البحث

عبارات مقترحة:

القاهر

كلمة (القاهر) في اللغة اسم فاعل من القهر، ومعناه الإجبار،...

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

الرحيم

كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...

تسعة لا يكلمهم الله

العربية

المؤلف محمد بن مبارك الشرافي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الحديث الشريف وعلومه - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. تأملات في السنة النبوية .
  2. تسعة أعمال منكرة تباعد بين العبد وربه .
  3. وجوب اجتناب كبائر الذنوب .
  4. الحث على التوبة والاستغفار .

اقتباس

جَاءَتْ أَحَادِيثُ نَبَوِيَّةٌ صَحِيحَةٌ مُحَذِّرَةً مِنْ ذُنُوبٍ مُوبِقَاتٍ وَمِنْ عَظَائِمَ مِنَ الشَّرِّ مُهْلِكَاتٍ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا مَعْرِفَتُهَا لِكَيْ نَتَوَقَّاهَا وَنَجْتَنِبَهَا، وَفِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ مَعَنَا ثَلاثَةُ أَحَادِيثَ شَرِيفَةٍ كُلُّ حَدِيثٍ حَوَى النَّهْيَ عَنْ ثَلاثِ خِصَالٍ، فَلْنَعْرِضْ لَهَا بِاخْتِصَارٍ مِنْ دُونِ تَطْوِيلٍ مُمِلٍّ وَلا تَقْصِيرٍ مُخِلٍّ...

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ ذِي الْقُدْرَةِ الْقَاهِرَةِ وَالآيَاتِ الْبَاهِرَةِ وَالآلاءِ الظَّاهَرِة، حَمْدَاً يُؤْذِنُ بِمَزِيدِ نِعَمِهِ وَيَكُونُ حِصْنَاً مَانِعَاً مِنْ نِقَمِهِ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى خَيْرِ الْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ، ذِي الشَّرَفِ الْعَلِيِّ وَالْخُلُقِ السَّنِيِّ، وَعَلَى آلِهِ الْكِرَامِ وَأَصْحَابِهِ سُرُجِ الظَّلَامِ، مَا امْتَدَّ الدَّهْرُ وَتَعَاقَبَتِ الْأَيَّامِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ أَمَرَ بِالتَّقْوَى فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ وَالنَّجْوَى، لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَسْمَعُ وَيَرَى وَيَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: جَاءَتْ أَحَادِيثُ نَبَوِيَّةٌ صَحِيحَةٌ مُحَذِّرَةً مِنْ ذُنُوبٍ مُوبِقَاتٍ وَمِنْ عَظَائِمَ مِنَ الشَّرِّ مُهْلِكَاتٍ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا مَعْرِفَتُهَا لِكَيْ نَتَوَقَّاهَا وَنَجْتَنِبَهَا، وَفِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ مَعَنَا ثَلاثَةُ أَحَادِيثَ شَرِيفَةٍ كُلُّ حَدِيثٍ حَوَى النَّهْيَ عَنْ ثَلاثِ خِصَالٍ، فَلْنَعْرِضْ لَهَا بِاخْتِصَارٍ مِنْ دُونِ تَطْوِيلٍ مُمِلٍّ وَلا تَقْصِيرٍ مُخِلٍّ.

أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"، قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلَاثَ مِرَار، قَالَ أَبُو ذَرَّ: خَابُوا وَخَسِرُوا، مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ: هَؤُلاءِ الثَّلاثَةُ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ كَلَامَ رَحْمَةٍ، وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ نَظَرَ لُطْفٍ، بَلِ يُعْرِضُ عَنْهُمْ، وَلا يُطَهِّرُهُمْ مِنْ دَنَسِ ذُنُوبِهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ مُوجِعٌ يَخْلُصُ إِلَى قُلُوبِهِمْ! فَهَلْ يَتَجَرَّأُ مُؤْمِنٌ عَلَى هَذِه الذُّنُوبِ أَوْ يَقْتَرِبُ مِنْ هَذِهِ العُيُوب؟

إِنَّ أَوَّلَهُمْ رَجُلٌ أَتَاهُ الْهلَاكُ مِنْ قِبَلِ لِبَاسِهِ، فَيَرْتَدِيَ لِبَاسَاً مُسْبَلَاً يَجُرُّهُ خُيَلَاءَ وَيَتَبَخْتَرُ فِيهِ كِبْرِيَاءَ، فَهَذَا يُبْغِضُهُ اللهُ وَتَوَعَّدَهُ بِهَذَا الْعَذَابِ الْأَلِيمِ، فَأَمَّا إِنْ لَمْ يُجُرَّ لِبَاسَهُ خُيَلَاءَ وَإِنَّمَا نَزَلَ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ فَإِنَّهُ مُتَوَعَّدٌ بِعَذَابٍ، وَهُوَ أَنَّ مَا تَحْتَ كَعْبَيْهِ فِي النَّارِ تُحْرِقُهُ وَتُوجِعُهُ.

وَلا فَرْقَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ فِي هَذَا بَيْنَ الثَّوْبِ أَوْ الِمْشَلَحِ أَوِ الْفَرْوَةِ أَوِ السَّرَاوِيلِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ أَلْبِسَةِ الرِّجَالِ، فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الشَّبَابُ، وَخَافُوا الجَبَّارَ أَيُّهَا الْكِبَارُ، فأَنْفُسَكُمْ لَا تُهْلِكُوهَا، وَمَلَابِسَكُمْ فَلَا تُطِيلُوهَا!

وَأَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ الذِي لا يُعْطِي شَيْئَاً لِغَيْرِهِ صَدَقَةً أَوْ هَدِيَّةً إِلَّا مَنَّهَا، بِأَنْ يُذُكِّرَهُ بِهَا وَبِمَا جَادَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مُنَاسَبَةٍ، وَهَذَا يُوجِبِ لِصَاحِبِهِ الْحَيَاءَ وَالإحْرَاجَ، وَلِذَلِكَ الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ أَحْسَنَ إِلَى غَيْرِهِ أَنْ يَنْسَى إِحْسَانَهُ وَأَنْ يَحْتَسِبَ الْأَجْرَ عِنْدَ اللهِ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَهُوَ الذِي يَحْلِفُ عِنْدَ الْبيْعِ حَلِفَا كَاذِبَاً لِيُرَوِّجَ بِضَاعَتَهُ وَيُنَفِّقَهَا، فَالْحَلِفُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَذْمُومٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ صِدْقاً، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "الحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلْبَرَكَةِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فَهَذَا الْأَثَرُ مِنْ مَحْقِ البَرَكَةِ إذا كان الْحَلِفُ صِدْقاً، فَإِنْ كَانَ كَذِبَاً فَقَدْ سَمِعْتُمُ الْوَعِيدَ فِيهِ فِي ذَلِكَ.

أَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي: فَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالْفَلَاةِ يَمْنَعُهُ مِنِ ابْنِ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ لَهُ بِاللَّهِ: لَأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِلدُّنْيَا، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَؤُلاءِ ثَلاثَةُ آخَرُونَ مُتَوَعَّدُونُ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ عَلَى هَذِهِ الذُّنُوبِ الْمُهْلِكَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ عَلَى زَبَونٍ جَاءَهُ فَأَقْسَمَ لَهُ بِاللهِ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا بِالسِّعْرِ الْفُلَانِيِّ فَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ السِّلْعَةَ، وَالْوَاقِعُ أَنَّ هَذَا الْبَائِعَ كَاذِبٌ.

