الوهاب
كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...
العربية
المؤلف | صالح بن محمد الجبري |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
تراه يعيش كالجزار سيئ الخلق الذي يبحث دائمًا عن ضحية، فلا يكاد يسلم منه أحد، فهو إنسان مفترس يشتم هذا، ويضرب هذا، ويعذب هذا، وأشقى الناس به هم أهل بيته من زوجة وأطفال، قد نُزعت الرحمة من قلبه، فأصبح بلا قلب وبلا إحساس، وأصبح كل همه هو إدخال الشقاء والنكد على أطفاله، فهذا مضروب وذاك مجروح وذاك مطرود...
الخطبة الأولى:
الحمد لله..
الأطفال نعمة إلهية ومنحة ربانية، لذلك وصفهم ربنا -سبحانه وتعالى- بأنهم زينة الحياة الدنيا، والناس متفاوتون في تقدير هذا النعمة تفاوتاً كبيراً، ولا غضاضة في ذلك شأنها شأن كل النعم يقدرها ويعرف حقها من حرم منها، ويتجاهلها ويقصيها من رزقها أو كان منها في كفاف، ولكن المشكلة أن يجعل البعض هؤلاء الأطفال الأبرياء حقولاً للتعذيب وممارسة العنف بكل ألوانه وأشكاله.
إنها مصيبة وأي مصيبة أن يتحول أقرب الناس إلى الطفل إلى وحش كاسر، لا يرحم ولا يشفق، ولا تجد الرحمة في قلبه مكاناً. ويا للعجب كيف يتحول قلب الوالد أو الوالدة إلى حجر بل أشد من الحجر تجاه من؟ تجاه هؤلاء الأطفال الصغار الذين لا حول لهم ولا قوة.
وقد أكدت دراسة حديثة نشرت تفاصيلها إحدى الصحف المحلية أن 45% من الأطفال السعوديين يتعرضون لصور من الإيذاء في حياتهم اليومية.
وفي فترة وجيزة أظهرت لنا وسائل الإعلام حالات متعددة لأطفال تعرضوا للعنف والتعذيب من قبل والديهم. وبعض تلك الحالات وصلت لحد القتل والتصفية الجسدية، الأمر الذي أدى إلى المطالبة من البعض بسن القوانين الرادعة، ومحاسبة الآباء والأمهات، المتهمين بالعنف ضد أبنائهم.
تعريف العنف ضد الأطفال: هو أي فعل أو الامتناع عن فعل، يعرض حياة الطفل وسلامته وصحته الجسدية والعقلية والنفسية للخطر.
أما أشكال وأنواع العنف ضد الأطفال فهي كالتالي:
أولا: الإيذاء البدني: وتبدأ صور الإيذاء البدني من قبل ولادة الطفل باستخدام الأم الحامل الدواء دون استشارة الطبيب، أو تعاطي المحرمات كالخمر والمخدرات التي تضر الجنين وتصيبه بالأمراض المختلفة.
ومن صور الإيذاء البدني، قيام الأم بمنع طفلها الرضيع بعد الولادة من الرضاعة الطبيعية لتحافظ على رشاقتها وهندامها، وبدون عذر طبي أو صحي، وهذا ذنب عظيم فعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويقول: "بينا أنا نائم إذا أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا فقالا: اصعد، فقلت: لا أطيقه فقالا: إنا سنسهله لك قال فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا أنا بأصوات شديدة فقلت: ما هؤلاء الأصوات؟ فقالا: عواء أهل النار، قال ثم انطلقا بي فإذا بنساء ينهش ثديهن الحيات فقلت ما بال هؤلاء؟ قالا: هؤلاء اللاتي يمنعن أولادهن ألبانهن" (السلسلة الصحيحة 3951).
ومن صور الإيذاء البدني: الضرب المبرح في المنزل، أو المدرسة باليد، أو بالآلات الحادة, والقذف بالأشياء التي في متناول اليد, أو بالأشياء الخطيرة، أو اللكم، أو الحرق بالسيجارة وغيرها، أو السجن، أو الكي بالنار، أو سكب الماء الحار، أو التسبب بكسر عضو من أعضائه، أو قتله بسبب التعذيب، أو العنف الذي يكون له آثار على الجسم مثل الكدمات على العينين، أو الأنف أو الفم أو أي مكان آخر، وكل ذلك ذنب عظيم عند الله -عز وجل- وسيعذب صاحبه بسبب ذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن خالد بن الوليد: "أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة أشدهم عذاباً للناس في الدنيا" (الصحيحة: 1442).
ومن صور العنف ضد الأطفال، الإيذاء النفسي وذلك بالطرد من المنزل، أو الشتم والاستهزاء أو السب بألفاظ قبيحة، أو الدعاء عليه، أو النقد اللاذع، أو الحرمان، أو التهكم، أو ترك الطفل وحيدًا في المنزل مع من يخاف منه، أو تشجيع الطفل وإجباره على القيام بسلوك تدميري مثل السرقة، أو التسول أو استغلاله في توزيع المخدرات، وعدم المبالاة في الشجار والخصام بين الوالدين أمامه، وفي حضوره، أو حرمانه من أمه أو أبيه بعد الطلاق.
ومن صور العنف ضد الأطفال: الإيذاء الجنسي، كالاغتصاب أو التحرش من قبل الأب، وهي حالات نادرة جدًّا، أو الأخ أو أحد الأقارب أو الخدم أو السائقين، أو من قبل أشخاص في الشارع أو المدرسة، أو إغراء الطفل واستدراجه لاستغلاله جنسيًّا، أو إجباره على مشاهدة الأفلام أو الصور الإباحية.
ومن صور العنف ضد الأطفال: الإهمال، وذلك بعدم الإنفاق عليهم،أو السفر المتكرر لغير حاجة عن الأسرة، وعدم تعليم الأطفال، أو إهمال علاجهم من الأمراض، وعدم إشباع حاجات الأطفال العاطفية الضرورية مثل الحب والتقدير.
أسباب ودوافع العنف ضد الأطفال:
أولاً: العنف المادي للأب المسئول عن الأسرة، وهو أحد أهم الضغوطات والأسباب وذلك إما لأن دخل الأب لا يكفي مصاريف الأسرة، أو بسبب تراكم الديون عليه فيعاني الأب ضغطًا نفسيًّا يسبب له إحباطًا ويأسًا، يتحولان بمرور الوقت إلى انفجار عنيف على أسرته.
ثانياً: اعتقاد البعض وبخاصة الآباء أو من يعول الطفل من الرجال أن الغلظة والعنف مقياس للرجولة، وأن العنف ضد الطفل يجعله رجلا في المستقبل، لذلك فهو يحرم أطفاله من المعاملة الحسنة ومن الكلمة الطيبة، بل حتى من القبلة التي تعبر عن الحب والتقدير وهذه قسوة ما بعدها قسوة.
فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: جاء إعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: تقبلون الصبيان فما نقبلهم فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة" (البخاري ومسلم).
ثالثا: تعاطي المخدرات والمسكرات: ومتعاطي المسكرات والمخدرات يستخدم العنف مع أطفاله شاء أم أبى، وذلك بسبب فقدانه العقل أثناء تعاطيه ولا غرابة في ذلك فالخمر وهي اسم عام للمخدرات والمسكرات، هي أم الخبائث ومفتاح كل شر، فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "لا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر" (صحيح ابن ماجه2717).
رابعاً: الأمراض النفسية أو التخلف العقلي لمرتكب العنف، فالنقص في القدرات العقلية يؤدي إلى كثير من العنف والإساءة للأطفال.
خامساً: عجز المعتدي على الأطفال عن التفاهم والحوار، بسبب تربيته الأسرية الخاطئة، ولجوئه بالتالي إلى العنف كبديل لهذا العجز.
سادساً: ضعف الوازع الديني وعدم الخوف من الله: فقليل الدين وضعيف الإيمان، هو الذي لا يخاف الله، والذي لا يخاف الله تراه يعيش كالجزار سيئ الخلق الذي يبحث دائمًا عن ضحية، فلا يكاد يسلم منه أحد، فهو إنسان مفترس يشتم هذا ويضرب هذا ويعذب هذا، وأشقى الناس به هم أهل بيته من زوجة وأطفال، قد نُزعت الرحمة من قلبه، فأصبح بلا قلب وبلا إحساس، وأصبح كل همه هو إدخال الشقاء والنكد على أطفاله، فهذا مضروب وذاك مجروح وذاك مطرود، لذلك توعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا العنيف فقال كما روى هشام بن حكيم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا" (مسلم).
أما الآثار السلبية والسيئة للعنف على الأطفال فهي:
أولاً: العنف الشديد يفقد الطفل مهاراته وقدراته وقد يسبب له الشلل أو الكسور أو عدم النمو أو التخلف.
ثانيًا: العنف بصيب الطفل بالجنوح والخروج على القوانين، بارتكاب الجرائم الاجتماعية؛ كتخريب الممتلكات والسرقة والاعتداءات الجنسية على الصغار، وكذلك تعاطي المخدرات.
وقد أشارت أكثر من دراسة إلى أن آثار العنف الأسري غالبًا ما تظهر بعد سن البلوغ، فتكشف الدراسة أن 80% من متعاطي الكحول والمخدرات تعرضوا للاعتداء في طفولتهم، وأن 80% من الهاربين من منازلهم يؤكدون أن الاعتداء عامل أساسي في هروبهم، وأن 78% من السجناء تعرضوا للاعتداء في طفولتهم. كما أن 90% من النساء المنحرفات اعترفن بتعرضهن للاعتداء الجنسي في طفولتهن.
ثالثا: يصاب الطفل المعنف باضطراب في السلوك، وفي تكوين شخصيته، وفي تكوين العلاقات مع الأصدقاء أو الزوجة أو الأبناء مستقبلا، فيفقد مهارات تكوين العلاقات وبنائها والمحافظة عليها، وقد يؤدي ذلك إلى انعزاله وفشله في الزواج أو الانطواء أو الانعزال عن الحياة، وهذه الأمراض النفسية تحتاج منه إلى علاج طوال حياته.
رابعاً: الطفل المعتدى عليه يتعلم العدوانية، فيعتدي على غيره في المدرسة أو الشارع ويتأخر دراسيًّا، وغالبًا لا يواصل الدراسة، وإن بقي في مدرسته فإنه يكثر من الهروب منها ولا ينجح في دراسته إلا بصعوبة.
سادساً: العنف يضعف العلاقة المتبادلة بين الآباء أو المربين والأطفال، ويزرع الكراهية في نفس الطفل إزاء الشخص الذي قام بضربه أو تعنيفه.
سابعاً: إن عقوبة الطفل على كل صغيرة وكبيرة لا تؤدي إلى تقويم سلوك الطفل، لأن كثرة العقوبة تجعل الطفل لا يأبه لها بل ويصبح متبلد الحس فاقدا للشعور.
ثامنا: الإفراط في عملية الضرب يؤدي في النهاية إلى زرع بذور العناد في نفسية الطفل، وتجعل منه شخصية ترفض الاستماع لنصائح الآخرين، وصدق الله سبحانه (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159].
أخيرًا: نلاحظ أن تأثير العنف ضد الأطفال نفسي إلى حد كبير، لذلك تظهر أعراض نفسيه على الطفل، من أهمها الاكتئاب والأفكار الانتحارية، والشعور بالوحدة والانعزال والخوف وقلة الثقة بالنفس، وقد يعود الطفل إلى حالة التبول اللاإرادي فتبقى معه إلى سن متأخرة من حياته إلى غير ذلك من الآثار السلبية، فبالله عليكم من يريد طفله أو طفلته بهذه الحالة المزرية.
ولقد علمنا الله -سبحانه وتعالى- في القرآن أن ندعو ونقول: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].
فكيف سيكون أطفالنا قرة أعين لنا، ونحن قد دمرناهم نفسيا وجسديا وأخلاقيا بسبب الضرب والعنف والتعذيب؟ كيف؟
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
قبل أن نتحدث عن وسائل علاج ظاهرة العنف ضد الأطفال، قد يقول قائل: وكيف نؤدب أطفالنا إذاً؟ وهل نترك لهم الحبل على الغارب؟ ونقول لهؤلاء ومن منعكم من تأديب أطفالكم؟ لكن هل التأديب في فهمكم هو الضرب فقط، وهل استخدمتم بدائل الضرب أولاً: قبل أن تبدءوا به، إن هناك بدائل للضرب ينبغي علينا جميعا أن نعرفها وأن نستخدمها أولا.
فمن بدائل الضرب: استخدام العبارات اللطيفة الحانية والتي غالبًا ما تنهي السلوك الخاطئ للطفل.
إذا لم تنفع هذه الطريقة يتم اللجوء للبدائل الأخرى وبالتدرج، ومن هذه البدائل استخدام وسيلة العقاب العاطفي، كالنظرة المعبرة عن عدم الرضا، أو الخصم من المصروف عند فعل الخطأ المتكرر، أو عدم السماح له بمشاهدة التلفزيون، أو الأجهزة الذكية، أو منعه من الذهاب لزيارة الأهل والأصدقاء والملاهي أو الحدائق، أو إلزامه بإصلاح ما أفسده وخربه، فمثلاً عند تكسير الطفل شيئاً، يلزم بتنظيف المكان ورمي المخلفات بالزبالة، أو كتكليف الطفلة بغسل الصحون إن ارتكبت خطأ تستحق عليه العقاب.
وهناك طريقة استخدمها البعض وحققت نجاحًا كبيرًا، وذلك بإعطائه مجموعة من النقود المعدنية أو الريالات الورقية، وإفهامه بأنه من حقه أن يمتلكها بعد شهر مثلاً ولكن عليه أن يعلم أن كل خطأ يقترفه سيخصم مقابله من النقود التي لديه وهكذا.
فإذا فشلت هذه البدائل في عملية تأديب الطفل، يتم الانتقال بعدها إلى مرحلة الضرب الخفيف على أن يكون ذلك بعد سن العاشرة، لأنه لا ينبغي أن يضرب الطفل قبل العاشرة، والدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر".
إذن أولاً لا ينبغي أن يُضرب الطفل قبل العاشرة، ثم يبين لنا هذا الحديث العظيم أن الفرق الزمني بين التوجيه بالكلمة والتوجيه بالضرب ثلاث سنوات، أي إنك ستأمره خلالها أكثر من خمسة آلاف أمر بالصلاة قبل أن يأذن لك الإسلام بضربه، ولو أخلص كل أب في أمر أبنائه بالصلاة خلال هذه الثلاث سنوات، وطبق هذه القاعدة في بقية أساليب التربية، ما احتاج إلى ضرب أبنائه أو إيذائهم، ثم إذا اضطر إلى ضربه، ضربه ضربًا خفيفًا، لا يكسر عظمًا ولا يسيل دمًا، ولا يترك آثارًا نفسيه أو جسدية.
ولابد أن يكون بلا قسوة، نابعاً من قلب رحيم لا يحمل حقدًا على الابن، ولا ضغينة ولا استخفافا بحرمته كإنسان، وألا يكون في الوجه أبداً لأن الوجه هو خلقة الله التي كرمها.
ثانياً: لا بد أن نجعل الطفل يفهم ذنبه، ويشعر بعدالته ونزاهة معاقبته، وبوجاهة الأسباب التي من أجلها عوقب، وأن عقابه ليس قضية شخصية، بل بسبب خطئه ومخالفته للنظام، وبضرورة ألا تكون العقوبة من النوع الذي يجرح الكرامة أو يحقر النفس، وبضرورة جعل العقوبة مناسبة لنوع الإساءة أو المخالفة التي حدثت.
ثالثًا: يا شقي يا غبي يا كسول يا ملعون، هذه ألفاظ ينبغي ألا نستخدمها مع الأبناء لأن مثل هذه الألفاظ تحطم المعنويات وتدمر النفسيات وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سباب المسلم فسوق ولعنه كفر"، وخطورة هذه الألفاظ أنها تبقى في نفسيته يتذكرها ويكررها ويستعيدها، حتى تصبح حقائق راسخة في نفسه، فيصدق في النهاية أنه غبي وكسول وغير نافع ويتصرف على هذا الأساس، ولو كان من أذكى الناس.
