الرءوف
كلمةُ (الرَّؤُوف) في اللغة صيغةُ مبالغة من (الرأفةِ)، وهي أرَقُّ...
العربية
المؤلف | عبد العزيز بن عبد الله السويدان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - الصلاة |
"الصلاة نور" نور يزيل ظلام الزيغ والباطل، وهي نور بكل ما تعنيه كلمة نور من معنى، فهي تنور وجه صاحبها في الدنيا، وتكسوه جمالا وبهاءً كما هو محسوس، وتنير قلبه بالإيمان، وتنير ظلمة القبر، كما قال أبو الدرداء -رضي الله تعالى عنه-: "صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبر". أما نور الصلاة الأعظم فهو نورها الذي يحظى به المصلي يوم القيامة؛ كما قال ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102],
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
في صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- قال صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله، والحمد لله، تملأن ما بين السماء والأرض والصلاة نور" ونقف عند نور الصلاة.
"الصلاة نور" نور يزيل ظلام الزيغ والباطل، وهي نور بكل ما تعنيه كلمة نور من معنى، فهي تنور وجه صاحبها في الدنيا، وتكسوه جمالا وبهاءً كما هو محسوس، وتنير قلبه بالإيمان، وتنير ظلمة القبر، كما قال أبو الدرداء -رضي الله تعالى عنه-: "صلوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبر".
أما نور الصلاة الأعظم فهو نورها الذي يحظى به المصلي يوم القيامة؛ كما قال ابن رجب: "وهي في الآخرة أي الصلاة نور المؤمنين" نور لهم في ظلمات القيامة، وعلى الصراط، فإن الأنوار تقسم للمارين على الصراط بحسب أعمالهم؛ ففي المستدرك بسند صحيح من ابن مسعود -رضي الله عنه – أنه صلى الله عليه وسلم قال فيما قال: "فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، أي على الصراط فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطى نوره دون ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بين يديه، أو بيمينه، ومنهم من يعطى دون ذلك، حتى يكون آخر ذلك من يعطى نوره على إبهام قدمه يضيء مرة، ويطفئ مرة، فإذا أضاء قدم قدمه وإذا طفأ قام فيمرون على الصراط.. "[الحديث].
وفي المسند وصحيح ابن حبان عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه ذكر الصلاة، فقال: "من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة" نورا "ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وأبي بن خلف".
وقد صح من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال: "الصلاة نور المؤمن" فهي أنوار الصلاة تشع في حياته وبعد مماته، ولذلك عمم صلى الله عليه وآله وسلم نورها؛ كما في حديث أبي مالك الأشعري الآنف الذكر، وقال: "والصلاة نور".
وهي أيضا نور للوجه وضاءة وإشراق للوجه، يقول تبارك وتعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ)[الفتح: 29].
قال بعض المفسرين في قوله: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ) "قد أثرت العبادة من كثرتها وحسنها في وجوههم، حتى استنارت، ولما استنارت بالصلاة بواطنهم، استنارت بالجلال ظواهرهم".
وقال آخرون: "الصلاة تحسن وجوههم".
وهذا النور -يا إخوة- لا يراه جميع الناس، بل يراه الذي يعرف الفريقين، ويعرف كيف يميز بينهما، بين مقيم الصلاة وتاركها، ولذلك يقال: "من رزق فراسة رأى هذا النور على وجه المصلي، ورأى السواد على وجه تارك الصلاة -والعياذ بالله-".
أما نور الصلاة حول المؤمن؛ ففي السنن قال النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة".
النور حول المؤمن، قوله: "المشائين" جمع مشاء، من فعال، بصيغة المبالغة، يعني المحافظين على ذلك المستمرين عليه.
وقوله: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" من باب الجزاء من جنس العمل.
فكما عانيت هذه الظلمة للخروج إلى المسجد تعظيما لصلاة الجماعة، يكافئك الله -سبحانه- في يوم يكون فيه الإنسان لأقل وميض من نور، يكافئك الله حينها ليس بنور فحسب، بل بالنور التام يوم القيامة.
وقد قال الطيبي في وصف ذلك النور بالتام: "وتقيده بيوم القيامة تلميح إلى وجه المؤمنين يوم القيامة في قوله تعالى: (نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا)[التحريم: 8]. حتى نصل الجنة.
وفي صحيح الترغيب من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله ليضيء إلى الذين يتخللون إلى المساجد في الظلم بنور ساطع يوم القيامة".
هكذا هي الصلاة نور على نور، نور للوجه، ونور حول المؤمن، ونور لقلبه، ولذلك كان النور في دعائه صلى الله عليه وسلم إذا توجه للصلاة في المسجد؛ كما صح في صحيح مسلم من حديث ابن عباس قال: "فأذن المؤذن فخرج إلى الصلاة، أي النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "اللهم أجعل في قلبي نورا، وفي لساني نورا، وفي سمعي نورا، وفي بصري نورا، ومن من خلفي نورا، ومن أمامي نورا، واجعل من فوقي نورا، ومن تحتي نورا، اللهم أعطني نورا".
