البحث

عبارات مقترحة:

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

القريب

كلمة (قريب) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فاعل) من القرب، وهو خلاف...

الحسيب

 (الحَسِيب) اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على أن اللهَ يكفي...

اللهم عاف كل مبتلى

العربية

المؤلف محمد بن مبارك الشرافي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. ثلاث من علامات السعادة .
  2. لا مفر من الابتلاء .
  3. نظرات في الابتلاء بالأمراض والأسقام .
  4. للمرض حِكَم وفوائد كثيرة .
  5. وصايا ونصائح للمرضى .
  6. بعض العلاجات الشرعية المهمة .
  7. فضل زيارة المرضى. .

اقتباس

إِنَّ مِنَ الْبَلَاءِ الذِي لا بُدَّ مِنْهُ: الْأَمْرَاضَ، فَإِنَّهَا تُصِيبُ كُلَّ أَحَدٍ ولَا يَسْلَمُ مِنْهَا مَنْ فَرَّ مِنْهَا، حَتَّى الطَّبِيبُ الذِي يُعَالِجُ النَّاسَ رُبَّمَا مَاتَ مِنَ الْمَرَضِ الذِي عَالَجَ النَّاسَ مِنْهُ. . وإِنَّ قَضَاءَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لِلْمُؤْمِنِ كُلُّهُ خَيْرٌ، فَمَا ابْتَلَي إِلَّا لِيُعَافِيَ وَمَا أَخَذَ إِلَّا لِيُعْطِيَ وَمَا أَمْرَضَ إِلَّا لِيَشْفِيَ، وَإِنَّ لِلْمَرَضِ حِكَمٌ وَفَوَائِدُ كَثِيرَةٌ، حَتَّى إِنَّ مَنْ عَرَفَهَا رُبَّمَا تَمَنَّى الْمَرَضَ لِمَا يَرَى فِيهَا مِنَ الْفَضَائِلِ، وَلَكِنَّ الْإِنْسَانَ يَسْأَلُ رَبَّهُ الْعَافِيَةَ وَلا يَتَمَنَّى الْمَرَضَ ...

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ الذِي كَتَبَ الاخْتِبِارَ وَالْابْتَلَاءَ عَلَى الخَلْقِ أَجْمَعِينَ، أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ أَشَدَّ النَّاسِ بَلاءً الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِين، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَعَدَ الصَّابِرِينَ أَفْضَلَ مَا أَعَدَّهُ لِعِبَادِهِ الْمُتَّقِين.

 وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، قُدوَةُ الصَّابِرينَ وَإِمَامُ الشَّاكِرِين، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمِ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْأَعْلَامِ الْأَبْرَارِ الأَئِمَّةِ الْمَهْدِيَّين، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعِهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّين.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتِّق اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ، وَكُنْ مِمَّنْ إِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا أُعْطِيَ شَكَرَ، وَإِذَا أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ، فَإِنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَ - وَاللهِ – هِيَ عُنْوَانُ السَّعَادَة .

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35]، وَإِنَّ مِنَ الْبَلَاءِ الذِي لا بُدَّ مِنْهُ الْأَمْرَاضَ، فَإِنَّهَا تُصِيبُ كُلَّ أَحَدٍ ولَا يَسْلَمُ مِنْهَا مَنْ فَرَّ مِنْهَا، حَتَّى الطَّبِيبُ الذِي يُعَالِجُ النَّاسَ رُبَّمَا مَاتَ مِنَ الْمَرَضِ الذِي عَالَجَ النَّاسَ مِنْهُ .

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: كُنْ مُسْتَعَدِّاً لِلْابْتِلَاءِ، فَإِنَّهَا سُنَّةٌ مَاضِيَةٌ وَقَضَاءٌ سَابِقٌ لا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ فَتَحَمَّلْ وَاصْبَرْ وَأَبْشِرْ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155- 157].

قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: "مَا أَصَابَتْنِي مُصْيِبَةٌ إِلَّا رَأَيْتُ أَنَّ للهِ عَلَيَّ فِيهَا ثَلاثَ نِعَمٍ: أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي دِينِي، وَلَمْ يَكُنْ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا، فَدَفَعَ اللهُ بِهَا مَا هُوَ أَعْظَمَ مِنْهَا، وَالثَّالِثَةُ مَا جَعَلَ اللهُ فِيهَا مِنَ الْكَفَّارَةِ لِمَا كُنَّا نَتَوَقَّاهُ مِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا" .