وَإِنَّمَا خَصَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعَصْرَ لِأَنَّهُ وَقْتٌ فَاضِلٌ، وَالذُّنُوبُ تَعْظُمُ إِذَا فُعِلَتْ فِي الزَّمَانِ الْفَاضِلِ أَوِ الْمَكَانِ الْفَاضِلِ، فَلَيْسَتْ السَّرِقَةُ فِي مَكَّةَ كَالسَّرِقَةِ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْبُلْدَانِ، مَعَ أَنَّ السَّرِقَةَ مُحَرَّمَةٌ فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَهَكَذَا هُنَا: فَالْبَائِعُ جَمَعَ بَيْنَ الْحَلِفِ فِي السِّلْعَةِ وَالْكَذِبِ فِيهَا فِي وَقْتٍ فَاضِلٍ فَاسْتَوْجَبَ هَذَا الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ.

وَأَمَّا الثَّانِي: فَهُوَ شَخْصٌ فِي الصَّحَرَاءِ وَعِنْدَهُ مَاءٌ زَائِدٌ عَنْ حَاجَتِهِ إِمَّا فِي بِئْرٍ أَوْ فِي مَكَانِ تَجَمُّعِ السَّيْلِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، ثُمَّ هُوَ لا يَسْمَحُ لِمَنْ مَرَّ بِهِ مِنْ أَبْنَاءِ السَّبِيلِ الْمُحْتَاجِينَ لِهَذَا الْمَاءِ سَوَاءٌ لِأَنْفُسِهِمْ أَوْ لِبَهَائِمِهِمْ، وَصَارَ لَهُ هَذَا الْوَعِيدُ الْعَظِيمُ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ النَّاسَ شُرُكَاءَ فِي ثَلاثَةِ أَشْيَاءَ وَهِيَ: الْمَاءُ وَالنَّارُ وَالْكَلَأُ أَيِ: الْعُشْبُ.

فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَاءٌ زَائِدٌ عَلَى حَاجَتِهِ أَنْ يَتْرُكَهُ لِلنَّاسِ الْمُحْتَاجِينَ يَنْتَفِعُونَ مِنْهُ، وَلَكِنْ إِنْ كَانَ هَذَا الْمَاءُ قَدْ حَازَهُ الشَّخْصُ فِي بِرْكَةٍ أَوْ خَزَّانٍ أَوْ قِرْبَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَقَدِ اخْتَصَّ هُوَ بِهِ فَلا يَجِبُ عَلَيْهِ بَذْلُهُ لِغَيْرِهِ إِلَّا إِذَا كَانَ مُضْطَرَّاً إِلَيْهِ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ بَهَائِمِهِ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَمَّا الثَّالِثُ فَهُوَ شَخْصٌ بَايَعَ الْإِمَامَ أَيِ: الْحَاكِمَ بَيْعَةَ الْحُكْمِ التِي قَدْ أَوْجَبْتَهَا الشَّرِيعَةُ، لَكِنَّهُ لَمْ يُبَايِعْهُ للهِ وَإِنَّمَا بَايَعَهُ لِأَمْرِ الدُّنْيَا، فَطَمِعَ أَنْ يُعْطِيَهُ هَذَا الْحَاكِمُ أَوِ الْأَمِيرُ مِنَ الْمَالِ، فَهُوَ يَنْتَظِرُ فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَقَلَّدَهُ مِنَ الْمَنَاصِبِ فَإِنَّهُ يَسْتَمِرُّ عَلَى بَيْعَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلُ لَهُ شَيءٌ مِنَ الدُّنْيَا نَكَثَ الْبَيْعَةَ وَخَانَ الْحَاكِمَ وَرُبَّمَا خَرَجَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا عَظُمَتْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَلَى الْحَاكِمِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْفَسَادِ وَالشَّرِّ عَلَى النَّاسِ؛ لِأَنَّ النِّظَامَ يَخْتَلُّ وَالْأَمْنُ يَضْمَحِلُّ وَالْخَرَابُ وَالدَّمَارُ يَحِلُّ، وَلِذَلِكَ جَاءَتِ النُّصُوصُ الشَّدِيدَةُ فِي التَّحْذِيرِ مِنْ تَرْكِ بَيْعَةِ الإِمَامِ، وَأَمَرَنَا بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوِ اطَّلَعْنَا عَلَى أَخْطَائِهِ وَعُيُوبِهِ وَتَقْصِيرِهِ، فَعَنْ أَبِي رَجَاءٍ العُطَارِدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

فَاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ قَبِلَ شَرْعَكَ وَأَحْكَامَكَ وَاسْتَقَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَلْقَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرِّحِيمُ.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الحَمْدُ للهِ حَمْدَاً كَثِيرَاً طَيِّبَاً مُبَارَكَاً فِيهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وُرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَتَعَلَّمُوا مِنْ دِينِكُمْ مَا تَنَالُونَ بِهِ رِضَّا رَبِّكُمْ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى لَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أن رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ وَمَلِكٌ كَذَّابٌ وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

فَهَؤُلاءِ ثَلاثَةٌ آخَرُونَ لَهُمْ هَذَا الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ وَالْعَذَابُ الْأَكِيدُ، فَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا فَهُمْ فِي خَطَرٍ وَرُبَّمَا يُسْلَكُ بِهِمْ إِلَى سَقَرٍ.

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَهُوَ مَنْ وَاقَعَ الزِّنَى وَقَدْ كَبُرَتْ سِنُّهُ وَرَقَّ عَظْمُهُ، وَالزِّنَى حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ عَلَى الشَّبَابِ وَالشِّيَّابِ لَكِنَّهُ إِذَا وَقَعَ مِنْ كَبِيرِ السِّنِّ فَإِنَّهُ يَعْظُمُ ذَنْبُهُ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى خُبْثِ نَفْسِهِ وَسُوءِ طَبْعِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [الإسراء: 32].

وَأَمَّا الْمَلِكُ الْكَذَّابُ: فَهُوَ الْحَاكِمُ الذِي لا يَصْدُقُ فِي حَدِيثِهِ وَإِنَّمَا يُخْبِرُ بِخِلَافِ الْوَاقِعِ، فَهُوَ مُتَوَعَّدٌ بِهَذَا الْعَذَابِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لا حَاجَةَ لِهَذَا الْمَلِكَ أَنْ يَكْذِبَ لِأَنَّهُ لَيْسَ رَاغِبَاً وَلا رَاهِبَاً مِنْ أَحَدٍ.

وَالْكَذِبُ حَرَامٌ يِجِبُ اجْتِنَابُهُ وَيِجُبُ تَحَرِّي الصِّدْقِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ، وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَأَمَّا الثَّالِثُ: فَهُوَ الْفَقِيرُ الْمُتَكَبِّرُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْكِبْرَ مَذْمُومٌ بِكُلِّ حَالٍ، لَكِنَّ الذِي يَدْعُو لَهُ غَالِبَاً هُوَ الْغِنَى أَوِ الْمَنْصِبُ الرَّفِيعُ وَهَذَا الْفَقِيرُ لَيْسَ عِنْدَهُ مَالٌ وَلا مَنْصِبٌ فَالَّذِي حَمَلَهُ عَلَى الْكِبْرِ إِنَّمَا هُوَ خُبْثٌ فِي نَفْسِهِ وَسُوءٌ فِي خُلُقِهِ فَكَانَ لَهُ هَذَا الْوَعِيدُ الْمُخِيف.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْوَاجِبَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَمِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ اجْتِنَابُ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَحَذَرَاً مِنْ سَخَطِهِ، قَالَ اللهُ –تَعَالَى-: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء: 13- 14].

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَرْزُقَنِي وَإِيَّاكُمْ وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ الْفِقْهَ فِي دِينِهِ وَالْعَمَلَ بِشَرْعِهِ وَاتِّبَاعَ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا!

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ، وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنْ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا!

اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ!

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن!

 وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِين.