البحث

عبارات مقترحة:

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

الدين الحق ودعوة وحدة الأديان

العربية

المؤلف سليمان بن حمد العودة
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. تكرار الحديث عن مسألة تقارب ووحدة الأديان .
  2. الإسلام هو الدين الحق على مر العصور .
  3. وصف الإيمان لا يطلق إلا على أهل هذا الدين الحق .
  4. فتوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء حول الدعوة لوحدة الأديان .

اقتباس

بين آونةٍ وأخرى يَردُ الحديثُ عن صراع الحضارات، ويردُ أكثر عن حوار الحضارات، كما يرد الحديثُ ويتجدد –منذُ زمنٍ– عن تقارب الأديانِ ووحدتِها، وربما أطلق البعضُ أن لا فرقَ بين أصحابِ المللِ والأديانِ –ما داموا يؤمنون بالله– ولو اختلفت شرائعُهم، أو اختلفوا في اتباع أنبيائهم!!

 

 

 

 

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، ولم يكن له وليٌّ من الذلِّ، وكبِّره تكبيرًا.

وأشهد أن محمدًا عبدهُ ورسوله، أنزل عليه الكتاب ولم يجعل له عوجًا، بعثه برسالة الإسلام، وختم به النبوات، وانقطع بموته الوحيُ من السماء، اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

عباد الله: بين آونةٍ وأخرى يَردُ الحديثُ عن صراع الحضارات، ويردُ أكثر عن حوار الحضارات، كما يرد الحديثُ ويتجدد –منذُ زمنٍ– عن تقارب الأديانِ ووحدتِها، وربما أطلق البعضُ أن لا فرقَ بين أصحابِ المللِ والأديانِ –ما داموا يؤمنون بالله– ولو اختلفت شرائعُهم، أو اختلفوا في اتباع أنبيائهم، إلى غير ذلك من طروحات ومفاهيم يُلبَسُ فيها الحقُّ بالباطل، وربما أحدثت خللاً أو شكًّا في المعتقد الصحيح، ولرفع اللبس وبيان الحق، وكشفِ الباطل وتجلية الحقائق، فلا بد من الحديث -ولو بشكل مجمل- عن المفردات التالية:

1- الإسلام، بوصفه الدين الحق، والرسالة الأخيرة للخلق.

2- وعن القرآن، بوصفه الكتاب المصدق للكتب قبله، والمهيمن عليها، والحافظ لأصول الشرائع السماوية كلها، والناسخ لما نسخ الله منها، وبوصفه الوحي الإلهي الوحيد المحفوظ من التغيير والتبديل والزيادة والنقصان.

3- وعن محمد -صلى الله عليه وسلم- باعتبار عموم رسالته، وختمها لرسالات السماء.

4- وعن أمةِ الإسلام باعتبارها أمةً وسطًا، وخيريَّتُها مقطوعٌ بها، وشهادتها على الناس بنص الوحيين -كما سترى-.

أيها الناس: أما الإسلام: فهو الدين الحق الذي شرعه الله ورضيه لنا دينًا: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ) [آل عمران: 19]. وهو دين الله ودين رسله، وهو رسالته الأخيرة إلى الناس كافّة، وهو الانقياد لله وحده ظاهرًا وباطنًا بما شرع على ألسنة رسله، وهو الدين الذي بعث الله به الأولين والآخرين من الرسل عليهم السلام، فنوحٌ -عليه السلام- قال لقومه: (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس: 72].

وإبراهيم -عليه السلام-: (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة: 131، 132].

وحين اختصم اليهودُ والنصارى في إبراهيم -عليه السلام- جاء الفصل من الله حاكمًا بإسلام إبراهيم: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً) [آل عمران: 67].

ويوسف -عليه السلام- كان من دعائه: (تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف: 101].

وموسى -عليه السلام- يدعو قومه للإسلام: (يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) [يونس: 84].

والسحرة حين اهتدوا قالوا لفرعون: (وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ) [الأعراف: 126].

وعن أنبياء بني إسرائيل قال تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا) [المائدة: 44].

وقال عن إسلام ملكة سبأ وسليمان -عليه السلام-: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [النمل: 44].

وعيسى -عليه السلام- تبرأ من كفر النصارى، وأعلن مع الحواريون الإسلام لله: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 52]، (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ) [المائدة: 111].

ثم جاء محمد -صلى الله عليه وسلم- ليقول للناس كافة: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].

وحين بُعث محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- إليهم آمن به واتبع دينه أهل الكتاب، وهم المؤمنون الذين لم يحملوا الحقد والحسد، ولم يُحرِّفوا أو يبدلوا أو يشتروا بالدين ثمناً قليلاً، بل أعلنوا إيمانهم وإسلامهم، كما قال تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) [القصص: 52، 53].

بل كان منهم من إذا سمع ما أنزل إلى الرسول: (تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [المائدة: 83]، ومنهم من إذا تلي عليهم القرآن (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً) [الإسراء: 107]، (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) [الإسراء: 109].

أما الفريقُ الآخر: فكذبوا وعاندوا واستمروا على كفرهم، وهؤلاء لا تنقصهم معرفةُ الحق، ولكن طغى عليهم البغيُ والحسد، وهؤلاء هم المعنيون بقوله تعالى: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [آل عمران: 86]، وهم الموصفون بقوله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) [البقرة: 89]، وهم المختلفون بعد العلم: (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ) [آل عمران: 19].

عبادَ الله: وأهلُ الدين الحق في الماضي والحاضر هم المسلمون لله رب العالمين، والمهتدون بهدي المرسلين، فلا شرك ولا ظلم ولا فجور ولا فسوق، ولا سوء أدب مع الله، ولا مع أنبيائه. وأين الإسلامُ ممن قالوا: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُه) [المائدة: 18]، وربنا لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، وأين الإسلام ممن قالوا: المسيح ابن الله، والله يقول: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [المائدة: 72].

أين الإسلام والإيمان ممن قالوا: (إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ) [آل عمران: 181]، وقالوا: (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا) [المائدة: 64]. وأين الإسلام والإيمان ممن قالوا: (إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) [المائدة: 73]. وأين الإسلام ممن اتخذوا عيسى عليه السلام وأمَّه إلهين من دون الله.

أيها الناس: وهل يصحُّ أن يطلَق الإيمانُ والإسلامُ على أهلِ الكتاب المحرِّفين من اليهود والنصارى والله يقول عنهم: (وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) [المائدة: 43]؟! ويصفهم الله بالكفر صراحة بقوله: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البينة: 1]، ويصف اللهُ أكثريتهم بالفسق بقوله: (وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ) [المائدة: 59]، وينفي عنهم الإيمان بقوله: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [المائدة: 81]، ويصفهم بالظلم، ويشبههم بما يتفق وإضاعته الأمانة بقوله: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [الجمعة: 5].


بل كيف يقال بإيمان من اعترفوا على أنفسهم بالكفر: (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [آل عمران: 72]؟!

وإذا زاغ اليهود عن الحقِّ الذي جاءهم به موسى عليه الصلاة والسلام -وهو نبيهم– فكيف يُظن بهم اتباع غيره وتقديره: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [الصف: 5].

أما النصارى فقد قال لهم نبيهم عيسى -عليه السلام-: (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الصف: 6].

وهكذا –إخوة الإسلام– ينفرد المسلمون بالإيمان الحق والتزكية الإلهية والتصديق الجازم وتقدير الأنبياء والمتابعة لهم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الجمعة: 2-4].

 

  

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى سائر إخوانه من النبيين والمرسلين، الذين قاموا بالحق وبه كانوا يعدلون.

أما بعد: وبناءً على ما سبق، فهل يستوي الإسلامُ الحق واليهودية والنصرانية الزائغة؟! وهل يصح التوحيدُ فيها؟! وهل يجوز الدعوةُ لمقاربة الأديان؟! هناك دعواتٌ وطروحات غريبة نسمعها بين الحين والآخر، وهذه وتلك وردت للجنة الدائمة للبحوث والإفتاء، فاسمعوا التساؤلات، واعقلوا الفتوى، وكونوا على حذر من الفتن العمياء؟!

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء استعرضت ما ورد إليها من تساؤلات، وما ينشر في وسائل الإعلام من آراء ومقالات، بشأن الدعوة إلى وحدة الأديان: دين الإسلام، ودين اليهود، ودين النصارى، وما تفرع عن ذلك من دعوة إلى بناء مسجد وكنيسة ومعبد في محيط واحد، في رحاب الجامعات والمطارات والساحات العامة، ودعوة إلى طباعة القرآن الكريم والتوراة والإنجيل في غلاف واحد، إلى غير ذلك من آثار هذه الدعوة، وما يعقد لها من مؤتمرات وندوات وجمعيات في الشرق والغرب. وبعد التأمل والدراسة، فإن اللجنة تقرر ما يلي:

أولاً: أن من أصول الاعتقاد في الإسلام، المعلومة من الدين بالضرورة، والتي أجمع عليها المسلمون، أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى دين الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يبق على وجه الأرض دين يُتعبَّد الله به سوى الإسلام، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85]. والإسلام بعد بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- هو ما جاء به دون ما سواه من الأديان.

ثانيًا: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام أن كتاب الله تعالى -القرآن الكريم- هو آخر كتب الله نزولاً وعهدًا برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتابٍ أُنزل من قَبلُ مِن التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبق كتاب منزل يُتعبَّد الله به سوى القرآن الكريم؛ قال الله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَق) [المائدة: 48].

ثالثًا: يجب الإيمان بأن التوراة والإنجيل قد نُسخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان، كما جاء بيان ذلك في آيات من كتاب الله الكريم: منها: قول الله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُم) [المائدة: 13].

وقوله -جل وعلا-: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) [البقرة: 79]، وقوله سبحانه: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [آل عمران: 78].

ولهذا، فما كان منها صحيحًا فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرف أو مبدل. وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه غضب حين رأى مع عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- صحيفة فيما شيء من التوراة، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟! ألم آت بها بيضاء نقية؟! لو كان أخي موسى حيًّا ما وَسِعَه إلا اتباعي". [رواه أحمد والدارمي وغيرهما].

رابعًا: ومن أصول الاعتقاد في الإسلام أن نبينا ورسولنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين كما قال الله تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب: 40]. فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولو كان أحدٌ من أنبياء الله ورسله حيًّا لما وسعه إلا اتباعه -صلى الله عليه وسلم- وأنه لا يسع أتباعُهم إلا ذلك، كما قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 81].

ونبيُّ الله عيسى -عليه الصلاة والسلام- إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعًا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- وحاكمًا بشريعته، وقال الله تعالى: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ) [آل عمران: 157]، كما أن من أصول الاعتقاد في الإسلام أن بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- عامةٌ للناس أجمعين، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [سبأ: 28]، وقال سبحانه: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف: 158]، وغيرها من الآيات.

خامسًا: ومن أصول الإسلام أنه يجب اعتقادُ كفرِ كلِّ من لم يَدخلْ في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم وتسميته كافرًا، وأنه عدو لله ورسوله والمؤمنين، وأنه من أهل النار، كما قال تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البينة: 1]، وقال -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) [البينة: 6]... وغيرها من الآيات، وثبت في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده: لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمةِ، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار". ولهذا: فمن لم يُكفِّر اليهود والنصارى فهو كافر، طردًا لقاعدة الشريعة: من لم يكفر الكافر فهو كافر.

سادسًا: وأمام هذه الأصول الاعتقادية والحقائق الشرعية، فإن الدعوة إلى وحدة الأديان، والتقارب بينها، وصهرها في قالب واحد، دعوةٌ خبيثة ماكرة، والغرضُ منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويضُ دعائمه، وجر أهله إلى ردة شاملة، ومصداق ذلك في قوله سبحانه: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة: 217]، وقوله -جل وعلا-: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء: 89].

