البحث

عبارات مقترحة:

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

السبوح

كلمة (سُبُّوح) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فُعُّول) من التسبيح،...

القدس أمانة

العربية

المؤلف عبدالباري بن عواض الثبيتي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات فقه النوازل
عناصر الخطبة
  1. وصف القرآن لبيت المقدس .
  2. فضائل وخصائص المسجد الأقصى .
  3. أمانة القدس في عنق كل مسلم .
  4. مبادرة لقاء مكة بين الفصائل الفلسطينية. .

اقتباس

إنَّ شأنَ القدسِ شأنُ المسلمين كلِّهم بنصِّ كتابِ اللهِ وسنّة رسولِه؛ فلِكلِّ مسلمٍ حقٌّ في تلك الأرضِ المباركة، يقابِلُه واجِبُ النُّصرةِ بكلِّ صوَرِه؛ فالحجَّة تبقى قائمةً معَ الحقِّ وأهلِه، وعلى الظلمِ وأهلِه إلى يَومِ الدّين. ولعلَّ في استقبالِ بيتِ المقدِس -أوّلاً- تنبِيه المسلمِين إلى ما يجِبُ عليهِم القِيامُ به نحوَ بيتِ المقدِس مِنَ الحِفاظِ عليه مِن أن يُدَنَّسَ برِجسِ الوثنيّة أو المعاصِي، ولِتبقَى هذه المسألةُ خالدةً في أذهان المسلمين حتى لا تنسَى ..

 

 

 

أمّا بعد:

فأوصِيكم ونَفسي بتَقوَى الله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

وصَف القرآنُ الكَريم في كثيرٍ مِن آياتِه بيتَ المقدِس ومَسجدَه بالبَرَكةِ، وهي النّمَاءُ والزيادةُ في الخَيرات، قالَ سُبحانه: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَه)ُ [الإسراء:1]، وقالَ تَعَالى: ( وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:71]، وهذا حكاية عن الخليل إبراهيمَ عليه السلام في هجرته الأولى إلى بيت المقدس وبلادِ الشام، قال تَعالى: (وَأَوْرَثْنَا القَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا) [الأعراف:137].

وفي قصّة سليمانَ عليه السّلام يقول سبحانَه: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا) [الأنبياء:81]، وقالَ تعالى عَلى لسانِ موسَى: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) [المائدة:21], وعندَ حديثِ القرآنِ عن رغَد عيشِ أهلِ سبَأ؛ يقول سبحانَه: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القُرَى الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً) [سبأ:18]، وهي قُرى بيتِ المقدس كما روى العوفيّ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما.

وصَف القرآن أرضَها بالرَّبوَة ذَاتِ الخصوبَةِ، وهي أحسَن ما يكون فيه النَّباتُ، وماءَها بالمعينِ الجاري، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) [المؤمنون:50]، قالَ الضَّحاك وقتادةُ: "هو بيتُ المقدس".

 

وفي قولِه تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا) [البقرة:114], قالَ كَثيرٌ من المفسِّرين: " هو مسجِد بيتِ المقدس ", وقال تعالى: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) [الإسراء:7]، أجمَع المفسِّرون على أنَّ المسجِدَ المذكورَ ها هنا, هو: المسجدُ الأقصى.

المسجِد الأقصى هو ثاني مسجِدٍ بُنِيَ في الأرض، لما في الصّحيحين عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أيّ مسجِدٍ وضِع في الأرض أوّل؟ قال: " المسجدُ الحرام "، قال: قلتُ: ثمّ أيّ؟ قال: " المسجد الأقصى "، قلتُ: كم كان بينهما؟ قال: " أربعونَ سَنةً، ثمّ أينما أدرَكتكَ الصلاة بعدُ فصلِّهِ فإنّ الفضلَ فيه ".

بيتُ المقدس لا يدخُلُه الدجّال؛ فقد روَى جُنادة بن أبي أميّة قال: أتينا رجلاً من الأنصارِ من أصحابِ رسول الله فدَخَلنا عليه، فقلنا: حدِّثْنا ما سمعتَ من رَسولِ الله، فذَكَر الحديثَ وفيه: " عَلامتُه يمكُث في الأرضِ أربعين صَباحًا، يبلغ سلطانُه كلَّ مَنهلٍ، لا يأتي أربعةَ مساجِدَ: الكعبةَ ومسجِدَ الرّسولِ والمسجِدَ الأقصَى والطّور " رواه أحمد ورجاله ثقات.

