البحث

عبارات مقترحة:

الملك

كلمة (المَلِك) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعِل) وهي مشتقة من...

الخبير

كلمةُ (الخبير) في اللغةِ صفة مشبَّهة، مشتقة من الفعل (خبَرَ)،...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

كيف يزيد العمر ويبارك في الرزق؟

العربية

المؤلف محمد بن مبارك الشرافي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الدعوة والاحتساب
عناصر الخطبة
  1. فضائل صلة الأرحام .
  2. تنبيهات ووصايا مهمة في صلة الأرحام .
  3. مفاسد قطع الرحم .
  4. ذم الشدة والقسوة على الأقربين .
  5. من صور الإحسان إلى الأرحام. .

اقتباس

صِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَتَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ بِذَلِكَ؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَجَلِّ الطَّاعَاتِ وَأَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ. أَحْسِنُوا إِلَيْهِمْ بِالْمَالِ وَلَوْ بِالْقَلِيلِ، أَعِينُوهُمْ عَلَى أُمُورِ دُنْيَاهُمْ، زُورُوهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ، لِيَرَوْا مِنْكُمْ طَلاقَةَ الْوَجْهِ وَالْبِشْرِ وَحُسْنِ اللِّقَاءِ، كُلُوا فِي بُيُوتِهِمْ وَادْعُوهُمْ وَقْتَ الْمُنَاسَبَاتِ لِبُيوتِكُمْ، أَسْمِعُوهُمْ الْكَلَامَ الطَّيِّبَ وَالْخِطَابَ اللَّطِيفَ، قُومُوا مَعَهُمْ فِي النَّوَائِبِ، وَتَعاهُدُوهُمْ وَقْتَ الْحَاجَاتِ، سَامِحُوهُمْ لَوْ زَلُّوا، وَتَحَمَّلُوا تَقْصِيرَهُمْ لَوْ قَصَّرُوا. إِنَّهُ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لا يَنْظُرُ إِلَى أَرْحَامِهِ نَظْرَةَ قَرِيبٍ لِقَرِيبِهِ! وَلا يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةً تَلِيقُ بِهِمْ!...

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ للهِ خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرَاً فَجَعَلَهُ نَسَبَاً وَصِهْرَاً، وَأَوْجَبَ صِلَةَ الْأَرْحَامِ وَأَعْظَمَ فِي ذَلِكَ أَجْرَاً، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً أَعَدَّهَا لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ذُخْرَاً، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَعْظَمُ النَّاسِ قَدْرَاً وَأَرْفَعُهُمْ ذِكْرَاً، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الذِينَ قَامُوا بِالْحَقِّ وَكَانُوا بِهِ أَحْرَى وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُ بِإِحْسَانٍ وَسَلِّمْ تَسْلِيمَاً كثيراً.

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَصِلُوا مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ مِنْ حُقُوقِهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّفْرِيطَ فِي ذَلِكَ.

وَإِنَّ مِنْ أَنْفَسِ الْقُرَبِ وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ وَأَعْلَاهَا مَنْزِلَةً وَأَعْظمِهَا بَرَكَةً وَأَعَمِهَا نَفْعَاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ: صِلَةُ الْأَرْحَامِ.

وَالْأَرْحَامُ هُمْ: أَقَارِبُكَ مِنْ جِهَةِ وَالِدَيْكَ وَمِنْ جِهَةِ أَوْلَادِكَ وَمَا تَفَرَّعُوا مِنْهُمْ، فَأُمُّكَ وَأَبُوكَ وَإِخْوَانُكَ وَأَخَوَاتُكَ أَرْحَامٌ لَكَ، وَكَذَلِكَ أَوْلَادُكَ مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ وَأَوْلَادُهُمْ هُمْ أَرْحَامٌ لَكَ، وَأَوْلَادُ أَعْمَامِكَ وَأَوْلَادُ أَخْوَالِكَ هُمْ أَرْحَامٌ لَكَ.

وَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِصَلَةِ الرَّحِمِ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) [الرعد: 21].

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي أَيُّوبٍ الْأَنْصَارِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَجُلَاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَخْبِرْنِي بِمَا يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيَبُاعِدُنِي مِنَ النَّارِ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَقَدْ وُفِّقَ" أَوْ قَالَ: "لَقَدْ هُدِيَ! كَيْفَ قُلْتَ؟" فَأَعَادَ الرَّجُلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "تَعْبُدُ اللهَ وَلا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئَاً، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ ذَا رَحِمَكَ"، فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ تَمَسَّكَ بِمَا أَمَرْتُهُ بِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ".

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: صِلُوا أَرْحَامَكُمْ بِالزِّيَارَاتِ وَالْهَدَايَا وَالنَّفَقَاتِ، صِلُوهُمْ بِالْعَطْفِ وَالْحَنَانِ وَلِينِ الْجَانِبِ، وَبَشَاشَةِ الْوَجْهِ وَالِإِكْرَامِ وَالاحْتَرَامِ, وَكُلِّ مَا يَتَعَارَفُ النَّاسُ مِنْ صِلَةٍ!

إِنَّ صِلَةَ الرَّحَمِ ذِكْرَى حَسَنَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ؛ إِنَّهَا سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ، وَصِلَةُ اللهِ لِلْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ!

إِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ سَبَبٌ لِطُولِ الْعُمْرِ وَكَثَرْةِ الرِّزْقِ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبَسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 وَبَسْطُ الرِّزْقِ: تَوْسِيعُهُ وَكَثْرَتُهُ وَالْبَرَكَةُ فِيهِ. وَأَمَّا تَأْخِيرُ فِي الْأَجَلِ فهي الْبَرَكَةُ فِي العُمْرِ وَالتَّوْفِيقِ لِلطَّاعَاتِ وَعِمَارَةِ الأَوْقَاتِ بِمَا يَنْفَعُ فِي الآخِرَةِ وَصِيَانَتِهَا عَنِ الضَّيَاعِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ.

وَلَقَدْ بَيَّنَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ أَعْظَمُ أَجْرَاً مِنَ الْعِتْقِ! فعن مَيْمُونَةَ بِنْتِ الحَارِثِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً وَلَمْ تَسْتَأْذِنِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ، قَالَتْ: أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي، قَالَ: "أَوَفَعَلْتِ؟" قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: "أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ لا يَصِلُ أَقَارِبَهُ إِلَّا إِذَا وَصَلُوهُ، وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ لِيَسْ بِصِلَةٍ فَإِنَّهَا مُكَافَأَةٌ! إِذْ إِنَّ الْمُرُوءَةَ وَالْفِطْرَةَ السَّلِيمَةَ تَقْتَضِي مُكَافَأَةَ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ قَرِيبَاً كَانَ أَمْ بَعِيدَاً، وَالصِّلَةُ الحَقِيقِيَّةُ أَنْ تَصِلَ أَرَحَامَكَ وَلَوْ لَمْ يَصِلَوكَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

فَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَإِنْ قَطَعُوكُمْ وَسَتَكُونُ الْعَاقِبَةُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: "لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

قَالَ شُرَّاحُ الْحَدِيثِ أَيْ: كَأَنَّمَا تُطْعِمُهُمْ الرَّمَادَ الْحَارَّ، وَهُوَ تَشْبِيهٌ لِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنَ الْإِثْمِ بِمَا يَلْحَقُ آكِلَ الرَّمَادِ مِنَ الْأَلَمِ، وَلا شَيْءَ عَلَى هَذَا الْمُحْسِنِ إِلَيْهِمْ، وَلَكِنْ يَنَالُهُمْ إِثْمٌ عَظِيمٌ لِتَقْصِيرِهِمْ بِحَقِّهِ وَإِدْخَالِهِمْ الْأَذَي عَلَيْهِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنِونَ: احْذَرُوا مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ! فَإِنَّهَا سَبَبُ لِلَعْنَةِ اللهِ وَعِقَابِهِ يَقُولُ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد: 22- 23]، وَيَقُولُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) [البقرة: 27].

وَقَدْ تَكَفَّلَ اللهُ –سُبْحَانَهُ- لِلرَّحَمِ بِأَنْ يَقْطَعَ مَنْ قَطَعَهَا حَتَّى رَضِيَتْ بِذَلِكَ وَأَعْلَنَتْهُ، فِهَيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)" (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ، يَعْنِي قَاطِعَ رَحِم" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

عِبَادَ اللهِ: اتِّقُوا اللهَ –تَعَالَى- وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَاحْذَرُوا مِنْ قَطِيعَتِهِمْ، وَاسْتَحْضِرُوا دَائِمَاً مَا أَعَدَّ اللهُ تَعَالَى لِلْوَاصِلِينَ مِنَ الثَّوَابِ وَلِلْقَاطِعِينَ مِنَ الْعِقَابِ، وَمَنْ كَانَ قَاطِعَاً لِرَحِمِهِ أَوْ مُقَصِّرَاً فِي ذَلِكَ فَلْيَتَدَارَكْ نَفْسَهُ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ وَتَقَرَّبُوا إِلَى اللهِ بِذَلِكَ؛ فَإِنَّهَا مِنْ أَجَلِّ الطَّاعَاتِ وَأَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ.

أَحْسِنُوا إِلَيْهِمْ بِالْمَالِ وَلَوْ بِالْقَلِيلِ، أَعِينُوهُمْ عَلَى أُمُورِ دُنْيَاهُمْ، زُورُوهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ، لِيَرَوْا مِنْكُمْ طَلاقَةَ الْوَجْهِ وَالْبِشْرِ وَحُسْنِ اللِّقَاءِ، كُلُوا فِي بُيُوتِهِمْ وَادْعُوهُمْ وَقْتَ الْمُنَاسَبَاتِ لِبُيوتِكُمْ، أَسْمِعُوهُمْ الْكَلَامَ الطَّيِّبَ وَالْخِطَابَ اللَّطِيفَ، قُومُوا مَعَهُمْ فِي النَّوَائِبِ، وَتَعاهُدُوهُمْ وَقْتَ الْحَاجَاتِ، سَامِحُوهُمْ لَوْ زَلُّوا، وَتَحَمَّلُوا تَقْصِيرَهُمْ لَوْ قَصَّرُوا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّهُ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لا يَنْظُرُ إِلَى أَرْحَامِهِ نَظْرَةَ قَرِيبٍ لِقَرِيبِهِ! وَلا يُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةً تَلِيقُ بِهِمْ! وَإِنَّمَا يُخَاصُمُهُمْ فِي أَقَلِّ الْأُمُورِ! وَيُعَادِيهُمْ فِي أَتْفَهِ الْأَشْيَاءِ! وَلا يَقُومُ بِوَاجِبِ الصِّلَةِ لا فِي الْكَلَامِ وَلا فِي الْفِعَالِ وَلا فِي بَذْلِ الْمَالِ!

فَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَجِدُهُ ثَرِيَّاً وَأَقَارِبُهُ مَحَاوِيجَ، فَلا يَقُومُ بِصِلَتِهِمْ ! بَلْ قَدْ يَكُونُونَ مِمَّنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِمْ عَنِ التَّكَسُّبِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ فَلا يُنْفِقُ، وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ كُلُّ مَنْ يَرِثُ شَخْصَاً مِنْ أَقَارِبِهِ فَإِنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إِذَا كَانَ مُحْتَاجَاً عَاجِزَاً عَنِ التَّكَسُّبِ وَكَانَ الْوَارِثُ قَادِرَاً عَلَى الْإِنْفَاقِ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) أَيْ: مِثْلُ مَا عَلَى الْوَالِدِ مِنَ الْإِنْفَاقِ فَمَنْ بَخِلَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْإِنْفَاقِ فُهُوَ آثِمٌ مُحَاسَبٌ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.

فَاتَّقُوا اللهَ وَقُومُوا بِمَا يَجِبُ عَلَيْكِمْ وَاتَّقُوا اللهَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَفِي أَقَارِبِكُمْ!

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: هَهُنَا تَنْبِيهٌ مُهِمٌ: وَهُوَ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَبْذُلُ زَكَاتَهُ لِأَقَارِبِهِ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ هَلْ تَجُوزُ لَهُمُ الزَّكَاةُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ إِذَا جَازَتْ لَهُمُ الزَّكَاةُ يَجُوزُ لَهُ هُوَ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ لَهُمْ أَمْ لَا؟

حَتَّى صَارَتِ الزَّكَاةُ إِنَّمَا هِيَ لِلَأَقَارِبِ فَقَطْ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ يُوَزِّعُ زَكَاتَهُ عَلَى أَوْلَادِه، وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ بِهَذَا لَا تَصِحُّ زَكَاتُهُ وَيَجِبُ أَنْ يُخْرِجُ بَدَلَهَا.

فَمَعَ أَنَّ الزَّكَاةَ فِي القَرِيبِ فَيهَا أَجْرَانِ إِلَّا أَنَّها لَا تُجْزُئُ فِي القَرِيبِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ (الأَوَّلَ) أَنْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَ(الثَّانِي) أَنْ لَا تَجِبَ نَفَقَتُهُ عَلَى هَذَا القَرِيبِ، إِلَّا إِذَا كَانَتْ زَكَاتُهُ تُصْرَفُ فِي غَيْرِ النَّفَقَةِ، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ لَحَقَتْهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ النَّفَقَة.

فَتَثَبَّتُوا وَفَّقُكُمُ اللهُ فِي صَرْفِ زَكَوَاتِكَمْ، وَمَنْ جَهِلَ فَلْيَسْأَلْ أَهْلَ العِلْمِ الَمَوْثُوقِينَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنِ اسْتَمَعَ الْقَوْلَ فَاتَّبَعَ أَحْسَنَهُ وَارْزُقْنَا الْعَمَلَ بِمَا يُرْضِيكَ، اللَّهُمَّ اشْرَحْ صُدُورَنَا لِلْهِدَايَةِ، وَنَوِّرْ قُلُوبَنَا بِالطَّاعَةِ، وَاغْفِرْ ذُنُوبَنَا وَاعْفُ عَنْ سَيِّئَاتِنَا!

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ.