الحفيظ
الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحفيظ) اسمٌ...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الدعوة والاحتساب - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن الشباب هم عماد الأمة وهم جيل المستقبل، منهم يتكون بناء الأمة، فمنهم ينشأ العلماء والموجهون، ومنهم ينشأ الجنود المجاهدون، ومنهم ينشأ الصناع والمحترفون.. إذا صلحوا قرّت بهم أعين آبائهم في الحياة الدنيا، وجرى نفعهم عليهم بعد الممات، ولحقوا بهم إذا دخلوا الجنات ..
الحمد لله رب العالمين، جعل هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب الناس ملك الناس، إله الناس، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ذوي الشجاعة والبأس، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى بامتثال أوامره واجتناب مناهيه وشكر نعمه، وخذوا على أيدي شبابكم ووجهوهم الوجهة الصالحة فإن الله قد استرعاكم عليهم "فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
عباد الله: إن الشباب هم عماد الأمة وهم جيل المستقبل، منهم يتكون بناء الأمة، فمنهم ينشأ العلماء والموجهون، ومنهم ينشأ الجنود المجاهدون، ومنهم ينشأ الصناع والمحترفون.. إذا صلحوا قرّت بهم أعين آبائهم في الحياة الدنيا، وجرى نفعهم عليهم بعد الممات، ولحقوا بهم إذا دخلوا الجنات، (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الطور:21] (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) [الرعد :23]
ومن ثم اتجهت عناية الأنبياء عليهم السلام نحو ذريتهم قبل وجودهم؛ فها هو إبراهيم الخليل عليه السلام يدعو الله فيقول: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [إبراهيم :40] وها هو زكريا عليه السلام يقول: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) والصالح من عباد الله يقول: (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) [الأحقاف :15]
كان السلف الصالح يعنون بأبنائهم منذ نعومة أظفارهم؛ يعلمونهم وينشئونهم على الخير، ويبعدونهم عن الشر، ويختارون لهم المعلمين الصالحين والمربين الحكماء والأتقياء، والنبي صلى الله عليه وسلم يأمر الآباء أن يبدأوا مع أولادهم التربية الدينية والخلقية من سن التمييز حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع".
عباد الله: إن شباب الأمة إذا فسدوا انهدم بناء الأمة وتسلط عليهم أعداؤها وبالتالي تزول عن الوجود، وإن مما يدمي القلوب ويبكي العيون ما نشاهد عليه كثيراً من شباب المسلمين اليوم من تمرد على آبائهم وانحراف في أخلاقهم وفساد في دينهم، يتجمعون في الشوارع من بعد العصر إلى آخر الليل بسياراتهم يعبثون بها فيضايقون المارة ويزعجون السكان ويعرضون الناس للخطر ويتركون الصلوات، بل يشوشون على المصلين في المساجد ويختلط بهم عناصر فاسدة تأتيهم من هنا وهناك تروج بينهم تعاطي الدخان والمخدرات وفساد الأخلاق والوقوع في الفواحش.
لقد استشرى شرهم وعظم خطرهم وصاروا يهددون من يحاول نصحهم أو ينكر عليهم.
فيا عباد الله: انتبهوا لهذا الخطر وقوموا لدفعه والتخلص منه بجد وحزم؛ وذلك بأن يقوم المسؤولون بمنعه بقوة السلطة والتأديب الرادع، ويقوم الآباء بالأخذ بأيدي أولادهم ومنعهم منه، ويقوم المعلمون في المدارس والأئمة في المساجد بتوجيه الشباب وبيان أضرار هذه التجمعات المشبوهة وتحذيرهم من دعاة الفساد قرناء السوء، ويتعاون أهل الحارات على مطاردة هذه التجمعات وإبعادها عن حارتهم.
على الشباب الصالحين أن يناصحوا من كان في سنهم؛ لأن قبول الشاب من شاب مثله في السن أقرب من قبوله ممن هو أكبر منه سناً؛ فإنه لا يبعد أن يستغل الأعداء هذه التجمعات لإفساد الشباب المسلمين؛ لأنهم يعلمون ما تجره من شر؛ فكم من شاب فسد خلقه وضاع دينه بسببها، وكم من شاب أهلك نفسه وأهلك غيره بسبب عبثه الأهوج بسيارته، وكم من شاب اختل عقله وضاعت رجولته وتحول إلى شبه أنثى فأصبح عالة على مجتمعه وخسارة على أهله.. كل ذلك بسبب هذه التجمعات السيئة والمخالطات المشبوهة.
فاتقوا الله -عباد الله- واعلموا أنكم في زمان فتن، وأنكم تعيشون بين أعداء، وأن أهل الشر ينشرون شرهم بينكم بمكر دقيق ودهاء خبيث، واعلموا أن أعظم ذخر لكم وأنفع ثروة تحصلونها من دنياكم بعد العمل الصالح هم أولادكم؛ ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له".
إن أولادكم هم الذين يقومون عليكم عند كبركم وعجزكم وهم الذين يخلفونكم في المحافظة على محارمكم، إنهم أنفع لكم من الأموال؛ فكيف تضيعونهم ولا تهتمون بشأنهم؟!
إن الإنسان ليأسف ويعظم خجله عندما يرى الكفار يعنون بتربية أولادهم التربية المادية الدنيوية؛ فلا يتركونهم يسبون في الشوارع، ولا يدعون لهم فراغاً أبداً؛ بل ينظمون لهم حياتهم تنظيماً دقيقاً.
أما كثير من المسلمين فلا يهمه من شأن ولده إلا أنه يسميه عند الولادة ويوفر له الطعام والشراب والكسوة والمسكن ولا يدري عما وراء ذلك بل أن البعض يوفر لأولاده أسباب الفساد؛ فيملأ جيوبهم بالنقود، ويشتري لهم السيارات الفخمة، ويملأ لهم البيت بآلات اللهو والأفلام الخليعة، فلا تسأل بعد ذلك عما ينشأ عليه الأولاد الذين وفرت لهم هذه الوسائل من فساد خلقي وانحراف فكري وبهيمية عارمة، ولا تسأل عما يلحق آباءهم من آثام وما يصيبهم من حسرة عندما يواجههم أولادهم بالعقوق، وعندما يحرمون من نفعهم عندما يدركهم الكبر ويحتاجون إليهم؛ فإن الجزاء من جنس العمل.
وقد أوصى الله الأولاد أن يردوا على الآباء جميلهم عند عجزهم وكبرهم فقال سبحانه وتعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) [الإسراء 23: 24]
فأمر الله الولد أن يتذكر إحسان الوالدين إليه في حالة ضعفه وصغره ليقابل ذلك الإحسان إليهما في حال ضعفهما وعجزهما، فكيف إذا كان الولد لا يتذكر من والديه إلا الإضاعة والإساءة والتوجيه الفاسد ماذا يعمل تجاه ذلك، فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن الأولاد أمانة في أعناقكم فاتقوا الله فيهم وفي أمانتهم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال :27]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...