سابعًا: وإن من آثار هذه الدعوة الآثمةِ إلغاءَ الفوارقِ بين الإسلامِ والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاءَ ولا براء، ولا جهادَ ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله، والله -جل وتقدس- يقول: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29]، ويقول -جل وعلا-: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 36].

ثامنًا: أن الدعوة إلى وحدة الأديان إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردةً صريحةً عن دين الإسلام؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله -عز وجل-، وتُبطلُ صدق القرآن ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناءً على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعًا، محرمة قطعًا بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآنٍ وسنة وإجماع.

تاسعًا: وتأسيسًا على ما تقدم:

1- فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًا ورسولاً، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيعُ عليها، وتسليكها بين المسلمين، فضلاً عن الاستجابةِ لها، والدخولِ في مؤتمراتها وندواتها والانتماء إلى محافلها.

2- لا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين، فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد؟! فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد؛ لما في ذلك من الجميع بين الحق -القرآن الكريم- والمحرف أو الحق المنسوخ -التوراة والإنجيل-.

3- كما لا يجوز لمسلم الاستجابةُ لدعوة بناء مسجد وكنيسة ومعبد في مجمع واحد، لما في ذلك من الاعتراف بدين يُعبَد الله به غير دينِ الإسلام، وإنكار ظهوره على الدين كله، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة، لأهل الأرضِ التدينُ بأيٍّ منها، وأنها على قدم التساوي، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ولا شك أن إقرار ذلك أو اعتقاده أو الرضا به كفر وضلال؛ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين، واعتراف بأن تحريفات اليهود والنصارى من عند الله -تعالى الله عن ذلك-!! كما أنه لا يجوز تسميةُ الكنائس بيوت الله، وأن أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله؛ لأنها عبادة غير دين الإسلام، والله تعالى يقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85]، بل هي بيوت يُكفر فيها بالله، نعود بالله من الكفر وأهله. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في مجموع الفتاوي (22/162): ليست –أي البيع والكنائس– بيوت الله، وإنما بيوت الله المساجد، بل هي بيوت يكفر فيها بالله، وإن كان قد يُذكَر فيها، فالبيوت بمنزلة أهلها، وأهلها كفار، فهي بيوت عبادة الكفار.

عاشرًا: ومما يجب أن يُعلم أن دعوة الكفار –بعامة- وأهل الكتاب –بخاصة- إلى الإسلام، واجبةٌ على المسلمين بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ولكن ذلك لا يكون إلا بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام، وذلك للوصول إلى قناعتهم بالإسلام ودخولهم فيه، أو إقامة الحجة عليهم؛ ليهلك من هلك عن بيِّنةٍ، ويحيا من حيَّ عن بينة، قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 64]. أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم، ونقض عرى الإسلام ومعاقد الإيمان، فهذا باطل يأباه الله ورسوله والمؤمنون، والله المستعان على ما يصفون. قال تعالى: (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) [المائدة: 49].

وإن اللجنة -إذ تُقرر وتبيِّن للناس- فإنها توصي المسلمين –بعامة- وأهل العلم –بخاصة- بتقوى الله تعالى ومراقبته، وحماية الإسلام، وصيانة عقيدة المسلمين من الضلال ودعاتِه، والكفر وأهلِه، وتحذرهم من هذه الدعوة الكفرية الضالة: وحدة الأديان، ومن الوقوع في حبائلها، ونعيذ بالله كل مسلم أن يكون سببًا في جلب هذه الضلالة إلى بلاد المسلمين وترويجها بينهم.

نسأل الله سبحانه -بأسمائه الحسنى وصفاته العلى- أن يُعيذَنا جميعًا من مضلات الفتن، وأن يجعلنا هداة مهتدين، حماة للإسلام على هدىً ونورٍ من ربنا حتى نلقاه وهو راضٍ عنّا.

وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.