القابض
كلمة (القابض) في اللغة اسم فاعل من القَبْض، وهو أخذ الشيء، وهو ضد...
العربية
المؤلف | عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الحكمة وتعليل أفعال الله |
وفي هذه الخاتمة وُصف المرابي بثلاث صفات عظيمة؛ الصفة الأولى: أن الله تعالى لا يحبه، والصفة الثانية: أنه كفَّار، وقد قال أهل العلم: "إن كان مستحلاًّ للربا فهو كُفْرٌ ناقل من ملة الإسلام، وإن كان غير مستحلٍّ فهو كُفْرٌ دون كفر"، والصفة الثالثة: أنه أثيم، أي واقع في ذنبٍ وخيمٍ وجرمٍ عظيمٍ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وأمينه على شرعه، وأمينه على وحيه ومبلغ الناس شرعه، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
معاشر المؤمنين عباد الله: اتقوا الله تعالى، (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281]
ثم اعلموا -رعاكم الله- أن الله -عزَّ وجلَّ- دعا عباده في كتابه إلى تحصيل الأموال الطيبة والمكاسب النافعة، وحذرهم جلَّ وعلا من المكاسب الخبيثة الفاسدة وأحلَّ لهم الطيبات، وحرَّم عليهم الخبائث.
وهذا التحليل والتحريم -عباد الله- فيه زكاء الناس وصلاحهم، وطيب معاشهم، واجتماع أمرهم وزوال الشّرور عنهم، إلى غير ذلك من المصالح العظيمة، والمنافع العميمة، التي تترتب على طاعة العباد لله، فيما أحلَّ لهم، وفيما حرَّم عليهم.
عباد الله: وإن مما حرَّم الله تبارك وتعالى على عباده، بل هو من عظيم المحرمات وكبير الموبقات، ويوجب سخط الربّ سبحانه وغضبه: الرِّبَا، الرِّبَا -عباد الله- محرم في كتاب الله، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وأجمعت الأمة على تحريمه، وهو محرم في جميع الشرائع المنـزّلة قبل شرع محمد -عليه الصلاة والسلام.
والربا -عباد الله- حرمه الله تبارك وتعالى على عباده؛ لعظم خطره وكبير ضرره، ولما يجلبه للناس من العواقب الوخيمة، والأضرار الأليمة في الدنيا والآخرة، وقد جاءت -عباد الله- في كتاب الله، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- أدلة كثيرة تدلُّ على حرمة الربا، وعظيم خطره على الناس في الدنيا والآخرة.
وجاءت هذه الأدلة مبينة لتنوع العقوبات للمرابين؛ العقوبات المعجَّلة والعقوبات المؤجَّلة، ومما ورد في الربا -عباد الله- من العقوبات ما ذكره الله -جلَّ وعلا- أن المرابي يقوم من قبره يوم القيامة إلى البعث والنشور، والجزاء والحساب، يقوم كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المسّ.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "يبعث المرابي يوم القيامة كالمجنون الذي يتخبطه الشيطان من المسّ، وذلك في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) [البقرة،:275] فهذه حال المرابي حينما يقوم من قبره إلى الجزاء والحساب ولقاء الله -تبارك وتعالى- على ما قدَّم في هذه الحياة.
ومال الرِّبا -عباد الله- مالٌ ممحوق البركة، لا خير فيه ولا منفعة، بل فيه المضرة على صاحبه في الدّنيا والآخرة، قال الله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [البقرة:276]، وتأمَّل هذه الآية (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا)؛ فالربا وإن كثر وتعدَّد في أيدي أصحابه؛ إلا أنه مال قد محقت بركته، وزالت عنه منفعته، عقاباً للمرابي على مراباته.
والمرابي -عباد الله- محارب لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال الله جلَّ وعلا: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) [البقرة: 279]، يقول الله -جلَّ وعلا: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) [البقرة: 279] ، فوصف جلَّ وعلا المرابي بأنه محارب لله ولرسوله.
وهنا يتأمل المرابي هذه الحال الشنيعة والصفة الفظيعة، التي تبوَّأها بمراباته وبأكله للربا، بأن أصبح في هذا المقام وفي هذه الحال والعياذ بالله، بأن وُصف في القرآن بأنه محارب لله ولرسوله.
وعقوبة المرابي -عباد الله- عقوبته أنه في النار، قال الله تعالى: (وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 275] وهذا -عباد الله- إن كان المرابي مستحلاًّ للربا؛ فإن عقوبته النارُ خالداً مخلدا فيها أبد الآباد.
وإن كان ليس مستحلاًّ له؛ فإن عقوبته ووعيدَه نارُ جهنم؛ كما أخبر الله -تبارك وتعالى- بذلك, وقد جاء في ختم بعض آيات الربا قول الله جلَّ وعلا: (وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) [البقرة:276].
وفي هذه الخاتمة وُصف المرابي بثلاث صفات عظيمة؛ الصفة الأولى: أن الله تعالى لا يحبه، والصفة الثانية: أنه كفَّار، وقد قال أهل العلم: "إن كان مستحلاًّ للربا فهو كُفْرٌ ناقل من ملة الإسلام، وإن كان غير مستحلٍّ فهو كُفْرٌ دون كفر"، والصفة الثالثة: أنه أثيم، أي واقع في ذنبٍ وخيمٍ وجرمٍ عظيمٍ.
والمرابي -عباد الله- ملعون بلعنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن آكل الربا, وموكله, وكاتبه، وشاهديه، وقال عليه الصلاة والسلام: "هم في الإثم سواء".
والربا -عباد الله- من كبائر الإثم وعظائم الذنوب؛ وقد جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "اجتنبوا السبع الموبقات، وذكر منها: آكل الربا"، والأحاديث والآيات في تحريم الربا، وبيان عظم خطورته كثيرة، وأنه من كبائر الإثم وعظائم الذنوب؛ بل ثبت في سنن ابن ماجه وغيره عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الربا ثلاثة وسبعون باباً؛ أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه", والعياذ بالله.
ألا فلنتَّقِ الله -عباد الله- ولنحتاط في أموالنا، ولنتَّقِ الله ربَّنا، ولنبتعد عما حرَّم الله جلَّ وعلا؛ فإن في طاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- صلاح العباد، وتمام أمرهم وحسن عاقبتهم في الدنيا والآخرة، وقد جاءت الآيات التي في سورة البقرة المبينة لأحكام الربا مختومة بقول الله -تبارك وتعالى-: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة:281]. وهذه الآية من آخر ما نزل من القرآن، وها هنا يتذكر المؤمن عوده إلى الله -جلَّ وعلا-، ووقوفه يوم القيامة بين يديه، ثم يُوَفِّيه جلّ وعلا ما كسب في هذه الحياة؛ لا يظلم ولا يظلم بين يدي الربَّ العدل -جلَّ وعلا-.
فعلينا -عباد الله- أن نتقي الله -جلَّ وعلا- في أموالنا، وفي بيعنا وشرائنا، وعموم معاملاتنا على ضوء ما جاء في كتاب الله، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ونسأل الله -جلَّ وعلا- أن يكتب لنا الكسب الطيب المباح، وأن يعيذنا من المكاسب الخبيثة الرديئة، وأن يحفظنا بحفظه إنه -تبارك وتعالى- سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله عظيم الإحسان، واسع الفضل والجود والامتنان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله تعالى: فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
عباد الله: روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد؛ فقد أربى الآكل والمعطي سواء".
وهذا الحديث -عباد الله- حديث عظيم جداً في باب الربا، وفقهه وتعلم أحكامه، وهذه الأصناف الستة المذكورة في هذا الحديث العظيم؛ هي الأصناف الربوية، وهذه الأصناف وما كان في معناها؛ يجب على كلِّ عبد أن يتفقه طريقة التعامل والبيع والشراء فيها.
فإذا باع الإنسان صنفاً من هذه الأصناف الستة، أو ما كان في معناها، إذا باع صنفاً بمثله أي ذهباً بذهب، أو فضة بفضة، أو شعيراً بشعير، أو تمراً بتمر، فإنه يشترط في هذا البيع شرطان -جاء بيانهما في هذا الحديث العظيم:
الشرط الأول: أن يكون البيع مثلاً بمثل، فإذا كان وزناً؛ فيكون الوزن مماثلاً للوزن، وإن كان كيلاً؛ فيكون الكيل مماثلاً ومساوياً للكيل، والشرط الثاني: أن يكون يداً بيد بأن يتقابض المتبايعان في مجلس البيع، وهذا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يدا بيد".
أما إذا باع الإنسان صنفاً من هذه الأصناف الربوية بربوي آخر من غير جنسه؛ فإنه في هذه الحال يُشْتَرطُ شرطٌ واحدٌ وهو التقابض في المجلس؛ بأن يكون يداً بيد، ولا تشترط المماثلة والمساواة.
أما إن باع ربوياً بغير ربوي؛ فإنه يجوز التفاضلُ، ولا يشترط التقابض في المجلس، والمقصود -عباد الله- أن هذا الحديث حديث عظيم للغاية في باب الربا؛ ينبغي على المسلم أن يتفقه في هذا الباب على ضوء هذا الحديث العظيم المبارك.
ونسأل الله -جلَّ وعلا- أن يفقهنا وإياكم في دينه، وأن يوفقنا وإياكم؛ لاتباع سنة نبيه -صلوات الله وسلامه عليه-، وأن يوفقنا لكل خير يحبه ويرضاه، وأن يعيذنا وإياكم من الربا والغلا والزنا والزلازل والمحن والفتن ما ظهر منها وبطن؛ عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة.
وصلوا وسلموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله؛ كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشرا".
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد؛ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد؛ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
وارض اللهم على الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، وعنا معهم بمنك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذلّ الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتَّقاك واتَّبع رضاك يا ربَّ العالمين.
اللهم وفق وليَّ أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، وسدده في أقواله وأعماله، وألبسه ثوب الصحة والعافية، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكّاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كلَّه، دقَّه وجله، أوَّله وآخره، سرَّه وعلنه، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلننا، وما أسرفنا وما أنت أعلم به منَّا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم اغفر ذنوب المذنبين من المسلمين، وتب على التائبين، اللهم اغفر لنا، ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراَ؛ فأرسل السماء علينا مدرارا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم إنا نسألك غيثاً مغيثاً هنيئاً مريئاً سحًّا طبقاً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجل، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وديارنا بالمطر، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم، وبارك وأنعم على عبد الله ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.