البحث

عبارات مقترحة:

الآخر

(الآخِر) كلمة تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...

الوهاب

كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...

أول أيام رجب الحرام

العربية

المؤلف خالد القرعاوي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الأعياد الممنوعة -
عناصر الخطبة
  1. التعريف برجب وتعظيم الجاهلية له .
  2. تشريف الإسلام له وتعظيمه .
  3. الرافضة والمتصوفة وتعظيمهم لرجب وبدعتهم فيه .
  4. شهر حرام تعظم فيه الحسنات والسيئات .
  5. أهمية الرجوع إلى الله .

اقتباس

أيُّها المُذْنِبُ العَاصِي.. يامَنْ انغَمَسَ في نَظَرِ الحَرامِ, واقْتَرَفَ سَمَاعَ الآثَامِ: اختَفَيتَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَلمْ تَخْفَ عَنْ عينِ الذي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى! ألمْ يُحَذِّرُنَا رَبُّنا في كِتَابِهِ؟! وَيُخَوِّفُنا مِن عِقَابِهِ؟! نُنَعِّمُ أَعْضَاءَنَا بالحَرَامِ, وَتنْطِقُ عَلينا وَتَتَخَلَّى عَنَّا فِي أَصعَبِ الأَوقَاتِ! ..

الحمدُ لله وَسِعَت رَحمتُهُ كُلَّ شيءٍ، وعمَّ إحسانُه كلَّ حيٍّ، نشهد ألاَّ إله إلاَّ اللهُ وحدهُ لا شريكَ له، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ, ونشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنَا مُحمداً عبدُ الله ورسولُه, أرسلَهُ اللهُ بالهدى ودينِ الحقِّ لِيُظهِرَهُ على الدِّين كلِّه ولو كَرِهَ المُشركونَ, اللهمَّ صَلِّ وَسَلِّم وبَارِكْ عليه وعلى آلِهِ, وأَصحابِهِ وأَتبَاعهِ بِإحسَانٍ وإيمانٍ على الدَّوامِ.

أَمَّا بعد: فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، تكونوا خيرَ عبادِ الله وأكرمَهم عليه وأقربَهم إليه، واذكروا وقوفكم بين يديه، (يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا) [النبأ:40].

أيُّها الأخُ المؤمنُ: للهِ الحِكمَةُ البالِغَةُ, فقد فضَّلَ بعضَ الشُّهورِ على بعضٍ وبعضَ الأَيامِ, بَلْ وبعضَ السَّاعاتِ على بعضٍ! وما أُحدِّثُكم عنهُ الآنَ شَهْرٌ مُحَرَّمٌ ومُعظَّمٌ تَعظُمُ فيهِ الحَسَنَاتُ والسَّيئاتُ؟! فهل تَظُنُّونَ أنَّهُ رَمَضَانُ؟ كلا ولكنَّهُ شَهرُ وَضْعِ البَذْرِ لِرمضانَ, وما بعدَهُ شَهرُ السَّقْيِ, ورَمضانُ شَهرُ الجَنيِ والحَصَادِ!

إذا أنتَ لَمْ تَزرَعْ وأَبصرتَ حَاصِداً

نَدمتَ على التَّفريط ِفي زَمن ِالبَذرِ

شَهْرٌنا مُحَرَّمٌ فَردٌ, يَقَعُ وَسَطَ العَامِ, كانَ أَهلُ الجَاهِليَّةِ يُعظِّمونَهُ ويُقَدِّرُونَهُ! حتى أنَّهم يَضَعونَ سِلاحَهم فلا يقْتَتِلونَ فيهِ, ويَتَحَرَّونَ فيه الدُّعاءَ على من ظَلَمَ, ويَصُومُونَ فيهِ, ويَنحَرُونَ الذَّبَائِحَ يَتَقَرَّبُونَ بِها لِأَصنَامِهم ويُسَمُّونَها العَتِيرةُ!

