السبوح
كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
ينبغي للمؤمن أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه، فإن رأى من أخيه المسلم نقصاً في دينه اجتهد في إصلاحه، فلا يكون المؤمن مؤمناً حقاً حتى يرضى للناس ما يرضاه لنفسه، وإذا كان المؤمن لا يرضي أن يغتابه أحد؛ فكيف يغتاب أخاه، قد قال الله تعالى: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ).
الحمد لله رب العالمين، جعل المؤمنين إخوة متحابين في الدين، ونهاهم عن التفرق وطاعة الحاسدين، والمفسدين، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعلموا أن المؤمنين إخوة في الدين، كما سماهم الله بذلك في كتابه المبين. قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كونوا عباد الله إخواناً" وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لمسلم: " حتى يحب لجاره أو لأخيه ما يحب لنفسه" وفي رواية لأحمد: "لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يحب للناس من الخير ما يحب لنفسه" وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، ويأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه".
فهذه الأحاديث وما جاء بمعناه تدل على أن المؤمن يسره ما يسر أخاه ويحزنه ما يحزنه، ويريد لأخيه المؤمن ما يريد لنفسه من الخير، وهذا إنما يأتي مع سلامة المسلم من الغش والغل والحسد؛ فإن الحسد يقتضي أن يكره الحاسد أن يفوقه أحد في نعمة أو يساويه فيها؛ لأنه يحب أن يمتاز على الناس وينفرد عنهم بالنعمة. والإيمان يقتضي خلاف ذلك، وهو أن يشاركه المؤمنون كلهم في مثل ما أعطاه الله من الخير من غير أن ينقص عليه منه شيء، وقد مدح الله تعالى في كتابه من هذه صفته. من كانوا لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً- فقال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) قال عكرمة وغيره في هذه الآية: العلو في الأرض: التكبر وطلب الشرف والمنزلة عند السلطان، والفساد: العمل بالمعاصي.
وقال تعالى في مدح المؤمنين أيضاً: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ).
فمن صفات المؤمنين سلامة قلوبهم وألسنتهم لإخوانهم المؤمنين السابقين واللاحقين والثناء عليهم والدعاء لهم بالمغفرة مع الدعاء لأنفسهم ولا سيما السابقين الأولين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان؛ فمن وجد في نفسه بغضاً لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تنقصهم فليس بمؤمن، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه"؛ فقاتل الله الروافض الذين يسبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين ويتنقصونهم. وقد قال الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وقال تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) إلى قوله تعالى: (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) فهذا يدل على أنه إنما يغتاظ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفار، وأما المؤمنون فإنهم يحبونهم ويتولونهم ويستغفرون لهم.
عباد الله: ينبغي للمؤمن أن يحب للمؤمنين ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه، فإن رأى من أخيه المسلم نقصاً في دينه اجتهد في إصلاحه، فلا يكون المؤمن مؤمناً حقاً حتى يرضى للناس ما يرضاه لنفسه، وإذا كان المؤمن لا يرضي أن يغتابه أحد؛ فكيف يغتاب أخاه، قد قال الله تعالى: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ).
وإذا كان المؤمن لا يرضى أن يسعى أحد بينه وبين أحبابه بالنميمة؛ فكيف يسعى هو بين إخوانه المتحابين في النميمة ليفسد ما بينهم؛ وقد قال الله تعالى: (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمام".
وإذا كان المؤمن لا يرضى أن يسخر منه أحد أو يستهزئ به أحد؛ فكيف يسخر من إخوانه ويستهزئ بهم وينتقصهم، وقد قال الله تعالى: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ).
إذا كان المؤمن لا يرضى أن يغشه أحد في بيعه وشرائه؛ فكيف يغش إخوانه ويخدعهم في معاملاته معهم، إذا كان المؤمن لا يرضى أن يؤذيه جاره؛ فكيف يؤذي هو جيرانه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله لا يؤمن والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، من لا يأمن جاره، بوائقه".
إذا كان المؤمن لا يرضى أن يظلم؛ فكيف يظلم الناس؟ وإذا كان المؤمن لو خطب امرأة أو باع سلعة أو اشتراها لا يرضى أن يفسد عليه ذلك أحد فيخطب على خطبته أو يبيع على بيعه، أو يشتري على شرائه؛ فكيف تصدر منه هذه الأمور في حق إخوانه المؤمنين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً" وفي "الصحيحين" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يبع المؤمن على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه".
لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم المقياس الصحيح للمؤمن الحقيقي في كلمة مختصرة جامعة وهي قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"؛ فإذا كان يحب لنفسه الخير فليحبه لإخوانه ويجتهد في جلبه لهم، وإذا كان يكره لنفسه الشر فليكره لإخوانه فيصرف شره عنهم، ويجتهد في صرف شر غيره عن إخوانه، وتلك قاعدة نافعة ووصية جامعة نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم الاتصاف بها والبعد عما يضادها إنه قريب مجيب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ ) إلى قوله (إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ).