البحث

عبارات مقترحة:

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

المليك

كلمة (المَليك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعيل) بمعنى (فاعل)...

وقفات مع الأزمات

العربية

المؤلف علي باوزير
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. الفرق بين بلاء العقوبة وابتلاء المحبة .
  2. كيفية التمييز بينهما .
  3. واجب الفرد والمجتمع والأمة لرفع البلاء المعيشي .
  4. قبح النفوس المستغلة لحاجة الناس .
  5. تخفيف معاناة الناس بحسب القدرة .
  6. تذكير المسؤولين بحساب رب العالمين .

اقتباس

فالمطلوب من المجتمع كله ومن الأمة كلها أن تقترب إلى ربها، أن تدنو إلى ربها -سبحانه وتعالى-، أن تتذلل بين يديه، أن تتضرع إليه، أن تفزع وتلجأ له وحده -سبحانه وتعالى-، أن ترضي ربها لا أن ترضي أعداءها، وأن تسلك طريقه لا أن تسلك طريق الشيطان، وأن تخلص لله -سبحانه وتعالى- في جميع أحوالها وأقوالها وأفعالها، ولا تيأس من رحمة الله؛ فإن اليأس طريق الكافرين، قال الله -عز وجل-: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87].

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

وبعد: أيها المسلمون عباد الله، جرت سنة الله -عز وجل- في خلقه بعدة أمور أنها لا بد أن تكون وأن تحصل وأن تجري في الخلق، وسار على هذا نظام الحياة وقانونها، وانتظم هذا الكون كله على هذه السنن التي لا يخرج منها شيء ولا ينشق عنها أحد إلا أن يشاء الله -سبحانه وتعالى- أمرا من عنده.

ومن هذه السنن التي جرى على وفقها هذا الكون أن الناس لا بد أن يتعرضوا في أوقات إلى البلاء، لا بد أن تنزل بهم المصائب، لا بد أن يتعرضوا للهموم والغموم، لا بد أن يصيبهم شيء من نقص الأموال والأنفس والثمرات، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ) [البقرة:155]، وقال -سبحانه-: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت:2-3].

قد يكون هذا الابتلاء لأجل رفعة الدرجات، وزيادة الحسنات، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم". وقد يكون هذا الابتلاء عقوبة من الله -سبحانه وتعالى- بسبب معاصٍ وذنوبٍ وآثامٍ وأخطاء.

والذي يحدد حقيقة هذا البلاء ونوعه هو حال الناس الذين نزل بهم البلاء والذين جاءتهم المصائب وحل بهم قدر الله -سبحانه وتعالى-، فإن كانوا بعيدين عن الله مقصرين في أمر الله وفيهم ظلم وشر وفساد علمنا أن هذا البلاء هو عقوبة لهم على حالهم وعلى سوء أفعالهم.

ولا يشترط أن يكون هذا هو حال الجميع، بل يكفي أن يكون منهم من يظهر الشر والفساد ويجاهر بالمعاصي والمخالفة فيسكت الباقون عليهم فتعم عليهم العقوبة، قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً) [الأنفال:25].

ونحن -أيها الأحباب- في هذه الأوقات والأزمنة نعيش أنواعا من الهم والغم والبلاء في عدة جوانب نحتاج أن ننظر في أحوالنا: من أي الصنفين نحن؟ وهذا البلاء الذي نزل بنا: من أي النوعين هو؟.

ولا نبرئ أنفسنا! فالمساجد تشتكي من قلة المصلين، خاصة في صلاة الفجر، والفساد منتشر بصور وأشكال متعددة، والأخلاق ليست على المستوى المطلوب الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمنون، والكثيرون قد تعلقت قلوبهم وتطلعت إلى غير الله -سبحانه- يرجون منهم النصر والرزق والخير والتمكين، وهذه كلها أمراض ينزل بسببها البلاء ويعظم.

والحل لهذا ورفع البلاء يكون بأمرين اثنين أيها الأحباب: أولا: الصبر على ما نزل من أمر الله -سبحانه- فإن الله -عز وجل- يقول: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ)، أيّ مصيبة كانت سواء كانت في خاصة أنفسهم أو كانت مصيبة عامة لجميع الناس، (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:155-157].

فمن صبر على قدر الله رحمه الله، وفرج همه، وكشف كربه، وأبدله بالشر والبلاء خيرا وسعادة ونعمة، فلا يتسخط العبد على قدر الله، ولا يتذمر ولا يعترض على أمر الله، بل يسلم ويفوض أمره للرب -سبحانه-، ويعلم أن الله -عز وجل- لا يقدر شيئا إلا بعدل وحكمة.

