البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
العربية
المؤلف | إبراهيم بن محمد الحقيل |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
ومن حكمة الله تعالى في عدم التوسعة على البشر في الرزق أن ذلك يؤدي بهم إلى الأشر والبطر والبغي والفساد في الأرض
(وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) الشُّورى:27
الحمد لله الجواد الكريم؛ خلق الخلق فدبرهم، وهداهم إلى ما يصلحهم ورزقهم، احتاج الخلق إليه وهو غني عنهم (وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ) [الذاريات:56-58] نحمده على ما هدانا، ونشكره على ما أعطانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ (لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الشُّورى:12]، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أكمل الخلق إيمانا به، وأكثرهم رجاء له، وأشدهم خوفا منه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- وأطيعوه؛ فإن في طاعته سعادةَ الدارين، وإن في معصيته شقاءَ الحياتين (يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الأعراف:35-36].
أيها الناس: رِزْقُ الخلقِ على الله تعالى، خلقهم سبحانه وكفلهم وهو يرزقهم (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك:15].
ومن خصائص ربوبيته عز وجل أنه ينفق على خلقه ويرزقهم منذ خلقهم، فلا ينقطع رزقه، ولا تنفد خزائنه، ولا ينقص ما عنده (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ الله بَاقٍ) [النحل:96] وفي الآية الأخرى (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ) [ص:54].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يَدُ الله مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، أَرَأَيْتُمْ ما أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السماوات وَالْأَرْضَ فإنه لم يَغِضْ ما في يَدِهِ" متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ورِزْقُ الله تعالى لعباده خاص وعام: فأما الخاص فيكون لبعض عباده دون بعض، بما يفتح الله تعالى عليهم من أبواب الرزق دون غيرهم، كما فتح سبحانه لبعض عباده في أبواب التجارة فلا يخسرون فيها أبدا، وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ رضي الله عنه بِالْبَرَكَةِ في بَيْعِهِ : "فكان لو اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فيه" رواه البخاري.
وأما الرزق العام فبما ينزل الله تعالى لعباده من غيث السماء، ويخرج لهم من خيرات الأرض، مما يحتسبونه وينتظرونه، ومما لا يحتسبونه ولا يتوقعونه، والله يرزق من يشاء بغير حساب، فينتفع بهذا الرزق البشرُ والحيوان والأشجار، ثم يعود نفع ذلك لبني آدم؛ لأن كل ما في الأرض مسخر لهم (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ) [الجاثية:13].
إن رزق الله تعالى مقسوم بين عباده أفرادا ودولا وأمما على كيفية لا يعلمها إلا الله تعالى فهو الباسط القابض، وهو المعطي المانع (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) [النحل:71] ومردُّ هذا التفاوت في الرزق بين العباد والدول والأمم علمُ الله تعالى وحكمتُه (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [العنكبوت:62].
وأكثر الناس لا يدركون حكمة الله تعالى في رزقه؛ ولذلك يتسخطون ولا يرضون بما قُسم لهم منه (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سبأ:36 ].
ومن حكمة الله تعالى في عدم التوسعة على البشر في الرزق أن ذلك يؤدي بهم إلى الأشر والبطر والبغي والفساد في الأرض (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [الشُّورى:27 ].
والرزق يطلب من الله تعالى، ولا يبتغى عند غيره؛ لأنه لا رازق إلا الله تعالى (فَابْتَغُوا عِنْدَ الله الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [العنكبوت:17].
ولجلب الرزق وتحصيله أسباب، كما أن للحرمان منه ومنعه أسبابا أخرى، وحري بالعاقل أن يجتنب أسباب حرمان الرزق، ويَجِدَّ في أسباب حصوله.
والمطر من رِزْقِ الله تعالى لأهل الأرض (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آَيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا) [غافر:13].
ويكون تصريفه وقسمته بين أهل الأرض على وفق مشيئة الله سبحانه لحكمة يريدها عز وجل (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ) [النور:43] وفي الآية الأخرى (وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا) [الفرقان:50 ].
وإذا حُبِس القطر عن أهل الأرض حصل لهم من الكرب والجوع ونقص الثمرات وقلة الخيرات ما لا يعلمه إلا الله تعالى (أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) [الملك:21].
وفي خصوص الماء الذي لا حياة لمن على الأرض إلا به يقول سبحانه ممتنا على عباده: (أَفَرَأَيْتُمُ المَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ المُزْنِ أَمْ نَحْنُ المُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [الواقعة:68-70] وفي الآية الأخرى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) [الملك:30].
