعض أثرها في بلاد المسلمين .
  7. السياحة في مناطق عذاب الأمم السابقة. .

اقتباس

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وأما السياحة التي هي الخروج في البرية من غير مقصد معين فليست من عمل هذه الأمة، ولهذا قال الإمام أحمد: ليست السياحة من الإسلام في شيء ولا من فعل النبيين ولا الصالحين". ولا يكاد الصيف أن يأتي من كل عام إلا والمسلمون مستعدون "للصائفة". والصائفة هي الغزوة السنوية التي كان يعقد ألويتها خليفة المسلمين ويؤمر عليها أشهر القادة، ويبعث بها إلى ثغر من الثغور لتقوم بواجب الجهاد في تلك السنة، وهي الحد الأدنى المطلوب من الجهاد في كل عام.

الخطبة الأولى:

أما بعد:

إننا لفي زمن قد تغيرت فيه كثير من المفاهيم الإسلامية، وانتشرت فيه المصطلحات الغريبة من شرقية وغربية، وابتعد الناس فيه عن معاني القرآن والسنة وقواعد اللغة العربية.

لقد حرص المستعمرون على أن يطمسوا كثيرا من الكلمات والمصطلحات الإسلامية التي تتعارض مع مبادئهم وإلحادهم. وذلك بإدخال كلمات ومصطلحات جديدة، أو تجريد بعض الكلمات الإسلامية من معانيها الحقيقية وصرفها إلى معاني أخرى تتوافق مع مصالحهم.

والأمثلة على ذلك كثيرة. وواقع المسلمين اليوم يدل على وجود خلل في فهم الكلمات العربية، ويدل على بعد عن إدراك كثير مما ورد في الكتاب والسنة من مصطلحات وكلمات.

وإننا في هذا اليوم سنورد مثالا واحدا على بعد الناس عن المعاني الشرعية وانصرافهم عن التفسير الإسلامي إلى التفسير الغربي لبعض المصطلحات.

وهذا المثال هو تغير مدلول كلمة السياحة في أذهان الناس.

لقد تحول الناس عن العمل بمدلول السياحة في الحضارة الإسلامية إلى العمل بمدلولها في الحضارة الغربية.

لقد وردت كلمة السياحة في عدة مواضع من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وليس فيها موضع فسرت فيه على ما تدل عليه في أذهان الناس اليوم.

وردت السياحة في القرآن صفة من صفات أهل الجنة من المؤمنين حيث قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة: 111- 112]

إن السياحة هنا صفة حميدة لأولئك الذين باعوا هذه البيعة وعقدوا هذه الصفقة التي هي أربح صفقة في تاريخ البشرية.

بعنا النفوس فلا خيار ببيعنا  

أعظـم بقوم بايعـوا الغفـارا

فأعاضنا ثمنا ألذّ من المنى

جنات عـدن تتحف الأبـرارا

فلمثل هذا قم خطيبا منشدا

يروي القريض وينظم الأشعارا

ثم وردت كلمة السياحة مرة أخرى في وصف أفضل النساء اللاتي ينبغي أن يكن أزواجا للنبي –صلى الله عليه وسلم-، قال الله –تعالى-: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا) [التحريم: 5].

فما هو معنى السياحة في هذه الآيات؟

قال ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "وفسرت السياحة بالصيام، وفسرت بالسفر في طلب العلم، وفسرت بالجهاد، وفسرت بدوام الطاعة.

والتحقيق فيها أنها سياحة القلب في ذكر الله ومحبته والإنابة إليه والشوق إلى لقائه، ويترتب عليها كل ما ذكر من الأفعال ولذلك وصف الله سبحانه نساء النبي  صلى الله عليه وسلم  اللاتي لو طلق أزواجه بدله بهن، بأنهن سائحات، وليست سياحتهن جهادا ولا سفرا في طلب علم ولا إدامة صيام وإنما هي سياحة قلوبهن في محبة الله تعالى وخشيته والإنابة إليه وذكره. 

وتأمل كيف جعل الله الحمد والسياحة قرينتين هذا الثناء عليه بأوصاف كماله وسياحة اللسان في أفضل ذكره وهذه سياحة القلب في حبه وذكره وإجلاله كما جعل سبحانه العبادة والسياحة قرينتين في صفة الأزواج، فهذه عبادة البدن وهذه عبادة القلب".

لقد كانت السياحة قبل الإسلام تعني الرهبانية فقد كان الرهبان يسمون سياحا لأنهم يتركون الدنيا ويخرجون إلى الفلوات ليعيشوا مع الوحوش.

وعندما جاء الإسلام ذمهم على ذلك وقال الله فيهم ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم.

