الإله
(الإله) اسمٌ من أسماء الله تعالى؛ يعني استحقاقَه جل وعلا...
العربية
المؤلف | علي بن يحيى الحدادي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - أهل السنة والجماعة |
فكثير ممن دخل في الفتنة التي قضت على عثمان -رضي الله عنه- ما كان يعلم أن المهيج المثير لها هو ابن سبأ, أحد اليهود الذين أظهروا الإسلام, وأخذ يكيد له من الداخل؛ حتى حقق كثيرا من أمانيه على أيدي الرعاع الهمج الجهلة. فإذا كان ذلك قد وقع في العصر الأول, فما الظن بالأمر في هذه العصور التي اشدت فيها العداوة للإسلام من أعدائه, واشدت فيها العداوة للسنة من قبل بعض فرق الضلالة...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِلْ فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102] (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1] (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
معاشر المؤمنين: فإن الله يبتلي عباده ويختبرهم -وهو أعلم بهم-؛ ليتبين بعد الابتلاء من يثبت على الصراط المستقيم, ومن تزيغ به الأهواء في المرتع الوخيم، فمن ثبت على الكتاب والسنة ومنهاج السلف الصالح فذلك هو الناجي، ومن سلك طريقا أخر مخالفا لهم فهو الهالك.
إن الفتن -أيها الإخوة- خطافة؛ تخطف كثيرا من الناس إما بسبب الجهل وقلة العلم والتباس الحق بالباطل, وإما بسبب الهوى وضعف الصبر عن المغريات والشهوات الحسية أو المعنوية.
ولما كنا نعيش هذه الأيام فتنا عظيمة قد تهلكنا إن لم نعتصم منها بالله تعالى, ونتمسك فيها بكتابه وسنة نبيه, فإليكم جملة من الوصايا العاصمة من الفتن بإذن الله:
فأولها: أن يحرص المسلم على تجنب الفتن والخوض فيها, وأن يستعيذ بالله منها, قال البخاري في صحيحه: [باب الفرار من الفتن] ثم أخرج حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر, يفر بدينه من الفتن".
وعقد بابا أخر فقال: [باب التعوذ من الفتن] وأخرج فيه حديث أنس وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صعد المنبر وكلم الناس, فلف كل رجل من أصحابه رأسه في ثوبه يبكي, ويقول: "أعوذ بالله من سوء الفتن".
وأخرج الشيخان من حديث عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتعوذ بالله في صلاته من فتنة المحيا والممات, أي من الفتن التي تقع في الحياة ومن الفتن التي تكون بعد الموت كفتنة القبر.
والمشاركة اليوم في الفتن سهلة الأسباب مفتحة الأبواب, ولا سيما عن طريق إثارتها وتهييجها, من خلال الكتابة والتعليق في وسائل الإعلام والاتصالات بمختلف أنواعها. وأخرج البخاري أيضا في صحيحه في [باب الفتنة التي تموج كموج البحر] عن سفيان بن عيينة عن خلف بن حوشب قال: "كانوا -أي السلف الصالح- يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن قال امرؤ القيس:
الحرب أول ما تكون فتية | تسعى بزينتها لكل جهول |
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها | ولت عجوزا غير ذات حليل |
شمطاء يُنكر لونها وتغيرت | مكروهة للشم والتقبيل |
يعني أنهم كانوا يرددون هذه الأبيات التي تصور عواقب الفتن ومآلها القبيح؛ حتى لا يغتروا بفتنهتا وزهرتها في أول أمرها, فيكون استحضار سوء عواقبها سببا في البعد عن الخوض فيها.
ثانيا: لزوم منهج السلف الصالح والثبات عليه فإنه الحق وخلافه الباطل, وإنه النجاة وخلافه الهلكة, وإنه الرشد وخلافه الضلالة, ومن سنتهم وعقيدتهم ومنهجهم لزوم جماعة المسلمين, والسمع والطاعة لولي الأمر وإن جار وظلم, وترك التهييج عليه ومغالبته.
ففي صحيح مسلم [باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن وفي كل حال وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة] ثم أخرج مسلم حديث حذيفة -رضي الله عنه- كان الناس يسالون رسول الله عن الخير, وكنت أساله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: "نعم" فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم وفيه دخن" قلت وما دخنه؟ قال: "قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر" فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها" فقلت: يا رسول الله؛ صفهم لنا. قال: "نعم قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا" قلت: يا رسول الله فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم".
ومن منهج أهل السنة وأصولهم: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الطريقة الشرعية؛ التي لا تفضي إلى منكر أعظم منه, فليس من الشرع استنكار مظلمة بطريق تؤدي إلى زيادة الظلم, ولا من الشرع استنكار قتل نفس واحدة بطريقة تؤدي إلى قتل المئات والألوف, وتعطيل المصالح وتكثير المفاسد.
