البارئ
(البارئ): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (البَرْءِ)، وهو...
العربية
المؤلف | علي بن يحيى الحدادي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الأعياد الممنوعة - أهل السنة والجماعة |
إن كثيراً من المسلمين تجده يرهب المعاصي، ويتباعد عنها، ويجتنب كثيراً من المشتبهات؛ خوفَ الوقوع في الحرام، ولكنه متساهل غاية التساهل في أمر البدع والمحدثات في الدين؛ فيقع في البدع الاعتقادية أو البدع القولية، أو البدع العملية، مع أن البدع أشد خطراً وأعظم فتكاً من المعاصي الشهوانية ولو كانت من الكبائر؛ فإن المبتدع يتقرب إلى الله بما يبغضه الله، فيتقرب إلى الله بما لا يزيده من الله إلا بُعداً.
الخطبة الأولى:
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].
أما بعد: فإن أصل الدين وقاعدته شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ومقتضى هاتين الشهادتين إخلاص العبادة لله وحده والمتابعة لنبيه -صلى الله عليه وسلم- فلا يقبل الله من العلم إلا ما كان خالصاً له -جل وعلا-، ولا يقبل إلا ما كان موافقاً لهدي نبيه -صلى الله عليه وسلم-، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، أي من تعبَّد لله بعبادة لا توافق ما شرعه الله ورسوله فهي مردودة على صاحبها لا يقبلها الله منه.
ولا يقف الأمر عند رد هذا العمل المبتدع فقط، بل إنه صاحبه متوعَّد على ابتداعه بالنار والعياذ بالله كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "وكل محدثَة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" (رواه النسائي).
فاتقوا الله واجتنبوا أسباب سخطه، وإن من أعظم أسباب سخطه البدع والمحدثات في دين الله تعالى.
ومن تلك البدع ما ظهر في الأمة من أزمان قديمة من بعض العبادات والاحتفالات الدينية التي يخصون بها شهر رجب كصلاة الرغائب، وهي صلاة في أول ليلة جمعة من رجب.
ومنها تخصيصه بالصيام كله أو بعض أيامه، ومنها تخصيصه بذبيحة تُذبَح فيه تقرباً إلى الله، لما فيه من المشابهة للمشركين الذين كانوا يخصونه بالعتيرة، وهي ذبيحة يذبحونها في رجب تقرباً إلى أصنامهم. وقال -صلى الله عليه وسلم- في شأنها "لا عتيرة في الإسلام" (رواه أحمد).
ومن تلك البدع والمحدثات: الاحتفال في رجب بليلة الإسراء والمعراج الذي يفعله كثير من المسلمين وليس عندهم على احتفالهم به من دليل لا من كتاب ولا سنة صحيحة ولا عمل منقول عن السلف الصالح.
فتاريخ الإسراء والمعراج غير معروف في أي شهر، بل قد اختُلف في أي عام هو اختلافاً كثيراً فضلاً عن تعيين شهره أو يومه.
ولو ثبت تعيين تاريخه لم يكن على الاحتفال به دليل، وإنما جاء الاحتفال به وبالأحداث الدينية والوقائع التاريخية كالاحتفال بالمولد وبالإسراء وبالهجرة وبالمغازي لما غلب على الجهل بالسنة على الناس، وتأثروا بعادات النصارى والأمم الكافرة في مناسباتهم وطقوسهم، وشجّع عليها أعداء الإسلام ممن لا يحب لهم صدق الاستمساك بالكتاب والسنة ليشتغلوا بالعبادات المبتدعة عن العبادات الصحيحة وتكثر فيهم الفرق والأهواء فيختلفوا في الدين، ويتنازعوا فيما بينهم فينتقض جمعهم وتتفرق كلمتهم ويضعف أمرهم فيتسلط عليهم عدوهم.
وأما العمرة في رجب فمن اعتمر فيه لكونه وافق عنده فراغاً أو نشاطاً فلا إشكال في جواز عمرته، وأما إن كان قصده أن للعمرة في رجب فضيلة خاصة فإنه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن اعتمر في رجب ولم ينقل عنه أنه رغب الأمة في الاعتمار في رجب بل رغبهم أن يعتمروا في رمضان واعتمر هو أربع مرات كلها كانت في أشهر الحج في ذي القعدة.
ولكن قد روي عن عمر وابنه عبد الله وعائشة -رضي الله عنهم- أنهم كانوا يعتمرون في رجب؛ فإن ثبت النقل عنهم وثبت أنههم قصدوا العمرة فيه ولم تكن مجرد موافقة دل ذلك على مشروعية الاعتمار في رجب، وأنه ليس من البدع، والله أعلم.
ومن الأخطاء أن يتناقل الناس فيما بينهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان"، فقد ضعفه ابن رجب وغيره، وبينوا أنه لا يصح عن نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله – عباد الله – واتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ) [الحشر:7].
عباد الله: إن كثيراً من المسلمين تجده يرهب المعاصي، ويتباعد عنها، ويجتنب كثيراً من المشتبهات؛ خوفَ الوقوع في الحرام، ولكنه متساهل غاية التساهل في أمر البدع والمحدثات في الدين؛ فيقع في البدع الاعتقادية أو البدع القولية، أو البدع العملية، مع أن البدع أشد خطراً وأعظم فتكاً من المعاصي الشهوانية ولو كانت من الكبائر؛ فإن المبتدع يتقرب إلى الله بما يبغضه الله، فيتقرب إلى الله بما لا يزيده من الله إلا بعداً.
ولما كان المبتدع يظن أنه على خير فإنه لا يكاد يدع بدعته ولا ينزع عنها حتى يموت، فيلقى الله على بدعته، وهذا معنى ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الله حجب التوبة عن صاحب البدعة.
فاجتنبوا البدع واجتنبوا أهلها ومجالسها وكتبها، ولا تخاطروا بدينكم فبعض الناس يتساهل في متابعة دروس أهل البدع، ولاسيما التي تنشر عبر وسائل الإعلام بدعوى حب الاستطلاع وثقة منه بنفسه أنه لن يتأثر ببدعتهم، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى بالحذر منهم فقال لعائشة -والخطاب للأمة كلها-: "فإذا رأيتِ الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئكِ الذين سمى الله فاحذروهم".
وطبَّق السلف الصالح هذا التوجيه، فكانوا يرفضون أن يصغوا أسماعهم لأهل البدع حتى رفض بعضهم أن يسمع من المبتدع آية من القرآن خشية أن يدخل حب هذا المبتدع في قلبه، ثم يتساهل في مخالطته ومؤانسته ثم ينجر معه إلى بدعته.
لا سيما وأن المبتدع قد يعطَى لساناً حالياً ودمعاً جاريا وهيئة متخشعة فيصطاد إبليس به من قل نصيبه من العلم أو من غامر بنفسه وجلس إليه ولم يقبل أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحذر منه ومن أمثاله..
معاشر المؤمنين صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين فقد أمركم الله بذلك في قوله (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهمّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولك محمّد، وارضَ اللّهمّ عن خلفائِهِ الرّاشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين و عنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشرك ودمر أعداءك أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين.
اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق إمامنا خادم الحرمين الشريفين لما فيه صلاح العباد والبلاد ووفق ولي عهده وولي ولي عهده واستعملهم في طاعتك ونصرة دينك وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا ارحم الراحمين.
اللهم أصلح حكام المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل: 90- 91].