وَيَجِبُ عَلَيْنَا الْإيمَانُ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، فَمَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَالْمَرَضُ مِمَّا كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْنَا، وَمَهْمَاَ فَعَلْنَا لَنْ نَفِرَّ مِنْ قَضَاءِ اللهِ، مَعَ أَنَّنَا مَأْمُورُونَ بِفِعْلِ الْأَسْبَابِ وَتَوَقِّي الْأَمْرَاضِ، لَكِنَّ مَا وَقَعَ فَاعْلَمْ أَنَّه لا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ دَفْعُهُ، فَمَا أَصَابَكَ فِي نَفْسِكَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ أَصَابَ مَنْ تُحِبَّ مِنْ وَلَدٍ أَوْ وَالِدٍ فَلَا تَجْزَعْ وَلا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ أَوْ فَعَلْتُ مَا وَقَعَ .

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ قَضَاءَ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لِلْمُؤْمِنِ كُلُّهُ خَيْرٌ، فَمَا ابْتَلَي إِلَّا لِيُعَافِيَ وَمَا أَخَذَ إِلَّا لِيُعْطِيَ وَمَا أَمْرَضَ إِلَّا لِيَشْفِيَ، وَإِنَّ لِلْمَرَضِ حِكَمٌ وَفَوَائِدُ كَثِيرَةٌ، حَتَّى إِنَّ مَنْ عَرَفَهَا رُبَّمَا تَمَنَّى الْمَرَضَ لِمَا يَرَى فِيهَا مِنَ الْفَضَائِلِ، وَلَكِنَّ الْإِنْسَانَ يَسْأَلُ رَبَّهُ الْعَافِيَةَ وَلا يَتَمَنَّى الْمَرَضَ .

فَمِنْ فَوَائِدِ الْمَرَضِ: أَنَّهُ بِإِذْنِ اللهِ يَرَدُّ الْإِنْسَانَ إِلَى رَبِّهِ، فَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ كَانَ مُعْرِضَاً عَنِ اللهِ غَافِلَاً عَنْ مَوْلَاهُ، فَلَمَّا مَرِضَ اسْتَيْقَظَ مِنْ غَفْلَتِهِ وَتَابَ إِلَى رَبِّهِ، وَالْتَجَأَ إِلَيْهِ، قال الله تعالى :(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [الروم: 41].

وَمِنْ فَوَائِدِهِ: أَنَّهُ تَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ تَشْكُو مِنَ الحُمَّى فَقَالَ لَهَا: "مَا لَكِ تُزَفْزِفِينَ؟" قَالَتْ: الْحُمَّى، لَا بَارَكَ اللهُ فِيهَا، فَقَالَ: "لَا تَسُبِّي الْحُمَّى، فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

وَمِنْ فَوَائِدِ الْمَرَضِ - أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ - أَنَّ الْمَرِيضَ إِذَا صَبَرَ عَلَيْهِ تُكْتَبُ لَهُ الْحَسَنَاتُ، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً، فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

وَمِنْ مَزَايَا الْمَرَضِ: أَنَّهُ سَبَبٌ لِمَعْرِفَةِ قِيمَةِ الصِّحَّةِ، وَلِذَلِكَ انْظُرْ نَفْسَكَ إِذَا مَرِضْتَ ثُمَّ شَفَاكَ اللهُ كَيْفَ تَفْرَحُ وَتُكْثِرُ مِنْ حَمْدِ اللهِ وَتُحِسُّ بِطَعْمِ الصِّحَّةِ، وَلِذَا يُقَالُ: الصِّحَّةُ تَاجٌ عَلَى رُؤُوسِ الأَصِحَّاءِ لا يَرَاهَا إِلَّا الْمَرْضَى .

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لا يَجُوزُ لِمَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنْ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ، وَلا أَنْ يَدْعُوَ عَلَى نَفْسِهِ، فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّياً فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 وقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَا تُوَافِقُوا مِنَ اللهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ، فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-).

وَمِمَّا يَنْبَغِي لِلْمَرِيضِ أَنْ يَسْأَلَ رَبَّهُ الْعَافِيَةَ وَيَصْبِرَ عَلَى مَا أَصَابَه، وَلا بَأْسَ بِطَلَبِ الْعِلَاجِ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ أَنْ يَتَعَوَّدَ عَلَى الرُّقْيَةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَإِنَّهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعِلَاجَاتِ بِإِذْنِ اللهِ .

ثُمَّ إَنَّ مِنْ أَنْفَعِ الرُّقْيَةِ: أَنْ تَرْقِيَ نَفْسَكَ بِنَفْسِكَ وَلَا تَطْلُبُ مِنْ أَحَدٍ أَنْ يَرْقِيَكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَيْثُ كَانَ يَرْقِي نَفْسَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ بِسُورَةِ الصَّمَدِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ". (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَمِنْ طُرُقِ الرُّقْيَةِ الشَّرْعِيَّةِ: أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ أَوْ تَقْرَأَ الأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الْوَارِدَةَ فِي الرُّقْيَةِ ثُمَّ تَنْفُثُ عَلَى نَفْسِكَ أَوْ عَلَى الْمَرِيضِ الذِي تَرْقِيه، وَتُكَرِّرُّ ذَلِكَ مِرَارَاً، وَالْقُرْآنُ كُلُّهُ خَيْرٌ وَكَلُّهُ شِفَاءٌ بِإِذْنِ اللهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين) [الإسراء: 82].

