الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
العربية
المؤلف | مراد كرامة سعيد باخريصة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة |
لماذا نتمنى لأنفسنا الحرب والدمار ونريد لحضرموت الخير القصف والخراب والنار؟ ولم ننتظر الخزي والإذلال والعار؟ هل نظن أن فاتورة الحرب سهلة حتى نتمناها؟ وهل نتوقع أن الحرب لن تصل إلى أثوابنا إذا شبَّ حريقها وارتفعت حدتها؟ ولمصلحة من الدعوة إلى الحروب والفتنة؟! ألا نعتبر؟ ألا نتعظ بغيرنا؟ ألا نرى من حولنا وهم يكتوون بلهيب النار ويصطلون بنيران الحرب، ويتمنون الأمن والأمان وإيقاف الحرب فقط فلم تتحقق لهم أمنيتهم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله..
أخرج البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى – رضي الله عنه –: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا الْعَدُوَّ – انْتَظَرَ، حَتَّى إذَا مَالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فِيهِمْ، فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ"، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم –: "اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحْزَابِ: اهْزِمْهُمْ، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ".
إن هذا الحديث العظيم يرشدنا فيه نبينا -صلى الله عليه وسلم- إلى أمر عظيم وينبهنا فيه إلى موضوع مهم يقول فيه مخاطباً للناس جميعًا: "أَيُّهَا النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ".
إن الحرب لها أوزارها وشررها وأخطارها وملاقاة الأعداء أمر جلل صعب، والثبات عند صوت السيوف وقعقعات الرصاص أمر ليس بالهين، و"كفى ببارقة السيوف فتنة".
إن نبينا -صلى الله عليه وسلم- يرشدنا في هذا الحديث إلى أن لا نتمنى الحرب ولقاء العدو، ولنسأل الله العافية والأمان والخير والسلام تحت ظل الإسلام فهذا خير لنا من الحروب وتكاليفها الشديدة ومصاعبها الكثيرة.
ولكن إذا اضطر الأمر للحرب أو أصر العدو عليها وأبى إلا أن يستخدم العنجهية والقوة؛ فإن مواجهته واجبة، وحربه ضرورية، ودفعه لازم ومتعين، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيُوفِ".
لو نظرنا إلى واقعنا اليوم لوجدنا أن بعضنا يتمنى الحرب ويتطلع لها، ويبحث عنها ويستشرف إليها، ويتوقعها في كل لحظة، بل ربما يتمناها في كل حين، فهذا يتمنى قوات التحالف أن تضرب البلد، والآخر يدعو ما تسمى بقوات الجيش الوطني أن تأتي، والثالث يدعو إلى قيام حركات مقاومة أن تثور وتتحرك.
فلماذا هذا كله؟ ولماذا نتمنى لأنفسنا الحرب والدمار ونريد لحضرموت الخير القصف والخراب والنار؟ ولم ننتظر الخزي والإذلال والعار؟
هل نظن أن فاتورة الحرب سهلة حتى نتمناها؟ وهل نتوقع أن الحرب لن تصل إلى أثوابنا إذا شبَّ حريقها وارتفعت حدتها؟ ولمصلحة من الدعوة إلى الحروب والفتنة؟!
ألا نعتبر؟ ألا نتعظ بغيرنا؟ ألا نرى من حولنا وهم يكتوون بلهيب النار ويصطلون بنيران الحرب، ويتمنون الأمن والأمان وإيقاف الحرب فقط فلم تتحقق لهم أمنيتهم.
ونحن نتمناها وندعو إليها ونتطلع لها ونستشرفها فأين عقولنا؟ أين رشدنا؟ وأين محبتنا لديننا وأهلنا وبلدنا؟!
إن المصيبة كل المصيبة عندما يأتي إلينا الشر من أنفسنا، ويخطط أناس للحرب والدمار من داخلنا، ويتمنى أناس لنا الحرب والهلكة وهم منا وفينا!!
والله هذه هي المصيبة العظمى والداهية الكبرى:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة | على المرءِ من وَقْعِ الحُسامِ المُهنّد |
هل من المعقول أن نجد أناس يتمنون الحرب لبلدهم ويجلبون الشر لأهلهم ويحبون أن يوقدوا نيران الحرب في موطنهم؟ ما الذي دهاهم؟ ألم يسمعوا قول الله: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس: 81]، ألم يعلموا قول الله: (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) [الشعراء: 152]، وقوله: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [المائدة: 64].
إن الله -جل وعلا- عند حسن ظن عباده به فليظن عباده به ما شاءوا، وإذا أردنا العافية والنجاة لأنفسنا وبلدنا؛ فلنحسن الظن بالله، فإن من ظن بالله ظن الخير وفقه الله، وسدَّد خطاه ويسر أموره وأعانه.
ومن ظن بالله ظن السوء أوكله الله إلى نفسه وخذله ولم يوفقه؛ فإياكم أن تتمنوا لقاء العدو، أو تظنوا بالله ظن السوء، وأحسنوا الظن بالله وتفاءلوا خيراً، واستبشروا بالنصر والبشرى.
يقول الله: (ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) [آل عمران: 154].
وقال: (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا) [الفتح: 12].
إن الواجب علينا أن نسعى لخدمة بلدنا، ونتكاتف من أجلها، ونحاول قدر المستطاع أن نجنبها الويلات والحروب، ونقوم بإقامة دين الله في أنفسنا ووطننا؛ فإن الأرض لن تنضبط إلا بدين الله، والناس لن تعيش في خير وسلام إلا بحكم الله.
وأن نسعى دائمًا إلى كل خير ونتجنب كل شر وضير، ونوحد صفوفنا ونؤلف بين قلوبنا، ونصلح ذات بيننا وندع التفرق والاختلاف بين جماعاتنا وطوائفنا، ونتحد على كلمة سواء، ونلتف حول شريعتنا الغراء وأصولنا الأصيلة الثابتة.
أما الشر والدعوة إلى الفتنة، والبحث عن الحروب؛ فهذا والله ليس في صالحنا ولا من مصلحتنا، ولنسأل الله العافية والبعد عن الشرور والبلايا، ولنأخذ على يد كل من يريد إيقاعنا في الشر، ورمينا في أتون الحرب، ويسعى بنا إلى السقوط في الهاوية وإغراق سفينة المجتمع.
يقول النبي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ المُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ، وَالوَاقِعِ فِيهَا، مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً، فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلاَهَا، فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلاَهَا، فَتَأَذَّوْا بِهِ، فَأَخَذَ فَأْسًا فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ، فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: مَا لَكَ، قَالَ: تَأَذَّيْتُمْ بِي وَلاَ بُدَّ لِي مِنَ المَاءِ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ، وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ" (رواه البخاري).
قلت ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم..
الخطبة الثانية:
إننا والله في خير ونعمة وفضل من الله ومنة يحسدنا الكثير عليها، ويتعجب الكل من حولنا من سلامة بلدنا وأمان منطقتنا، فلنحافظ على هذه النعم بالإكثار من حمد الله وشكره وكثرة ذكره، وتذكر فضله، ولنحذر كل الحذر من إنكار نعم الله وجحود فضله.
ولندع الخيالات والأوهام التي من الصعب أن تتحقق كلها في وقت واحد، فليس كل ما يتمنى المرء يدركه، وما لا يُدرك كله فلا يترك جُله.
والأوطان إنما تُبنَى بالإيمان والعمل الجاد المخلص، والتعاون المستمر، والصبر الجميل، وليس بالأماني والأحلام والخيالات واستعجال النتائج وتمني الحروب والبلايا، فإن في هذا ذلنا ورجوعنا إلى الوراء وتخريبنا لبيوتنا بأيدينا، وحينها سنندم يوم لا ينفع الندم، ونتمنى أقل من الموجود فلا نجد.
(وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل: 112].