البحث

عبارات مقترحة:

الخلاق

كلمةُ (خَلَّاقٍ) في اللغة هي صيغةُ مبالغة من (الخَلْقِ)، وهو...

الجميل

كلمة (الجميل) في اللغة صفة على وزن (فعيل) من الجمال وهو الحُسن،...

الغني

كلمة (غَنِيّ) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (غَنِيَ...

قصة عاشوراء عبر وأحكام

العربية

المؤلف صالح بن مقبل العصيمي
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات الصيام
عناصر الخطبة
  1. قصة دعوة موسى وهلاك فرعون يوم عاشوراء .
  2. فضل صوم يوم عاشوراء .
  3. بدعُ عاشوراء    .

اقتباس

وَسَارَ بَنُو إِسْرَائِيلَ حتَّى تَكَامَلُوا خُرُوجَاً مِنْ الْبَحْرِ، فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُه، فَنَزَلُوا الْبَحْرَ فِي إثْرِهِم، فَلَمَّا تَكَامَلُوا نُزُولاً، أَمَرَ اللهُ الْبَحْرَ فَعَادَ وَالْتَأَمَ فَأَغْرَقَهُمُ اللهُ أجْمَعِينَ، فَأَهْلَكَ اللهُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ وَأَنْجَى مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلامُ- وَقَوْمَهُ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي العَاشِرِ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ، فَصَامَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلامُ- هَذَا اليَوْمَ شُكْراً للهِ, ثُمَّ صَامَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِهِ؛ اقْتَدَاءً بِهِ، وَشُكْرَاً للهِ.

الخطبة الأولى:

الحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين، ولا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِين، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالِحِين، وَأشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً نَبِيُّ اللهِ وَرَسُولُهُ الأَمِين، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعين، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً.

أَمَّا بَعْدُ: فِإِنَّ اللهَ -تَعالَى- يَقُولُ: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس:82]، فِإِذَا أَرَادَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- شَيْئَاً أَتَمَّهُ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ ذُلِّ ذَلِيلٍ، فَلا رَادَّ لِحُكْمِهِ،  وَلا مُعَقِّبَ لِقَضَائِهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

وَيَتَجَلَّى ذَلِكَ فِي حِفْظِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لأَوْلِيَائِهِ وَحِمَايَتِهِ لأَنْبِيَائِهِ، عَلَيْهِم صَلَوَاتُ رَبِي وَسَلامُه، وَمِنْ ذَلِكَ قِصَّةُ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلامُ- حَيْثُ حَفِظَهُ اللهُ مِنْ كَيْدِ فِرْعَوْنَ الذِي أَرَادَ قَتْلَهُ مِرَاراً لِرُؤْيَا رَآهَا مَفَادُهَا أَنَّ غُلاماً يَخْرُجُ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ يَكُونُ هَلاكُ مُلْكِهُ عَلَى يَدَيْهِ، فَجَهِدَ فِرْعَوْنُ فِي تَوَقِّي ذَلِكَ وَقَتَلَ وَاحْتَاطَ، وَلَكِنْ؛ لا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَر!.

جَاءَ مُوسَى حتَّى تَرَبَّى فِي قَصْرِ فِرْعَوْنَ وَبِحِمَايَةٍ مِنْهُ، وَرَدَّهُ اللهُ إلى أُمِّهِ وَأَرْضَعَتْهُ حتَّى كَبُرَ وَتَرَعْرَعَ، ثُمَّ قَتَلَ وَاحِدَاً مِنْهُم انْتِصَارَاً للْحَقِّ؛ وَجَهِدُوا فِي قَتْلِهِ فَلَمْ يَقْدِرُوا لأَنَّ اللهَ مَعَهُ يَحْفَظُهُ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى مَدْيَنَ وَقَابَل رَجُلاً صَالِحاً، قِيلَ: إنَّه ُشَعَيْبٌ -عَلَيْهِ السَّلامُ-، وقيل: هُوَ غَيْرُهُ، ثُمَّ اسْتَأْجَرَهُ ثَمَانِ سِنينَ وَأَتَمَّهَا مُوسَى عَشْراً وَذَلِكَ لأَمَانَتِهِ وَصِدْقِهِ وَقُوَّتِهِ.

ثُمَّ بَعْدَ الْعَشْرِ عَادَ مُوسَى إلى دِيَارِ أَهْلِهِ، فَاصْطَفَاهْ اللهُ وَحَمَّلَهُ الرِّسَالةَ إِلَى الطَّاغِيَةِ فِرْعَوْنَ وَأَرْسَلَ مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ -عَلَيْهِ السَّلامُ-، فَدَخَلا عَلَى فِرْعَوْنَ، وَدَعَوَاهُ إلى اللهِ بِالقَوْلِ اللَّيِّنِ لَعَلَّهُ يَتَذَكُرُ أَوْ يَخْشَى، وَأَرَاهُ مُوسَى الْحَيَّةَ وَالعَصَا آيَتَيْنِ عَلى صِدْقِهِ، وَلكَنْ؛ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ! فَمَنِ انْطَبَعَ قَلْبُهُ عَلى الْكُفْرِ فَلا يُؤْمِنُ مَهْمَا رَأَى مِن الْحُجَجِ، ثَمَّ جَمَعَ فِرْعَوْنُ السَّحَرَةَ لِمُنَازَلَةِ مُوسَى وَهَارُونَ -عَلَيْهِمَا السَّلامُ-، لِإبْطَالِ مَا أَتَيَا بِهِ، فَكَانَ الأَمْرُ بِالْعَكْسِ!.

فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا: أإِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ؟ قَالَ لَهُمْ فِرْعَوْنُ: نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذَنْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ، قَال السَّحَرةُ: يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ، قَالَ: أَلْقُوا! فَلَمَّا أَلْقَوْا عِصِيَّهم وحبالهم سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ!.

فَأَوْحَى اللهُ إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ؛ فَإِذَا بعصاه تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ, فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ, فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ, وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ, رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ.

وكَاَنَ الْمُنْتَظَرُ أَنَّ فِرْعَوْنَ يُؤْمِنُ تَبَعَاً للسَّحَرَةِ لأَنَّهُ هُوَ الذِي أَتَى بِهِم، وَهُمْ أَهْلُ الْخِبَرَةِ فِي السِّحْرِ، وَعَرفُوا أَنَّ الذِي مَعَ مُوسَى لَيْسَ سِحْرَاً! وَلَكِنَّهُ مَا كَانَ يُرِيد الحَقَّ؛ لِذَا أَصَرَّ عَلَى الْكُفْرِ وَكَابَرَ وَتَنَكَّرَ.

ثُمَّ إِنَّ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلامُ- جَهِدَ فِي دَعْوَتِهِ بِطُرِقٍ مُتَنَوِّعَةٍ، وَلَكِنَّهُ مَا أَطَاعَ هُوَ وَلا قَوْمُهُ، وَاسْتَمَرُّوا فِي العِنَادِ وَالْمُكَابَرَةِ، فَأَرْسَلَ اللهُ عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ؛ لَعَلَّهُمْ يَتَّعِظُونَ! فَمَا اتَّعَظُوا؛ بَلِ اسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ، وَكُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا: يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ! فَكُلَّمَا كَشَف اللهُ عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ فَيَنْقُضُونَ عُهُودَهُمُ الَّتِي عَاهَدُوا اللهَ وَيُقِيمُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَضَلَالِهِمْ.

فَلَمَّا طَالَ الأَمَدُ، أَمَرَ اللهُ مُوسَى أَنْ يَسْرِيَ بِبَنِي إسْرَائِيلَ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ سَوْفَ يُتَّبَعُونَ، فَلمَّا عَلِمَ فِرْعَوْنُ أَرْسَلَ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ وقال: إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ، وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ، فَجَمَعَ جُنُودَاً عَظِيمَةً، وأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَان -وكانَ الْبَحْرُ أَمَامَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَفِرْعَوْنُ خَلْفَهُمْ- قَالُوا لِمُوسَى: إِنَّا لَمُدْرَكُونَ، فقَالَ -عَلَيْهِ السَّلامُ-: كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ.

وَهَكَذَا الْمُؤْمِنُ الوَاثِقُ بِرَبِّهِ، يَتَوَكَلُ عَلَيْهِ مَهْمَا غَابَتْ الأَسْبَابُ الْمَادِّيَّةُ, قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [الشعراء:63]، فَشَقَّ اللهُ لَهُم الْبَحْرَ اثْنَيْ عَشَرَ طَرِيقَاً، وَأَمَرَ اللهُ الرِّيحَ فَلَفَحَتْ أَرْضَ البَحْرِ حتَّى صَارَ يَابِسَةً، فِلِهَذَا قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى) [طه:77]، أَيْ: لَا تَخَافُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ أَنْ يَلْحَقُوكُمْ، وَلا تَخْشَى مِنْ الْبَحْرِ أَنْ يُغْرِقَكَ أَنْتَ وَلَا وَقَوْمَكَ.

وَسَارَ بَنُو إِسْرَائِيلَ حتَّى تَكَامَلُوا خُرُوجَاً مِنْ الْبَحْرِ، فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُه، فَنَزَلُوا الْبَحْرَ فِي إثْرِهِم، فَلَمَّا تَكَامَلُوا نُزُولاً، أَمَرَ اللهُ  الْبَحْرَ فَعَادَ وَالْتَأَمَ فَأَغْرَقَهُمُ اللهُ أجْمَعِينَ، فَأَهْلَكَ اللهُ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ وَأَنْجَى مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلامُ- وَقَوْمَهُ. وَكَانَ ذَلِكَ فِي العَاشِرِ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ، فَصَامَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلامُ- هَذَا اليَوْمَ شُكْراً للهِ, ثُمَّ صَامَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِهِ؛ اقْتَدَاءً بِهِ، وَشُكْرَاً للهِ.

أَيُّهَا الَمُسَلِمُونَ: وَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الْمَدِينَةِ، وَجَدَ اليَهُودَ فِيهَا يَصُومُونَ العَاشِرَ مِنْ مُحَرَّمٍ، فَسَأَلَهُم عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ فَأَخْبَرُوه، فَصَامَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَمَرَ الصَّحَابَة -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- بِصِيَامِه، وقَالَ: "فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ"، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: "يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ".

وَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَصُوم َيَوْمَاً قَبْلَهُ مُخَالَفَةً لليَهُودِ؛ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ -أَيْضَاً- عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّهُ قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ"،  قَالَ: "فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".

أَيُّهَا الإِخْوَةُ: وَإِنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ هَذَا العَام هُوَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ القَادِمِ، فَلْنَصُمْ يَوْمَ الاثنين والثُّلَاثَاءِ، لِنَصُومَ عَاشُورَاءَ وَيَوْماً قَبْلَه.

اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ، اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ! واللهُ -تَعَالى- أَعْلَمُ.

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِين، وَقَيُّومُ السَّمَاواتِ السَّبْعِ والأَرضِين، والصَلاةُ والسَّلامُ عَلى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً للْعَالَمِينَ، وَعَلى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنُّةٌ، وَفَضْلُهُ عَظِيمٌ، وَلَكَنْ لَيْسَ مِن السُّنَّةِ تَعْظِيمُهُ أَوْ تَخْصِيصُهُ بِشَيْءٍ غَيرِ الصِّيَامِ كَمَنْ يَجْعَلُهُ يَوْمَ فَرِحٍ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَشَبَّهَ بِالْمُشْرِكِينَ وابْتَدَعَ فِي دِينِ اللهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ.

فَعَنْ أَبِي مُوسَى -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ أَهْلُ خَيْبَرَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَتَّخِذُونَهُ عِيدًا وَيُلْبِسُونَ نِسَاءَهُمْ فِيهِ حُلِيَّهُمْ وَشَارَتَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَصُومُوهُ أَنْتُمْ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَكَذَلِكَ؛ فَلا يَجُوزُ جَعْلُهُ يَوْمَ حُزْنٍ كَمَا يَفْعَلُهُ الرَّافِضَةُ الشِّيَعَةُ الذِينَ يَنُوحُونَ فِيهِ وَيَلْطمُونَ وَجَوهَهَمْ وَيَضْرِبُونَ رُؤُوسَهُمْ بِالسِّيُوفِ حُزْنَاً -بِزَعْمِهِم- عَلَى مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ.

وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّ مَوْقِفنَا مِنَ الْمَصَائِبِ أَن نَقُول مَا أَرْشَدَنَا اللهُ إِلِيْهِ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ! قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:156-157].

وَأَمَّا إِقَامُةُ الْمَآتِمِ وَإِظْهِارُ النِّيَاحِةِ وَلَطْمُ الْخُدُودِ وَشَقُّ الْجُيُوبِ فَمِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيِّةِ؛ بَلْ مِمَّا تَبَرَّأَ رَسُولُ اللِه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ فَاعِلِهَا؛ فَعَنَ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ، أَوْ شَقَّ الْجُيُوبَ، أَوْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَمِنَ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونُ مَحَبَّتَهُم واتِّبَاعَهُم لآلِ الْبَيْتِ ثُمَّ هُمْ يُخَالِفُونَهُم فِي الْبَقَاءِ  عَلَى التَّوْحِيدِ، حَيْثُ يَصِيحُونَ فِي يَوْمِ عَاشورَاءَ اسْتَغَاثَةً بِغَيْرِ اللهِ كَمَا هُوَ صَنِيعهم فِي نِدَاءِ الْحُسَيْنِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- بِأَعْلَى أَصْواتِهِم مِنْ دُونِ اللهِ، وَهَذَا شرْكٌ أَكْبَر، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [المؤمنون:117].

نَسْأَلُ اللهَ السَّلامَةَ وَالعَافِيةَ مِنْ هَذِهِ الْمَسِالِك ِالْهَالِكَةِ وَالطُّرِقِ الضَّالَّةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ، وَشَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَشَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ.

اللَّهُمَّ...