المليك
كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...
العربية
المؤلف | علي باوزير |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
ذكر الإمام ابن العربي المالكي -رحمه الله- في كتابه "أحكام القرآن" ذكر قصة عجيبة يحكيها عن عالم اسمه محمد بن قاسم العثماني يقول العثماني: "دخلت الفسطاط –وهي مدينة في مصر- فحضرت مجلس أبي الفضل الجوهري، وكان من كبار علماء مصر قال: فسمعته يقول في حديثه: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- طلَّق وظاهَر وآلى من نسائه". قال: فلما انتهى المجلس تبعته إلى منزله، وكان هناك جماعة من الناس فانتظرت حتى ذهب معظمهم فنظر إليَّ وقال: كأنك رجل غريب، فقلت: نعم، قال: ألك حاجة؟ قلت نعم، فأمر جلساءه أن يقوموا....
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعدُ أيها المسلمون عباد الله: ذكر الإمام ابن العربي المالكي -رحمه الله- في كتابه "أحكام القرآن" ذكر قصة عجيبة يحكيها عن عالم اسمه محمد بن قاسم العثماني يقول العثماني: "دخلت الفسطاط –وهي مدينة في مصر- فحضرت مجلس أبي الفضل الجوهري، وكان من كبار علماء مصر قال: فسمعته يقول في حديثه: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- طلَّق وظاهَر وآلى من نسائه".
والظهار أن يقول الرجل لامرأته أنتِ عليَّ كظهر أمي، والإيلاء هو أن يحلف الرجل ألا يقرب أهله.
قال: فلما انتهى المجلس تبعته إلى منزله، وكان هناك جماعة من الناس فانتظرت حتى ذهب معظمهم فنظر إليَّ وقال: كأنك رجل غريب، فقلت: نعم، قال: ألك حاجة؟ قلت نعم، فأمر جلساءه أن يقوموا.
فقال له: قل ما تريد، فقال: حضرت مجلسك أيها الشيخ تبركًا وتعلمًا، فسمعتك تقول أن النبي -صلى الله عليه وسلم- طلَّق، وصدقتَ في هذا، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- آلى وصدقتَ في هذا، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ظاهَر من أهله، وهذا لم يكن ولا يمكن أن يكون؛ فإن الظهار منكَر من القول وزور، وهكذا وصفه الله -سبحانه وتعالى- في القرآن فلا يمكن أن يقع من النبي -صلى الله عليه وسلم- أبداً.
قال: فأخذني وضمَّني إلى نفسه، وقال: جزاك الله خيرًا من معلِّم، وإني تائب مما قلت وراجع إلى الحق.
يقول العثماني: فانصرفت عنه، ثم جئت أو بكَّرت في اليوم الثاني إلى الجامع، فوجدته قد سبقني إلى الجامع، وقد جلس على المنبر فلما رآني دخلت من باب الجامع، قال: مرحبًا بمعلمي، قال: فانصرف الناس وتطاولت الأعناق إليَّ، وحدقت الأبصار إلى جهتي، وأخذ الناس يرفعوني بأيديهم ويدفعوني حتى أوصلوني إلى المنبر، وقد أسال الحياء عرقي.
قال: فأجلسني إلى جانبه، وقال أيها الناس: أنا معلمكم، وهذا معلمي، ثم ذكر لهم التنبيه الذي نبهه عليه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يظاهر من أهله، ثم قال: جزاه الله خيرًا وأخذ يدعو له دعاء عظيم، والناس يؤمنون على دعائه.
يقول الإمام ابن العربي -رحمه الله- معلقًا على هذه القصة العجيبة، يقول: "فانظروا -رحمكم الله- إلى هذا الدين المتين والاعتراف بالعلم لأهله على رءوس الملأ من رجل ظهرت رياسته لرجل غريب لا يعرف فاقتدوا به ترشدوا".
وصدق -رحمه الله-: "فاقتدوا به ترشدوا"، بهذه الأخلاق ارتفعت الأمة، بهذه النفوس كانت نهضتها وعزتها، عالم كبير ورجل له وجاهته ومكانته لم يأنف ولم يتكبر ولم يتعالَ حين بُيِّن له خطأه فاعترف بالخطأ أمام الناس وتاب ورجع إلى الحق أمام الناس وشهد بالفضل لأهله.
يا لها من نفوس عظيمة ومن نفوس شريفة كريمة!!
أيها الأحباب: من منا هو ذلك الرجل الذي ينصف الناس من نفسه؟ إذا قيل له أخطأت استمع ولم يكابر ولم يجادل، وأخذ يراجع نفسه إذا تبين له خطأه رجع عنه وتاب منه واعترف بهذا الخطأ والتقصير.
من منا هذا الرجل الذي ينصف في تقييمه وحكمه على نفسه قبل أن ينصف غيره من الناس والله -عز وجل- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ) [النساء: 135]، ويقول تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) [النحل: 90]، ويقول سبحانه: (اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8].