فلا ينبغي للمسلم أن يغتر بالشعارات والدعايات التي تدعو إلى خلاف هذا المنهج الحق القائم على الكتاب والسنة, بدعوى الجهاد أو الثورة أو تغيير المنكر, أو أي شعار كان, ما دامت حقيقته معارضة لسنة محمد -صلى الله عليه وسلم-.
ثالثاً: أدب الله المسلمين بأدب عظيم فقال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء: 83] فأمر -سبحانه- عامة المسلمين برد الأمور الكبيرة المتعلقة بأمن الأمة وعزها واجتماعها, وحقن دمائها ونحو ذلك إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حياته, وإلى أولي الأمر فيهم وهم أهل العلم وأهل الحكم؛ حتى يتخذوا فيها من القرارات ما, تحصل به المصلحة العامة.
بخلاف ما إذا دخل فيها من ليس منهم, فإن دخولهم يضر ولا ينفع؛ لأنهم يدخلون فيما لا يعرفون حقيقته, أو لا يعرفون حكمه, أو لا يدركون عواقبه, وإنما يتصرفون بحكم العاطفة, وربما كان الذي يحرك عواطفهم ويهيجهم من يريد بهم الشر والهلاك من حيث لا يشعرون.
فكثير ممن دخل في الفتنة التي قضت على عثمان -رضي الله عنه- ما كان يعلم أن المهيج المثير لها هو ابن سبأ, أحد اليهود الذين أظهروا الإسلام, وأخذ يكيد له من الداخل؛ حتى حقق كثيرا من أمانيه على أيدي الرعاع الهمج الجهلة.
فإذا كان ذلك قد وقع في العصر الأول, فما الظن بالأمر في هذه العصور التي اشدت فيها العداوة للإسلام من أعدائه, واشدت فيها العداوة للسنة من قبل بعض فرق الضلالة.
نسأل الله أن يحفظ بلاد المسلمين من الفتن والمحن والشقاق والاختلاف إنه جواد كريم
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله..
أما بعد:
فإن مما تحسن الوصية به في هذا المقام الوصية بالحفاظ على الطاعات والاستكثار من العبادات, فإنها من أسباب السلامة من الفتن, ففي كتاب الفتن من صحيح البخاري قال: [باب لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه] ثم أخرج حديث أم سلمة أنها قالت: استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة فزعا يقول: "سبحان الله! ماذا أنزل الله من الخزائن, وماذا أنزل من الفتن, من يوقظ صواحب الحجرات -يريد أزواجه لكي يصلين- رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة".
فأخبر عن نزول الفتن ثم حث أزواجه على قيام الليل, فدل على أن قيام الليل من أسباب السلامة من الفتن؛ لأن جوف الليل ولا سيما الثلث الأخير منه وقت مبارك يستجاب فيه الدعاء, فإذا دعا العبد ربه فيه أن يجنبه الله الفتن وأن يكفيه شرها وسوءها, كان قمناً أن يوقى منها, وأن يستجاب دعاؤه -إن شاء الله-.
وإن مما يلفت النظر أن كثيرا من الناس يصرف كثيرا من وقته في متابعة القنوات؛ للاطلاع على كل جديد حول الأحداث, حتى ربما أضاع وقته أو أهله أو صلاة الجماعة، وربما أدى به كثرة المتابعة إلى استمراء النظر إلى النساء المتبرجات بزينتهن بدعوى متابعة الأخبار، وأخطر من ذلك الحرص على تلقي الأخبار والتحليلات السياسية من قنوات معروف عنها عداوتها للسنة وأهلها, حريصة على إضعافهم وزرع الفتنة بينهم, وإذا كنا قد نهينا عن النظر إلى النساء الأجنبيات فإننا قد نهينا نهيا آكدَ وأعظمَ عن الاستماع إلى أهل البدع والإصغاء إليهم, فإن لهم شبها قد تورث الميل إليهم والإعجاب بهم.
أيها الإخوة في الله: إن المحافظة على العبادة والاستكثار منها واجتناب ما حرم الله أمر عسير في زمن الفتن واضطراب الأمور, لذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "عبادة في الهرج كهجرة إلي". قال النووي -رحمه الله-: "الْمُرَاد بِالْهَرْجِ هُنَا الْفِتْنَة وَاخْتِلَاط أُمُور النَّاس. وَسَبَب كَثْرَة فَضْل الْعِبَادَة فِيهِ أَنَّ النَّاس يَغْفُلُونَ عَنْهَا، وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا، وَلَا يَتَفَرَّغ لَهَا إِلَّا أَفْرَاد" اه.
ـ
اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم إنا نعوذ بك من فتنة المحيا ومن فتنة الممات.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم أمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللهم وفق إمامنا بتوفيقك وأيده بتأييدك واسبغ عليه ثياب الصحة والعافية واجعله للحق ناصرا وظهيرا.
اللهم وفق ولي عهده والنائب الثاني وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة التي تبصرهم بالحق وتعينهم عليه يا رب العالمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.