الرب
كلمة (الرب) في اللغة تعود إلى معنى التربية وهي الإنشاء...
العربية
المؤلف | هلال الهاجري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | القرآن الكريم وعلومه - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
من ينظرُ إلى الأحوالِ في هذه الأزمنةِ يجدُ أن هناكَ صُوراً من الانفلاتِ في هذا الأمرِ وراءَه أصابعُ خفيّةٌ .. وأن خروجَ المرأةِ من بيتِها صارَ غايةً .. بحاجةٍ وبدونِ حاجةٍ .. فأصبحتْ الأعمالُ والمؤتمراتُ والاجتماعاتُ والدوراتُ مُختلَطةً .. والضوابطُ الشرعيةُ التي يدندنونَ حولها لم يبقَ منها إلا اسمَها .. بل أصبحَ هناك مقاهٍ للنساءِ .. ونوادٍ رياضيةٍ .. ومشاركاتٍ في الدَّوراتِ الأولمبيةِ .. وهناك من ينادي بحضورِها للملاعبِ للمشاركةِ في تشجيعِ ناديها المفضلِ .. ولا حرجَ من الرقصِ والاحتفالِ عندَ الفوزِ كما حدثَ في مناسباتٍ أُخرى مختلفةٍ .. فما الذي يُرادُ بالمرأةِ؟ .. وكيفَ هو حالُها في البلادِ التي فُتحَ فيه الاختلاطُ على مِصراعيه؟
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ القائلِ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى) .. وفاوَت بينهم بقولِه تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) .. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له .. له الحكمُ والحمدُ في الآخرةِ والأولى .. وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه المجتبى وخليلُه المصطفى .. صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه ومن بهداهم اهتدى وسلمَ تسليماً كثيراً ..
أما بعد: (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) [يوسف: 21].. تربى يوسفُ -عليه السلامُ- خادماً في بيتِ العزيزِ يدخلُ ويخرجُ على حسبِ ما تقتضيهُ الخدمةُ .. وكانَ يكبَرُ يوماً بعدَ يومٍ ويزدادُ فُتوةً وجمالاً .. وهو غافلٌ عن تلكَ النظراتِ الآثمةِ من امرأةِ العزيزِ ..حتى جاءتْ اللحظةُ التي نفدَ فيه صبرُها .. وفاضَ فيه شوقُها .. (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) .. تجمَّلتْ واستعملتْ وسائلَ الإغراءِ .. بعد أن هيأتْ الأسبابِ .. (وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ) .. ودعتْ خادمَها للفاحشةِ دونَ حياءٍ .. (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) ..فما كانَ من ذلكَ النبيِ الكريمِ إلا أن (قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [يوسف: 23]..
ثُم فرَّ من المكانِ ولحقتْه وتعلقْت بقميصِه لتمنعَه من الهربِ (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ) [يوسف: 25]. فما الذي أوصلَ تلك المرأةُ الكبيرةُ المتزوجةُ ذاتُ المكانةِ الاجتماعيةِ المرموقةِ إلى هذه الحالةِ من الطَيْشِ والخِفَّةِ؟
فإلى من يُهوِّنونَ أمرَ الاختلاطِ .. ها هو نبيٌ كريمٌ يدخلُ ويخرجُ بقدرِ الحاجةِ مؤديٍ لعملِه .. غاضٌ لبصرِه .. قد حباهُ اللهُ تعالى محاسنَ الأخلاقِ .. ومع ذلك يحدثُ ما يحدثُ له من التحرشاتِ والإغراءاتِ.
وحيثُ أن زوجَها لمَا علمَ بالأمرِ لم يتخذ الإجراءاتِ الوقائيةَ في منعِ دخولِ رجلٍ للبيتِ .. وهو الخادمُ المغلوبُ على أمرِه .. تطوّرَ الأمرُ إلى اجتماعِ النساءِ عليه .. وتهديدِه بالسجنِ .. فعلمَ أنه مهما بلغَ من قوةٍ أو إيمانٍ فلن يستطيعَ أن يَصمدَ أمامَ هذا الكيدِ النسائيِ .. وأنه يحتاجُ إلى ركنٍ شديدٍ يأوي إليه .. (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) [يوسف: 33].
فسبحانَ اللهِ .. نبيٌ من الأنبياءِ .. يُعلنُ ضعفَه أمامَ كيدِ النساءِ .. ويستعينُ باللهِ تعالى ليخرجَه من هذا المُجتمعِ المُختَلَطِ .. حتى لو كانَ السجنُ هو البديلُ .. فأينَ من يُزكونَ أنفسَهم بأن الاختلاطَ لا يؤثرُ فيهم شيئاً؟.
