البحث

عبارات مقترحة:

الجبار

الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

الحقيقة العظمى موعظة عن الموت

العربية

المؤلف عبد الله بن علي الطريف
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات المنجيات - الزهد
عناصر الخطبة
  1. حقيقة عظمى وموقف رهيب .
  2. الموت لا مفر منه .
  3. فوائد الإكثار من ذكر الموت .
  4. لماذا نكره الموت وذكره؟ .
  5. الحث على ذكر هاذم اللذات وهادمها. .

اقتباس

فتفكر أخي بالموت وسكرته وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه! ومن حاكم ما أعدله! كفى بالموت مقرحاً للقلوب، ومبكياً للعيون، ومفرقاً للجماعات، وهادماً للذات، وقاطعاً للأمنيات. فهل فكرت يا أخي: في يوم مصرعك وانتقالك من موضعك إذا نُقلت من السعة إلى الضيق.. وخانك الصاحب والرفيق.. وهجَرك الأخ والصديق.. وأُخذت من فراشك وغطائك وغطوك من بعد لين لحافك بتراب ومدر. فيا جامع المال والمجتهد في البنيان ليس لك والله من مالك إلا الأكفان..

الخطبة الأولى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102] .

أما بعد أيها الإخوة: حقيقة عظمى وموقف رهيب يواجه كل حيِّ.. المؤمن والكافر.. البر والفاجر.. يذكره القرآن الكريم.. ويؤكد على ضرورة التنبه لما بعده من الحساب والجزاء؛ يقول سبحانه: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].

 ولا بد من الإكثار من ذكره لعلنا نتعظ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ" (رواه ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وقال الألباني حديث حسن صحيح).

 وقال الغزالي -رحمه الله-: "معناه: نغِّصُوا بذكره اللذات حتى ينقطع ركونكم إليها فتقبلوا على الله تعالى".

أيها الإخوة: كم من الناس لا يعطي اهتماماً لتلك الرحلة الكبرى، والقضية العظمى، تلك الساعة الرهيبة، والتي ما خاف من عاقبتها أحدٌ إلا نجا عندما تذكرها فعمل لها.. وما لَهَا عنها أحدٌ إلا تحسَّر وندم حين قرب أجله، ودنا فراقه، (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185].

لا بد من الموت لأنه إظهار لقدرة الله، وبرهان على البعث، ودليل على الوقوف أمام رب العالمين..لا بد من الموت ليتعظ الناس، وتستقر أحوالهم، فهو أقوى عظةً وأفظعُ خطباً وأشنعُ أمراً وأمر كأساً.

فأعدوا للأمر الشديد عدته، وتأهبوا للرحيل، واعملوا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل:

تزود من التقوى فإنك لا تدري

إذا جنَّ ليـل هل تعيش إلى الفجر

فكم من صحيح مات من غير علة

وكم من عليل عاش حيناً من الدهر!

وكم من صبي يرتجى طـول عمره

وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري!

وكم من عروس زينوهــا لزوجها 

وقد قبضت روحـها ليلة القدر!

وكم من ساكن عند الصباح بقصره

وعند المسا قد كان من ساكن القبر!

فكن مخلصاً واعمل الخير دائماً

لعلك تحظى بالمثوبة والأجر

وداوم على تقوى الإلــه فإنها

أمان من الأهوال في موقف الحشر

فما ظنك -رحمنا الله وإياك- بنازل ينزل بك، فيذهب رونقك وبهاك، ويغيِّر منظرك ورؤياك، ويمحو صورتك وجمالك، ويمنع من اجتماعك واتصالك، ويردك بعد النعمة والنضرة، والسطوة والقدرة، والنخوة والعزة، إلى حالة يبادر فيها أحب الناس إليك، وأرحمهم بك، وأعطفهم عليك، فيقذفك في حفرة من الأرض، قريبة أنحاؤها، مظلمةٍ أرجاؤها.

قال زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب في قصيدته الموسومة بـ"ليس الغريب":

وَأَنْزَلــوني إلى قَبري على مَهَـلٍ  

وَقَدَّمُوا واحِداً مِنهم يُلَحِّدُني

وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني

وَأَسْبَلَ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَني

فَقامَ مُحتَرِماً بِالعَزْمِ مُشْتَمِــلاً

وَصَفَّفَ اللَّبْنَ مِنْ فَــوْقِي وفارَقَني

وقَالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِمـوا

حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ

وأودعوني ولجوا في سؤالهمـوا  

ما لي سواك إلهي من يخلصني

في ظُلْمَةِ القبرِ لا أُمٌّ هنـاك ولا

أَبٌ شَفيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُني

أيها الإخوة .. مع أننا على يقين من الموت، ولا نشك به طرفة عين، فهو نهاية كل حي، إلا أن حب الحياة والتعلق بها يفسح لنا في الآمال، فلا ننظر للموت بأنه حقيقة واقعة بل نسهو ونلهو مع أننا نقرأ في كتاب الله قوله: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)، وقوله : (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) [ق:19] وقوله: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجمعة:8].

ومع يقيننا بالموت إلا أننا نكرهه ونخافه ونرهب لقاءه، ولهذا أسباب؛ منها إتيان المحظورات والمآثم التي يعاقب الله عليها يوم لقائه، وإتيان المعاصي ينسى ذلك اللقاء (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين:14]، ومنها حب الدنيا وسعة الأمل وفسحة الرجاء .. ومنها قلة الاستعداد له ولما بعده مع الاغترار بالحياة... ومنها سيطرة الرغبة في الخلود على نفوس الناس..

سُئل بعضهم: لماذا نكره الموت؟ قال: "لأنكم عمَّرتم دنياكم وخربتم آخرتكم، فكرهتم الانتقال من دار عمرتموها إلى دار خربتموها".

ماذا ننتظر أيها الإخوة: فما نحن إلا أبناءُ الموتى، ونحن ننتظر موعد الطلب المجهول، قد نصبح مع الأحياء فلا نمسي إلا مع الأموات، وقد نمسي مع الأحياء فلا نصبح إلا مع الأموات.. وما أنت يا بن آدم إلا أيام كلما مضى يومٌ مضى بعضك.

ما حال من سكن الثرى ما حاله

أمسى وقد رثت هناك حباله

أمسى ولا روح الحيـاة تصيبه

أبداً ولا لطف الحبيـب يناله

أمسى وقد درست محاسن وجهه

وتفرقت في قبره أوصاله

واستبدلت منه المجالس غـيره

وتقسمت من بعده أمـواله

ما زالت الأيام تلعب بالفتى

والمال بذهب صفـوه وحلاله

فتفكر أخي بالموت وسكرته وصعوبة كأسه ومرارته، فيا للموت من وعد ما أصدقه! ومن حاكم ما أعدله! كفى بالموت مقرحاً للقلوب، ومبكياً للعيون، ومفرقاً للجماعات، وهادماً للذات، وقاطعاً للأمنيات.

فهل فكرت يا أخي: في يوم مصرعك وانتقالك من موضعك إذا نُقلت من السعة إلى الضيق.. وخانك الصاحب والرفيق.. وهجَرك الأخ والصديق.. وأُخذت من فراشك وغطائك وغطوك من بعد لين لحافك بتراب ومدر.

فيا جامع المال والمجتهد في البنيان ليس لك والله من مالك إلا الأكفان.. أين الذي جمعته من المال؟ هل أنقذك من الأهوال؟ إذا علمت هذا فاطلب فيما أعطاك الله من الدنيا الدار الآخرة.

أَموالُنا لِذَوي المـيراثِ نَجمَعُها

وَدورُنـا لِخـرابِ الدَهــرِ نَبنيــها

كَم مِن مَدائِنَ في الآفاقِ قَد بُنِيَت

أًمسَت خَــراباً وَدانَ المَوتُ دانيها

لِكُلِّ نَفـسٍ وَإِن كانَت عَلى وَجَلٍ

مِنَ المَنيَّةِ آمالٌ تُقَوّي ــها

فَالمَرءُ يَبسُطُها وَالـدَهرُ يَقبُضُها

وَالنَفسُ تَنشُرُها وَالمَوتُ يَطويـها

وكل نفس لها زور يصبحـها

من المنية يوماً أو يمسيــها

جعلني الله وإياكم ممن يُكثر ذِكر الموت، ويستعد لما بعده؛ إنه جواد كريم، وصلى الله على نبينا محمد.

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة: اتقوا الله حق التقوى.. واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

أحبتي: إن ذكر الموت يورث استشعار الانزعاج من هذه الدار الفانية، والتوجه إلى الدار الباقية.

والإنسان لا ينفك عن حالتي ضيق وسعة، ونعمة ومحنة، فإن كان في حالة ضيق ومحنة فذكر الموت يسهل عليه ما هو فيه، فإنه لا يدوم والموت أصعبُ منه، وإن كان في حالة نعمةٍ وسعة؛ فذكر الموت يمنعه من الاغترار بها والسكون إليها لقطعه عنها.

لذلك أكد رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ضرورة الإكثار من ذكر الموت فقال: "أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ" (رواه ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وقال الألباني: حديث حسن صحيح). أي مزيلها من أصلها..

وفي رواية ابن حبان: «أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ [قاطعها ومشتتها]، فَمَا ذَكَرَهُ عَبْدٌ قَطُّ وَهُوَ فِي ضِيقٍ إِلَّا وَسَعَهُ عَلَيْهِ، وَلَا ذَكَرُهُ وَهُوَ فِي سَعَةٍ إِلَّا ضَيِّقَهُ عَلَيْهِ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وحسنه الألباني.

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- عَاشِرَ عَشَرَةٍ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مَنْ أَكْيَسُ النَّاسِ وَأَحْزَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: "أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَشَدُّهُمُ اسْتِعْدَادًا لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ، أُولَئِكَ هُمُ الأَكْيَاسُ، ذَهَبُوا بِشَرَفِ الدُّنْيَا وَكَرَامَةِ الآخِرَةِ". (رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الموت والطبراني في الصغير، وحسَّن إسنادَه الهيثميُّ في مجمع الزوائد).

وَعَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ -رضي الله عنه- إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ: تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ فَلَا تَبْكِي، وَتَبْكِي مِنْ هَذَا!؟ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- قَالَ: "إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ [أَيْ: مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ] فَمَا بَعْدَهُ [أَيْ: مِنْ الْمَنَازِلِ] أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ" [لِأَنَّ النَّارَ أَشَدُّ الْعَذَابِ، وَالْقَبْرُ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ] قَالَ: وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- يَقُولُ: "مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ" (رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه الألباني).

فاللهم هوِّن علينا الموت وسكرته، واجعلنا ممن ينتفع بالموعظة.

وعَنْ الْبَرَاءِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي جِنَازَةٍ فَجَلَسَ عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى، ثُمَّ قَالَ: يَا إِخْوَانِي لِمِثْلِ هَذَا فَأَعِدُّوا. (رواه ابن ماجة وحسنه الألباني).

أحبتي: لنتأمل هذا المثل العظيم الذي ضربه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكيف أنه لا يبقى للإنسان إلا عمله.. فَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِ وَمَثَلُ الْمَوْتِ، كَمَثَلِ رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَخِلَّاءَ فَأَمَّا خَلِيلٌ فَيَقُولُ: مَا أَنْفَقْتَ فَلَكَ، وَمَا أَمْسَكْتَ فَلَيْسَ لَكَ فَذَلِكَ مَالُهُ، وَأَمَّا خَلِيلٌ فَيَقُولُ: أَنَا مَعَكَ، أَحْمِلُكَ وَأَضَعُكَ حَتَّى تَأْتِيَ بَابَ الْمَلِكِ فَإذَا أَتَيْتَ بَابَ الْمَلِكِ، تَرَكْتُكَ وَرَجَعْتُ، فَذَلِكَ أَهْلُهُ وَوَلَدُهُ وَعَشِيرَتُهُ، يُشَيِّعُونَهُ حَتَّى يَأْتِيَ قَبْرَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ فَيَتْرُكُونَهُ، وَأَمَّا خَلِيلٌ فَيَقُولُ: أَنَا مَعَكَ، أَدْخَلُ مَعَكَ، وَأَخْرُجُ مَعَكَ فَذَلِكَ عَمَلُهُ، فَيَقُولُ: وَاللهِ لَقَدْ كُنْتَ أَهْوَنَ الثَلَاثةِ عَلِيَّ " (رواه الحاكم وصححه الألباني).

أيها الإخوة: كم نقف على القبور فهل نتذكر؟ يقال: إن الرشيد ابتنى قصراً في بغداد، وأتى الشعراء يمدحونه، ثم جاء أبو العتاهية فقال له الرشيد: ما رأيك فيه.؟ فقال أبو العتاهية:

عش ما بدا لك سالماً

في ظل شاهقة القصور

يجرى عليك بما أردت

مع الغدو مع البكور

فقال هارون: هيه . زدني.. فقال:

فإذا النفوس تغرغرت

بزفير حشرجة الصدور

فهناك تعلم موقناً  

ما كنت إلا في غرور

فبكى هارون رحمه الله بكاءً شديداً..

أسأل الله أن يجعلنا ممن يبادر الفوت، ويراقب الموت، ويتأهب للرحلة قبل الممات، وينتفع بما سمع من العظات بمنه وكرمه.