الصمد
كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...
العربية
المؤلف | محمد بن مبارك الشرافي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه - المنجيات |
إِنَّ أَكْبَرَ نِعْمَةٍ مَنَّ اللهُ بِهَا عَلَيْنَا هِيَ دِينُ الْإِسْلَامِ , ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ الذِي أَكْمَلَهُ اللهُ تَعَالَى عَقِيدَةً وَمِنْهَاجَاً , إِنَّهُ الدِّينُ الذِي رَضِيَهُ اللهُ تَعَالَى لِعِبَادِهِ وَفَرَضَهُ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْم ِالْقِيَامَةِ , اسْمَعُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)..
الخطبة الأولى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ! الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُون!
وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، لا نِدَّ لَهُ، وَلا سَمِيَّ لَهُ، وَلا مَثِيلَ لَه، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَعْبَدُ الْخَلْقِ لِرَبِّهِ وَأَصْدَقُهُمْ فِي امْتِثَالِ أَمْرِهِ وَنَهْيِه، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّين!
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْلَمُوا مَا كَانَ عَلَيْهِ نَبِيُّكُمْ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ شِدَّةِ الاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ، وَمِنْ عَظِيمِ الْخَوْفِ مِنِ اللهِ وَمِنَ الإجْلالِ لِهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-، وَاتَّبِعُوهُ فِي ذَلِكَ!
فَقَدْ بَلَغْ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- الْغَايَةَ فِي التَّعَبُّدِ للهِ بِالصَّلاةِ وَالصَّوْمِ وَالذِّكْرِ وَالصَدَقَةِ وَغَيْرِهَا، وَوَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ حَتَى تَوَفَّاهُ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-. كَيْفَ لا وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 98- 99].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: فَأَمَّا صَلاتُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَكَانَ يُحَافِظُ عَلَى الْفَرِيضَةِ أَشَدَّ مَا يَكُونُ، حَتَّى لَمَّا كَانَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ وَمَرِضَ وَلَمْ يَسْتَطِعِ الْمَجِيءَ حُمِلَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يُهَادَى بَيْنَهُمَا حَتَّى أُدْخِلَ الْمَسْجِدَ، كَمَا أَخْبَرَتْ بِذَلِكَ أَمُّ المؤْمِنَينَ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-". (مَتَّفَقٌ عَلَيْه).
وَأَمَّا قِيَامُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِلَّيْلِ وَتَهَجُّدُهِ: فَقَدْ امْتَثَلَ قَوْلَ رَبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا) [المزمل: 26]، فَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يَتْرُكُ صَلاةَ اللَّيْلِ لا حَضَرَاً وَلا سَفَرَاً، وَكَانَ يَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ أَشَدَّ مَا يَكُونُ، فَعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: "غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ: "أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَأَمَّا ذِكْرهُ لِرَبِّهِ: فَكَانَ فِي أَعْلَى الْمَقَامَاتِ، امْتِثَالاً لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب: 41- 42]؛ فَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَثِيرَ الذِّكْرِ لَرِبِّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، تَقُولُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهَا-: "كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ اَللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ". (رَوَاهُ مُسْلِم).
وَكَانَ كَثِيرَ الاسْتِغْفَارِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سمعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "والله إنِّي لأَسْتَغْفِرُ الله وأَتُوبُ إِلَيْه في اليَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَأَمَّا تِلاوَةُ الْقُرْآنِ: فَكَانَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَثِيرَ التِّلَاوَةِ لِكِتَابِ رَبِّهِ، كَيْفَ لا وَهُوَ الذِي حَثَّ أُمَّتَهُ عَلَى ذَلِكَ! أَفَلَا يَكُونُ أَوَّلَ الْمُمْتَثِلِينَ؟!
فَكَانَ مِنْ حُبِّهِ لِلْقُرْآنِ أَنَّهُ يَقْرَأُهُ حَتَّى فِي بَيْتِهِ عِنْدَ أَهْلِهِ، يَؤُانِسُهُمْ بِذَلِكَ وَيُسْمِعُهُمُ الْقُرْآنَ، فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَأَنَا حَائِضٌ! (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَكَانَ يَعُلِّمُ أَصْحَابَهُ الْقُرْآنَ وَيَتْلُو عَلَيْهِمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ مَانِع، فَعَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اَللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقْرِئُنَا اَلْقُرْآنَ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا". (رَوَاهُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ اِبْنُ حِبَّان).
وَأَمَّا حُبُّهُ لِلْقُرْآنِ سَمَاعَاً، وَتَدَبُّرُهُ لَهُ وَتَأَثُّرُهُ بِهِ فَقَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ فِي ذَلِكَ! فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعَوُدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ أَقْرَأُ عَلَيْكَ وَإِنَّمَا أُنْزِلَ عَلَيْكَ؟ قَالَ: "إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي"، قَالَ: فَافْتَتَحْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ فَلَمَّا بَلَغْتُ: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) قَالَ: نَظَرْتُ إِلَيْهِ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ، فَقَالَ لِي: "حَسْبُكَ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
اللهُ أَكْبَرْ! بَكَى صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ وَأَثَّرَتْ فِيهِ الآيَاتُ حِينَ تَصَوَّرَ مَشَاهِدَ الآخِرَةِ وَالْجَزَاءَ وَالْحِسَابَ وَالْمَوْقِفَ الْعَظِيمَ!
وَأَمِّا حَالُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ الْقُرْآنِ فِي صَلاةِ اللَّيْلِ: فَكَانَتِ الْعَجَبَ الْعُجَابَ، فَكَانَ يُطِيلُ فِيهَا وَيُكْثِرُ الْقِرَاءَةَ وَالتَّدَبُّرَ!
يَقُولُ حُذَيفَةُ بنُ اليمانِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيلَةٍ فَافْتَتَحَ البقَرَةَ، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ المئَةِ، ثُمَّ مَضَى! فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا في ركعَة فَمَضَى، فقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا! يَقرَأُ مُتَرَسِّلاً: إِذَا مَرَّ بآية فِيهَا تَسبيحٌ سَبَّحَ، وَإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ! وَإذَا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ. (رَوَاهُ مُسْلِم).
هَكَذَا كَانَ حَالُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مَا هِيَ أَحْوَالُنَا؟ مَا هَيَ أَحْوَالُنَا مَعَ القُرْآن؟ كَيْفَ هِيَ صَلاتُنَا وَكَيْفَ تَهَجْدَنَا؟ بَلْ كَيْفَ ذِكْرُنَا لِرَبِّنَا وَاسْتِغْفَارُنَا مِنْ ذُنُوبِنَا؟
أَقُولُ قَوْلي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُم فَاسْتَغْفْرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ، الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّد ٍوَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما سُئِلَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-؟ قَالَ: "أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فَلَيْسَ الْعِبْرَةُ إِذَنْ بِالْكَثْرَةِ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ!
أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: اسْمَعْ لِهَذَا الْحَدِيثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
فَهَذَا الحَدِيثُ مِيزَانٌ فِي كَيْفِيَّةِ العَمَلِ وَكَيْفِيَّةِ التَعَبُّدِ للهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فَعَلَيْكَ أَخِي الْمُؤْمِنَ: أَنْ تُحَافِظَ عَلَى الْفَرَائِضَ مُحَافَظَةً تَامَّةً سَوَاءً أَكَانَتْ صَلاةً أَمْ زَكَاةً أَمْ صِيَامَاً أَمْ حَجَّاً، وَأَنْ تُؤَدِّيَهَا عَلَى الْوَجْهِ الذِي جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ!
ثُمَّ تَتَزَوَّدَ مِنَ النَّوَافِلِ حَسْبَ مَا تَسْتَطِيعُ لَكَنْ بِحَيْثُ لا تُكَلِّفُ نَفْسَكَ فَوْقَ طَاقِتِهَا، وَلا تَتَكَاسَلُ كَمَا هِيَ حَالُ بَعْضِ النَّاسِ!
فَصَلِّ الرَّوَاتِبَ الاثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَإِنْ فَاتَتْكَ فاَقْضَهَا! وَصَلِّ صَلاةَ الضُّحَى وَلَوْ رَكْعَتَيْنِ، وَلازِمْ صَلاةَ اللَّيْلِ وَلا تَتْرُكِ الْوِتْرَ!
وَأَمَّا الصِّيَامُ فَحَافِظْ عَلَى ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، فَإِنَّهَا صِيَامُ الدَّهْرِ، وَتَزَوَّدْ بِالصَّوْمِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَلا سَيِّمَا يَوْمَ عَرَفَة، وَأَكْثِرِ الصَّيَامَ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ، وَفِي شَهْرِ مُحَرَّمَ، وَخَاصَّةً يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَيَوْمَاً قَبْلَهُ أَوْ يَوْمَاً بَعْدَه!
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: الْقُرْآنُ كَلامُ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَفْضَلُ الْكَلامِ وَأَبْرَكُ الْكَلامِ وَأَعْظَمُ الْكَلَامِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا وِرْدٌ يَوْمِيٌّ لا يُخِلُّ بِهِ مَهْمَا كَانِتِ الْظُرُوفُ، فَإِنَّ ذَلِكَ غِذَاءُ الرُّوحِ، كَمِا أَنَّ الطَّعَامَ غِذَاءُ الْبَدَنِ!
فَلَوْ قَرَأَ الْمَرْءُ جُزْءَاً يَوْمِيَّاً فَإِنَّهُ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ كُلَّ شَهْرٍ مَرَّةَ، وَقَدْ كَانَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وِرْدٌ مِنَ الْقُرْآنِ يُحَافِظُ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ وَهَكَذَا كَانَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ سَلَفِ الأُمَّةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِين.
وَهَكَذَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: يَنْبَغِي لَنَا الْمُحَافَظَةُ عَلَى أَوْرَادِ الأَذْكَارِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَذْكَارَ الصَّلَوَاتِ أَوْ أَذْكَارَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ أَوْ أَذْكَارَ النَّوْمِ، أَوِ الأَذْكَارَ التِي تَكُونُ فِي الْمُنَاسَبَاتِ كَدُخُولِ الْمَنْزِلِ أَوِ الْخَلاءِ أَوِ الْخُرُوجِ مِنْهِمُا! وَلَوْ جَعَلَ الْمُسْلِمُ مَعَهُ كِتَابَ: [حِصْنُ الْمُسْلِمُ] فَهُوَ كِتَابٌ مُحَرَّرٌ، وَيَحْوِي أَذْكَارَاً كَثِيرَةً، وَحَجْمُهُ صَغِيرٌ وَثَمَنُهُ رَخِيصٌ!
قَالَ اللهُ تَعَالَى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران: 190- 191].
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ.
اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنا الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِنا وَكَرِّهْ إِلَيْنا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ واجعلنا من الرَّاشِدين، يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلُوبَنَا عَلَى دِينِكَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين.