البر
البِرُّ في اللغة معناه الإحسان، و(البَرُّ) صفةٌ منه، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | صالح بن عبد الرحمن الخضيري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المنجيات |
لله درُّ أقوام لا يخلو منهم زمان؛ رجال مؤمنون ونساء مؤمنات يحفظ الله بهم الأرض، أخلصوا لله في أعمالهم بواطنهم كظواهرهم بل أجلى، وسرائرهم كعلانيتهم بل أحلى، وهممهم عند الثريا بل أعلى، إن عُرِفُوا تنكروا، وإن مُدِحُوا أو رُئيت لهم كرامة أنكروا، ولربهم في ظلمة الليل يسجدون؛ حيث لا يراهم أحد، قلوبهم نقية، وألسنتهم تلهج بالتلاوة والدعاء والذكر، مطعمهم الحلال، والناس في غفلاتهم وهم في قطع فلاتهم، تحبهم بقاع الأرض، وتفرح بهم ملائكة السماء. إذا استغنى الناس بالدنيا استغنوا هم بالله الغني الحميد، وإذا فرح الناس بالدنيا فرح هؤلاء الأخيار الصفوة بالله المجيد...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الأمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فأوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله -جل ثنائه- فإن المتقي ليس عليه وحشة، لا يخاف إذا خاف الناس في يوم الفزع ولا يحزن ولا يشقى (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ) [القمر: 54- 55].
من اتقى الله وحفظ حدود الله، وأدى فرائض الله أحبَّه الناس، وإن كرهوا.
أيها المسلمون: أسعد الناس في الدنيا وأرفعهم في الآخرة من راقب ربه -سبحانه- وجعل رضاه همه، وأجهد نفسه في التذلل لخالقه، والتزام أوامره وابتعد عن نواهيه وشغل لسانه بذكره وتلاوة كتابه وتدبره فهو ذاكر شاكر فجزاؤه (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ) [البقرة:152].
ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول لمعاذ بن جبل -رضي الله عنه-: "والله إني لأحبك؛ فلا تدعن أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
والمراد بالذكر: ذكر اللسان والقلب، والمراد بالشكر القيام بطاعة الله، والتقرب إليه بأنواع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة، فصاحب هذا القلب الذاكر الشاكر محبٌّ لربه ناصر لدينه، صادق في تدينه، مخلص في عمله، لسان حاله ومقاله: لو بِعْتُ لحظة من إقبالي على الله بمقدار عمر نوح في ملك قارون لكنت مغبونًا في العقد.
هذا الصنف المبارك من الناس إذا زيد في علمه ازداد تواضعًا، وإذا ازداد اجتهادًا وعملاً زاد خوفه وحذره من الخاتمة.
وكلما تقدمت به السن نقص حرصه، وأقبل على الآخرة، وكلما زيد في ماله زاد سخاؤه وصدقته وبذله، وكلما ارتفع جاهه وازداد قدره ازداد قربًا من الناس، ولاسيما ضعفائه واجتهد في قضاء حوائجهم والتواضع لهم قد استعد للقاء الله؛ لأنه لا بد من لقائه لكن لا يدري متى ينقضي الأجل (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ) [الانشقاق:6].
قال ابن الجوزي: "الواجب على العاقل أخذ العدة لرحيله؛ فإنه لا يعلم ما يفجأه أمر ربه ولا يدري متى يُستدعى".
نعم! لله درُّ أقوام لا يخلو منهم زمان؛ رجال مؤمنون ونساء مؤمنات يحفظ الله بهم الأرض، أخلصوا لله في أعمالهم بواطنهم كظواهرهم بل أجلى، وسرائرهم كعلانيتهم بل أحلى، وهممهم عند الثريا بل أعلى، إن عُرِفُوا تنكروا، وإن مُدِحُوا أو رُئيت لهم كرامة أنكروا (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ)، ولربهم في ظلمة الليل يسجدون؛ حيث لا يراهم أحد، قلوبهم نقية، وألسنتهم تلهج بالتلاوة والدعاء والذكر، مطعمهم الحلال، والناس في غفلاتهم وهم في قطع فلاتهم، تحبهم بقاع الأرض، وتفرح بهم ملائكة السماء.