احفظوا هذا الدعاء، وأنتم قادمون إلى المسجد.
بل إن نور الصلاة علامة يتميز بها المسلم بين ملايين الناس يوم القيامة، أعلمتم المصلي واضحا شأنه وشكله يوم القيامة بين ملايين البشر؟! فعن عبد الله بن بسر المازني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَا مِنْ أُمَّتِي مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَأَنَا أَعْرِفُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" قَالُوا: وَكَيْفَ تَعْرِفُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَثْرَةِ الْخَلَائِقِ؟ قَالَ: "أَرَأَيْتَ لَوْ دَخَلْتَ صَبْرَةً -أي حظيرة تتخذ للدواب- فِيهَا خَيْلٌ دُهْمٌ بُهْمٌ -أي سود- وَفِيهَا فَرَسٌ أَغَرُّ -بياض في الرأس- مُحَجَّلٌ، أَمَا كُنْتَ تَعْرِفُهُ مِنْهَا؟" قَالَ: "بَلَى" قَالَ: "فَإِنَّ أُمَّتِي يَوْمَئِذٍ غُرٌّ مِنَ السُّجُودِ، مُحَجَّلُونَ مِنَ الْوُضُوءِ".
يشع النور من أيديهم ومرافقهم، وعلى وجوههم، فيعرفهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين ملايين البشر، أي فخر وأي عز بعد هذا!؟ نسأل الله من فضله.
مساكين الذين لا يعرفون قدر الصلاة، مساكين أولئك الذين يهملونها، فيصلون أحيانا ويتركون أحيانا، مساكين أولئك الذين لا يعظمون الصلاة، فينامون عنها فجرا كانت أو عصرا، مساكين كم سيفقدون من الأجر والرفعة والمكانة في الدنيا والآخرة، وكم سيفقدون من نور، ولقد قال تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)[الماعون: 4-5].
ويل للمستهترين لوقت الصلاة، والمضيعين لها، المفرطين فيها، وأكثر من هؤلاء خسارة أولئك الذين لا يصلون مطلقا -نسأل الله العافية والسلامة-.
ونحن نمر بالقرآن على سورة المدثر، فنرى أول أسباب سلوك سقر لطائفة من أهلها -نسأل الله أن يعيذنا منها-: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)[المدثر: 42-43].
مباشرة أول إجابة، والأحاديث الصحيحة التي تحذر من ترك الصلاة كثيرة.
معاشر المسلمين: إن ترك الصلاة مصيبة وبلاء؛ ففي صحيح الموارد من حديث نوفل بن معاوية قال صلى الله عليه وسلم: "من فاتته الصلاة فكأنما وتر أهله وماله" أي أصيب في أهله وماله فأخذ أهله ومال، فصار وتر، أي فردا لا مال له ولا أهل.
فوات الصلاة عظيم -يا إخوة- فليحذر الإنسان من فوات الصلاة، حتى يخرج وقتها، كحذره من ذهاب أهله وماله، وفي لفظ صحيح في مصنف عبدا لرزاق: "لئن يوتر أحدكم أهله وماله خيرا من أن يفوته وقت الصلاة".
يعني لو أن رجلا رجع إلى بيته فوجد البيت قد سقط وانهار على ماله وأهله، ففقد الأهل والمال كيف ستكون مصيبته؟
إن الذي فاتته صلاة واحدة حتى يخرج وقتها مصيبته أشد من مصيبة هذا الإنسان المكروب، هذه هي قيمة صلاة واحدة تعادل قيمة الأهل والمال جميعا.
معاشر الإخوة: قد يطرح سؤال يقال لقد توعد الله -عز وجل- من أعرض عن ذكره، فقال سبحانه: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا)[طه: 124-125].
فعلى هذا الوعد من الله بتنغيص عيشه للمعرض عنه، وتكدير قلبه، وفساد أحواله في الدنيا قبل عذاب الآخرة، قد يقول قائل: ها نحن نرى تارك الصلاة غاديا رائحا ضاحكا لا يحس بعظم وزره، وشناعة فعله، ولا يشعر بعقوبة الله -تعالى- إياه، ولا يشعر بهذه المصيبة، فما سبب ذلك؟
والجواب: أن العقوبة هنا هو عدم الاحساس بالعقوبة: (أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا)[فاطر: 8].
وكما قيل:
مَن يَهُن يَسْهُل الهوان عليه | ما لِجُرْح بِمَيّتٍ إيـلامُ |
مصيبة أن يفقد الإنسان الإحساس، مصيبة أن يكون في غفلة، وهو لا يدري أنه في غفلة، أن يعيش العقوبة، وهو لا يدري ولا يحس بها.
الإحساس -يا إخوة- نعمة من نعم الله -سبحانه وتعالى- علينا، الأحاسيس كلها نعمة من نعم الله: (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ) [الملك: 23].
وإذا عطلت هذه النعمة العظيمة كان ذلك التعطيل من أخطر أنواع العقوبة، كما قال تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) [الأنعام: 46].
الإحساس يحميك من الخطأ والعطب، لو أمسكت بالخطأ شيئا حارا جدا، فأجهزة الإحساس التي أودعها الله فيك تضطرب وتجعلك بحركة تلقائية قصرية تبتعد وتبعد يدك عن هذا الشيء الحار الساخن.
تأمل لو عطلت تلك الأجهزة كيف سيكون حالك؟ ستحترق يدك وأنت لا تشعر، والذنوب أخطر على الإنسان بكثير من حرق يد أو جرح قدم.
الغافل عن ذكر الله -تعالى- تتراكم وتتكاثر عليه الذنوب حتى تهلكه، وهو لا يشعر فالذي لا يصلي وهو يضحك، فإنه يعيش عقوبة مخيفة، ولكنه لا يحس بها.
فاحمد الله أن لم تكن مثله، وادع له بالهداية، فإنه في عالم آخر غير عالمك: "عالم الغفلة" نسأل الله السلامة والعافية.
وقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بمؤشر من مؤشرات الإيمان، فقال: "من سرته حسنته وساءته سيئته فهو المؤمن -أو- فذلك المؤمن".
ساءته سيئته الذي لا تسوؤه سيئته بعيد عن الإيمان؛ لأنه قال: "فذلك المؤمن" يعني كامل الإيمان.
أيها الإخوة: العقوبات أنواع وهي واضحة في كتابه تعالى وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، الله -تعالى- يحب من عباده الطاعة، ولا يرضى منهم المعصية، ولكنه بحكمته أنعم على الإنسان بأن جعل له عقل يدرك وإرادة كاملة، ومن خلال ذلك امتحن العباد بشكر نعمه أو كفرها، ورتب على ذلك الامتحان البسيط من الثواب أضعاف أضعاف مؤونة الامتحان، رتب لهم حياة مطمئنة في الدنيا، ورتب لهم في الآخرة، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فما أولانا بالعناية بعبادته وعلى رأس العبادات "الصلاة"؟
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه، واستن بسنته.
أما بعد:
فإن الصلاة سبيل المؤمنين، وشعار المفلحين، وملاذ الآمنين، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة: 277].
ملاذ الآمنين، علامة المؤمنين، لا يتصور أن مؤمنا لا يصلي مطلقا! هذا شيء غير وارد.
يقول الدينوري: كان أبو هريرة -رضي الله عنه- إذا جلس مع أصحابه، يقول لهم: "حدثوني عن رجل دخل الجنة لم يصل قط"!.
هذا لغز محير، لا يتصور عند الصحابة وتابعيهم، كأنه يمتحنهم بهذا اللغز، نجاة غير المصلي ودخوله الجنة، خلاف الأصل، إذ لا أمل له في النجاة، قال: "فسكت الصحابة" لماذا سكتوا؟ لأنه صعب، رجل دخل الجنة، ولم يصل صلاة قط، كيف، لا يتصورون نجاته.
فطمأنهم أبو هريرة -رضي الله عنه- قائلا: "هو عمرو بن ثابت الأشهلي" -رضي الله عنه -، كان له ريبة في الجاهلية، فكره أن يسلم، يأخذه، فجاء يوم أحد، فقال: أين بنو عمتي؟ فقالوا: بأحد، فقال: أين فلان؟ قالوا: بأحد، قال: أين فلان؟ قالوا: بأحد، فلبس لأمته -لباس الحرب -وركب فرسه، ثم توجه قبلهم، فلما رآه المسلمون توقعوا منه شرا؛ لأنه لم يكونوا علموا أنه دخل في الإسلام.
فلما رآه المسلمون، قالوا: إليك عنا يا عمرو، قال: إني آمنت فقاتل حتى جرح، فحمل إلى أهله جريحا، فجاءه سعد بن معاذ، فقال لأخته: سليه حمية لقومك، أو غضبا لهم، أم غضبا لله ورسوله؟ فقال: بل غضبا الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-" فمات فدخل الجنة، وما صلى لله صلاة.
دخوله الجنة دون صلاة؛ لأنه أسلم ومات قبل أن يأتي عليه وقت الصلاة، هذا هو حل اللغز، عجز بعض الصحابة، أو التابعين عن حله، فجاءهم بالحل ابن مسعود -رضي الله عنه-.
عباد الله: الصلاة نور، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور، فادعُ بدعاء إبراهيم -عليه السلام-: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء)[إبراهيم: 40].
أسأل الله أن يثبتنا، وأن يختم لنا بخير أعمالنا...