العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن صالح الدهش |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الزكاة - الصيام |
فاستعينوا الله -يا عباد الله- على أداء زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، منشرحة بها صدوركم، ترون فضل الله عليكم بذلك، وأن جعلكم معطين لها لا آخذين منها، واليد العليا خيرٌ من اليد السفلى، وإن زكاة المال وإن نقصت مقداره ظاهراً، ولكنها زادته بركة وحفظاً، كما ..
الخطبة الأولى:
الحمد لله أغنى وأقنى، وأسعد بفضله وبعدله أشقى، وجعل الميزان عنده بالتقوى.
وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله خير من عبد ربه وتزكى - صلى الله عليه وسلم - وآله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما طلع نهارٌ وتجلى.
أما بعد:
فإنَّ الله فاضل بين العباد في هذه الدنيا، وجعل الآخرة أكبرَ درجاتٍ، وأكبرَ تفضيلاً.
بسط الرزق وقدَره على آخرين ليبتلي الغني بالفقير، والفقير بالغني، وإنَّ من عباد الله من لو أغناه الله لأفسده الغنى، ومنهم من لو أفقره لأفسده الفقر: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ)[القصص: 68].
عباد الله: إنَّ من أوجب أعمالكم، وأفضلها عند ربكم، خصوصاً في شهركم هذا، هي زكاة أموالكم، بأدائها تؤدون الركن الثالث من أركان دينكم، وتطهرون بها أموالكم وأنفسكم: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) [التوبة: 103].
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الصدَّقة لا تنبغي لآل محمد إنما أوساخ الناس"[رواه مسلم].
فاستعينوا الله -يا عباد الله- على أداء زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، منشرحة بها صدوركم، ترون فضل الله عليكم بذلك، وأن جعلكم معطين لها لا آخذين منها، واليد العليا خيرٌ من اليد السفلى، وإن زكاة المال وإن نقصت مقداره ظاهراً، ولكنها زادته بركة وحفظاً، كما قال صلى الله عليه وسلم: "ما نقصت صدقةٌ من مالٍ".
وروى الإمام أحمد بسند جيد عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل امرئ في ظلِّ صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس".
ثم اعلموا أن الله أوجب الزكاة في أربعةِ أشياء:
الأول: الخارج من الأرض من الحبوب والثمار إذا بلغت ثلاثمائة صاعٍ، وتساوي ستمائة واثني عشر كيلو، فمن بلغ حبه أو ثمرة نخله هذا المقدار ستمائة واثني عشر كيلو ففيها الزكاة وهي العشر كاملاً إن كان يسقى بلا كلفة، أو نصف العشر إن كان بكلفة، وهي واقع الحال الآن.
ومن ذلك أيضاً أن توجد نخيل في بعض البيوت، أو الاستراحات تبلغ ثمرتها هذا المقدار فهذه تزكى، وبعض الناس قد لا يتفطن لها.
ومن باع ثمرة نخله، أو صار يأكله ويوزع منه، فعليه نصف عشر قيمته.
الثاني: مما تجبُ فيه الزكاة بهيمة الأنعام، وهي الإبل والبقر والغنم.
فتزكى إذا بلغت النصاب الذي حدده الشارع إذا كانت ترعى في الصحراء كل السنة، أو غالبها.
وفي السنوات المتأخرة قل الرعي في بلادنا، أو انعدم، وأصبح صاحب البهائم يعلف بهائمه، فهذه لا زكاة عليها، إلا أن تكون للتجارة فيزكيها زكاة عروض تجارة، بمعنى أن ينظر في قيمتها ويخرج ربع عشر قيمتها، بغض النظر عن عددها.
الثالث: الذهبُ والفضةُ، سواء كان نقوداً أو تبراً، ونصابُ الذهب خمسةٌ وثمانون غراماً، ونصاب الفضة خمسمائة وخمسةٌ وتسعون غراماً، فإذا قال الصاغة: إنَّ الذهب أو الفضة يساوي ما ذكر، وجب أن يخرج ربع عشْرِهِ.
ويدخل في هذا الحلي الذي تلبسه المرأة، فإنه إذا بلغ النصاب يجب أن يزكى، وهذه المسألة اختلف العلماء فيها قديماً وحديثاً، والأحوط في ذلك إخراج الزكاة، والعامة عليهم اتباع علمائهم الذين أمر الله بسؤالهم: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ)[النحل: 43].
وهذا ما كان يفتي به الشيخان عبد العزيز بن بازٍ، ومحمد بن عثيمين -رحمهما الله تعالى-.
والأوراق النقدية التي بأيدي الناس اليوم هي بدلٌ عن الفضة، فمن ملك ما يعادل ستة وخمسين ريالاً عربياً من الفضة، وجبت عليه الزكاة.
رابع الأموال الزكوية وآخرها: عروض التجارة، وهي كل ما أعده الإنسان للتكسب والتجارة، من عقار وحيوانٍ، وطعامٍ وسيارات، وغيرها، فيقومها الإنسان عند رأس الحولِ، ويخرجُ ربع عشرِ قيمتها.
ولا ينظر لقيمة شرائها قلت أو كثرت، فلو اشترى سلعة بعشرة آلاف مثلا، وعند نهاية السنة لا تساوي إلا ثمانية آلاف فقط، فإنه يزكي ثمانية آلاف فقط، وزكاتها مائتا ريال، فعلى أصحاب محلات الألبسة والبقالات وقطع الغيار، وغيرهم أن يحصوا بضائعهم إحصاءً دقيقاً شاملاً، فإن شقَّ عليهم فإنهم يحتاطون ويخرجون ما يكون به براءة ذمتهم.