إذا استغنى الناس بالدنيا استغنوا هم بالله الغني الحميد، وإذا فرح الناس بالدنيا فرح هؤلاء الأخيار الصفوة بالله المجيد، وإذا أنسوا بأحبابهم جعل هؤلاء أنسهم بالله سبحانه، وإذا تعرف الناس إلى ملوكهم وكبرائهم وتقربوا إليهم لينالوا بهم العزة والرفعة تعرف هؤلاء الصفوة إلى رب العالمين وتقربوا إليه وتوددوا إليه لينالوا بذلك غاية العز وكمال الرفعة.
أيها المسلمون: هؤلاء هم الصادقون صدقوا مع الله في العمل، والصدق استواء السريرة والعلانية في الحق، وأن يكون الباطن مثل الظاهر أو خيرًا من الظاهر، صدق في الاستقامة، فلا نفاق ولا رياء، وصدق في البيع والشراء، وصدق في التضرع والدعاء، وصدق في التعامل مع الضعفاء والأقوياء، وعدل في القول والفعل، فمن كان هكذا كان الله -جل وعلا- أسرع بكل خير إليه فهو -جل ثناؤه- أكرم من عبده هو الشاكر الشكور يضاعف القليل من العمل، هو المتفضل بكل خير وفضل، فمن صدق مع الله وأخلص في جميع أموره وفقه في عمله وسدده في قوله ويسر له أسباب الرزق وحفظ عليه جوارحه وأعانه على العمل الصالح.
قال شداد بن الهاد: جاء رجل من الأعراب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فآمن به واتبعه وهاجر، فلما كان في غزوة خيبر أعطي شيئًا من الغنيمة، فأبى أن يأخذه، وقال: "يا رسول الله! ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أُرمَى ها هنا، وأشار إلى حلقه بسهم، فأموت فأدخل الجنة".
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن تصدق الله يصدقك"، ثم نهض إلى قتال العدو، فأُتِي به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو مقتول فقال: "أهو هو؟" قالوا: نعم، فصلى عليه وكان من دعائه له أن قال: "اللهم هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك قُتل شهيدًا وأنا عليه شهيد" (أخرجه النسائي).
وهو القائل -صلى الله عليه وسلم-: "من سأل الله الشهادة بصدق بلَّغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه".
أرأيتم عظيم أثر النية هكذا يكون الصدق مع الله، وهكذا تكون نتيجته شهادة ثم دعاء من النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وهذا من السر الذي يكون بين العبد وبين ربه -جل ثناؤه-، فمن أخلص لله، وأعطى لله ومنع لله، وأحب لله وأبغض لله؛ فقد استكمل الإيمان، وفاز بسعادة الدنيا والآخرة.
قال -عز وجل- عن أصحاب السرائر الصادقين المخلصين: (وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران: 147- 148].
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يومًا لسعيد بن العاص: لم أقتل أباك يوم بدر، وإنما قتلت خالي العاص بن وائل، وما بي أن أكون أعتذر من قتل مشرك، فقال له سعيد: "لو قتلته كنت على الحق، وكان على الباطل"، فتعجب عمر من صدقه وصراحته في الحق.
وللصادق يا عباد الله في تدينه وتوكله على ربه، وإخلاصه لله أثرُه الواضح حتى مع دواب الأرض، ذكر ابن عبدالبر في الاستيعاب أن عقبة بن نافع الفهري المجاهد الفاتح لما فتح بلاد إفريقية أراد أن يختطَّ مدينة القيروان، فوقف ومعه المسلمون على القيروان، وكان واديًا كثير الشجر، فقال: "يا أهل الوادي! إنا حالُّون إن شاء الله تعالى به، فارحلوا"، ثلاث مرات.