ونُسِبَ إلى قَبِيلَةِ مُضَرٍ لِشِدَّةِ تَعْظِيمِهَا لَهُ! فِي صَحِيحِ البُخاريِّ -رحمَهُ اللهُ- ما يَدُلُّ على تَعظيمِ أَهْلِ الجَاهِليةِ له, قال الصَّحابيُّ الجَلِيلُ أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ قُلْنَا مُنَصِّلُ الْأَسِنَّةِ فَلَا نَدَعُ رُمْحًا فِيهِ حَدِيدَةٌ, وَلَا سَهْمًا فِيهِ حَدِيدَةٌ, إِلَّا نَزَعْنَاهُ وَأَلْقَيْنَاهُ".

نعم -يا مؤمنونَ- إنَّهُ شَهرُ رَجَبٍ ذلِكَ الشَّهرُ الحرامُ جاءَ الإسلامُ فَزَادَهُ تَشرِيفَاً وتَكرِيماً, وَتَعْظِيمَاً وتَحرِيماً, وأبطَلَ كُلَّ مُعتقداتِ الجاهليَّةِ فيهِ, وَأَحْبَطَ أَعمَالَهُم, وخَالَفَ فيه هَديَهُم! قالَ اللهُ -تعالى-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة:36].

عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلاثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ".

في الصَّحيحينِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ قَالَ: "لاَ فَرَعَ، وَلاَ عَتِيرَةَ". وَالْفَرَعُ: أَوَّلُ نتَاجِ الإبلِ أو الغَنَمِ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لَطِوَاغِيتِهِمْ, وَالْعَتِيرَةُ: الذَّبيحَةُ فِي شَهرِ رَجَبٍ.

عبادَ الله: ولَمَّا طالَ الأَمَدُ بِالمُسلِمينَ، وابتَعَدَوا عن زَمَنِ الرِّسَالَةِ, تَبِعَ طَائِفَةٌ من أَهْلِ الرَّفضِ والتَّصَوُّفِ أَهلَ الجَاهِليِّةِ الأُولى في تَعظيمِ رَجَبٍ, بَلْ زَادُوا عَليهم! دَفَعَهُم إلى ذَلِكَ أَوهَامٌ خَاطِئَةٌ، وَجَهْلٌ مُستَحكِمٌ، تَحتَ قِيادَةِ الشُّيُوخِ الضَالِّينَ، وأَصحَابِ العَمَائِمِ المُنحَرِفِينَ، قَومٌ يَتَأَكَّلُونَ بِالبِدعَةِ، ويَستَرزِقُونَ بِإضْلالِ العَامَّةِ! دَخَلوا عليهم باسمِ العِبَادَةِ تارةً, وباسمِ مَحَبَّةِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- تارةً أُخرى، فاخَتَرَعُوا كَذِبَةَ الاحتِفالِ بِحَادِثَةِ الإِسرَاءِ والمِعرَاجِ، وأنَّها في رَجَبٍ! وَأَحيَوا لَيلَتَها بالعِبادَةِ! فَرَدَّ عليهم شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيمِيَّةَ فقالَ: "لَم يَقُم دَليلٌ مَعلُومٌ لا على شَهرِها ولا على عَشرِها ولا على عَينِها، بل النُّقُولُ في ذَلِكَ مُنقَطِعَةٌ مُختَلِفَةٌ".

ولِمَزِيدٍ من غِوايَةِ المُسلمينَ وإضلالِهم فَقَدْ ابتَدَعوا صَلاةَ الرَّغَائِبِ. قَالَ ابنُ رَجَبٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "لم يصحَّ في شَهرِ رَجَبٍ صلاةٌ مَخصُوصَةٌ, والأحاديثُ المَرويَّةُ في فَضلِ صَلاةِ الرَّغَائِبِ في أوَّلِ لَيلةِ جُمُعَةٍ فيهِ كَذِبٌ وبَاطلةٌ, وهي بِدعَةٌ عندَ جُمهورِ العُلمَاءِ"

ثمَّ عَمَدَ المُبتَدِعَةُ إلى الحثِّ على صيامِ أَيامِهِ وَأَفتَوا بِفَضِيلَتِها! وقد ثَبَتَ عن عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنَّهُ كانَ يَضرِبُ أكُفَّ رِجَالٍ يَصوُمُونَ رَجَباً حتى يَضعوا أَيْدِيَهم في الطَّعَامِ ويقولُ لهم: "لا تَشَبَّهُوهُ بِرَمَضَانَ".

