العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - أهل السنة والجماعة |
إن من آثار الفتن وعواقبها أنها تصرف النفس عن مجالس العلم، ومجالسة العلماء، وتعلم الأحكام، ومعرفة الدين، فأغلب الناس وقت الفتن يكونون منصرفين عن ذلك كله، بل أعظم من ذلك أن الفتن تُفضي إلى اعتداء الناس على علماء الشريعة، فمن طبيعة الناس أنهم يحمّلون العلماء أكثر مما يحتملون، وإن التعدي عليهم واحتقارهم وانتقاصهم ولمزهم والطعن فيهم والتقليل من شأنهم لا يجوز أبداً.. وأي فتنة أشد من أن ينتقص الناس من علمائهم؟! ليعجب...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
الفتن أحوال شديدة تمر على الناس بين الحين والآخر؛ إما فرادى أو جماعات، والفتن لها معالم وأوجه متعددة، ونقصد بها اليوم الهرج واختلاط الأمور، الهرج من معالم الفتن، وهو اختلاط الأمور، وشدة القتل وكثرته، وظهور العناد بين العباد. وهو ما نراه في هذه الفترة من أعمارنا شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا، نسأل الله أن يحفظنا والمسلمين من شر الفتن.
في هذا المقام نريد أن نتكلم عما ينبغي للمسلم أن يفعله في أجواء كهذه الأجواء أجواء الفتن.
أيها الإخوة: الفتن في كثير من الأحيان سبب من أسباب انصراف العبد عن العبادة إذ الفتن تجعل حياة العبد وأيامه وأوقاته مشغولة بالقيل والقال والأمور التي تثار، فيكون قلبه مشوشًا ومضطربًا مشغولاً؛ فلا يهدأ ولا يطمئن، ولا يكاد يهنأ في عبادته، تشغله الفتن وأخبارها عن عبادة الله –تعالى- حق عبادته.
ولهذا جاء في الحديث في صحيح مسلم عن معقل بن يسار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "العِبَادَةُ في الهرج كهجرة إليَّ" قال الإمام النووي "المراد بالهرج هنا الفتنة، واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها، ولا يتفرغون لها إلا الأفراد"، هذا هو أجر الاجتهاد في العبادة في أجواء الفتن كهجرة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
قال القرطبي: "أجرُه كأجر المهاجر إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لأنه ناسبه من حيث إن المهاجر فرَّ بدينه ممن يصده عنه للاعتصام بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-".
إذاً فمن يكون في مثل هذا الوقت مشتغلاً بعبادة الله -تبارك وتعالى- فهو كالمهاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس هذا الفضل قاصرًا على الصلاة والذكر في زمن الفتن، بل كل أنواع الطاعات، ولذلك قال الله تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [الحديد:10].
فالذين أنفقوا من قبل الفتح أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعده؛ لأن الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا فعلوا ذلك في وقت خوف وشدة وقلة، بخلاف من فعل ذلك بعد الفتح؛ فإنهم -وإن كانوا جميعًا موعودين بالحسنى- إنما أنفقوا وقاتلوا بعد عزة الإسلام وقوته وحصول الأمن، فليسوا إذاً سواء.
وقال -جل وعلا- مخاطبًا خليله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بما يفعل وقت الشدة (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 97- 99]، أمره ربه -عز وجل- بأن يفزع إلى الصلاة والذكر إذا ضاق صدره بما يقول أعداء الدين؛ فإن في ذلك شرحًا للصدر وتفريجًا للكربة.
معاشر المسلمين: لا شك أن البركة تحل حيثما حلت طاعة الله، ينزع الله البأس ويبدله رخاء، والعكس صحيح، فالشؤم يدور مع المعصية حيثما حلت، يدور مع المعصية، وحيثما كانت المعصية فثم الشؤم، يقول سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55].
فالكل مسئول بوجه أو بآخر عما يحل بالأمة من فتن وهرج من هذا الوجه، الإنسان من حيث القرب أو البعد عن الله وطاعته لا مفر له من هذه المسئولية، فعليه أن ينظر في خاصة نفسه وأهله ومن هو مسئول عنهم، ولذلك قال تعالى: (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) [القيامة:15].
فالإكثار من التوبة والاستغفار والإنابة والدعاء والضراعة مما حثّ عليه القرآن حين البأس والفتنة قال سبحانه: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 42- 43]، وقال سبحانه: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) [المؤمنون:76].
وهكذا كان هديه -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد كان إذا حَزَبَهُ أمرٌ فزع إلى الصلاة والدعاء والتضرع، كما في سنن أبي داود بإسناد حسن قال حذيفة -رضي الله عنه- قال: "رجعت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة شدة وخوف، ليلة الأحزاب وهو مشتمل في شملة يصلي، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حَزَبَهُ أمرٌ صلى".