قال: "فما رأينا حجرًا ولا شجرًا إلا تخرج من تحته حية أو دابة حتى هبط بطن الوادي ومعه المسلمون، ثم قال: انزلوا بسم الله".
سبحان من بيده الأمر والنهي وله الحكم وإليه ترجعون وهو القائل (أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) [آل عمران:83]. وهو القائل -عز اسمه وجل ثناؤه-: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس:82].
ذكر الخطيب في تاريخ بغداد عن أبي عثمان سعيد بن سلام قال: كان بي وجع في ركبتي، فاستقر في مثانتي، واشتد بي الوجع وكنت أستغيث بالله فسمعت بعض شياطين الجن يقول: كيف تستغيث بالله وغوثه بعيد، قال: فلما سمعت ذلك رفعت صوتي وزدت في الدعاء حتى سمع أهل بيتي صوتي، فما كان إلا لحظات حتى غلبني البول، فأعطوني سطلاً أهريق فيه الماء، فخرج شيء من البول وضرب بقوة في وسط السطل سمعت له صوتًا فنظرنا، فإذا حجر قد خرج من مثانتي، وذهب الوجع مني، وقلت: ما أسرع الغوث!، وهكذا الظن بالله جل جلاله.
وفي القرآن: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186].
(إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) فهو مجيب للمضطرين ومن انقطع رجاؤه عن المخلوقين وقوي تعلقه برب العالمين طمعًا ورجاءً وخوفًا، فما أحراه بالإجابة!!
عن سعيد بن المسيب أن رجل كان يسب عليَّ بن أبي طالب وطلحة والزبير -رضي الله عنهم- فجعل سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- ينهاه، ويقول: لا تقع في إخواني، فأبى هذا السابُّ الشقي، فقام سعد فصلى ركعتين، ثم قال: "اللهم إن كان مسخطًا لك فيما يقول فأرني به آفة واجعله للناس آية"، فخرج الرجل، فإذا هو بجمل يشق الناس فأخذ الجمل هذا السابّ فبرك عليه وسحقه على البلاط، والناس ينظرون حتى مات الرجل فجاء الناس إلى سعد فقالوا: "هنيئًا لك يا أبا إسحاق! أُجيبت دعوتك".
قال الذهبي: "وفي هذا كرامة مشتركة بين الداعي والذي نِيلَ منهم -رضي الله عنهم-".
وفي هذا الباب أخبار كثيرة والشأن كل الشأن في صدق العبد مع ربه وإطابة مطعمه وحسن توكله، وكفه عن محارم الله، وإخلاصه لله، قال عمر -رضي الله عنه-: "من خلصت نيته في الحق، ولو على نفسه؛ كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس فيه شانه الله".
وعند الترمذي: "من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وَكَلَه الله إلى الناس".
اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عنا، اللهم ارزقنا رزقا يزيدك إلينا شكرًا وفاقة وفقرًا، وبك عمن سواك غنى، اللهم أغننا عما أغنيته عنا، اللهم أصلح قلوبنا وأعمالنا، واجعلنا من عبادك الصالحين الصادقين المخلصين يا رب العالمين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه..
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فهكذا عباد الله هكذا تكون وصيتي لكم ولنفسي أن نُصلح سرائرنا، وأن نحسن النية؛ فإنما الأعمال بالنيات "إن الله لا ينظر إلى أموالكم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
إن من فضائل النية الصالحة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من همَّ بحسنة ولم يعملها كُتبت له حسنة" (رواه مسلم).
الله أكبر! مجرد الهم الصالح يكون عملاً صالحًا يثبت به الأجر، وتحصل به المثوبة، وذلك لعظيم أثر النية الصالحة وإصلاح السريرة.