رابعاً: لا تعامله على أنه نظير لك، عنده علمك ومشاعرك وتجاربك، إنه طفل صغير له عالمه وشخصيته فدعه يعيش سنه، وعليك مراقبته ومتابعته، واعلم أن 80% من شخصية الطفل تتكون في الـ7 سنوات الأولى من عمره وباقي خصاله وصفاته الشخصية 20% فقط تأتي بعد ذلك من البيئة والسلوك، لذلك دعه يعيش عالمه، بل وعش معه هذا العالم إن كان لك في رسولك محمد قدوة وأسوة. فعن عبدالله بن بريدة رحمه الله أن أباه -رضي الله عنه- حدثه قال رأيت رسول الله يخطب فأقبل حسن وحسين -رضي الله عنه-ما عليهما قميصان أحمران يعثران ويقومان فنزل النبي فأخذهما فوضعهما في حجره فقال صدق الله ورسوله (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) [التغابن: 15]، رأيت هذين فلم أصبر ثم أخذ في خطبته (السلسلة الصحيحة 3325).
فإذا كان ذلك في الصلاة فكيف بقية نواحي الحياة الأخرى؟!
خامساً: أخوك أفضل منك، أكثر ذكاء منك، هذا التفضيل يدمر العلاقة بينهم ويرسخ لدى الطفل شعورًا بالنقص، ويخالف وصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- القائل: "اعدلوا بين أبنائكم".
سادساً: على الأب أو المربي أن يعلم أن الغلظة والعنف ليست مقياس الرجولة فالنبي -صلى الله عليه وسلم- كان في أعلى مراتب الرجولة، ومع ذلك كان رحيمًا ذرفت عيناه لما رأى ابنه مريضًا فلما سُئل عن ذلك قال: "هذه رحمة ومن لا يَرحم لا يُرحم".
وعند إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أهل الجنة قال: "أهل الجنة ثلاثة، وذكر منها رجل موفق رحيم القلب لكل ذي قربى".
سابعاً: كان رسول الله يعلم الإنسان كيف يعامل طفله، وكيف يكون ودودًا مع أطفاله ليزرع الثقة في نفوسهم، ويزرع الحب والحنان والعطف في قلوبهم ليسهل على الأبناء تقبل توجيهات آبائهم وتعليماتهم لما يلقون من بذور المحبة ومن المعاملة الحسنة.
إذاً: بالحب والرفق نستطيع أن نربي أطفالنا، ونستطيع أن نغيرهم إلى الأفضل بالحب والرفق، سيتقبلون منا كل شيء، ووقتها لن نحتاج إلى الضرب ولا العنف لكي نصل إلى ما نريد منهم، عن عبدالله بن معمر -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم ولا منعوه إلا ضرهم" (السلسلة الصحيحة: 942).
ثامناً: لمن ابتلي بالمخدرات والمسكرات، نقول له: اتق الله وارحم نفسك وارحم أطفالك وارحم أسرتك، وأنقذ نفسك لأنك بهذه الحالة لن تكون أبًا صالحًا أو ناجحًا، ولن تخرج أبناء صالحين أو ناجحين، فتب إلى الله والجأ إليه، واتجه للعلاج إن احتجت لأنك إذا ظللت على هذه الحالة فستعتدي على أطفالك وأسرتك شئت أم أبيت، وستعرض نفسك لغضب الله ومقته، عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الخمر أم الخبائث، من شربها لم يقبل الله منه صلاة أربعين يومًا، فإن مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية" (الصحيحة: 1854).
تاسعاً: لا تدعوا على أولادكم، فعن جابر بن عبدالله قال، قال رسول -صلى الله عليه وسلم-: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم؛ لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة يسأل فيها عطاء فيستجاب لكم" (رواه مسلم).
إذاً لا تدعوا عليهم، بل ادعوا لهم حتى ولو أغضبوكم، أتريدون أن تكونون سببا في طرد الأبناء من رحمة الله بسبب دعائكم عليهم.
إذاً أكثروا من الدعاء لهم فهذا من أهم وسائل التربية، ومن أهم أسباب صلاح الأبناء وفوق ذلك اعلموا أن استقامتكم وصلاحكم سبب أساس أيضًا في استقامتهم وصلاحهم في الدنيا والآخرة، (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) [النساء: 9]، فهل يفهم المسلمون ذلك؟ نرجو ذلك ونتمناه..
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.