وفي مسند أحمد بإسناد صحيح عن عليّ -رضي الله عنه- قال: "لقد رأيتنا ليلة بدر وما فينا إنسان إلا نائم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي إلى شجرة، ويدعو حتى يصبح".
هذا هو هديه -صلى الله عليه وسلم- في أوقات الشدة والخوف والخطر.
في صحيح البخاري من حديث أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة فزعًا يقول: "سبحان الله! ماذا أنزل الله من الخزائن؟! وماذا أنزل من الفتن؟! من يوقظ صواحب الحجرات"، يريد أزواجه لكي يصلين "رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة".
وأيضًا يدل في هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام: "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم"، "بادروا بالأعمال" أي: الأعمال الصالحة بالعبادات، بأن يقبل الإنسان على طاعة الله إلى الصلاة إلى الذكر إلى تلاوة القرآن، قال بادروا إليها، أسرعوا.
معاشر الإخوة: في ظل الظروف القاسية -كما ذكرنا- التي تعيشها الأمة اليوم؛ حروب وقتل بالجملة، فتن وهرج، فإن من الطبيعي أن ينشغل الناس بالفتن وأخبارها، ومن الطبيعي أن يتابعوها ليلاً ونهارًا على وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ولا بأس في هذا، لكن ليس على حساب العبادة.
ينبغي أن يكون للعبادة حظ أكبر بكثير من الانشغال بتتبع تلك الأخبار، ينبغي اغتنام الوقت في الأفضل، في هذه الأجواء يحسن الإكثار من قراءة القرآن والذكر والدعاء وقيام الليل والصدقة والبر بجميع أنواعها، ولا ينصرف إلى هذه الأعمال إلا رجل موفق "العبادة في الهرج كهجرة إليَّ".
ولعلنا نذكر مزيدًا من التفصيل لهذا التفضيل، ذكره أهل العلم في هذه المسألة حتى تتم الفائدة، قال أهل العلم: هذا التفضيل -أي: لزيادة أجر التعبد في الفتن-، هذا التفضيل مربوط بوجود السبب الذي هو الهرج، القتل، الفتنة، كلما وُجد الوصف الذي علق به هذا الفضل يوجد الفضل فكلما وجدت فتنة ينصرف الإنسان إلى عبادة ربه، هذا إذا كان لا يستطيع أن يكون مؤثرًا في هذه الفتنة يعني في إزالتها أو تخفيفها، وإلا لو كان له أثر في إزالتها وتخفيفها لكانت أفضل من العبادة الخاصة؛ لأن المقرر عند أهل العلم أن العبادات المتعدية أفضل من اللازمة، هذا تفصيل آخر.
أيها الإخوة: من معالم الهدى في أوقات الفتن وسماع أخبار الملاحم: التأني في الفهم والتأويل، التأني في تنزيل الأحاديث على الوقائع والأحداث.
في مصنف ابن أبي شيبة بإسناد صحيح يقول عبدالله بن مسعود: "إِنَّهَا سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَأُمُورٌ مُشْتبِهَاتٌ, فَعَلَيْكَ بِالتُّؤَدَةِ" التريث وعدم الاستعجال، فلأن تكون تابعًا في الخير خيرًا من أن تكون رأسًا في الشر.
فالعاقل الرزين من يدرك الأمور بعقله وبصيرته، والجاهل يندفع بعاطفته وغفلته، والعاقل المتثبت يلزم الهدوء والسكينة والاعتدال، ويجتنب العجلة والخفة، ولا يقنط عند المصيبة، ولا يضطرب عند النازلة، هكذا يكون شأنه.
ومن معالم الهدى: عدم السماح لوسائل إعلام باستغفال عقولنا وغسل أدمغتنا؛ فليس كل ما يُقال يُصدق، ولا كل ما نراه هو عين الحقيقة بالضرورة، فنحن في زمان ثورة وسائل الاتصال، وكلٌّ يستطيع أن يوصل معلومةً ما لملايين البشر، سواء كانت المعلومة صحيحة أو باطلة، حقيقة أو ملفقة هناك وسائل عديدة: يوتيوب، واتساب، فيس بوك، وغيرها من الوسائل الإلكترونية.
ناهيك عن وسائل الإعلام المنحرفة المنحازة هنا أو هناك، ولذا ينبغي الحذر من تأثير وسائل الإعلام هذه، وبالتالي ينبغي تنويع وسائل المعلومات، والتريث في قبول الخبر، والبحث عن المعلومة من أوثق المصادر قدر المستطاع.
فالثقات في المجتمع ما زالوا موجودين، سواء كانوا علماء أو دعاة معروفين بصحة المنهج، إذا تواترت آراؤهم في واقعة ما أو حدث ما واجتمعوا على رأي واحد فينبغي التمسك به، فرأي الجماعة أبرك من رأي الأفراد.
أيها الإخوة: إن من آثار الفتن وعواقبها أنها تصرف النفس عن مجالس العلم، ومجالسة العلماء، وتعلم الأحكام، ومعرفة الدين، فأغلب الناس وقت الفتن يكونون منصرفين عن ذلك كله، بل أعظم من ذلك أن الفتن تُفضي إلى اعتداء الناس على علماء الشريعة، فمن طبيعة الناس أنهم يحمّلون العلماء أكثر مما يحتملون، ومع الأخذ في الاعتبار تقصير العلماء واجتهاداتهم الخاطئة، -فكل ابن آدم خطاء - إلا أن التعدي عليهم واحتقارهم وانتقاصهم ولمزهم والطعن فيهم والتقليل من شأنهم لا يجوز أبداً.
وأي فتنة أشد من أن ينتقص الناس من علمائهم؟! ليعجب كل ذي رأي برأيه، فيشمر عن ساعده، ويحسر عن ساقه، ليقول: ها أنا ذا!! ولا يرى بعضهم لبعض حقًّا ولا منزلة ولا علمًا ولا رأيًا فيتقدم الأصاغر على الأكابر، كلّ منهم يزعم أنه متكلم في مصالح الأمة، وأنه الذي يفهم واقعها، وكلهم يرى أنه الأحق ليقود السفينة!!
ومما جاء في هذا المعنى ما رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق أنه لما كانت فتنة ابن الأشعث وخروجه على الحجاج، ودخل في هذه الفتنة عدد من القراء وكثير من الناس؛ انطلق نفر من أتباع ابن الأشعث فدخلوا على الحسن البصري وهو إمام من أئمة أهل العلم وفقيه من أشهر أهل زمانه فقالوا له: ما تقول في هذا الطاغية الذي سفك الدم الحرام وأخذ المال الحرام وترك الصلاة وفعل وفعل.. يقصدون الحجاج بن يوسف، هل لهم أن يخرجوا عليه ويقاتلوه؟!
فقال الحسن البصري -رحمه الله تعالى- بعد تقليب في النازلة، ونظر في النصوص الشرعية بشأنها والمصالح والمفاسد قال: " أَرَى أَنْ لا تُقَاتِلُوهُ , فَإِنَّهَا إِنْ تَكُنْ عُقُوبَةً –يقصد الحجاج- مِنَ اللَّهِ فَمَا أَنْتُمْ بِرَادِّي عُقُوبَةِ اللَّهِ بِأَسْيَافِكُمْ، وَإِنْ يَكُنْ بَلاءً فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ".
فماذا حدث؟! "فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ وَهُمْ يَقُولُونَ: نُطِيعُ هَذَا الْعِلْجَ؟!" سموا الحسن البصري علجًا أي: أعجمي؛ لأن أصول الحسن البصري فارسية وهم عرب.
نطيع هذا العلج، تنقصوا منه وخالفوه؛ لأن رأيه كان مخالفًا لرأيهم " وَخَرَجُوا مَعَ ابْنِ الأَشْعَثِ، قَالَ : فَقُتِلُوا جَمِيعًا".
الحاصل أنه يجب ترك انتقاص العلماء وتحقيرهم، وينبغي -أدبًا ودينًا- الدعاء لهم بالسداد والهداية، ومن لم يقدر على ذلك فليس مثل الصمت نجاة، ولقد جاء في مجمع الزوائد بسند حسن عن عبادة بن الصامت قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليس من أمتي من لم يجلّ كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف بعالمنا حقه".
أسأل الله أن يصرف عنا وعن المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، أقول هذا القول وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فلنتنبه؛ فإن أجواء الفتن تستحث نشاط المنحرفين من أعداء الدعوة والتدين، فيكيلون التهم هنا وهناك لرموز ومظاهر التدين، ويربطون بينها وبين الفتن، إنما الفتن بسبب كذا من مجالس الخير، ومن مراكز التعليم والتربية على الدين وعلى أصوله، يربطون بينها وبين الفتن وهو دأبهم في الصيد في الماء العكر، قال تعالى: (وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [آل عمران:154].
ومن قبل تشاءموا بموسى والصالحين الذين معه، قال تعالى: (فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) [الأعراف:131].
أسأل الله أن يصرف عنا وعن المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين.