البحث

عبارات مقترحة:

التواب

التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...

الواسع

كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...

المولى

كلمة (المولى) في اللغة اسم مكان على وزن (مَفْعَل) أي محل الولاية...

التهاون في صلاة الفجر

العربية

المؤلف حسين بن غنام الفريدي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - الصلاة
عناصر الخطبة
  1. الأمر بالمحافظة على الصلوات في أوقاتهن .
  2. كثرة التخلف عن صلاة الفجر .
  3. فضل صلاة الفجر في المساجد .
  4. فوائد المحافظة على صلاة الفجر .
  5. صلاة الفجر مقياس لمعرفة أهل الإيمان .
  6. أسباب التخلف عن صلاة الفجر وعلاجها .

اقتباس

إن الفجر رمز ولادة كل خير، وعلامة الحياة والحركة، وهو دليل الحق والعدالة، وقت الفجر من أهدأ الأوقات، فيه لحظات الصفاء، وفيه توزيع الأرزاق، صلاة الفجر دليل قوة الإيمان والبراءة من النفاق، لعظمته أقسم به المولى فقال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فإنها وصيته للأولين والآخرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء:131]. اتقوا الله بفعل ما أمركم به، واتقوه باجتناب ما نهاكم عنه.

واعلموا أنّ من أعظم ما أمركم به الصلاة، فهي عمود الدين وركن الملة، من حافظ عليها نجا وأفلح، ومن غفل عنها هلك وخسر، هي المعين الصافي، بها يزداد الإيمان، ويجتنب العبد الفاحشة والعصيان، لاسيما أداؤها جماعة مع المسلمين، فهو حتم واجب، فبذلك يتميّز أهل الإيمان، ومداومة التخلف عنها علامة النفاق والفسق وقلة الديانة.

معاشر الأحبة: إننا في عصر أوثِرت فيه الدنيا على الدين، وقدِّمت حظوظ النفس على طاعة رب العالمين، (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ) الآية [مريم:59: 60].

فما عذر من يتخلف عن أداء الصلاة جماعة؟! يقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا؛ فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر؛ فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد؛ إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحطّ عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادَى بين الرجلين حتى يقامَ في الصف" أخرجه مسلم والنسائي.

الصلاة -يا عباد الله- هي وصية المصطفى ساعة الاحتضار، أخذ يردّدها حتى ما يفصح بها لسانه، من ضيعها فهو لما سواها أضيع.

يا من اعتدتَ التخلفَ عن صلاة الجماعة -وأنت الآن تحضر معنا الجمعة-: استمع إلى قول الرسول: "من سمع النداء فلم يأته؛ فلا صلاة له إلا من عذر" أخرجه ابن ماجه وأحمد والحاكم وصححه عبد الحق الإشبيلي والألباني.

عباد الله: إن هذا النداء نوجهه إلى كل مؤمن ممن لا يزال في قلبه خوف من الله، ويعلن صباح مساء أنه من أهل الدعوة إلى الله، وأنه في زمرة الصالحين، ويحافظ على كثير من الصلوات، لكنه يتخلف عن صلاة الفجر.

وإن هذا التخلف ظاهرة سيئة، وبادرة خطيرة؛ تنذر بالعقوبة، وتبعث على الخوف، وتستدعي النصح والإرشاد، وتوجب بذل الأسباب المعينة لتلافيه وتعاطي العلاج قبل أن يستفحلَ المرض، ويعظم الداء ويعز الدواء.

إن الفجر رمز ولادة كل خير، وعلامة الحياة والحركة، وهو دليل الحق والعدالة، وقت الفجر من أهدأ الأوقات، فيه لحظات الصفاء، وفيه توزيع الأرزاق، صلاة الفجر دليل قوة الإيمان والبراءة من النفاق، لعظمته أقسم به المولى فقال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) [الفجر:1-2].

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله: "ليس صلاة أثقل على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا" متفق عليه، وعن جندب بن عبد الله -رضي الله عنه- يقول: قال رسول الله: "من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم" أخرجه مسلم.

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: ذكر عند النبي رجل نام ليلة حتى أصبح قال: "ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه" متفق عليه، والبول حقيقي كما قال الإمام القرطبي -رحمه الله-، فالشيطان يبول وينكح بكيفية لا يعلمها إلا الله.

وإن أردت أن تتحقق من ذلك؛ فانظر في وجوه الذين يأتون لأعمالهم صباحًا ممن لم يشهدوا صلاة الفجر، إنها وجوه كالحة تعلوها ظلمة تنطق بالهمّ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله تعالى انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان" رواه مالك في الموطأ وهو عند البخاري ومسلم في الصحيحين.

تلك -عباد الله- من آثار التخلف، فهو يثمر تكدّر النفس وانقباضها، وضيق الصدر، وفوات كثير من المنافع الدينية والدنيوية، فإن وقت الفجر وما يعقبه خير وبركة.

كان من هدي النبي الحرص على اغتنامه وشغله بالذكر؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين؛ كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة" أخرجه الترمذي وهو حسن بشواهده.

وقد دعا بالبركة لأهل البكور: "اللهم بارك لأمتي في بكورها" من حديث صخر بن وداعة، وقد كان صخر تاجرًا، فكان يبعث تجارته أول النهار فأثرى وكثر ماله. رواه الترمذي وأبو داود والدارمي وقال عنه المحققون: إسناده جيد. "اسألوا إن شئتم أهل الأسواق يخبرونكم الخبر اليقين".

ثم لنعلم -يا عباد الله- أن لصلاة الفجر فوائد صحية، وهو أن ما يسمّى بغاز الأوزون وهو معروف عند الفلكيين تكون أعلى نسبة له في الجو عند الفجر، وتقلّ تدريجيًا حتى تضمحلّ عند طلوع الشمس.

ولهذا الغاز تأثير مفيد للجهاز العصبي، ومنشّط للعمل الفكري والعضلي، فعندما يستنشق نسيم الفجر المسمى بريح الصبا؛ تجد لذة ونشوة وراحة لا شبيه لها في أيّ ساعة من ساعات النهار أو الليل.

عباد الله: إن صلاة الفجر ميزان ومقياس لمعرفة أهل الإيمان، من حافظ عليها شُهِد له بالإيمان، ومن تخلف عنها دلّ ذلك على خلل في إيمانه، وقسوة في قلبه، واستسلام لنفسه وهواه، يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن".

من شهد الفجر شهدنا له بالإيمان لأنه حقّق أعظم انتصار، وهو انتصاره على نفسه وتغلبه على لذة النوم والفراش.

كيف يهنأ -يا عباد الله- بالنوم، والناس في المساجد مع قرآن الفجر يعيشون وإلى لذيذ خطاب الإله يستمعون وفي ربيع جنانه يتقلبون؟! إن من آثر لذة الوسادة على العبادة حريّ بالخسارة، ومحروم من سلوك طريق السعادة.

فيا ترى، هل تهز هذه الكلمات المتخلفين عن صلاة الفجر؟ وتجعلهم ينافسون الآخرين باستنشاق ريح الصبا؟ ويكونون هم الأوائل الذين سيذكرون في قوائم المتعاقبين من الملائكة أمام الرب تبارك وتعالى ويكونون من رجال الفجر؟!

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِكَانَ مَشْهُودًا) [الإسراء:78].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.

الخطبة الثانية:
أما بعد: فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله وحده، والعمل لما عنده، والتنجّز لوعده والخوف من وعيده، فإنه لا يسلم إلا من اتقاه ورجاه وعمل له وأرضاه.

قال صلى الله عليه وسلم: "يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، يجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم الله وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون" رواه البخاري ومسلم.

فما أسعد أولئك الرجال، جاهدوا أنفسهم وزهدوا في لذة الفراش؛ ليحصلوا على البراءة من النفاق، وليكونوا أهلاً لبشارة النبي بدخول الجنة، ولينالوا شرف شهود الملائكة وسؤال الله عنهم.

عباد الله: إن للتخلف أسبابًا لا تخفى على ذي لب، فالسهر الطويل والعكوف على أجهزة اللهو، والاجتماعات الليلية في كثير من الاستراحات؛ من أعظم أسباب النوم عن هذه الصلاة العظيمة.

فاحرصوا -عباد الله- على النوم المبكر كما كان هديه، فإنه لا يسهر بعد العشاء إلا لما ترجحت مصلحته. والسهر بعد العشاء إن كان سببًا في النوم عن صلاة الفجر فهو محرم، فما أوصل إلى الحرام؛ فهو حرام.

ولتحرصوا على آداب النوم، والأدعية المأثورة قبل النوم وبعده، واستعينوا بعد الاستعانة بالله؛ بالمنبهات والأهل والجيران، وبادروا بالاستيقاظ إذا أوقظتم، واعمروا قلبكم بالإيمان، وأكثروا من صالح الأعمال.

فمتى حيِيَ القلب دفعَ صاحبه إلى كلّ خير، ومتى خبا نور الإيمان في القلب؛ كسل صاحبه من الطاعات وارتكب المحذورات، فالذنوب تقسي القلوب، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي.

وتجنبوا فضول الكلام والطعام والشراب، والنظر والسماع؛ فإنها من أهم أسباب قسوة القلب. والمعاصي داء قتال، ما تخلف المتخلفون عن الصلاة إلا بسبب الذنوب، وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه.

وليكن مع ذلك وقبل ذلك همة عالية، وحرص وتأمل فيما تقدَّمَ ذكره من الآثار الطيبة المترتبة على المحافظة على صلاة الفجر، والآثار السيئة المترتبة على التخلف، فإن ذلك دافع للعبد إلى أن يحرص على ما ينفعه.

فاتقوا الله -عباد الله- وحاسبوا أنفسكم على التقصير، وبادروا آجالكم بالصالح من أعمالكم، واستعدوا للموت فقد أظلكم، واعلموا أن الأجل مستور، والأمل خادع.

والشيطان موكل بكم يزيّن لكم المعصية لتردوها، ويمنيكم بالتوبة لتسوّفوها، حتى تهجم على الواحد منا منيته أغفلَ ما يكون عنها، فيا لها من حسرة على ذي غفلة أن يكون عمره عليه وبالاً أو تؤديه أيامه إلى شقوة!

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعته غفلة، ولا تحل به بعد الموت فزعة، إنه سميع الدعاء.

هذا وصلوا وسلموا على النبي المصطفى والرسول المجتبى.