وعندما أراد بعض المسلمين الترهب والسياحة منعهم رسول الله  وبين لهم أن ذلك المعنى ليس موجودا في دين الإسلام ثم بين لهم المعنى الصحيح للسياحة.

جاء ذلك في ما رواه أبو داود -رحمه الله- عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رجلا قال يا رسول الله ائذن لي في السياحة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله".

فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن أمته سياحتهم الجهاد في سبيل الله.

وبهذا فقد أبطل الرسول  ذلك المفهوم وأصبحت السياحة لفظة شرعية تعني الخروج للجهاد في سبيل الله تعالى، ومضى على ذلك المسلمون في عصور الازدهار والعزة حتى كانوا لا يرون أن هناك سفرا إلا للغزو في سبيل الله أو الحج أو طلب العلم وكل ذلك من الجهاد.

وعندما جاءت هذه العصور المتأخرة وأصاب المسلمين الذلة والهوان وتركوا الجهاد وركنوا إلى الدنيا وأعجبوا بالحظيرة الغربية، نسوا هذا المفهوم الإيماني وأخذوا بالمفهوم الغربي المنحرف وأصبحت كلمة السياحة عندهم مرادفة للعبث واللهو والفسق والفجور والسير في الأرض بلا هدف، وإضاعة للأوقات، بل قل وإضاعة للحياء والدين والأخلاق والتنصل من الفضيلة والوقوع في الرذيلة.

لقد كان المسلمون في العصور العزيزة وفي القرون المفضلة وما بعدها إذا اقترب فصل الصيف بدءوا بالإعداد للسياحة وقاموا بحملات التنشيط السياحي والدعاية الإعلامية السياحية.

لكن ليس التنشيط الذي تعرفون ولا الدعاية التي تعايشون.

لقد كان التنشيط السياحي في ذلك الوقت ينطلق من المساجد والدعاية السياحية تطلقها منابر الجمعة.

لم تكن تعلن عن المغنين والمغنيات ولا عن الساقطين والساقطات ولا عن القمار والميسر والربا ولا الأسواق والتخفيضات، وإنما كانت تعلن قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.

لم يكن التنشيط السياحي إعدادًا للمسارح والمراقص والملاهي وأدوات الميسر، ولكنه كان إعدادا للسلاح وإسراجا للخيول وتعبئة للجند وحثاً على جنة عرضها السماوات والأرض.

كان التنشيط السياحي إعدادًا للرجال وتدريبًا للشباب وإرهابًا للأعداء وقمعا للمنافقين وتمييزا للخبيث من الطيب. كان عملا ينبثق من قول الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) [الأنفال: 60]، فإعداد القوة والإرهاب بها مما يعين على بيان الحق في أنواع من القلوب التي لا تستيقظ ولا تتبين الحق إلا على إيقاعات القوة التي تحمل الحق وتنطلق به لإعلان تحرير الإنسان.

كانت السياحة في ذلك الوقت تعني الجهاد، والجهاد يعني السياحة.

ولم يكن المسلمون يعلمون من لفظة السياحة إلا أنها الخروج في سبيل الله لإعلاء كلمة الله تعالى، فأين نحن من أولئك حين حرفنا هذه الكلمة.

إن سياحة هذه الأمة هي الجهاد في سبيل الله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وأما السياحة التي هي الخروج في البرية من غير مقصد معين فليست من عمل هذه الأمة، ولهذا قال الإمام أحمد: ليست السياحة من الإسلام في شيء ولا من فعل النبيين ولا الصالحين".

ولا يكاد الصيف أن يأتي من كل عام إلا والمسلمون مستعدون "للصائفة".

والصائفة هي الغزوة السنوية التي كان يعقد ألويتها خليفة المسلمين ويؤمر عليها أشهر القادة، ويبعث بها إلى ثغر من الثغور لتقوم بواجب الجهاد في تلك السنة، وهي الحد الأدنى المطلوب من الجهاد في كل عام.

فكان المسلمون يخرجون في كل صيف غزوة إلى بلاد الكفار ويسمونها "الصائفة" وربما كان هناك صائفتين أو أكثر تخرج لملاقاة الكفار ودعوتهم وإدخالهم في دين الله أو إرغامهم على الدخول تحت حكم الإسلام ودفع الجزية أو قتالهم وكسر شوكتهم..كل ذلك عملا بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 123]. وقوله تعالى: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29].

فكان المسلمون يخرجون لهذه السياحة العظيمة فيعودون وقد أدخلوا أناسًا في الإسلام وغنموا بلادًا وأموالاً، وكبتوا الكافرين، وأرهبوا الأعداء المتربصين، وقد علمنا التاريخ أن المسلمين لم يتركوا الجهاد إلا ويسلط الله عليهم الأعداء من كل جانب، وما أقاموا الجهاد في جبهة إلا وكبت الله أعداءهم على كل الجبهات، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

هذه هي سياحة الأمة المسلمة، وتلك هي برامج التنشيط السياحي لهذه الأمة..برامج مكثفة ليس فيها عبث ولا لهو ولا بطالة ولا عطالة ولا عطلة ولا تضييع للأوقات ولا تهميش للصلوات ولا ارتكاب للمحرمات ولا تسكع على الأرصفة للمعاكسات وإيذاء المارين والمارات، ولا تهافت على الأسواق، ولكن قوة ونشاط وعبادة وعزة ورفعة وتعال على حطام الدنيا وإقبال على عمارة الآخرة وحفظ للوقت وحفظ للدين وحفظ لكرامة الأمة.

أما سياحتنا في هذه الأيام فليس فيها ذكر للجهاد ولا للعبادة، بل هي تنصل من الجهاد والعبادة.

سياحة المسلمين في هذه الأزمنة هي السياحة على المفهوم الغربي الشهواني.

فالغربي يعمل طوال العام ويجمع المال في حرص وشح حتى إذا جاء وقت الإجازة عطل عقله وعطل تفكيره وعطل أخلاقه إن كان له بقية أخلاق ثم أصبح بهيمة من البهائم يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم.

وما هو إلا أن تحل الإجازة الصيفية حتى يركب الأب همٌ عظيم، لأنه لا بد له حسب المفهوم الحديث من السفر، فالإجازة تعني عند الأهل والأبناء السفر والخروج من البيت.

هذا المفهوم الخاطئ الذي ساهم بعض المدرسين في ترسيخه لدى الطلاب. فآخر سؤال يتلقاه الطالب من أستاذه قبل الإجازة هو: إلى أين ستسافر؟

وأول سؤال بعد الإجازة هو: إلى أين سافرتم؟ وكأن السفر في الإجازة ركن من الأركان الخمسة. حتى أن بعض الطلاب الذين لم يتسن لهم السفر يضطر أن يكذب تخلصا من الموقف المحرج أمام زملائه.

ويكون الأب المسكين تحت هذا الضغط فيضطر إلى السفر.ولكن إلى أين؟

يبحث في الدعايات السياحية، فيجد هذا يدعو إلى حفلة موسيقية، وهذا يدعو إلى مسرحية عبثية، وهذا يدعو إلى فساد.

وهذا يدعو إلى قمار، وهذا يدعو إلى ميسر، وهذا يدعو إلى متعة جنسية.

فإن ذهب إلى الخارج فالدمار والفساد والكفر المباح.

وإن ذهب إلى الداخل فضياع الأوقات وضياع الأخلاق وأكل أموال الناس بالباطل والاختلاط ومهرجانات التسويق والترويج التي تُظل تحتها الفساد المبطن والرذيلة المغلفة.

أسفًا لبلاد الحرمين.

أراد الله تعالى أن تكون طاهرة، ويريد دعاة الشر أن تكون مدنسة.

إن من حق الحرمين علينا أن نصونهما ونصون سمعتهما عن أي أذى.

إن من حق الحرمين علينا أن لا نبرز بجانبهما أي معلم للهو والفساد.

لقد جعل الله البيت الحرام في واد غير ذي زرع حتى يكون قصده خالصا لوجه الله، فلا مصالح ولا ملاهي ولا شرك في النية، وإنما تهوي إليه أفئدة الناس لعظمته عند الله.

أما اليوم فإن كثيرًا من الناس يقصد للعمرة، ولكن بعد قضاء وطره من اللهو واللعب والسياحة في الأرض والتسوق، ولسان حال يقول لبيك اللهم سياحة متمتعا بها إلى العمرة.

اهتماماتنا للأسف لم تعد تتعدى الرفاهية والمتعة والكماليات.

إن بلاد الحرمين يجب أن تتميز عن غيرها..والسياحة بالمعنى الدارج خطر على البلاد والعباد.

هذه البلاد المباركة لا ينبغي أن يقدم فيها اللهو على الجد.

هذه البلاد المباركة لا يجوز أن تقام فيها الحفلات الغنائية المحرمة.

هذه البلاد المباركة لا يصح أن تعتز بقوم مكذبين مثل قوم صالح أو أصحاب الأخدود أو بقايا الأحقاف أو أي قوم عذبهم الله تعالى في الدنيا، وإنما تعتز هذه البلاد بكونها موطن الدعوة ومهبط الوحي ومأرز الإسلام.

والرسول  أمرنا أن لا ندخل على القوم المعذبين.. أمرنا ألا ندخل مدائن ثمود إلا ونحن باكين حتى لا يصيبنا ما أصابهم من العذاب.