الأمر الثاني -أيها الأحباب-: إصلاح العلاقة مع الله -سبحانه وتعالى- وتقوية الصلة برب العالمين، قال الله -عز وجل-: (وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء)؛ لماذا يا رب؟ (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) [الأنعام:42]، وقال -سبحانه-: (وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ)؛ لماذا يا رب؟ قال: (لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) [الأعراف:130].

فالله -عز وجل- لا يبتلي عباده إذا غفلوا إلا لأجل أن يعودوا إليه، إلا لأجل أن يتقربوا منه -سبحانه وتعالى-، فإذا رجع العبد وأناب إلى ربه رحمه الله، وإذا تمادى في غيه وزاد في بعده لم يزدد همه إلا هما، ولم يكن غمه إلا زيادة في الغم، ولم يكن حاله إلا زيادة في البلاء؛ قال الله -سبحانه وتعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) [طه:124].

ولهذا -أيها الأحباب- تتوجب العودة إلى الله -سبحانه وتعالى-، والقرب من الله -عز وجل-، بحسن الأخلاق، وأداء الفرائض، وفعل ما أوجب الله -سبحانه وتعالى-، وترك المحرمات، وأداء الحقوق إلى من أمر الله -سبحانه وتعالى- بأداء الحق إليه.

هذه كلها أسباب لرحمة الله -سبحانه-، والله -عز وجل- يقول: (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف:56]، فإذا أحسن العباد كانت رحمة الله -عز وجل- منهم قريبة جدا، أقرب مما يتصورون ومما يظنون.

فالمطلوب من المجتمع كله ومن الأمة كلها أن تقترب إلى ربها، أن تدنو إلى ربها -سبحانه وتعالى-، أن تتذلل بين يديه، أن تتضرع إليه، أن تفزع وتلجأ له وحده -سبحانه وتعالى-، أن ترضي ربها لا أن ترضي أعداءها، وأن تسلك طريقه لا أن تسلك طريق الشيطان، وأن تخلص لله -سبحانه وتعالى- في جميع أحوالها وأقوالها وأفعالها، ولا تيأس من رحمة الله؛ فإن اليأس طريق الكافرين، قال الله -عز وجل-: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف:87].

فإذا استعصى عليك الناس ورأيت أن حالهم بعيدٌ عن الله ولم تستطع أن تغير فيهم شيئا فعليك بخاصة نفسك، وارجع إلى حالك، وانظر إلى أمرك، وأصلح علاقتك بالله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) [المائدة:105].

اعمل بما أمرك الله -عز وجل- به في خاصة نفسك، وأمر أهلك بالمعروف، وانههم عن المنكر، فإن هذا عمل الأنبياء، فإسماعيل كان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول له ربه: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [طه:123]، وأصلح حالك مع الله وكن من الصالحين يتولّك الله -عز وجل-، فإن الله -سبحانه- وليّ الصالحين: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) [الأعراف:196].

فإذا تولاك الله -سبحانه وتعالى- فلا يضرك شيء بعد ذلك في الأرض ولا في السماء، وإن فاتك شيء من هذه الدنيا فستجد عند الله -سبحانه وتعالى- ما هو خير وأبقى: (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ) [النحل:96].

ولن يفوتك من هذه الدنيا شيء إلا شيء لم يكتب لك أصلا ولم يقدره الله -سبحانه وتعالى- لك من الأساس، والذي كتب لك سيأتيك ولو فررت منه. يروي لنا أبو الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله"، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- كذلك: "لو فر أحدكم من رزقه لأدركه كما يدركه الموت".

فالذي كتبه الله -سبحانه وتعالى- لك لا بد أنه آتيك، والذي لم يكتبه الله -سبحانه وتعالى- لك فلا تتعب نفسك في البحث عنه والتفكير فيه، فلا خوف على ما سيأتي ولا حزن على ما فات، وما عند الله -سبحانه وتعالى- خير من هذا كله.

عندها يجد العبد راحة النفس، وسكينة الفؤاد، وطمأنينة القلب، ويشعر بلذة هذه الحياة، وما أحوجنا أيها الأحباب -في هذه الأوقات- ما أحوجنا إلى هذه المعاني العظيمة!.

لبست ثوب الرّجا والناس قد رقدوا

وقمت أشكو إلى مولاي ما أجـدُ

وقلت يا سـيدي  يا منتهـى أملي

يا من عليه بكشف الضّـرّ أعتمدُ

أشـكو إليك أمـوراً أنت تعلمهـا

مالي على حمـلها  صبرٌ ولا جلَدُ

وقـد مددتُ يـدي بالضّرّ مشتكيا

إلــيك يا خير من مُدّت إليـه يدُ

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقرارا به وتوحيدا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا.

وبعد: أيها الأحباب الكرام، عندما تضيق الأمور بالناس فإن الواجب على كل من بيده قدرة على تخفيف معاناة الناس أن يبادر في هذا، وأن يبذل ما في وسعه وقدرته، ولا يتأخر ولا يتردد، سواء كان بالكلمة أو بالمال أو بالجاه والمنصب، كلٌّ بحسب قدرته واستطاعته.

وما أقبح تلك النفوس وما أقسى تلك القلوب التي تستغل حاجة الناس! والتي تستغل الأزمات لتتكسب من ورائها وتتحصل منها على فائدة دنيوية زائلة فانية!.

الله -سبحانه وتعالى- قد شنع على من لم يأمر بإطعام المسكين فقال -سبحانه-: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [الماعون:1-3]، أي: لا يأمر بإطعام المسكين. وقال -سبحانه وتعالى-: (كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [الفجر:17-18].

هذا الذي لا يأمر بإطعام المساكين؛ فكيف الذي يتاجر بأقوات المساكين ويستغل حاجاتهم؟! فكيف بالذي يتاجر بقوت شعب كامل ومعيشته وحياته ورزقه، سواء كان من التجار أو كان من المسؤولين أو من أصحاب المناصب؟! وكلهم مسؤول أمام الله -سبحانه وتعالى-؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وعلى قدر المسؤولية تكون المساءلة، وعلى قدر المنصب تكون المحاسبة بين يدي الله -سبحانه وتعالى-.

ولا يظن أحد يتولى منصبا أو مسؤولية لا يظن أنه في خير ونعمة؛ بل إنه -والله- في ورطة لن يخرج منها إلا بأن يؤدي حق هذا المنصب وحق هذه المسؤولية التي ولي عليها؛ قال -صلى الله عليه وسلم- في شأن الولايات والمناصب: "إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها".

هذا الذي يرفعه الله -عز وجل- بهذا المنصب في الدنيا والآخرة، وأما من جعل هذه المناصب وسيلة للتكسب والاسترزاق ووسيلة لتحصيل المنافع الدنيوية على حساب معاناة الناس وعلى حساب شقائهم وتعبهم فإنها لن تكون عليه يوم القيامة -عياذا بالله- إلا خزيا وندامة.

والمسؤول -أيها الأحباب- وصاحب المنصب لا يحاسب على المال الحرام الذي أخذه من غير حله إن كان هناك مال حرام أخذه، بل إنه قبل ذلك يحاسب على الراتب الذي يتقاضاه، الذي يأخذه من أموال الشعب: هل هذا الراتب الذي أخذه أخذه بحقه؟ هل قام بما أعطي هذا الراتب لأجله؟ هل أدى الوظيفة التي وضعه المسلمون فيها؟ هل أداها كما ينبغي؟ أم أنه ضيع الأمانة وضيع الحق الذي يجب عليه؟ فإنه عند ذلك يكون راتبه هذا حراما عليه؛ لأنه لم يأخذه بحقه، ولم يؤد الأمانة التي اؤتمن عليها.

ولن ينفعه الكذب، ولن ينفعه التحايل يوم القيامة؛ فإنه سيوقف يوم القيامة، ولن يشهد عليه واحد أو اثنان؛ بل سيشهد عليه الناس فيقولون: يا رب، هذا شخص صادق، هذا قام بعمله، هذا خفف من معاناتنا، هذا قام بحل مشاكلنا، هذا قام بحفظ مصالحنا، هذا أدى الأمانة التي اؤتمن عليها. أو يقولون: يا رب هذا كاذب مخادع، هذا لم يقم بما وكل إليه، لم يحفظ مصالحنا، لم يحل مشاكلنا، لم يخفف معاناتنا، لم يشعر بآلامنا؛ فماذا عساه أن يقول في هذا الوقت إذا شهد عليه الآلاف -بل ربما الملايين- من الناس! فلا يُحسَد إنسان على مثل هذا الموقف وعلى مثل هذا المقام والحال بين يدي الله -سبحانه وتعالى-، والعاقل من اعتبر واتعظ وعمل لآخرته قبل دنياه.

أيها الأحباب الكرام: هذا شهر الخير قد أصبح على الأبواب، فكونوا -عباد الله- إخوانا، فتراحموا وتعاونوا وتكافلوا، وليكن كل واحد سندا للآخر، ومن كان عنده خير فليبذله للناس، ولا يتردد في هذا أبداً، ولا يتأخر، وأصلحوا ذات بينكم، وأطيعوا ربكم، واتقوه حق تقاته -سبحانه-.

ومن كان صاحب خير فليبذله، ومن كان صاحب شر فليكف شره عن الناس، واتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأحسنوا الظن بالله -عز وجل-، فإن الله -عز وجل- عند ظن عبده به، فليظن به ما شاء.

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يصلح أحوالنا كلها...