والسؤال كثير عن زكاة الأسهم، فالعلماء يقولون:
المساهمون لا تخلو أحوالهم من إحدى حالين:
الحال الأولى: أن يكون قصد بالمساهمة الربح السنوي الذي تعطيه الشركة، فهذا يزكي ما يقبضه من الأرباح دون قيمة الأسهم، فلو قدر أنَّه ساهم بعشرة آلاف ثم جاءه من هذه الشركة بعد سنة ألفان فإنه يزكي الألفين، بمقدار ربع العشر "اثنين ونصف في المائة" ولا يزكي العشرة التي هي رأس المال.
الحال الثانية: الذي يضارب في الأسهم، أي: يبيع ويشتري في الأسهم، ويتحين الفرص في زيادتها، فهذه أسهمه عبارة عن عروض تجارة، فعليه أن يزكيها زكاة عروض تجارة، فإذا مرَّ عليه الحول، فلينظر ماذا عنده من الأسهم؟ وكم تساوي في السوق؟ أي قيمتها السوقية، فيخرج ربع العشر من قيمتها.
فلو كانت أسهمه التي يضارب بها قد اشتراها بعشرة آلاف، والآن لا تساوي إلا خمسة فيزكي الخمسة فقط، وهي قيمتها في السوق، أو كانت زادت فصارت تساوي خمسة عشر، فيزكي الخمسة عشر.
وإذا باع المساهم أسهمه في أثناء الحول ضم ثمنها إلى ماله وزكاه معه عندما يجيء حول زكاته.
وفيما يخص المساهمات المجمدة؛ كالأراضي التي ساهم فيها الناس، ثم تعرقلت، أو وقفها صاحبها ينتظر زيادة السوق، فهذه يزكي قيمة السهم، ويسأل أهل الخبرة، كم تساوي أسهمه لو باعها؟
وإذا لم يكن عنده سيولة مالية ليدفع الزكاة، فعليه أن يوثق مبلغ الزكاة كتابة حتى لا ينسى، وحتى تعلم الزكاة من بعده لو مات، ثم لا حرج عليه أن يؤخرها حتى يباع العقار فيزكي، ولو تكرر هذا لعدة سنوات.
ومما هو داخل في الأسهم ما يسمى بالجمعيات التي بين الموظفين، أو المدرسين، فعلى كلِّ شخص أن يحصي نصيبه ويزكيه.
فهذه -يا عباد الله- الأموال التي تجب فيها الزكاة، ولا زكاة فيما عداها.
فلا زكاة فيما أعده الإنسان لحاجته من طعام أو أثاث، أو سيارات، أو عقار إلا أن يعده للأجرة، فالزكاة في الأجرة إذا حال عليها الحول، وإن أنفقها قبل مضي الحول فلا زكاة عليه.
وكذا لا زكاة على الإنسان فيما يشتريه من أراضي ليمسك بها ماله.
اعرفوا -رحمكم الله- ما تلزم معرفته من أحكامِ دينكم، خصوصاً ما تعلق به حقُّ الغير من الفقير ونحوه، واسألوا أهل العلم عما يشكل عليكم لتعبدوا ربكم على بصيرةٍ من أمركم.
أقول قولي هذا …
الخطبة الثانية:
الحمد لله لا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى، قسم بعلمه وحكمته زكاة الأغنياء، وجعل المستحقين لها أصنافاً وابتدأهم بالفقراء، فقال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 60].
وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن بهداهم اهتدى.
أما بعد:
فإن صرف الزكاة في الأصناف الذين ذكرهم الله فريضة لازمة، لا يجوز تعديلها، أو صرفها إلى غيرهم، فالفقراء والمساكين، وهم الذين لا يجدون كفايتهم، حتى ولو كان لهم رواتب ثابتةٌ مادامت رواتبهم قليلةً يعطون من الزكاة ما يسد حاجتهم، وما كان أحوج منهم فهو أولى، ومن كان ذا قرابةٍ فهو أولى أيضاً من غيره؛ لأنها تكون حينئذ صدقةً وصلةً، ما لم تكن نفقته واجبة عليك؛ كالزوجة والأولاد، فالواجب إغناؤهم بالنفقة عليهم، ولكن يجوز قضاء الدين عن الولد أو الوالد وغيرهما؛ لأن قضاء الدين أمر زائد على النفقة، وفي الصحيحين أن زينب امرأة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: يا رسول الله إنك أمرت بالصدقة، وكان عندي حلي فأردت أن أتصدق به فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدق به عليهم، فقال: النبي -صلى الله عليه وسلم-: "صدق ابنُ مسعود، زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم".
فاجتهدوا -رحمكم الله- أن تكون الزكاة في موقعها، وأن تصل إلى أهلها، وتعرفوا على أصحاب الحاجات المتعففين، من الأرامل، وأرباب الأسر الكبيرة، ومن أقعدهم مرضٌ أو غيره.
ألا وإن من آكد مصارف الزكاة صرفها للشعوب المنكوبة، والأسر المشردة في سوريا، وغيرها.
فرج الله همهم، وكشف كربهم.
أيها الإخوة: جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر".
ألا فليتق الله أناس قلَّ دينهم، وضعفت غيرتهم، فصاروا يطوفون الأسواق في نسائهم وأطفالهم، يستكثرون من متاع الدنيا.
فهؤلاء يأتون يوم القيامة وليس في وجوههم مزعة لحم، وإنما هي عظام تلوح. نسأل الله العافية.