 وَلَكِنْ قَدْ جَاءَتْ بَعْضُ الْأَدِلَّةِ فِي بَعْضِ السُّوُرِ وَالآيَاتِ، فِمْنَهَا: الْفَاتِحَةُ، وَسُورَةُ الصَّمَدِ وَالْمُعَوِّذَتَانِ، وَآيَةُ الْكُرْسِي وَآخِرُ آيَتَيْنِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَيَنْبَغِي عِنْدَ الرُّقْيَةِ الثِّقَةُ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَأَنَّ هَذِهِ الرُّقْيَةَ نَافِعَةٌ بِإِذْنِ اللهِ .

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَشْفِيَ كُلَّ مَرِيضٍ وَأَنْ يُعَافِيَ كُلَّ مُبْتَلَىً، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغِفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ زِيَارَةَ الْمَرِيضِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ" قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: "إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَشَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 ثُمَّ إِنَّ زِيَارَةَ الْمَرِيضِ فِيهَا أَجْرٌ عَظِيمٌ، فعَنْ ثَوْبَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ" قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: "جَنَاهَا" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 وَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ يَخُوضُ الرَّحْمَةَ حَتَّى يَجْلِسَ فَإِذَا جَلَسَ اغتمس فِيهَا" (رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ فِي اللهِ نَادَاهُ مُنَادٍ أَنْ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنَ الجَنَّةِ مَنْزِلاً" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ لِغَيْرِهِ.)

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمَعَ هَذِهِ الْفَضَائِلِ الْعَظِيمَةِ فَمَا أَكْثَرَ غَفْلَةِ النَّاسِ الْيَوْمَ عَنْ زِيَارَةِ الْمَرْضَى سَوَاءٌ كَانُوا فِي الْبُيُوتِ أَوِ الْمُسْتَشْفَيَاتِ، فَيَنْبَغِي لِذَوِي الْقُلُوبِ الْحَيَّةِ وَمَنْ يُرِيدُونَ الْأَجْرَ وَالْإِحْسَانَ أَنْ يُخَصِّصُوا مِنْ أَوْقَاتِهِمْ سَاعَةً -وَلَوْ فِي الْأُسْبُوعِ- لِزِيَارَةِ الْمَرْضَى سَوَاءٌ كَانُوا أَقَارَبَ أَوْ لَا، فَكَمْ مِنَ السُّرُورِ تُدْخِلُهُ زِيَارَتُكَ عَلَى هَؤُلاءِ، وَكَمْ مِنَ الدَّعَوَاتِ سَوْفَ تَنَالُكَ.

فَاللهَ اللهَ -أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ- فِي زِيَارَةِ مَرْضَانَا وَتَشْجِيعِهِمْ وَالدُّعَاءِ لِهُمْ، وَتَذْكِيرِهِمْ بِاللهِ، وَسُؤَالِهِمْ كَذَلِكَ عَنْ حَالِهِمْ مِنْ حَيْثُ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ؛ فَإِنَّ بَعْضَ الْمَرْضَى رُبَّمَا تَرَكَ الصَّلَاةَ بِسَبَبِ نَجَاسَتِهِ أَوْ اتِّسَاخِ ثِيَابِهِ، فَنُذَكِّرُهُمْ بِأَنَّهُ يَجْتَهِدُونَ فِي الطَّهَارَةِ فَإِنْ عَجَزُوا صَلُّوا عَلَى حَالِهِمْ، وَلا شَيْءَ عَلَيْهِمْ؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286]، وَأَمَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ فَمُنْكَرٌ عَظِيمٌ.

أَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَنَا وَإِيَّاكُمْ، وَيُعَافِيَ كُلَّ مَرِيضٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسَلَّمَاتِ، اللَّهُمَّ اشْفِ مَرْضَانَا وَعَافِ مُبْتَلَانَا، وَأَتَمَّ عَلَيْنَا نِعْمَتَكَ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا، وَأَهْلِينَا وَأمْوَالِنَا، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا! اللَّهُمَّ جَنِّبْ بِلادَنَا الْفِتَنَ وَسَائِرَ بِلادِ الْمُسْلمِينَ يَا رَبَّ العَالَمِينَ!

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا، وَالرِّبَا وَالزِّنَا، وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن! وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.