الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | خالد القرعاوي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - التربية والسلوك |
أيُّها الكِرامُ: ليس مَعْنى أنَّ كُلَّ مَنْ فَكَّ رَقَبَةً, أو أطْعَمَ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ, أنَّهُ صَارَ مُؤمِناً تَقِيِّاً، لا، بَل المُرَادُ أنَّ مِنْ جُمْلَةِ الأعْمَالِ المَطلُوبَةِ مِنْكَ كَذلِكَ أنْ تَكُونَ: (مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) [البلد: 17]، فالإيمَانُ بِاللهِ، وَبِمَا أَعَدَّهُ مِنْ ثَوابٍ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا، وَلِهذا...
الخطبة الأولى:
الحَمدُ للهِ أَكرَمَنا بِالإيمانِ, وأَعزَّنا بالإسلامِ, وتَفَضَّل علينا بِالقُرآنِ, وَهَدَانَا بِبِعْثَةِ سيِّدِ الأَنَامِ, نَشهدُ ألاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ, وَنَشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُه بَعَثَهُ اللهُ رَحمَةً وأَمَانَاً لِلأِنْسِ والجَانِ, صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعلَى جَمِيعِ الآلِ وَالأَصْحَابِ والأَعوَانِ, وَمَنْ تَبِعَهْم بِإحسَانٍ وإيمانٍ.
أَمَّا بَعدُ:
فاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ- حَقَّ التَّقوى: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) [النساء: 69].
أيُّها المُؤمِنُ الكَرِيمُ: هَنِيئَاً لَكَ هَذا الوَصْفُ والعُنْوَانُ, أَنْتَ مَنْ يُحِبُّ اللهُ أنْ يُنادِيكَ بِوَصْفِ الإيمَانِ!
أَنْتَ مَن نَطَقَ بِشَهَادَةِ ألاَّ إِلَهَ إلاَّ اللهُ، وأَنَّ مُحمَّداً رَسُولُ اللهِ, قُلْتَ ذَلِكَ بِلسَانِكَ، واعْتَقْدَّتَهُ بِقلْبِكَ، وَأَخْلَصتَ لِلهِ بِعَمَلِكَ.
أَتَدْرِي مَنْ أَنْتَ؟
أَنْت َمَنْ يَستَغفِرُ لَكَ المَلائِكةُ المُقَرَّبُونَ: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [غافر: 7].
عِبَادَ اللهِ: نُرِيدُ أنْ نَكُونَ مِمَّنْ وَصَفَهُمُ في سُورَةِ البَلَدِ بِقَولِهِ: (مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) [البلد: 17] حتى نَكُونَ بإذنِ اللهِ وَتَوفِيقِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْمَيْمَنَةِ.
ذلكَ بَعْدَما عَرفْنا بِحَمْدِ اللهِ كَيفَ نَتَجَاوزُ العَقَبَةَ الشَّاقَّةَ التي تَنْتَظِرُ كُلَّ واحِدٍ مِنَّا؟
فَكَانَ أَوَّلُ الأَعْمَالِ: فَكُّ رَقَبَةٍ، وَذَلِكَ بِعِتْقِها وَتَخْلِيصِها مِنْ الرِّقِّ: (أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) [البلد: 14] الإطْعَامُ فِي يَومٍ شَدِيدِ المَجَاعَةِ على المُعْوِزِيْنَ مِن المُسلِمِينَ.
وَثَالِثُ الأعْمَالِ المُنْجِيَةِ مِن العَقَبَةِ أنْ تَكُونَ: (مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)[البلد: 17].
أيُّها الكِرامُ: ليس مَعْنى أنَّ كُلَّ مَنْ فَكَّ رَقَبَةً, أو أطْعَمَ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ, أنَّهُ صَارَ مُؤمِناً تَقِيِّاً، لا، بَل المُرَادُ أنَّ مِنْ جُمْلَةِ الأعْمَالِ المَطلُوبَةِ مِنْكَ كَذلِكَ أنْ تَكُونَ: (مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) [البلد: 17] فالإيمَانُ بِاللهِ، وَبِمَا أَعَدَّهُ مِنْ ثَوابٍ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا، وَلِهذا قَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَيَفُكُّ الْعَانِيَ، وَيُعْتِقُ الرِّقَابَ، وَيَحْمِلُ عَلَى إِبِلِهِ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: "لا يَا عَائِشَةُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ".
وَيُفْهَمُ مِنَ الحَدِيثِ: أَنَّهُ لَوْ عَمِلَ هَذِهِ الْقُرَبَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَآمَنَ بِاللَّهِ، حِينَ جَاءَ الْإِسْلَامُ لَكَانَ عَمَلُهُ ذَلِكَ مَحْمُودًا.
فَثَوَابِ الْإِيمَانِ -يَا مُؤمِنُونَ- وَدَرَجَتُهُ أَعْظَمُ بِكَثِيرٍ مِنْ دَرَجَةِ ثَوَابِ سَائِرِ الْأَعْمَالِ، وَصَدَقَ المُصطفى الأمينُ حينَ قالَ: "ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً".
الإيمَانُ -يَا مُؤمِنُونَ- "لَيسَ بِالتَّمَنِّي ولا بِالتَّحلِّي، وَلَكِنْ مَا وَقَرَ في القَلبِ, وَصَدَّقَهُ العَمَلُ" قَالَ اللهُ -تَعَالى-: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)[البلد: 17] أَيْ يَتَوَاصَى مَعَ إِخْوَانِهِ بِالصَّبْرِ والمَرْحَمَةِ، فَيَكُونُ لإخْوَانِهِ مَصْدَرَ تَثْبِيتٍ وَطُمَأْنِينَةٍ، لا مَثَارَ جَزَعٍ وَقَلَقٍ وَهَلَعٍ! فَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالصَّبْرِ عَلى طَاعَةِ اللهِ، وَالقِيَامِ بِأَوَامِرِهِ.
وَيَحُثَّهُمْ كَذلِكَ بِالصَّبْر عَنْ مَعَاصِي اللهِ، وَالكَفِّ عَنْ مَحَارِمِهِ، وَيُبِيِّنُ لَهُمْ فَوَائِدَ الصَّبْرِ عَلى أَقْدَارِ اللهِ المُؤْلِمَةِ، في النَّفْسِ والأَهْلِ والمَالِ، فَيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهَا مِنْ عِندِ اللهِ، فَيَحْصُلُ لَهُمُ الرِّضَا، وَيُسَلِّمُوا أُمُورَهُمِ لِلهِ الوَاحِدِ الأحَدِ،كُلُّ تِلْكَ الفَوائِدِ تَحَصَّلَ عليها النَاسُ لَمَّا كَانَ لَهُمْ أَخَاً مُحِبَّاً, وَنَاصِحَاً مُشْفِقَاً لَهُمْ على الصَّبْرِ والمَرحَمَةِ!
عِبَادَ اللهِ: وَلِكَي أُقَرِّبَ لَكُمْ مِثَالاً حَيَّاً وَوَاقِعَاً مَشْهُودَاً؛ مَا تَمُرُّ بِهِ مَمْلَكَتُنَا -رَعَاهَا اللهُ وأَيَّدَها بالْحَقِّ وَعَلَى الحَقِّ, فَهِيَ تَقُودُ حَرْبَاً فِي الَيَمَنِ ضِدَّ الحَوثِيِّينَ وَأَذْنَابِهِمْ, وَتُشَارِكُ فِي نُصْرَةِ إخْوَانِنَا في الشَّامِ بِالعَتَادِ والسِّلاحِ والرِّجَالِ، وَأَعْلَنَت لِلنَّاسِ بِضَرُورَةِ الاقْتِصَادِ فِي كُلِّ مَصَادِرِ الطَّاقَةِ-، هَذهِ الحالَةُ التي نَمُرُّ بِها, النَّاسُ فَيها طَرَفَانِ وَوَسطٍ:
قِسْمٌ: قَدْ أَدْخَلَ على النَّاسِ الهَلَعَ والرُّعْبَ والقَلَقَ، وَشَكَّكَ النَّاسَ فِي كُلِّ شَيءٍ، وأنَّ المُستَقَبلَ مُظْلِمٌ وَقَاتِمٌ.
وَقِسْمٌ: سَادِرُونَ لاهُوْنَ يَبُثُّونَ عَبرَ وَسَائِلِهِمْ الفِسْقَ والفُجُورَ والمُجُونَ, وَيُشَكِّكُونَ بالثَّوابِتِ والمُسَلَّماتِ, وَيَبُثُّونَ الفُرْقَةَ والخِلافَ والنِّزَاعَ بَينَ النَّاسِ!
وَكِلا الطَّرَفَينِ مُجَانِبٌ لِلصَّوابِ, ولَمْ يُحَقِّقُوا مَعْنى التَّواصِي بالصَّبْرِ.
وَقِسْمٌ ثَالِثٌ: أَمَرُوا النَّاسَ في مثلِ هذهِ الظُّرُوفِ على الاستِعانَةِ بالصَّبْرِ والتَّقوى والإكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ وَدُعائِهِ، والسَّعي إلى تَوحيدِ الكَلِمَةِ، وَلُحْمَةِ الصَّفِ، والوُقُوفِ جَنْبَاً إلى جَنْبٍّ مَعَ عُلَمَائِنا وَأُمَرَائِنا وَوُلاتِنَا.
فَهؤلاءِ مِمَّنْ تَواصَوا بالصَّبْرِ.
ليسَ الأمْرُ كذلِكَ فَحَسْبٌ، بل: (وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)[البلد: 17]، فَهُمْ مَعَ مُجْتَمَعِهِمْ يَقُومُونَ بِأَعْمَالٍ تَطَوُّعِيَّةٍ جَلِيلَةٍ؛ كَمَا قَالَ الشَّيخُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "مِن إِعْطَاءِ مُحتَاجِهِمْ، وَتَعْلِيمِ جَاهِلِهِمْ، وَالقِيَامِ عَلَى مَصَالِحِهِمُ الدِّينِيَّةِ والدُّنْيَوِيَّةِ، وَأَنَّهُ يُحِبُّونَ لَهُم مَا يُحِبُّونَ لأنْفُسِهِم، وَيَكرَهُونَ لَهُم مَا يَكْرَهُونَ لِأنْفُسِهِم. وَهَذا أعْظَمُ دَلِيلٍ عَلى أَنَّهُم يَنْطَلِقُونَ مِنْ دِينِ الرَّحْمَةِ وَالإحْسَانِ والمَحَبَّةِ، خِلافًا لِمَا يَزْعُمُهُ أَعْدَاؤهُمْ، فَهُم بِحَمْدِ اللهِ: (رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الفتح: 29]، لذلكَ استَحَقُّوا أنْ يَكُونوُا مِنْ أَصْحَابِ الْمَيْمَنَةِ. الذِينَ لَهُمُ اليُمْنُ والبَرَكَةُ والخَيرُ الوَفِيرُ، وَهُمُ الذينَ يَأْخُذُونَ كُتُبَ أَعْمَالِهِمْ بِأَيْمَانِهِم، فَهُم فِي عِلِّيينَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ, مِنْ شِدَّةِ فَرَحِهم كُلُّ مَنْ قَابَلَهُم قَالوا لَهُمْ: (هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ) [الحاقة: 19] دُونَكُم كِتَابِي فَاقْرَؤوهُ، فَإِنَّهُ يُبَشِّرُ بِالجَنَّاتِ، وَأَنْوَاعِ الكَرَامَاتِ، بِمَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَيَّ مِنْ أَنْواعِ الأعْمَالِ الصَّالِحاتِ.
فاللهُمَّ يا حَيُّ يا قَيُّومُ يَمِّنْ كِتَابَناَ، وَيَسِّرْ حِسَابَناَ، واختِمْ بالصَّالِحاتَ أَعْمَالَنَا, واجْعَلْنَا مَفَاتِيحَ خَيرٍ، مَغَالِيقَ شَرِّ، سِلْمَاً لأولِيَائِكَ، حَرْبَاً على أعدَائِكَ.
وَأَستَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم ولِلمسلِمينَ مِن كُلِّ ذَنْبٍّ فاستَغفِرُوهُ وَتُوبُوا إليهِ إنَّهُ هو الغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلهِ أَرْشَدَنا لِأَكْمَلِ الآدَابِ، وَفتَحَ لنا مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ كُلَّ بَابٍ، أَنَارَ بَصَائِرَ المُؤمِنِينَ فَأَدْرَكُوا الحَقَائِقَ وَطَلبُوا الثَّوابَ، وَأَعْمَى بَصَائِرَ المُعْرِضِينَ عَنْ طَاعَتِهِ فَكَانَ لَهُم سُوءُ الحِسابِ, نَشْهدُ ألاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ المَلِكُ الْعَزيزُ الوَهَّابُ، وَنَشْهدُ أنَّ مُحمَّدَاً عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، بُعِثَ بِأَجَلِّ العِبَادَاتِ، وأَكمَلِ الآدَابِ، صلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلى جَمِيعِ الآلِ والأَصْحَابِ، والتَّابِعِينَ لَهم بِإحْسَانٍ وإيمَانٍ إلى يَومَ المَآبِ.
أمَّا بَعدُ:
فاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوى، واحَمَدوا اللهَ على مَا هَدَكُمِ إليهِ مِن البِرِّ والطَّاعَةِ والتَّقْوى.
فَقَدْ كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَ أُنَاسٍ فَثَبَّطَهُمْ فَكَانوا مَعَ الْقَاعِدِينَ.
عبادَ اللهِ: لَقَد حُرِمَ نُورُ الطَّاعَةِ والإيمَانِ أَقْوامٌ زَاغُوا فَأَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ, وَهُمُ الذينَ عَنَاهُمُ اللهُ -تَعَالى- في آخِرِ سُورَةِ البَلَدِ بِقَولِهِ: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) [البلد: 19].
سُبْحَانَ اللهِ: لَمْ يُعَدِّدِ اللهُ هُنَا أَوْصَافَاً أُخْرَى لِفَرِيقِ المَشْأَمَةِ غَيرَ أَنَّهُم كَفَرُوا بِآيَاتِنَا؛ لِأَنَّ صِفَةَ الكُفْرِ بِاللهِ وآيَاتِهِ تُنْهِي المَوْقِفَ، فَلا حَسَنَةَ مَعَ الكُفْرِ، ولا سَيِّئَةَ إلاَّ والْكُفْرُ يَتَضَمَّنُهَا أَو يُغَطِّي عَلَيها، فَلا ضَرُورَةَ لِلقَوْلِ بِأَنَّهُمْ لا يَفُكُّونَ الرِّقَابَ، ولا يُطعِمُونَ الطَّعَامَ، بَلْ لأنَّهُم كَفَرُوا وَكفَى! فَهُم نَبَذُوا أَوَامِرَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِم، وَلَمْ يُصَدِّقُوا بِاللهِ، وَلا رَحِمُوا عِبَادَ اللهِ، وَلا عَمِلُوا صَالِحًا، فَكَانُوا: (هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ) [البلد: 19] أَيْ: أَصْحَابُ الشِّمَالِ، وَأَصْحَابُ الشُّؤْمِ والنَّحَسِ, والضِّيقِ والنَّكَدِ، فِي الدُّنْيا وَفِي الآخِرَةِ: (عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ) [البلد: 20].
وَلاحِظْ قَالَ: (عَلَيْهِمْ)، وَلَمْ يَقُلْ هُمْ فِي نَارٍ مُؤْصَدَةٍ، وَذَلِكَ لإطْبِاقِهَا عَلَيهِمْ. مُغَلَّقَةٍ عَلَيهِمْ لا مَنْفَذَ لَهُمْ فِيها، قَدْ أُوصِدَت أَبْوَابُها، وَأُغْلِقَتْ عَلَيهِم أَسْوَارُها فَمَا عَادَ لَهُم مَخْرَجٌ مِنْهَا: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا) [الحـج: 22] أجَارَنا اللهُ وَوَالِدِينا والمُسْلِمينَ مِنْها.