فنحن مأمورون بالعدل في كل شيء، وأول ذلك أن نعدل في أنفسنا، وأن ننصف الناس من أنفسنا؛ فلا نبالغ في تعظيمها، ولا نبالغ في تقديسها وتنزيهها، وكأنه لا يصدر منا خطأ أبداً، وكأننا أنفس معصومة لا يمكن أن يقع منها زلل أو خلل؛ فإن نظرة الإعجاب إلى النفس وتقديسها والزيادة في تعظيمها من المهلكات التي تهلك العبد.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات، فأما المنجيات: فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضا والسخط، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه".
هذه تهلك الإنسان وتُورده الموارد والمهالك، وانظر إلى إبليس حين أمره الله -عز وجل- بالسجود فلم يسجد قال الله -عز وجل- له: ما منعك أن تسجد حين أمرتك؟ فبدلاً من أن ينصف من نفسه ويعترف بخطئه وذنبه أخذ يجادل وعلاه الكبر والغرور، وأخذ يخاصم رب العالمين ويقول: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [الأعراف: 12]، فكانت نتيجة هذا الجدال والكبر أن لعنَه الله -عز وجل- وطرده من رحمته.
وفي المقابل انظر إلى آدم عليه السلام حينما تبيَّن له خطؤه وعرف ذنبه لم يجادل ولم يكابر ولم يعاند بل سارع إلى أن قال (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23]، فغفر الله -عز وجل- له وعفا عنه.
فهكذا من أخذته العزة بالإثم وتكبر على الحق وجادل فيما هو عالم أنه قد أخطأ فيه فإنما يتشبه بإبليس الذي لعنه الله وطرده من رحمته.
وما أقرب من كان هذا حاله ما أقربه إلى الهلكة والعياذ بالله، الله -عز وجل- يحدثنا عن مثل هذا الصنف من الناس فيقول سبحانه كما في سورة البقرة: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) [البقرة:204]، كلامه جميل ومنطقه حسن، ويأتي بالألفاظ الرقراقة المعسولة، ولكنه رجل معاند، رجل صاحب خصام وجدال (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ) [البقرة: 205- 206].
في البداية تجده يقول: أنا إنسان أقبل النصيحة، أنا شخص أقبل الحق ممن جاء به، أنا لست مجادلاً لست معاندًا، لست مكابرًا، فإذا وقع في الخطأ الظاهر البيِّن وجاءه من ينصحه ويذكِّره؛ تأخذه العزة الكبر والغرور، تأخذه العزة بالإثم فيصرّ على خطئه، ويبرر له ويجادل ويناظر، ويرفض الاعتراف بهذا الذنب والخطأ والتقصير.
وهذا هو حال المتكبرين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"، فقال رجل يا رسول الله: "إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا"، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله جميل يحب الجمال" أي: ليس هذا من الكبر، قال: "الكبر بطر الحق وغمط الناس".
الكبر حقيقة بطر الحق أي دفعه ورده، ترفعًا وتجبرًا وغمط الناس أي احتقارهم وازدرائهم والسخرية منهم، هذا هو التكبر حقيقة، فالمتكبر هو الذي لا يقبل النصيحة، المتكبر هو الذي لا يعترف بخطئه، المتكبر هو الذي لا يتوب من ذنبه، المتكبر هو الذي يجادل ويعاند بالباطل، ومثل هذا يصرف عن التوفيق والهداية، قال الله -سبحانه وتعالى-: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ) [الأعراف:146].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه تسليمًا مزيدًا.
وبعد: أيها الأحباب الكرام: لا شك أن هناك تغيرًا كبيرًا قد طرأ على الأخلاق والقيم وأن هناك كثيرًا من الخلل الذي اعتراها.
إذا كان الإمام مالك -رحمه الله- في القرن الثاني الهجري يقول: "ما في زماننا شيء أقل من الإنصاف"، ثم يأتي بعده الإمام القرطبي -رحمه الله- في القرن السادس فيعلق على كلام الإمام مالك فيقول: "هذا في زمن مالك، فكيف في زماننا اليوم الذي عم فيه الفساد وكثر فيه الضغام" أي الناس الفاسدون. فماذا يقال في زماننا هذا، ونحن في القرن الخامس عشر الهجري؟!
فالإنصاف –والله- قد صار عزيزًا جدًّا بين الناس، وهنا يظهر الإيمان، وهنا يظهر الإخلاص والصدق مع الله -سبحانه وتعالى- وهنا يظهر حقيقة من يخاف الله -عز وجل- ويخشاه ويتقيه.
يقول عمار بن ياسر -رضي الله عنه وأرضاه-: "ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان" قال: "الإنصاف من نفسك"، هذه أولها أن تنصف الناس من نفسك، أن تكون عادلاً في تقييم نفسك وفي النظر إلى أفعالها إلى صوابها وخطأها، "الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم والإنفاق من الإقتار".