وها هو نبيُ اللهِ تعالى موسى -عليه السلامُ- يأتي من مِصرَ .. (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) .. وكان هناك مشهدٌ غريبٌ .. (وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ) .. تحبسانِ غنمَهما عن الماءِ حتى ينتهيَ الرجالُ من السقي .. ولما كانَ موسى يعلمُ خطرَ اختلاطِ النساءِ بالرجالِ في أماكنِ العملِ .. (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا؟) .. فعبَّرَ بالخطبِ وهو الأمرُ العظيمُ .. (قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء) .. فدافعا عن أنفسِهما وأنهما لا يختلطانِ بالرجالِ عند الماءِ .. ثم ذكرا سببَ خروجِهما ..(وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) [القصص: 23]، فخروجُنا للعملِ إنما هو للضرورةِ، ولذلكَ لما حانتِ الفرصةُ أن يجدوا من يقومُ عنهم بالعملِ ويكفيهم الخروجَ من المنزلِ، (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) [القصص: 26].
بل حتى الهدهدَ لما جاءَ من سبأٍ قالَ لسليمانَ -عليه السلامُ- مُتعجباً .. (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ) [النمل: 23].. فلم يقلْ ملِكةً وإنما عبَّرَ بلفظِ امرأةٍ .. لأنه أنكرَ كيفَ ستجلسُ في مجلسِ الحكمِ وحولُها الرجالُ؟ .. وكيفَ ستقودُ الجيوشَ؟ .. وكيف ستخلو بمستشارٍ أو وزيرٍ؟ .. وهل ستقابلُ الوفودَ؟ .. وهل تحتاجُ أن تخرجَ كثيراً من بيتِها لمصلحةِ البلادِ؟.
وأما مريمُ فتلك المرأةُ التي زكّاها ربُها تعالى بقولِه: (وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) [الأنبياء: 91] .. وكفى بهذا تزكيةً وفخراً .. لما كَبُرت اتخذت حجاباً بينها وبينَ العُبّادِ في بيتِ المقدسِ (فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا) [مريم: 17] .. فإذا كانَ مريمُ اعتزلت الرجالَ وهم العاكفونَ الراكعونَ الساجدونَ .. وفي المسجدِ الذي هو أحبُ البقاعِ إلى اللهِ تعالى .. فكيف بما هو دونَ ذلكَ من الرجالِ والأماكنِ؟
ولذلك لما دخلَ عليها جبريلُ -عليه السلامُ- على هيئةِ بشرٍ .. استنكرت الأمرَ .. فكيف يدخلُ رجلٌ إلى مكانِ النساءِ .. و(قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) .. فأخبرَها بحقيقتِه وبما أُرسلَ إليه.
ثم تأملوا معي هذا الموقفَ .. (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) [مريم: 27- 28].. لا إلهَ إلا اللهُ .. ما الذي جعلَ ذلك المجتمعَ العفيفَ الذي أنكرَ على مريمَ هذا الأمرَ .. يتحوّلُ إلى مجتمعٍ إباحيٍ يُستباحُ فيه الزنا ويُنكرُ على الفتاةِ التي ليس لها عشيقٌ وتُتهمُ فيه بالمرضِ النفسي؟ .. أليسَ هو الاختلاطُ المُحرمُ في مجتمعاتِهم بين الرجالِ والنساءِ؟.
يا أهلَ الإيمانِ .. لنعرفَ خطرَ الاختلاطِ دعونا نستعرضُ الاحتياطاتِ التي قرّرها الشرعُ في خروجِ المرأةِ ليسَ إلى العملِ أو التعليمِ أو السوقِ بل إلى بيوتِ اللهِ تعالى لأداءِ ركنٍ من أركانِ الإسلامِ ألا وهو الصلاةُ.
فقد جاءَ الحثُ على صلاةِ المرأةِ في بيتهِا وأنه أعظمُ أجراً .. كما قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ : "لا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ، وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ" .. وكلُ هذا لتقليلِ خروجِ المرأةِ من بيتِها ولو كانَ الخروجُ إلى المسجدِ .. فإذا كانَ بقائُها في البيتِ خيراً لها من خروجِها إلى المسجدِ للصلاةِ فكيفَ بالخروجِ إلى أيِّ مكانٍ آخرٍ؟ .. وجاءَ النهيُ عن التطيّبِ إذا خرجتْ كما في حديثِ: "إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلا تَمَسَّ طِيبًا".. وكلنا يعلمُ أثرَ الطيبِ النسائي على الرجالِ.
وكذلك قد جعلَ النبيُ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- باباً خاصاً للنساءِ في المسجدِ .. فعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "لَوْ تَرَكْنَا هَذَا الْبَابَ لِلنِّسَاءِ"، قَالَ نَافِعٌ: فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ حَتَّى مَاتَ.
وكلما كانت المرأةُ في المسجدِ أبعدَ من الرجالِ .. كلما كانَ الأجرُ أكثرَ وأعظمَ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا".
وحتى صوتَها مُنعَ في المسجدِ منعاً للفتنةِ .. حتى لو كانَ للتنبيهِ على خللٍ في الصلاةِ .. كما قالَ عليه الصلاةُ والسلامُ: "إِذَا نَابَكُمْ مِنْ صَلاتِكُمْ شَيْءٌ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَيُصَفِّقِ النِّسَاءُ".
ومنعَ النبيُ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- الاختلاطَ بين الرجالِ والنساءِ في الخروجِ من المسجدِ بعدَ الصلاةِ .. روى أَبو أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لِلنِّسَاءِ: (اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ -تَسِرْن وسط الطريق- عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ) فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ.
وكانَ بعدَ ذلك يتأخرُ قليلاً بعدَ السلامِ حتى ينصرفَ النساءُ كما في حديثِ أمِ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- إِذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ ..قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وهو راوي الحديثِ: فَأُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفُذَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْقَوْمِ.
كلُ ذلك جعلَ من بعضِ الصحابياتِ رضيَ اللهُ عنهن يمتنعن من الحضورِ إلى المساجدِ بحثاً عن السترِ .. وعظيمِ الأجرِ، جَاءَتْ أُمُّ حُمَيْدٍ امْرَأَةُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ إلى النَّبِيِّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَكَ، قَالَ: "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تُحِبِّينَ الصَّلَاةَ مَعِي، وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ، وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِي" .. قَالَ: فَأَمَرَتْ، فَبُنِيَ لَهَا مَسْجِدٌ فِي أَقْصَى شَيْءٍ مِنْ بَيْتِهَا وَأَظْلَمِهِ، فَكَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ حَتَّى لَقِيَت اللَّهَ عزَّ وجلَّ.
ومع هذه الضوابطِ والشروطِ الاحترازيةِ، فقد ثبت أن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالت: أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- تَقُولُ: "لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ" .. قَالَ الراوي: فَقُلْتُ لِعَمْرَةَ: أَنِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُنِعْنَ الْمَسْجِدَ؟ قَالَتْ: "نَعَمْ".
فيا أيها العقلاءُ .. إذا كانَ هذا التشديدُ في خروجِ الصالحاتِ القانتاتِ .. إلى بيوتِ اللهِ تعالى راكعاتٍ ساجداتٍ .. مع عبادٍ للهِ بالخيرِ لهم مشهودٌ .. سيماهم في وجوههِم من أثرِ السجودِ .. فكيفَ بما سِوى ذلك؟
نفعني اللهُ وإياكم بالقرآنِ العظيمِ ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِالحكيمِ .. أقولُ ماتسمعون وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم من كلِ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على فضلِه وإحسانِه، وأشكرُه على توفيقِه وامتنانِه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيماً لشأنِه، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه صلى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وسلمَ تسليماً كثيراً إلى يومِ الدينِ، أما بعد:
فها هي أمُكم خديجةُ رضيَ اللهُ تعالى عنها .. لم تُمدحْ لتجارتِها ولا لأنها سيدةُ أعمالٍ مع أنها لم تكن تخرجُ من بيتِها وإنما تستأجرُ الرجالَ الأمناءَ ليتاجروا بمالِها .. وإنما مُدحت بخدمتِها للنبيِ صلى اللهُ عليه وسلم ومؤازرتِه والصبرِ معه .. فها هي تأتيه تحملُ طعامَه بنفسِها .. فماذا كانَ بشارتُها من جبريلَ -عليه السلامُ-؟ .. قَالَ أَبو هُرَيْرَةَ -رضيَ اللهُ عنه-: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ".
يا أهلَ الإيمانِ ..
أيُعقلُ أن تُنسبُ المرأةُ التي في بيتِها إلى البطالةِ؟ .. لا لشيءٍ إلا لتخرجَ لتعملَ .. وقد قررَّ اللهُ تعالى للمرأةِ مكانَها وهي في الجنةِ قبلَ أن تنزلَ إلى الأرضِ وأن مملكتَها هو بيتُها .. كما قالَ عزَّ وجلَّ لآدمَ وحواءَ: (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) [طه: 117] ..
فالشقاءُ على آدمَ لأنه هو الذي يسعى ويعملُ لأجلِ أن يُنفقَ على أهلِهِ .. وهذا قبلَ أن يُوجدَ أحدٌ في الأرضِ ولا يُتصورُ وجودُ الاختلاطِ في ذلك الزمانِ .. فكيف بأحوالِنا في هذا الزمانِ؟
ولا زالَ النساءُ يخرجنَّ من بيوتِهنّ للحاجةِ .. ويعملنَّ عندَ الحاجةِ في الأعمالِ الخاصةِ بالنساءِ والمعزولةِ عن الرجالِ كتعليمِ البناتِ دونَ نكيرٍ من العلماءِ أو المُصلحينَ عقوداً عديدةً ..
ولكن من ينظرُ إلى الأحوالِ في هذه الأزمنةِ يجدُ أن هناكَ صُوراً من الانفلاتِ في هذا الأمرِ وراءَه أصابعُ خفيّةٌ .. وأن خروجَ المرأةِ من بيتِها صارَ غايةً .. بحاجةٍ وبدونِ حاجةٍ .. فأصبحتْ الأعمالُ والمؤتمراتُ والاجتماعاتُ والدوراتُ مُختلَطةً .. والضوابطُ الشرعيةُ التي يدندنونَ حولها لم يبقَ منها إلا اسمَها .. بل أصبحَ هناك مقاهٍ للنساءِ .. ونوادٍ رياضيةٍ .. ومشاركاتٍ في الدَّوراتِ الأولمبيةِ ..
وهناك من ينادي بحضورِها للملاعبِ للمشاركةِ في تشجيعِ ناديها المفضلِ .. ولا حرجَ من الرقصِ والاحتفالِ عندَ الفوزِ كما حدثَ في مناسباتٍ أُخرى مختلفةٍ .. فما الذي يُرادُ بالمرأةِ؟ .. وكيفَ هو حالُها في البلادِ التي فُتحَ فيه الاختلاطُ على مِصراعيه؟
عبادَ اللهِ ..
إن المرأةَ هي الأمُ الحنونُ .. وهي الأختُ العزيزةُ .. وهي الزوجةُ الحبيبةُ .. وهي البنتُ الغاليةُ .. فيجبُ علينا جميعاً حمايتَها من أيدي العابثينَ .. ومكرِ الماكرينَ .. الذين يُنادونَ بالاختلاطِ .. ويخدعونَ الناسَ ويخدعونَ أنفسَهم بأنه لا خطرَ منه ولا ضررَ .. مُتناسينَ بذلك الفطرةَ والعقلَ والواقعَ .. وقد كذبوا واللهِ .. ولو نظرنا نظرةً صادقةً إلى ما وُجدَ في العالمِ اليومَ من الانحطاطِ .. لعلمنا أن من أعظمِ أسبابِه الاختلاطُ.
يا قومِ لا تُفنوا الفضيلةَ واحذروا | من كلِّ من يدعو إلى الإضلالِ |
يا قومِ شاعَ دعاةٌ شرٍ بيننا | ينوونَ خلطَ نسائَنا برجالٍ |
يا قومِ ما في الاختلاطِ سوى الأذى | وبقاؤنا في أرذلِ الأحوالِ |
ثم انظروا يا قومِ فيمن حولَنا | ممن أطاعوا دعوةَ الإضلالِ |
لما تخالطَ بالرجالِ نساؤهم | ذهبتْ كرامتُهم كطيفِ خيالِ |
شاعَ الفسادُ بأرضِهم وتخالطت | أنسابُهم وبقوا بأرذلِ حالِ |
يا قومِ قد أبديتُ نُصحي فاحذروا | من كلِّ من يدعو إلى الإضلالِ |
اللهم احفظ نساءَ المسلمينَ من كلِ سوءٍ، اللهم استرْ عليهِن وارزقهُن العفةَ والحياءَ، وجنبهن التبرجَ والسفورَ، اللهمّ من أراد نساءَنا ونساءَ المسلمينَ بمكيدةٍ وفسادٍ فاجعلْ تدبيرَه تدميرَه، وردَ كيدَه في نحرِه، واجعلْ الدائرةَ عليه، يا سميعَ الدعاءِ.