ومن فضائل النية الصالحة ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مثلُ هذه الأُمَّةِ كمثلِ أربعةِ نفرٍ؛ رجلٌ آتاهُ اللهُ مالًا وعلمًا فهو يعملُ بعلمِه في مالِه، يُنفقُه في حقِّهِ، ورجلٌ آتاه اللهُ علمًا ولم يُؤْتِه مالًا فهو يقولُ: لو كان لي مثلَ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعملُ، قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فهما في الأجرِ سواءٌ، ورجلٌ آتاه اللهُ مالًا ولم يُؤْتِه علمًا فهو يخبطُ في مالِه يُنفقُه في غيرِ حقِّهِ، ورجلٌ لم يُؤْتِه اللهُ علمًا ولا مالًا، فهو يقولُ لو كان لي مثلَ هذا عملتُ فيه مثلَ الذي يعملُ، قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فهما في الوِزْرِ سواءٌ" (رواه الإمام أحمد والترمذي، وقال: حسن صحيح).
فأثيب ذو النية الصالحة بثواب العمل الصالح، ووُزِرَ صاحب النية الفاسدة بوزر صاحب العمل الفاسد، وكان مرد هذا إلى النية وحدها.
ومن فضائل إصلاح النيات والسرائر ما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو بتبوك: "إن بالمدينة أقوامًا، ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم. قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة مقيمون؟ قال: نعم، قد حبسهم العذر" فشركوا بحسن النية (رواه أبو داود والبخاري مختصرًا).
فحسن النية إذاً هو الذي جعل غير الغازي في الأجر كالغازي، وجعل غير المجاهد يحصل على أجر كأجر المجاهد.
أيها المسلمون: وأما النية السيئة فضررها كبير على صاحبها، وخطرها عظيم جدًّا في الدنيا والآخرة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: لأنه كان حريصاً على قتل صاحبه" (رواه البخاري ومسلم).
وفي رواية: "لأنه أراد قتل صاحبه"، فسوَّت النية الفاسدة والإرادة السيئة بين قاتل قد تُوُعِّد بالوعيد الشديد وهو قوله (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ) [النساء: 93]، وبين مقتول ظلمًا لولا نيته السيئة لرُجي له أن يكون من أهل الجنة.
ومن أضرار النية السيئة على صاحبها ما جاء في الحديث "أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى مَا قَلَّ مِنَ الْمَهْرِ أَوْ كَثُرَ لَيْسَ فِي نَفْسِهِ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهَا حَقَّهَا خَدَعَهَا، فَمَاتَ، وَلَمْ يُؤَدِّ إِلَيْهَا حَقَّهَا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ زَانٍ، وَأَيُّمَا رَجُلٍ اسْتَدَانَ دَيْنًا لا يُرِيدُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى صَاحِبِهِ حَقَّهُ خَدْعَةً حَتَّى أَخَذَ مَالَهُ، فَمَاتَ، وَلَمْ يَرُدَّ إِلَيْهِ دِينَهُ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ سَارِقٌ" (رواه الطبراني في الأوسط والصغير ورجاله ثقات، ورواه الإمام احمد وابن ماجه بنحوه).
أيها المسلمون: كل هذا مما يؤكد ما للنية من خطر وشأن عظيم، وأهمية كبيرة؛ لأن أعمال المسلم تنبني على صالح النيات، فعلى المسلم أن يبذل جهده في ألا يعمل عملاً بدون نية، وأن يحرص على الإخلاص في جميع الأعمال الظاهرة والخفية، فقوام العمل صحته وفساده إنما هو بصالح النية أو فسادها (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا) [الإسراء: 18- 19].
ألا فاتقوا الله عباد الله، وأصلحوا النيات، واجتهدوا في استقامة السريرة، وإخلاص العمل من كل مكدر وشائب.
اللهم إنا نسألك الإخلاص في القول والعمل، اللهم طهِّر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة؛ إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.