وليست الشجاعة -أيها الأحباب- بأن تثبت صحة ما فعلت، ليست القوة أن تجادل وتناظر لتثبت أن خطأك صواب، وأن الذي فعلته حق لا شك فيه، إنما الشجاعة والقوة حقًّا أن يعترف الإنسان بخطئه، وأن يكون منصفًا من نفسه، وإذا نُصح انتصح، وإذا نُبِّه انتبه، وإذا رُوجِع رجَع.
هذا حبيبنا ومعلمنا وقائدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يراجعه الصحابة الكرام فيرجع إلى قولهم، كانوا ينبهونه على بعض الأمور فيرجع إلى كلامهم وما كان يقول لهم أنا رسول الله، أنا المعصوم الذي لا يخطئ، بل كان -صلى الله عليه وسلم- مثالاً في الإنصاف والتواضع والرجوع إلى الحق، ليس مع المسلمين فقط، بل حتى مع غير المسلمين.
يأتيه يهودي فيقول له: يا محمد إنكم تنددون وتشركون، قال: "وما ذاك؟" قال: تقولون: والكعبة وتقولون: ما شاء الله وشئت، وهذا من الخطأ في اللفظ الذي يعد من شرك الألفاظ، وليس بالشرك المخرج من الملة.
ولكن مع ذلك انظروا إلى اليهودي جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأسلوب مستفز يقول له: إنكم تنددون وتشركون، وربما كان في نيته السخرية والاستهزاء بالمسلمين، ولكن مع ذلك كله النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ الحق منه وأنصفه، وقال للمسلمين قولوا: "ورب الكعبة"، وقولوا: "ما شاء الله ثم شئت"، وأمرهم أن يصححوا من هذا اللفظ؛ فقَبِل النصيحة وقَبِل النقد من هذا اليهودي.
فأين هذا -أيها الأحباب- من أحوال نراها ونعايشها يوميًّا في حياتنا حين يحصل خلاف بين جارين، ويكون أحدهما مخطئًا، ألا نرى في كثير من الأحوال أن المخطئ يجادل ويكابر ويرفض أن يعترف بخطئه، بل ربما يرفض محاولات المصلحين ويردها ويتمسك بخطئه.
حين يحصل صدام بين سيارتين، ويخرج سائق هذه السيارة وسائق تلك وربما أحدهما كان مخطئًا وربما كان الخطأ مشتركًا، فتجد كل واحد منهم يحاول أن يحمِّل الخطأ للآخر، ويرفض أن يعترف بخطئه، ولو كان يعلم أنه هو المخطئ، ولكن حتى لا يتحمل المسئولية يجادل وينافح بالباطل.
حين تجد معلمًا أو أستاذ جامعة لا يقبل نقدًا من طالب، وإذا انتقده طالب على خطأ واضح ظاهر ربما عاداه وتقصد إفشاله، كيف يجرؤ هذا الطالب أن ينتقد هذا الأستاذ؟!
ألا نرى -أيها الأحباب- كثيرًا من المسئولين يجادلون عن أخطائهم، وينافحون عنها، ويبررون ربما بالكذب في كثير من الأحوال، ولا يقبلون النقد ولو كان صحيحًا.
بينما نجد في بلاد الكفر بعض المسئولين يقدم استقالة أو يخرج للناس متعذرًا لمجرد انتقاد واحد وُجِّه إليه.
أليس هناك كثير من الأزواج يرفض نصيحة زوجته، ويرفض نقدها، ويرفض تنبيهها، وربما أساء إليها وسبَّها وضربها؛ اعتقادًا منه أن هذا النقد هو إساءة واعتداء على كرامته ورجولته وشهامته حتى وإن كان هذا بينه وبينها ولم يطلع عليه أحد من الناس.
أين نجد الأب الذي إذا جاءه ولده فقال له: يا أبتِ! أخطأتَ في حقي، وقصرتَ، فيستمع له وينصت وينصفه من نفسه، وينظر بالفعل هل أخطأ وقصَّر في حق ولده، أم أننا نجد كثيرًا من الآباء إذا حصل منه مثل هذا أخذ يمنُّ على أولاده، وقد فعلتُ وعملتُ وصنعتُ ولم يستمع إليهم ولم يلتفت.
نجد كثيرًا من العلماء ربما لا يقبل الواحد منهم أن يجادل أو يناقش في أي قضية من القضايا وكأن قوله قول معصوم لا خطأ فيه أبداً.
وقس على هذا كثيرًا من الأحوال التي نعيشها يوميًّا، والتي تدل على ضعف الإنصاف من النفس، وعلى ضعف العدل في التعامل، وعلى وجود نوع من الكبر في النفوس يمنعها من الاعتراف بالخطأ، ولو أننا أنصفنا الناس من أنفسنا، وعدلنا في تعاملنا لحُلَّت كثير من مشاكلنا، وتجنبنا كثيرًا من النزاعات؛ فإن أردت أن ينصفك الناس فأنصفهم من نفسك، وإذا أردت أن يعدل الناس معك فاعدل معهم في تعاملك، والله -سبحانه وتعالى- يقول (وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الحجرات: 9].
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا من المقسطين، نسأل -سبحانه وتعالى- أن يجعلنا من المنصفين..