وعَن أبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: تَذاكَرنا ونحن عندَ رسول الله أيّهما أفضَل: مسجِد رَسولِ الله أم بيت المقدس؟ فقالَ رسولُ الله: " صلاةٌ في مسجِدِي هذا أفضَلُ من أربَعِ صَلوات فيه، ولَنِعمَ المصلَّى هو، وليوشكَنَّ أن يكونَ للرّجل مثلُ شطنِ فرسه من الأرضِ حيث يَرَى منه بيتَ المقدِس خيرٌ له من الدّنيا [جميعًا] ", أو قال: " خيرٌ له من الدّنيا وما فيها " أخرجه الحاكم وصحّحه ووافقه الذهبيّ.

وفي مسندِ أحمدَ وسُنَن أبي داود وابن ماجَه عن ميمونةَ مولاةِ النبيِّ قالت: يَا نبيَّ الله، أفتِنا في بيت المقدس، فقال: " أرضُ المنشَر والمحشَر، ائتوهُ فصلُّوا فيه؛ فإنَّ صلاةً فيه كألفٍ فيما سواه ".

تُشَدّ الرحال إلى المسجِدِ الأقصى؛ فعَن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عَنه قال: قال رسولُ الله: " لا تَشُدُّوا الرحالَ إلا إلى ثلاثةِ مساجِدَ: مسجدي هذا والمسجدِ الحرام والمسجدِ الأقصَى " رواه البخاري ومسلم. حديثُ شدِّ الرّحال يدلُّ على الاهتمامِ الذي أولاه الرَّسول للأقصَى المبارك، وربَط قيمتَه وبركتَه مع قيمةِ وبركة هذين المسجدين.

إِتيانُ المسجدِ الأقصى بقصدِ الصَّلاة فيه يُرجى أن يُكفِّر الذنوبَ ويحُطّ الخطايا، فعَن عبدِ الله بن عمرو عَن النبيِّ قال: " لمّا فرَغ سليمانُ بن داودَ من بناءِ بيتِ المقدس سأل الله ثلاثًا: حُكمًا يصادِف حكمَه، ومُلكًا لا ينبغي لأحَدٍ من بعدِه، وأن لا يَأتيَ هذا المسجدَ أحدٌ لا يريد إلاّ الصَّلاةَ فيه إلاّ خرَج من ذنوبه كيومَ ولدَته أمُّه "، فقال النبيّ: " أمّا اثنَتَان فقد أُعطِيَهما، وأرجو أن يكونَ قد أعطِيَ الثالثة " رواه أحمد والنسائيّ وابن ماجه.

بَشَّر النبيُّ بِفتحِ بيتِ المقدِس، ومِن مؤيِّداتِ هذهِ البِشارةِ حديثُ عوفِ بنِ مالكٍ عن النبيِّ قال: " اعدُد ستًّا بين يدَيِ الساعةِ: موتِي ثمّ فتحُ بيت المقدِس " رواه البخاري.

القدسُ حاضِرَةُ الخلافةِ الإسلاميّة في آخرِ الزَّمان، فعن عبد الله بنِ حَوالَة الأزديّ قال: وضَعَ رَسول الله يدَه على رَأسِي أو قَالَ: عَلَى هَامَتي، ثمّ قَالَ: " يَا ابنَ حَوالة؛ إذا رَأيتَ الخلافةَ قد نَزَلَت الأرضَ المقدَّسَة فقد دنَت الزلازلُ والبلابِل والأمورُ العِظام، والساعةُ يومئذٍ أقربُ من النّاس [من] يدِي هذِه مِن رأسِك " رواه أبو داود وأحمد.

إنَّ شأنَ القدسِ شأنُ المسلمين كلِّهم بنصِّ كتابِ اللهِ وسنّة رسولِه؛ فلِكلِّ مسلمٍ حقٌّ في تلك الأرضِ المباركة، يقابِلُه واجِبُ النُّصرةِ بكلِّ صوَرِه؛ فالحجَّة تبقى قائمةً معَ الحقِّ وأهلِه، وعلى الظلمِ وأهلِه إلى يَومِ الدّين.

ولعلَّ في استقبالِ بيتِ المقدِس -أوّلاً- تنبِيه المسلمِين إلى ما يجِبُ عليهِم القِيامُ به نحوَ بيتِ المقدِس مِنَ الحِفاظِ عليه مِن أن يُدَنَّسَ برِجسِ الوثنيّة أو المعاصِي، ولِتبقَى هذه المسألةُ خالدةً في أذهان المسلمين حتى لا تنسَى ما بقِي فيهم القرآن يُتلَى وما بقيت قلوبهم عامرةً بالإيمان.

لقَد مكَّن الله تعالى لِلمسلِمين فتحَ بيت المقدس في عهدِ الصَّدرِ الأوّل؛ فأقامُوا فيه الصَّلاةَ، وأمروا بالمعروف، ونَهَوا عن المنكَر، وثبَت دينُ الله في الأرضِ، وما زال -والحَمدُ لله تعالى- كذَلك، وإن قامَ الطُّغيان فيه وصال وجَالَ؛ فإنّه لا بدَّ زائلٌ, كما أذِن الله تبارك وتعالى بذَلك في قولِه: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمْ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) [الإسراء:5-6].

هذا البيتُ المقَدَّس بقِي وسَيَبقى على الرَّغمِ مِنَ المِحَن التي عَصَفَت وتَعصِف بالمسلمين حصنَ الإسلامِ معقِلَ الإيمان إلى قيامِ السّاعة، قال: " لا تَزَال طائفةٌ من أمّتي على الحقّ ظاهرين لعدوِّهم قاهِرين، لا يضرّهم من [خالَفهم] إلاّ ما أصابهم مِن لأوَاء حتى يأتيَهم أمرُ الله وهُم كذَلك "، قالوا: يا رسولَ الله، وأينَ هُم؟ قالَ: " بِبَيتِ المقدِس وأكنَافِ بيتِ المقدِس " رواه أحمد.

بَارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية

 

 

الحمدُ لله وكفَى، وسلامٌ عَلَى عِبادِه الَّذين اصطَفَى، وأشهَد أن لا إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له العليّ الأعلى، وأشهَد أنّ سيِّدنا ونبيَّنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه رسولُ الهدَى، صلّى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه ومن اقتفى.

أمّا بعد: فأوصيكم ونفسِي بتقوَى الله.

القدسُ الشّريف أمانةٌ في أعناقِ المسلمين، وإنَّ التفريطَ فيه تفريطٌ في دينِ الله، وسيسأل الله تعالى المسلمين عن هذه الأمانةِ إن فرَّطوا في حقِّها أو تقاعسوا عن نصرتها ورعايتها.

عملياتُ الحفرِ تحت المسجد الأقصى اعتداءٌ آثم وفِعل شنيع، وتعرِّض بنيانَ المسجد الأقصى للخطر, هذا العملُ أثارَ مُهَج المسلمين، وأجَّج مشاعرَهم, وعلى كلِّ مسلم أن يعرفَ للأقصى المبارك قدرَه؛ مدافعًا عن طُهرهِ، منافِحًا عن كرامتِه، باذِلاً الغالي والرخيصَ في سبيل نصرِه وعزِّه.

إنَّ الدعاء سلاح فعّالٌ لو صدَر من قلبٍ مخلِص وتكرَّر بإلحاحٍ أن ينصُرَ الله إخوانَنا ويفرِّج كربهم ويحرِّر الأقصى من دَنَس المعتدين.