وحين مر  بالحجر قال: "لا تشربوا من مائها شيئا ولا تتوضؤوا منه للصلاة وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ولا تأكلوا منه شيئا، ولا يخرجن أحد منكم إلا ومعه صاحب له"، ففعل الناس إلا أن رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الآخر في طلب بعيره، فأما الذي خرج لحاجته فإنه خنق على مذهبه، وأما الذي خرج في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيىء فأخبر بذلك رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- فقال: "ألم أنهكم أن لا يخرج أحد منكم إلا ومعه صاحبه" ثم دعا للذي خنق على مذهبه فشفي وأما الآخر فأهدته طيىء لرسول الله  -صلى الله عليه وسلم-  حين قدم المدينة.

هذا حصل لمن عصى أمر الرسول  مع أنه صاحب حاجة فكيف بمن يقيم الفنادق والملاهي بتلك المنطقة المعذبة.

أيها الأخ المسلم، إذا كان لا بد من السفر فليكن سفرك سفر طاعة..وسفر صلة رحم.. وسفر تدبر وتفكر في مخلوقات الله تعالى.

ولا يكن ضغط الأولاد داعيا لك إلى المعصية، فأنت الراعي وأنت المسئول عن الرعية.

الخطبة الثانية:

أما بعد:

تلك هي حال الأوائل وتلك سياحتهم وعزتهم، وهذه هي حالنا وهذه سياحتنا وخيبتنا.

فما هو الذي تغير وأين هو الخلل:

أما الديـار فإنها كديـارهم

 وأرى رجال الحي غير رجاله

أما الإسلام فلا يزال ناصعا كما هو، وأما المسلمين فحالهم يشكى إلى الواحد الأحد.

وآلمنـي وآلـم كـل حـر

 سؤال الدهر أين المسلمونَ؟!

ولا نملك من إجابة على هذا السؤال إلا أن نذكر الدهر بأمجادنا التي أقمناها في هذا العصر عصر الانحطاط.

سؤال الدهر عن قومي جحود

وإجحـاف بحـق المسلمينا

أمـا سجلت يا دهـر افتخارا

ومجدا بالملاهـي قـد بنينا

ألم تسـمع أغـان صـاخبات

 بعزف العود صغناها لحونا

لنا فـي كل يـوم ألف نجـم

ونجم صاعد في الصاعدينا

ألـم ترنا غزونـا كـل نـاد

 ألم تر كـم نسـاء قد سبينا

ألـم تسأل نسـاء الشرق عنا

ومن صـولاتنا مـاذا لقين

إذا ما كنت فـي شـك وريب

  فسائل عن بطولتنا الصحونا

فصحن الـرز نمـلأ جانبيـه

ونجعل فوقـه كبشـا سمينا

فمنـا مـن يجاذبـه شـمالا

ومنـا من ينازعـه يمينـا

ونبلـي فيـه تمزيقـا وطعنا

ونفتح بطنـه فتحـا مبينـا

كذلك من يحاول ظلم قومـي

سيصـبح عبـرة للعالمينـا

سنمطـره بإنكـار وشـجب

فعنـد الحق نأبـى أن نلينا

فدباباتهـم فـي بيـت لحـم

ومنتجعاتنـا في طور سينا

فمنتصرون لكـن للأعـادي

 ومنتقمون لكـن مـن أخينا

أيها الإخوة المسلمون: لطالما كان الأعداء يحلمون بفتح بلادكم أمام حملاتهم السياحية، ولطالما كانوا يحلمون بإخراج فتياتكم للعمل في المتنزهات والمرافق الترفيهية، ولطالما كانوا يحلمون بنشر الفاحشة والإباحية بينكم أيها المسلمون.

وإن من أبناء المسلمين أيضا من يسعى إلى هذا الهدف بقصد أو بغير قصد.

فاحذر يا أخي المسلم أن تكون منهم لأن الله تعالى قد توعدهم بالعذاب الشديد في الدنيا والآخرة، فقال جل وعلا: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور: 19].

ثم احذر أن تكون ممن يعاون على ذلك البلاء أو يطمئن إليه أو يشارك في هذه المهرجانات التي يعصى فيها الله. فإن الله تعالى قد توعد بالنار كل من كان عونا للظلمة فقال جل وعلا: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) [هود: 113].

إن من واجبك أيها المسلم أن تفشل البرامج والمهرجانات التي فيها مخالفات شرعية وذلك بعدم المشاركة فيها وعدم الدخول عليها وعدم دعمها ولو بريال واحد، وذلك ليعلم الكفار والمنافقون بأنهم وإن وجدوا طريقا إلى بلاد المسلمين فإنهم لن يجدوا طريقا إلى قلوب المسلمين ولا إلى عقولهم.

فالمسلم عقله أثمن من أن يمنحه هدية لأعداء الإسلام. وقلبه أغلى من أن يفسده بالشهوة البهيمية.