ومع الأسفِ الشَّدِيدِ ستَرونَ في الأَيَامِ المُقبِلَةِ أُنَاسَاً مِن أَصْحَابِ الطُّرقِ الصُّوفِيَّةِ, وَمِن الرَّوافِضِ, وَمُبتَدِعَةٌ جُهَّالٌ, يَتَحَرَّونَ عُمرةَ رجَبٍ وَيَسُوقُونَ أَدِلَّةً مَكذُوبَةً أَو ضَعِيفَةً! قَالَ الشَّيخُ ابنُ العُثَيمِينَ -رحمهُ الله-: "ليسَ لِشهرِ رَجَبٍ مِيزَةٌ عن سِواهُ من الأَشهُرِ الحُرُمِ، ولا يُخصُّ بِعمرةٍ ولا بِصيامٍ ولا بِصلاةٍ ولا بِقَراءَةِ قُرآنٍ؛ بل هو كَغيرِهِ من الأَشهُرِ الحُرُمِ، وكلُّ الأَحَادِيثِ الوَارِدَةِ في فَضْلهِ ضَعيفَةٌ لا يُبنى عليها حُكمٌ شَرعِيٌّ".

أيُّها الكرامُ: فصَّلنا في بِدَعِ رَجَبٍ وإنْ لَمْ تَكُنْ مَوجودَةً عندكم بحمدِ اللهِ, إنَّما بياناً للحقِّ, وتَحذيراً لِلخلقِ؛ لأنَّ القَنَوَاتِ تُمطِرُ البِلادَ وابِلاً من الخُرافاتِ! فوجب أخذُ الحَيطَةِ والحَذَرِ.

فيا عبادَ اللهِ: اتَّبِعُوا ولا تَبتَدِعُوا فَقد كُفِيتُم بِسُنَّةِ نَبِيِّكم: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ) [الحشر:7].

واعلموا أنَّ البِدعَةَ أَشَدُّ فَتْكاً بِقلبِ العَبدِ مِن المَعصِيَةِ، وَأعظَمُ خَطَراً على الدِّينِ؛ وصدَقَ رسُولُنا الكَرِيمُ -صلى الله عليه وسلم-: "وَخَيْرُ الْهُدَى هُدَيُ مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ".

ومَحَبَّةُ الرِّسُولِ حقيقةً تَكونُ في اتِّبَاعِ أَمْرِهِ، واجتِنَابِ نَهيِهِ، والوُقُوفِ عِندَ سُنَّتِهِ وهَديِهِ: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [آل عمران:31].

نَفَعَنِي اللهُ وإيِّاكُم بِهديِ القُرآنِ العَظِيمِ, وبِسُنَّةِ سَيِّدِ المُرسلينَ واستغفرُ اللهَ لي ولكم ولِسائِر المُسلِمينَ فاستغفروهُ إنَّهُ هو الغفورُ الرَّحيمُ.

الخطبة الثَّانية:

الحمدُ لله تعبَّدنا بالسَّمعِ والطَّاعة، وأَمَرَنَا بالسُّنةِ والجَمَاعَةِ، نشهدُ ألاَّ إله إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ، من يُطعِ اللهَ ورسولَه فقد رَشَدْ، ومن يَعصِ اللهَ ورسولَه فقد غَوَى, ونشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُه تَرَكَ أمَّتَهُ على البَيضَاءِ لا يَزيغُ عنها إلا أهلُ الضَّلال والأهواء. اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على محمدٍ, وعلى آلهِ وأصحابهِ ومن اهتدى بهديِهِ إلى يومِ الدِّينِ, (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].

إخوةَ الإسلامِ: والمؤمنُ الحَقُّ هو مَنْ يُعظِّمُ شَعَائِرَ اللهِ تعالى، يَمتَثِلُ أوامِرَهُ ويَجتنبُ نَواهِيَهُ، ويُسارِعُ في الخيراتِ، ويَقومُ بِالواجِبَاتِ، ويَحرصُ على المُستَحبَّاتِ؛ مُجاهداً نَفسَهُ على البُعدِ عن المُحَرَّمَاتِ والمَكرُوهَاتِ.

نَحنُ في يومٍ عَظِيمٍ قَدرُهُ, وفيهِ سَاعَةُ رَحمَةٍ وإجابَةٍ, وَدَخَلْنا في شَهرٍ حَرَامٍ, تعظُمُ فيه الحسناتُ والسَّيئاتِ؛ فهل من وقفَةِ مُحاسَبَةٍ وَتَأَمُّلٍ؟!

ألم يَقُل لنا رَبُّنا -جلَّ وعلا-: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) [التوبة:36] رُويَ عن ابنِ عَبَّاسِ -رَضِي اللهُ عَنهما- أنَّهُ قالَ: "(فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أَي: في الأَشهُرِ كُلِّها، ثُمَّ اختَصَّ من بَينِ ذَلِكَ أَربَعَةَ أَشهُرٍ فَجَعلَهنَّ حَرَاماً وعَظَّمَ حُرُمَاتِهنَّ، وَجَعَلَ الذَّنبَ فيهنَّ أَعظَمَ، والعمَلَ الصَّالحَ والأجرَ فيها أَعظَمَ".

عبادَ اللهِ: إنَّ عدداً مِن إخوانِنا قد يَنْسى لِهذهِ الأشهرِ حُرمَتها وقَدْرَهَا، ويَنْسى أنَّها من شَعَائِرِ اللَّهِ القائِلِ: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج:32].

فيا اللهُ! كَم نَظلِمُ أَنفُسَنا بِارتكَابِ المَعاصِي والآثامِ، ونَحنُ مَنهِيِّونَ عن ذَلِكَ على الدَّوامِ، فَقد بَدأْنا بِشَهرِ أَخْذِ العُدَّة، فما أخشاهُ, أنْ نكونَ مِمَّن (كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) [التوبة:46].

بَيِّض صَحِيفَتَكَ السَّودَاءَ فِي رَجَبٍ

بِصَالِحِ العَمَلِ المُنْجِي مِن الَّلهَبِ

شَهرٌ حَرَامٌ أَتَى مِن أَشهُرٍ حُرُمٍ

إِذا دَعَا اللهَ دَاعِ فِيهِ لَمْ يَخِبِ

طُوبَى لِعبدٍ زَكَى فِيهِ لَهُ عَمَلٌ

فَكَّفَ فِيهِ عَن الفَحشَاءِ والرِّيَبِ

إلى اللهِ المُشْتَكَى؛ لقد كثُرِتِ لَدينَا المَآثِمُ، وظَهَرَ مِنَّا الفَسادُ في البَرِّ والبَحرِ، وتَلاعبَ الشَّيطَانُ بِنَا! فَذَكَ صَريعُ الشَّهواتِ، وآخرُ مَفتُونٌ بالشُّبهاتِ، وثَالثٌ غافلٌ عن الأَوَامِرِ والصَّلواتِ، وَرَابِعٌ غَارِقٌ في مُعامَلاتٍ مُحرَّماتٍ، وَحِيَلٍ شَيطَانِيَّةٍ مَاكِرَةٍ!

أيُّها الأَخُ المُقَصِّرُ -وَكُلُّنا ذاكَ الرَّجُلُ- أيُّها المُذْنِبُ العَاصِي.. يامَنْ انغَمَسَ في نَظَرِ الحَرامِ, واقْتَرَفَ سَمَاعَ الآثَامِ: اختَفَيتَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَلمْ تَخْفَ عَنْ عينِ الذي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى! ألمْ يُحَذِّرُنَا رَبُّنا في كِتَابِهِ؟! وَيُخَوِّفُنا مِن عِقَابِهِ؟! نُنَعِّمُ أَعْضَاءَنَا بالحَرَامِ, وَتنْطِقُ عَلينا وَتَتَخَلَّى عَنَّا فِي أَصعَبِ الأَوقَاتِ!

ضَحِكَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ يَوْمٍ، قَالُوا: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ؟ قَالَ: "عَجِبْتُ مِنْ مُجَادَلَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ: يَا رَبِّ، أَلَيْسَ وَعَدْتَنِي أَلاَّ تَظْلِمَنِي؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَإِنِّي لاَ أَقْبَلُ عَلَيَّ شَاهِدًا إِلاَّ مِنْ نَفْسِي، فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ عَلَيْكَ شَهِيدًا وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا! فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، وَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ! فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، عَنْكُنَّ كُنْتُ أُجَادِلُ". (قَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [فصلت:21].

إنَّها المُفَاجَأَةُ الهَائِلَةُ فِي المَوقِفِ العَصِيبِ! شُهُودٌ عَلَينا لَمْ تَكُنْ لَنَا فِي الحِسَابِ. أَلسِنَةٌ تَنْطِقُ، وَأَسْمَاعٌ تَتَكَلَّمُ, وَأَبْصَارٌ تَفْضَحُ, وَجُلُودٌ تَشْهَدُ، إنَّا للهِ وَإنَّا إليهِ رَاجِعُونَ قَدْ كُنَّا نَسْتَتِرُ مِنَ النَّاسِ وَنَظُنُّ أنَّ اللَّهَ لا يَرَانَا! وَهَا هِي أَبْعَاضُنَا وَأَعضَاؤُنا تَفْضَحُ مَا حَسِبْناهُ مَسْتُورَاً! (أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ)! فَإلى اللهِ المَنْشَأُ وَالمَصِيرُ، لا مَفَرَّ مِنْ قَبْضَتِهِ فِي الأَوَّلِ وَالأَخِيرِ.

فَيا مُؤمِنْ: رَاجِع نَفسَكَ، وتفكَّرْ في أَمرِكْ، وابكِ على خَطيئَتِكَ, فإنَّها ذِكرى تَنفعُ المؤمنينَ, وَمَوعِظَةٌ تُنَبِّهُ الغَافِلِينَ، جعلَنا اللهُ جميعاً مِمَّن يستَمعونَ القولَ فيَتَّبِعونَ أحسنَهُ.

اللهمَّ أَيقِظْنَا من رَقَدَاتِ الغفلَةِ, وتَوفَّنا وأنتَ راضٍ عنَّا غيرَ غضبانٍ, اللهمَّ اعفُ عنَّا واغفر لنا وارحمنا, واجعلنا هداةً مُهتدينَ, غير ضالين ولا مُضلِّينَ, اجعلنا بِكتابِكَ مُستمسكينَ وبسُنَّةِ نبيِّكَ مُهتَدينَ.

اللهم واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمينَ خُذ بنواصيهم للبرِّ والتَّقوى, ومن العملِ ما تُحبُّ وترضى, واكفنا وإيَّاهم شَرَّ الفِتنِ والبِدعِ ما ظَهَرَ منها وما بطنْ.

اللهم انصر دينكَ وكتابَكَ وسُنَّةَ نبيِّكَ وعبادِكَ المُؤمنينَ, اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين وأذلَّ الشِّركَ والمُشرِكينَ, وأَصلِح وَوَفِّق أَئِمَّتَنا والمُسلِمينَ.

(رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [آل عمران: 147].

(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].