الواحد
كلمة (الواحد) في اللغة لها معنيان، أحدهما: أول العدد، والثاني:...
العربية
المؤلف | صالح بن فوزان الفوزان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الصلاة |
الصلاةُ عبادة عظيمة تشتملُ على أقوالٍ وأفعال، تتكون منها صفتها الكاملة، وهذه الأفعالُ والأقوال تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أركانٍ وواجباتٍ وسُننٍ. فالأركانُ، إذا تَرَكَ المُصَلِّي منها شيئاً سهواً أو عمداً، بَطَلَتِ الصلاة بتركه. والواجبات، إذا ترك منها شيئاً عمداً بطلت الصلاةُ بتركه، وإن تركَه سهواً...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، أمرَ بإقام الصلاة، فقال: (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة:45].
وأشهَدُ أنْ لا إلهَ إلا الله وحده لا شريك له، الملكُ الحق المبين، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسوله، أخبرَ أنَّ الصلاةَ عمود الدين، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.
أَمَّا بعدُ:
أيُّها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وتعلَّموا أحكامَ صلاتِكم، حتى تؤدُّوها على الوجه المشروع، وتجنَّبوا المُبْتَدعَ فيها والممنوعَ، لتكونَ صحيحةً مقبولة.
فالصلاةُ عبادة عظيمة تشتملُ على أقوالٍ وأفعال، تتكون منها صفتها الكاملة، وهذه الأفعالُ والأقوال تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أركانٍ وواجباتٍ وسُننٍ.
فالأركانُ، إذا تَرَكَ المُصَلِّي منها شيئاً سهواً أو عمداً، بَطَلَتِ الصلاة بتركه.
والواجبات، إذا ترك منها شيئاً عمداً بطلت الصلاةُ بتركه، وإن تركَه سهواً لم تبطُلِ الصلاةُ، ويجبرُهُ بسجودِ السهو.
والسننُ، لا تبطُلُ الصلاةُ بتركها عمداً ولا سهواً، لكنها تنقص هيئتها الكاملة، والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- صلَّى صلاةً كاملة بجميعِ أركانها وواجباتها وسُنَنِها، وقال: "صَلُّوا كما رأيتموني أُصَلِّي".
وروى لنا أصحابه الذين صلَّوْا خلفَه صفة صلاته في الأحاديث الواردة عنهم، حتى كأنَّنا نشاهدُها -فرضيَ الله عنهم وجزاهم عن الإِسلام والمسلمين خيراً-.
وأركانُ الصلاة أربعةَ عشر:
الركنً الأول: القيامُ في صلاة الفريضة، فلا تَصِحُّ صلاةُ الفريضةِ من جالسٍ، وهو يقدِرُ على القيام بالإِجماع، لقوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة:238].
وقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "صَلِّ قائماً، فإن لم تستطعْ فقاعداً".
فدلَّت الآيةُ والحديث على وجوبِ القيام في الصلاة المفروضة مع القُدرةِ عليه، وهو الانتصابُ قائماً، فلو خَفَضَ رأسه حتى صار كهيئةِ الراكع لم تصحَّ صلاتُه.
أما إذا خَفَضَ رأسَهَ على هيئة الإِطراق لم تبطُلْ، لكنه لا ينبغي، وقَدْ رأى عمر -رضي الله عنه- رجلاً قد طأطأ رأسَه في الصلاة، فقال: "يا هذا ارفعْ رأسك، فإنَّ الخشوعَ في القلوب، وليس الخشوعُ في الرقاب".
الركن الثاني: تكبيرةُ الإِحرام، بأن يقول وهو قائمٌ منتصب مستقبلَ القبلة: الله أكبر.
ومعناه: الله أكبر وأعظمُ من كلِّ كبيرٍ وعظيم، ومنزَّهٌ عن كلِّ نقص وعيب.
وحكمةُ افتتاحِ الصلاة بالتكبير، ليستحضرَ عظمةَ الله، وهو قائمٌ بين يديه، فيخشع له، ويستحيي منه، فلا يشتغلُ قلبُه بغيره.
وسُمِّيت تكبيرةَ الإِحرام؛ لأنَّها تُحَرِّمُ ما كان مباحاً قبلَها من الكلام، والأكلِ، وغير ذلك، فالمصلِّي إذا كبَّرَ ودَخَلَ في الصلاة كان ممنوعاً من الأقوال والأفعال المخالفة للصلاة، ويرفَعُ يديه عند تكبيرة الإِحرام، لقولِ ابن عمر: "كانَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قامَ إلى الصلاة رفعَ يديه، حتى يكونا حَذْوَ منكبيه، ثم يكبر" [متفق عليه].
الركن الثالث: قراءةُ الفاتحة في كل ركعة؛ لحديث: "لا صلاةَ لِمَنْ لَمْ يقرأْ بفاتحةِ الكتاب".
فيجب على الإِمام والمنفردِ قراءتُها، والأحوطُ أنَّ المأموم يقرؤها في الصلاة السرية، وفي سكتات الإِمام من الصلاة الجهرية.
الركن الرابع: الركوعُ في كل ركعة، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا) [الحج:77].
ولفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقوله: "صَلُّوا كما رأيتُموني أُصَلِّي".
والركوع في اللغة: الانحناء.
والركوعُ المشروع أن ينحنيَ حتى تبلُغَ كفَّاه ركبتيه، ويمد ظهره مستوياً، ويجعل رأسَه محاذياً ظهره لا يرفعُه ولا يخفضه؛ لأنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- إذا رَكَعَ سوَّى ظهرَه، حتى لو صُبَّ عليه الماء لاستقرَّ [رواه ابن ماجة].
وفي الصحيحين: "إذا رَكَعَ لم يرفع رأسه ولم يصوِّبْهُ، ولكن بينَ ذلك".
وبعضُ الناس يُخِلُّ بهذا، فتراه رافعاً رأسه في الركوع أو مدلّياً له إلى أسفلُ.
الركن الخامسُ من أركان الصلاة: الرفع من الركوع والاعتدالُ واقفاً كحاله قبل الركوع، لقولِه صلى الله عليه وسلم: "ثم ارفع حتى تعتدلَ قائماً".
ولأنه صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذلك، وداومَ عليه، وقال: "صَلُّوا كما رأيتموني أُصَلِّي".
الركن السادس: السجود، وهو وضعُ الأعضاء السبعة على الأرض: الجبهة مع الأنف، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين، فلا بُدَّ أن يباشرَ كلُّ واحد من هذه الأعضاء موضعَ السجود، سواءٌ كان على الأرض مباشرة أو على فراش أو مصلّى، ولا يمد جسمهَ حتى يكونَ كهيئة المنبطح على الأرض كما يفعلُ بعضُ المتكلفين اليوم، فإنَّ بعضَهم يُقَدِّمُ رأسه جداً، ويؤخِّرُ رجليه جدّاً حتى ربَّما يضايقُ الصفَّ الذي أمامه والصفَّ الذي خلفَه، وهذا من الغُلُوِّ المذموم التي نَهَى عنه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-.
عباد الله: إنَّ السجود أعظمُ أركان الصلاة؛ لأنَّ العبدَ يخضَعُ لربه، ويضعُ أشرف أعضائه، وهو الجبهةُ والأنف في مواطئ الأقدام، ولذلك كانَ الساجدُ أقربَ إلى ربه، حيثُ خَضَعَ له غايةَ الخضوع، وهو أحرى لِقَبُولِ الدعاء، فاهتَمُّوا بشأنِه.
الركن السابع والثامن: الرفعُ من السجود والجلوسُ بين السجدتين، لقول عائشةَ -رضي الله عنها-: "كانَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- إذا رَفَعَ رأسه من السجود لم يسجُدْ حتى يستويَ قاعداً" [رواه مسلم].
والركن التاسع: الطمأنينةُ في جميع أفعال الصلاة، وهي السكون بقدر ما يأتي بالذكر الواجب، ويستقرّ كل عضو مكانه، فمَنْ تَرَكَ الطمأنينةَ، فقد أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يُصَلِّ، ويسمَّى بالمسيء في صلاته، وقد أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بإعادة الصلاةِ، وقال له: "صَلِّ، فإنَّك لم تُصَلِّ".
ورأى حذيفةُ رجلاً لا يُتمُّ ركوعَه ولا سجوده، فقال: "ما صلِّيْتَ، ولو مِتَّ مِتَّ على غيرِ الفطرة التي فَطَرَ الله عليها محمداً -صلى الله عليه وسلم".
وقد أخبرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أنَّ نقرَ الصلاةِ من صفات المنافقين.
فليتنبَّه المسلمُ لذلك، وليحذر أن يصليَ صورةً وهو لا يصلِّي حقيقة.
الركن العاشر والحادي عشر: التشهدُ الأخير وجلستُهُ، لقولِه صلى الله عليه وسلم: "إذا قَعَدَ أحدكم في صلاته -أي: جلس للتشهد-، فليقُل: التحياتُ لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيُّها النبي ورحمة الله وبركاته، السلامُ علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهَدُ أَنْ لا إلهَ إلا الله، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله"[متفق عليه].
الركن الثاني عشر: الصلاةُ على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير -بأن يقولَ: "اللهم صَلِّ على محمد وعلى آله محمدٍ، كما صَلَّيْتَ على آلِ إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آل محمد كما بارَكْتَ على آلِ إبراهيمَ إنَّكَ حميدٌ مجيد".
ولأمرِه صلى الله عليه وسلم بذلك، لما سُئِلَ كيفَ نُصَلِّي عليك؟ فقال: "قولوا: اللهم صَلِّ على محمد"
الركن الثالث عشر: الترتيبُ بينَ هذه الأركان على الصفة التي كان يُصليها النبي -صلى الله عليه وسلم-، لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي".
وقد علَّمها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- للمسيء في صلاته مرتبةً بـــــ"ثم" المقتضية للترتيب.
الركن الرابع عشر: التسليمتان -بأن يقولَ عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله؛ وعن يساره كذلك، وهو ختامُ الصلاة، وعلامة الخروج منها، لقولهِ صلى الله عليه وسلم: "وتحليلُها التسليم".
وفي رواية: "وختامُها التسليم".
وهو دعاءٌ بالسلام يدعو به الإِمام والمأموم والمنفرد لأنفسِهم وللحاضرين من الملائكة.
يَنْوُونَ به الخروجَ من الصلاة، واستباحةَ ما حُرِّمَ عليهم في أثناء الصلاة من الكلامِ، وغيره.
عبادَ الله: مَنْ تَرَكَ ركناً من هذه الأركان، فإنْ كان تكبيرةَ الإِحرام لم تنعقدْ صلاتُه، وإن كان غير تكبيرة الإِحرام وقد تركَه عمداً بَطَلَتَ صلاتُه، وإنْ تركه سهواً فإنْ ذكرَه قبلَ شروعه في قراءة الركعة الأخرى، فإنه يرجعُ ويأتي به وبما بعده، وإن لم يذكره إلا بعدَ الشروع في قراءة الركعة الأخرى لَغَت الركعةَ المتروكَ منها ذلك الركن، وقامت الركعةُ التي تَليها مقامها، ويُكملُ صلاته، ثُمَّ يسجدُ للسَّهْوِ قبل السلام، وإنْ لم يذكر الركن المتروك إلا بعدَ السلام، فإنَّه يكونُ كتركِ ركعة كاملة، فإنْ لم يُطِلِ الفصلَ بعد السلام، فإنَّه يأتي بركعةٍ ويسجد للسهوِ، وإنْ طالَ الفصلُ أو انتقض وضوؤه، فإنه يُعيدُ الصلاةَ كاملةً.
أَيُّها المؤمنون: هذه أركانُ الصلاة، وهي الجوانبُ القويةُ التي يقومُ عليها بنيانها، ولا تَصِحُّ إلا بها معَ القُدرةِ عليها، ومن عَجَزَ عن الإِتيانِ بشيءٍ منها كاملاً، فإنه يأتي منه بما يستطيع، لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16].
ولقولِهِ صلى الله عليه وسلم: "صَلِّ قائماً، فإن لم تستطعْ فقاعداً، فإن لم تستطعْ فعَلَى جَنْبٍ".
ومَنْ عَجَزَ عن الركوعِ، والسجود، فإنه يومئ برأسه يُخفضه في سجودِه أكثرَ من ركوعه، ومَنْ عَجَزَ عن قراءِة الفاتحة، فإنه يحمدُ الله، ويُكَبِّرُه ويهلِّلُه، ثم يركَعُ، لقولِهِ صلى الله عليه وسلم: "إن كان معكَ قرآنٌ فاقرأْ وإلا فاحمَدِ الله وكبِّره وهلِّلْه ثم اركَعْ" [رواه أبو داود والترمذي].
وقد جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "إني لا أستطيعُ أن آخُذَ شيئاً من القرآنِ فعلمني ما يُجْزئني؟ قال: "قل: سبحانَ الله، والحمدُ لله، ولا إلهَ إلا الله، والله أكبر، ولا حولَ ولا قوة إلا بالله" [رواه أحمد وأبو داود والنسائي].
وهذا إنما هو في الذي لا يستطيع أن يتعلَّمَ أو لم يجِدْ مَنْ يعلِّمُه، أما الذي يستطيعُ أن يتعلمَ الفاتحة، فإنه يجبُ عليه أن يتعلَّمها معَ ما تَيَسَّرَ من القرآنِ، وعُلِمَ من ذلك أنَّ الصلاة لا تسقُطُ بحالٍ، وإنَّما يُصلِّي المسلمُ على حسب استطاعته.
فاتقوا الله -عبادَ الله- واهتمُّوا بأداءِ صلاتكم على الوجه المشروع، حتى تُقيموا عمودَ الإِسلام، وثاني أركانه بعد الشهادتين، فإنه لا دينَ لمن لا صلاةَ له، ولا صلاةَ لمن لم يُتِمَّ شروطَها وأركانها وواجباتها حسبَ استطاعته.
وَفَّقَ الله الجميع للعلم النافع، والعمل الصالح، ورَزَقَنا وإياكم الإِخلاصَ والقبول.
أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة:238- 239].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، جَعَلَ الصلاة كتاباً موقوتاً على المؤمنين، وأشهَدُ أَنْ لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له مُخلصينَ له الدين، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله الصادق الناصح الأمين، صَلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَنْ تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّمَ تسليماً كثيراً.
أما بعدُ:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، فإن تقواه سببٌ لنيل العلم النافع، قال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة:282].
وقد سبق أن تحدَّثْنا عن أركانِ الصلاة وأحكامها، والآنَ نُواصلُ الحديث عن واجبات الصلاة وسننها.
فواجباتُ الصلاة ثمانية: وهي: جميعُ التكبيرات غير تكبيرة الإِحرام... وأما تكبيرة الإِحرام، فهي ركنٌ -كما سبق-.
وقول سَمِعَ الله لمن حمده للإِمام والمنفرد، وأما المأمومُ فلا يقولُها.
وقولُ: ربَّنا ولك الحمد بعدَ الاعتدال من الركوع في حقِّ الجميع.
وقولُ: سبحانَ ربي العظيم في الركوع.
وقول: سُبحانَ ربي الأعلى في السجود.
وقولُ: ربي اغفر لي بين السجدتين.
والتشهُّد الأول معَ الجلوس له، وهو قولُ: التحيات لله... إلى: أشهَدُ أَنْ لا إلهَ إلا الله، وأشهَدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسوله.
فمن تركَ واجباً من هذه الواجبات، متعمداً لم تَصِحَّ صلاته، وإنْ تركَه سهواً فإنه يسجُدُ للسَّهْوِ عوضاً عنه، وما عدا الأركان والواجبات المذكورة، فإنه سننُ أقوال وأفعالٍ لا تَبْطُلُ الصلاةُ بتركه عمداً ولا سهواً، ولكن الإِتيان به أكملُ للصلاة وأفضل.
وسننُ الأقوال كثيرةٌ: كالاستفتاح، والتعوُّذ، والبسملة، والتأمين، وقراءة ما تَيَسَّرَ من القرآنِ بعد الفاتحة في صلاةِ الفجر وفي الركعتين الأوليين من الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وما زادَ على المرةِ الواحدة من تسبيحِ الركوع والسجود، وما زادَ على المرة من قول: ربِّ اغفرْ لي بين السجدتين، وأن يقولَ في التشهُّد الأخير قبل التسليم: اللهُمَّ إني أعوذُ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنةِ المسيح الدجال، وما تَيَسَّر مع ذلك من الدعاءِ.
وأمَّا سننُ الأفعال، فهي كثيرةٌ، منها: رفعُ اليدين عند تكبيرة الإِحرام، وعندَ الركوع، وعند الرفعِ من الركوع، ووضعُ اليد اليُمنى على اليدِ اليسرى على صدرِه أو تحتَ سُرَّته حالَ القيامِ، والنظرُ إلى موضع سجوده، ووضعُ اليدين على الركبتين في الركوع، ومدُّ ظهره مستوياً، وجعلُ رأسِه حياله في الركوع، ومجافاةُ بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، وعَضُديه عن جنبيه في السجود، إلى غير ذلك من سنن الأقوال والأفعال التي تبلغ خمساً وأربعين سُنّة أو أكثر.
لكن لا ينبغي التشدُّدُ في فعل السنن حتى تُصْبحَ كأنها فرائضُ، أو التزيد في صورةِ تطبيقها، حتى تخرُجَ عن كيفيتِها الشرعية، كما نشاهِدُ من بعض الناس حيث يجمعُ أحدهم يديه في حال القيام على ثغرة نحره بدلاً من وضعهما على صدره أو تحت سُرَّتِه، ويحني رأسَه إلى قُربِ الركوع، وإذا سَجَدَ مدَّ رجليه إلى خلفٍ، ورأسَه إلى أمام حتى يصبحَ كهيئةِ المنبطح على الأرض.
وإذا وَقَفَ في الصلاة باعدَ بين رجليه يميناً وشِمالاً، حتى إنه لَيَشْغَلُ موضعَ رَجُلَيْنِ، ويُضايقُ مَنْ بجانبه، وبعضُهم يتشدَّدُ في شأنِ السترة، حتى يتركَ القيام في الصف لأداءِ الراتبة، ويذهَبُ إلى مكان آخرَ يبحَثُ فيه عن سترة فيفوتُه المكانُ الذي ربما يكونُ أفضلَ من تحصيل السترة، وهو القربُ من الإِمام في الصف الأول، إلى غير ذلك من أنواع التشدُّدِ في فعل بعض السنن الذي رُبَّما يُخْرِجُها عن كيفيِتها المشروعة، أو يُفَوِّتُ سنناً أفضلَ منها.
والمطلوب الاعتدال والاستقامة من غير إفراط ولا تفريطٍ، وعلى مقتضى الكتاب والسنة.
فإنَّ خيرَ الحديثِ كتاب الله، وخير الهَدْيِ هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها... إلخ.