بَهذَا التَّهدِيدِ والوَعِيدِ، خُتِمَتْ سُورَةُ الْبَلدِ، لِتَكُونَ بِشَارَةً لأَهلِ الإيمانِ والبَذْلِ والإنْفَاقِ في سَبِيلِ اللهِ, وحَثَّاً لِلمُؤمِنِينَ على التَّنَوُّعِ بِأَعمَالِ البِرِّ والإحْسَانِ، وَتَهدِيداً وَوعيدَاً لِلمُكَذَّبينَ باللهِ واليومِ الآخِرِ, وأنَّ لَهُمْ نَاراً مُؤْصَدَةً عليهم.
عِبادَ اللهِ: وإذا اجتَمَعَ مَعَ الكُفْرِ حَرْبٌ على الدِّينِ وعلى عِبَادِ اللهِ المُؤمِنينَ فَأيْقِنُوا: "أَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُمْلِى لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ"، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102].
فَهَلْ تَظُنُّونَ -يا مُؤمِنُونَ-: أنَّ اللهَ غَافِلٌ عمَّا يَعمَلُ الظَّالِمُونَ في فِلَسطِينَ وعلى أَرْضِ الشَّامِ المُبارَكَةِ، أو في أرضِ الحِكْمَةِ والإيمانِ على أَيْدِ الحُوثِيِّينَ وأتْبَاعِهِم! فَقَدْ سَامُوا المسلِمينَ سُوءَ العَذَابِ، وإنَّ اللهَ لَهُمِ بالمِرْصَادِ؟
فَأكثروا -يا مُؤمِنُونَ- مِنْ دُعاءِ اللهِ وَذِكْرِهِ، فَإنَّ اللهَ -تَعالى- أَمَرَ، فَقَال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ) [الأنفال: 45].
فاللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجِرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ، اهْزِمْ أعدَاءَ الدِّينِ في كُلِّ مَكَانٍ.
اللهمَّ عليكَ بالحَوثِيِّينَ الرَّافِضَةَ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِم، اللَّهُمَّ ثَبِّتْ جُنُودَنَا وَأَيَّدْهُمْ بِتَأْيِيدِكَ، وَأَنْزِلِ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ، اللَّهُمَّ سَدِّدْ رَمْيِهُمْ، وَارْبِطْ عَلَى قُلُوبِهِمْ، اللَّهُمَّ كُنْ مَعَهُمْ وَلا تَكُنْ عَلَيْهِمْ، اللَّهُمَّ احفَظْ جُنْدَنَا وجُندَ المُسلِمينَ مِن كُلِّ سُوءٍ وَمَكرُوهٍ.
اللَّهُمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمُسلِمينَ، اللَّهُمَّ اكتُب النَّصرَ والتَّمكِينَ لِجَمِيعِ المُسلمينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ.
اللَّهُمَّ وفِّق وليَّ أَمرِنَا وجَمِيعَ وُلاةِ المُسلمين لِما تُحبُّ وترضى.
اللَّهُمَّ احفَظْ بلادَ المُسلمينَ مِن الشُّرورِ والأَخطَارِ، اللَّهُمَّ احفَظْ علينا أمنَنا واستِقرارَنا، واجعَلنا شاكِرين لنِعَمِك، مُثنِينَ بها عليك.
اللَّهُمَّ حَرِّر أَقْصَانا, وانصُرْ إخوانَنا فِي سُوريا، وأعزَّهم فِي العِرَاقِ، وفي كُلِّ مَكانٍ.
الَّلهُمَّ وعَليكَ بِحزْبِ الشَّيطانِ في لُبْنَانَ وَفِي كُلِّ مَكَانِ يا قَويُّ يا عَزِيزُ.
أنعِم على المُسلمينَ بكلِّ عزٍّ وتَمكِينٍ يا ذا الجَلالِ والإكرَامِ.
عباد الله: (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب: 41 - 42].
(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].