ومما يؤلم المسلمَ ما يَراه من فُرقةٍ واختلاف بين المسلمين، تسهِّل على الذِّئب افتراسَهم. وليَعلَم الإخوةُ في فلسطين أن العدوَّ يتربَّص بهم الدوائر، ويعمَل جاهدًا على تغذِيةِ أسبابِ الفُرقة وتمزيقِ الألفةِ وتشتِيتِ الشّمل والصِّراع الداخليّ؛ لذا فإنّنا ندعو الإخوة في فلسطين بل في كلِّ مكان إلى الوحدة والتضامن، نحذرهم من الفرقة والتنازُع، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103]؛ فإنَّ من أكبر المصائِبِ التي ابتُلِيَت بها الأمّة وأضعَفَت قواها الاختلافَ والتفرّقَ والتنازع، قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الأنفال:46]، أي: فتضعفوا وتجبنوا وتذهبَ ريحكم, وبيَّن سبحانه أنَّ السببَ المباشر في هلاك الأمّة الفرقةُ، قال تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) [الأنعام:65], وكلُّ عاقلٍ من أيّ ملّةٍ ومذهب يعلم يَقينًا أنَّ الوحدةَ طريقُ العزّةِ والنصر.

نناشِد الإخوَةَ الفلسطينيّين أن يستَثمِروا لقاءَ مكّة المبارَك في بلدِ الله الحرام، والذي أعلن مِن جوارِه نبيّ الأمة عليه الصلاة والسلام في حجَّة الوداع وثيقةً أَخويّة خالدَة: " إنَّ دماءكم وأموالَكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدِكم هذا " رواه البخاري ومسلم، وقال: " لزوالُ الدنيا أهون على الله من قتلِ رجل مسلم " رواه الترمذي.

لقَد ابتهَجَ المسلمون وامتَلأت قلوبهم غِبطةً وفَرحًا باتفاق الإخوةِ في بلد الله الحرام، والذي كان استجابةً لنداءٍ كريم من خَادم الحرمين الشريفين وفقه الله.

إنَّ هذا الاتفاقَ صمام أمان، وسيؤتي أُكلَه ويبلُغ غايَتَه إذا صدقَتِ النوايا وتجرَّدتِ النفوس وتحقَّقتِ الإرادة المؤمِنَة.

لقَد قدَّم الشعب الفلسطينيّ عبرَ تاريخه المشرِق تضحياتٍ باسلةً وبطولاتٍ فذّة، وكان وفيًّا لقضيَّته الكبرى بيت المقدس، فمن الخسران ومن الشنَار أن يئِدَ أصحابُ القضيّة قضيَّتهم بأيديهم ويحوِّلوها إلى مساوماتٍ رخيصة ومزايدات بخسَة وصراعٍ داخليّ يأكل الأخضر واليابس.

إنَّ الوفاق على الكتاب والسنّة سيثمرُ حِفظَ الأمن وحمايةَ المقدَّسات وحَقنَ الدماء وتعزيزَ المكتسبَات وبناءَ الوطن، وما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب.

إنّنا باسم كلِّ فلسطيني, وباسم كلِّ مسلم نطالب القائِمين على الشأن الفلسطيني, أن يثبُتوا على الاتِّفاق مهما تربَّص متربِّص, أو استفزَّ مستفِزّ, أو تآمر معتَدٍ.

ها أنتم قد عَاهَدتم اللهَ في البلد الحرام، فأوفوا بالعهدِ إنَّ العهد كان مسؤولاً، استشعَروا عظَمَة المكان وحُرمَتَه، وحُرمَة الزمانِ وهيبته، أرُوا الله من أنفسكم خيرًا، وأرُوا إخوانَكم مِن أفعالكم صِدقًا، قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:91].

اللّهمّ إنّا نسألك في هذا اليومِ العظيم, وفي هذا الوقتِ المبارك, أن تؤلِّفَ بين قلوب إخواننا في فلسطين، اللّهمّ اجمع كلمتهم على الحقِّ يا رب العالمين، اللّهمّ اجمع كلمتهم على الكتاب والسنة، اللّهمّ ألِّف بين قلوبهم, ووحِّد صفوفهم, واجمع كلِمَتهم على الحقّ يا ربّ العالمين، اللّهمّ قوِّ شوكتَهم، اللّهمّ قوِّ رَميَهم، اللّهمّ قوِّ سِهامَهم، اللّهمّ ثبّت أقدامهم يا ربّ العالمين، اللّهمّ انصرهم على عدوّك وعدوّهم يا ربّ العالمين.

اللّهمّ انصر دينك وكتابك وسنّةَ نبيّك وعبادك المؤمنين، اللّهمّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمّر اللّهمّ أعداءَك أعداء الدين...