وأسباب منع القطر من السماء عديدة، يجمعها ظلم العباد لأنفسهم بمعصية الله تعالى، وظلم العباد بعضهم لبعض.
كما أن التخلص من هذا الظلم بنوعيه سبب لنزول الأمطار، والبركة في الأرزاق، وحلول الخيرات، ورفع العقوبات، وتصديق ذلك من كتاب الله تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [الأعراف:96].
فعلم أن سبب حبس بركات السماء والأرض عنهم تكذيبهم، كما أن الإيمان والتقوى سبب لفتح هذه البركات على العباد.
ومن شؤم أرباب الذنوب والمنكرات، أنهم سبب لمنع الأرض من الخيرات، وتَنَزُّلِ العقوبات، قال مجاهد رحمه الله تعالى في قول الله سبحانه: (ويلعنهم اللاعنون) :البهائمُ تلعن عصاة بني آدم حين أمسك الله عنهم بذنوب بني آدم المطر فتخرج البهائم فتلعنهم.
وسمع أبو هريرةَ رضي الله عنه رجلاً يقولُ: إِنَّ الظالمَ لا يضرُّ إِلا نفسَه فقال أبو هريرةَ: (بَلى والله حتى الحُبارى لتَموتُ في وكْرها هُزْلاً لظلمِ الظالمِ).
قال العلماء: إنما خص الحبارى بالذكر لأنها أبعد الطير طلباً للرزق. ومع ذلك يرزقها الله تعالى في أوكارها حتى يلحقها شؤم معصية العاصين من البشر، فتحرم الرزق بسببهم.
ولأجل ذلك ثبت في الحديث الصحيح أن الْعَبْدَ الْفَاجِرَ إذا مات "يَسْتَرِيحُ منه الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ"
وكل ما يصيب العباد من المصائب والنكبات، ونقص الأرزاق، وغور المياه، وحبس الأمطار، وضعف النبات، وموت الأشجار فبسبب معاصيهم وذنوبهم، ولا يظلمهم الله تعالى شيئا (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الرُّوم:41] وفي الآية الأخرى (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشُّورى:30].
بل إن الله تعالى لا يؤاخذ العباد بكل ذنوبهم، وإلا لأهلكهم أجمعين، ولم يظلمهم شيئا (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) [النحل:61]وفي الآية الأخرى (وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذَابَ) [الكهف:58].
ومن بعض عقوبات الله تعالى للعباد أن يحبس عنهم قطر السماء، ويمنع نبات الأرض؛ كما عاقب سبحانه وتعالى بذلك فرعون وقومه لما عصوه عز وجل، ولم يتبعوا رسوله موسى عليه الصلاة والسلام (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف:130].
وهكذا عوقب أهل مكة على عصيانهم بحبس القطر والنبات عنهم، وأصيبوا بالجوع بدعوة النبي عليه الصلاة والسلام عليهم؛ كما روى ابن مسعود رضي الله عنه فقال: "إِنَّ النبي لَمَّا رَأَى من الناس إِدْبَارًا قال: اللهم سَبْعٌ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حتى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَالْجِيَفَ وَيَنْظُرَ أَحَدُهُمْ إلى السَّمَاءِ فَيَرَى الدُّخَانَ من الْجُوعِ" رواه الشيخان.
نسأل الله تعالى أن يرحمنا برحمته، وأن يشملنا بعفوه، وأن يتجاوز عنا، ونستجير به سبحانه أن يعذبنا بذنوبنا وبما فعل السفهاء منا، إنه سميع مجيب (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ) [الأعراف:23].
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم |
الخطبة الثانية
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده على جزيل فضله وعطائه، وأشكره على عظيم مَنِّه وإحسانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه؛ فإن تقواه سبحانه سبب لرفع البلاء، ودفع الضراء، وحصول الرزق، وحلول البركة (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطَّلاق:3].
أيها المسلمون: ثبت في نصوص الشريعة أن الذنوب والمعاصي سبب لكل بلاء ينزل بالناس، كما أن الطاعة سبب لكل خير يصيبهم.
وقطر السماء من رزق الله تعالى، وما حُرمه الناس إلا ببعض ذنوبهم، ولو أُخذوا بها كلها لهلكوا. وكل عبد يعصي الله تعالى فليعلم أنه من أسباب حرمان البلاد والعباد من الرزق، وأن وبال معصيته يتعداه إلى غيره، حتى يأتي على الحيوان والطير، سواء كانت هذه المعصية فيما بينه وبين الله تعالى كالتهاون في الصلوات، وتضييع الطاعات، وارتكاب المحرمات، أو تعلقت معصيته بحقوق العباد من ظلمهم وأكل حقوقهم، وبخسهم أشياءهم، وقد جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله : "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" وفي لفظ: "وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِخَطِيئَةٍ يَعْمَلُهَا" رواه ابن ماجه وصححه ابن حبان. وذكر ابن عباس رضي الله عنهما أن اكتساب السيئات سبب لنقص الرزق.
فإذا كان كذلك فكم في كل واحد منا من المعاصي والذنوب التي يجترحها وهو مُصِّرٌ عليها، أو التي يقترفها وهو غافل عنها؟ ولو جمعت ذنوب العباد كلهم فكيف ستكون؟!
إن ذنوب الواحد منا سببٌ لمنع رزقه، وحرمانه التمتع به، ونزع البركة منه، فإذا حُرم مجموع الناس أرزاقهم بسبب ذنوبهم لم يبق لهم أرزاق، فيضيق عيشهم شيئا شيئا، حتى يأكل بعضهم بعضا، عوذا بالله تعالى من ذلك.
إن منع القطر من السماء، وجدب الأرض، وفساد الزرع من شدة البرد ما هو إلا من نتائج ذنوبنا، ولا دافع لذلك إلا الله تعالى، فواجبٌ علينا أن نُقِرَّ بذلك، ونتوب إلى الله سبحانه وتعالى؛ فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.
انظروا يا عباد الله كم في الناس من تضييع للصلوات، ومنع للزكاة وقد جاء الحديث بأن منعها سبب لمنع القطر من السماء.
تأملوا..كم في الناس من عقوق للوالدين، وقطيعة للأرحام، وأذية للجيران، وهجر للإخوان..قد امتلأت قلوب الإخوان بعضهم على بعض بأسباب تافهة، وأمور حقيرة، استوجبوا بها غضب الله تعالى ونقمته..وحرموا رزقه سبحانه..
شاهدوا في زمننا هذا كيف تنتشر المنكرات، ويُجاهر بالموبقات، في الأسواق والمستشفيات والأعمال وغيرها، ويفرض هذا الفساد على الناس بالقوة، ويُؤصل له في كثير من وسائل الإعلام المنحرفة، ولا ينكر ذلك إلا القليل من الناس، حتى ماتت كثير من القلوب، وغابت شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. أو تكاد!! بسبب تخاذل الناس، وقوة أهل الشر والبغي والفساد..
تأملوا..كيف بلغ ظلم الناس بعضهم لبعض في أكل الحقوق والغش في التجارات، والمجاهرة بالربا، وانتشار الرشوة والاحتكار والاستغلال والسرقة وأنواع المعاملات المحرمة..
كل ذلك.. وغيره كثير وكثير جدا سببٌ لما يجده الناس من حبس الأمطار، وفساد الزروع والثمار، وغلاء الأسعار، وقلة البركة في الأموال..فإن لم نبادر بتوبتة صادقة عاجلة نتخلص فيها من ذنوبنا فإن أحوالنا ستضيق على ضيقها، وستكسد معايشنا، وتمحق بركة أموالنا وأرزاقنا، والله تعالى إذا أراد عذاب العباد فهو سبحانه قادر عليهم (قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [الأنعام:65].
ألا فاتقوا الله ربكم، وتخلصوا من ذنوبكم، وأدوا الحقوق التي عليكم..حافظوا على صلاتكم، وأدوا زكاة أموالكم، وصلوا أرحامكم، وأزيلوا الشحناء من قلوبكم؛ فإنها سبب لرفع الخير، ووقوع الشر..
مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، ولا يغلبنكم أهل الفساد والإفساد بباطلهم، وأنتم تمتلكون الحق وهو أقوى منه..
فإننا إن فعلنا ذلك، وصدقنا مع الله تعالى في توبتنا فتح سبحانه وتعالى علينا أرزاق السماء والأرض، وبارك لنا فيها، فجمع لنا بين نعيم الدنيا، وتحصيل أسباب نعيم الآخرة.
(وَتُوبُوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
وصلوا وسلموا على نبيكم...