البحث

عبارات مقترحة:

العلي

كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...

القابض

كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...

الحق

كلمة (الحَقِّ) في اللغة تعني: الشيءَ الموجود حقيقةً.و(الحَقُّ)...

متى يكون إهلاك الظالمين الطغاة؟

العربية

المؤلف أحمد شريف النعسان
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - أهل السنة والجماعة
عناصر الخطبة
  1. كثرة المحن والفتن النازلة بالمسلمين .
  2. سنة إمهال الله للظالمين .
  3. وسائل النجاة من الفتن .
  4. قصص في إهلاك الله للظالمين .
  5. إهلاك الظالمين حقيقة لا مرية فيها .

اقتباس

هناكَ أُمورٌ إن تَنَبَّهَ إليها المسلمُ في أيَّامِ الفِتَنِ عَصَمَ عقيدَتَهُ -بإذنِ الله -تعالى- من التَّزَعزُعِ، وجَعَلَهُ الله -تعالى- في حِصنٍ حَصينٍ يقيهِ من الرِّيَبِ والشَّكِّ والوسواسِ, ومن أهمِّ هذهِ الأُمورِ هيَ: أن يعلمَ الإنسانُ المسلمُ بأنَّ الله -تبارك وتعالى- ألزَمَ ذاتَهُ العَلِيَّةَ بإهلاكِ الظَّالمينَ الطُّغاةِ الذين...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: إنَّ بَلَدَنَا الحبيبَ يعيشُ في أزمةٍ قاسيةٍ, وإنَّ أخطرَ ما قد يُواجِهُ الإنسانَ المسلمَ في هذهِ الأيَّامِ العصيبةِ أمرٌ واحدٌ, وهوَ من الخُطورةِ بمكانٍ, ألا وهوَ: أن يَتَسَرَّبَ إلى عقيدةِ المسلمِ شيءٌ من هذهِ الفِتَنِ فَيُزَعزِعَهَا, وبذلك يخسرُ المسلمُ الدُّنيا والآخرةَ -والعياذُ بالله تعالى-.

 

يا عباد الله: هناكَ أُمورٌ إن تَنَبَّهَ إليها المسلمُ في أيَّامِ الفِتَنِ عَصَمَ عقيدَتَهُ -بإذنِ الله -تعالى- من التَّزَعزُعِ، وجَعَلَهُ الله -تعالى- في حِصنٍ حَصينٍ يقيهِ من الرِّيَبِ والشَّكِّ والوسواسِ, ومن أهمِّ هذهِ الأُمورِ هيَ: أن يعلمَ الإنسانُ المسلمُ بأنَّ الله -تبارك وتعالى- ألزَمَ ذاتَهُ العَلِيَّةَ بإهلاكِ الظَّالمينَ الطُّغاةِ الذين يعيثونَ في الأرضِ فساداً, قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيد) [إبراهيم: 13 - 14].

 

يا عباد الله: عندما ألزَمَ ربُّنا ذاتَهُ العَلِيَّةَ بإهلاكِ الظَّالمينَ الطُّغاةِ؛ كما ذَكَرَ ذلك في القرآنِ العظيمِ, بَيَّنَ لنا في كتابِهِ العظيمِ سُنَّتَهُ في طريقةِ إهلاكِهِم, ومن الخَطَأِ بمكانٍ أن يتذكَّرَ المسلمُ قول الله -تعالى-: (لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) [إبراهيم: 13]، ثمَّ ينسى أو يتناسى سُنَّةَ الله -تعالى- في طريقةِ إهلاكِهِم.

 

من سُنَّةِ الله -تعالى- في طريقةِ إهلاكِ الظَّالمينَ هيَ: الإمهالُ, بحيثُ يُرخي لهمُ الحبلَ أمداً من الزَّمنِ لا يعلمُ مَداهُ إلا الله -تعالى- ثم يأخُذُهم أخذَ عزيزٍ مقتَدِرٍ, وقد بيَّنَ ذلك في القرآنِ العظيمِ بقولِهِ: (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)[القلم: 44 - 45].

 

وبقولِهِ تعالى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر: 3].

 

وبقولِهِ تعالى: (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ) [المدثر: 11- 15].

 

وبقولِهِ تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16].

 

وبقولِهِ تعالى: (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ) [الأنعام: 44].

 

فسُنَّةُ الله -تعالى- في إهلاكِ الظَّالمينَ أن يُمهِلَهُم إلى أجلٍ معلومٍ عندَهُ, ثمَّ يأخذَهُم أخذَ عزيزٍ مُقتدرٍ, ويجعلَهُم أَثَراً بعدَ عينٍ, قال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ) [الأعراف: 34].

 

يا عباد الله: إنَّكُم تعلمونَ بأنَّ سيِّدنا نوحاً -عليه السَّلامُ- لَبِثَ في قومِهِ داعياً إلى الله -تعالى- ألفَ سَنةٍ إلا خمسينَ عاماً؛ كما قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) [العنكبوت: 14].

 

وخلالَ هذهِ الفترةِ كان يدعوهُم إلى الله -تعالى- ليلاً ونهاراً, سِرَّاً وجِهاراً؛ كما قال تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا) [نوح: 5 - 9].

 

نعم، لقد أمهَلَهُمُ الله -تعالى- هذهِ الفترةَ, وعندما حانَ وقتُ الأخذِ، قال تعالى: (وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُون) [هود: 36 - 37].

 

يا عباد الله: تَصَوَّروا هذا الأخذَ الأليمَ, قال تعالى: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِر * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِر * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُر * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاء لِّمَن كَانَ كُفِرَ * وَلَقَد تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِر) [القمر: 10 - 15].

 

فهل يَتَذَكَّرُ ويَتَفَكَّرُ ويَعتَبِرُ الطُّغاةُ المجرمونَ قتلةُ الأبرياءِ بهذهِ العاقبةِ الوخيمةِ لقومِ نوحٍ بعدَ أن أمهَلَهُمُ الله -تعالى- لعلَّهُم يتُوبُونَ, لعلَّهُم يرجِعُونَ, لعلَّهُم يَكُفُّونَ عنِ الظُّلمِ؟

 

هل يَتَذَكَّرُ هؤلاءِ الطُّغاةُ المجرمونَ الذينَ يُمهِلُهُمُ الله -تعالى- قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر: 14].

 

يا عباد الله: إنَّكم لتعلمونَ كذلِكَ فرعونَ الذي عاثَ في الأرضِ فساداً, قَتَلَ من قَتَلَ من الأطفالِ, وسَبَى من سَبَى منَ النِّساءِ, حتى وَصَلَ بِطُغيانِهِ أن يقولَ لهامان: (يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ) [غافر: 36 - 37].

 

وأن يقولَ لقومِهِ: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى) [غافر: 29].

 

وأن يقولَ لهم: (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: 38].

 

وأن يقولَ لهم: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعات: 24].

 

وإنَّكم لتعلمونَ بأنَّ سيِّدنا موسى -عليه السَّلامُ- دَعَا عليهِ وعلى قومِهِ بقولهِ تعالى: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ) [يونس: 88] فماذا كانَ الجوابُ من اللهِ -تعالى-؟

 

الجواب: (قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) [يونس: 89] بمعنى: قُمْ بما كُلِّفتَ بهِ يا موسى من الاستِقامَةِ, وإنَّا سَنُهلِكُ فرعونَ وقومَهُ في الوقتِ الذي نُريدُ, في الوقتِ المُحدَّدِ المعلومِ عندنا.

 

وجاءَ الوقتُ المُحدَّدُ, فَنَبَذَهُ الله -تعالى- في اليمِّ وأهلكَهُ وأهلكَ قومَهُ, قال تعالى: (وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَّا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُم * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى) [طـه: 77 - 79].

 

يا عباد الله: لقد أهلكَ اللهُ -تعالى- فرعونَ وقومَهُ, لكن كم منَ الزَّمنِ مَرَّ بعدَ دُعاءِ سيِّدنا موسى -عليه السَّلامُ-؟

 

يا عباد الله: كُونوا على حَذَرٍ من أن يَتَسَلَّلَ إلى عقيدَتِكُم شيءٌ من خُيوطِ هذهِ الفِتنةِ فَيُزَعزِعَهَا, إنَّ إهلاكَ المُجرمينَ الطُّغاةِ قَتَلَةِ الأبرياءِ حقيقةٌ لا مِريَةَ فيها؛ لأنَّ الله -تعالى- ألزَمَ ذاتَهُ العَلِيَّةَ بذلك بقولِهِ تعالى: (لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) [إبراهيم: 13].

 

وبقوله تعالى: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم: 42].

 

وبقوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر: 14].

 

ولكن لكلِّ أجلٍ كتابٌ, ربُّنا يُمهِلُ ولا يُهمِلُ لِحكمةٍ يُريدُها مولانا -عزَّ وجلَّ-, ولكن عندما يأخُذُ يأخذُ أخذَ عزيزٍ مُقتدرٍ.

 

أسألُ الله -تعالى- أن يُفرِّجَ الكربَ عن هذهِ الأمَّةِ عاجلاً غير آجلٍ, إنَّهُ خيرُ مسؤولٍ وخيرُ مأمولٍ.

 

أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.